صناديق الصمت

صناديق الصمت
محمود الجاف
عندما يفقد الشعب بوصلته يصبح الوطن مجرد ساقية تدوسها الأقدام . يعاد عرض المسرحية ذاتها والجماهير تصفق ثم تتذمر بعد الرحيل لأن الخوف، الفقر، والذاكرة الممزقة تصنع طوقًا يكبح السؤال .
تبقى الأمة قطيعًا لا يعي أن الراعي لم يمت بل انتقل شكلًا : تحول إلى من يبيعون اللُحمة باسم الرعاية وتبقى الحكاية حتى يُوقِظ أحدٌ الضمير أو يسكن الصمت الأخير . شعبٌ انكسر حتى نَسِي أنه يرى قاتله أمامه، يُحيّيه، ويعود لينتخبه . الطفل الذي مات جوعًا، الشيخ الذي دُفن حيًا تحت الركام، المرأة التي اغتُصبت ثم صمتت . كلهم يُصوّتون اليوم، بصمتٍ صارخٍ يبارك الذبح .
في بلدان كهذه، لا حاجة للمستعمر . فالشعب هو من يفتح البوابة ويُطفئ النور، ثم يقول للسفاح : تفضل، هذا بيتنا . كلّه لك . أمةٌ انحدرت حتى صار الموت رحمة، والحياة نكتة سمجة تُروى على جثث الأمل . والمضحك المبكي . أنهم سيعيدونها، مرة، ومرتين، وألف مرة . لان من أضاع كرامته، لا يُسمع له نداء .