فلسطين

جميل مزهر: الاحتلال فشل في تحقيق هدفَي التهجير والاقتلاع

جميل مزهر: الاحتلال فشل في تحقيق هدفَي التهجير والاقتلاع

يؤكّد مزهر فشل الاحتلال في تحقيق أهدافه، ويرى في «خطة ترامب» محاولة لتسييل الهزيمة عسكرياً في السياسة، داعياً لوحدة الموقف الفلسطيني ووقف العدوان.

لينا بعلبكي

● خطة ترامب محاولة سياسية لتحقيق ما عجز عنه الاحتلال
● نتعاطى بإيجابية مع أيّ مسعى لوقف العدوان

«نحن أمام حربٍ وحشية غير مسبوقة في التاريخ الحديث، سواء في حجمها أو في طبيعة استهدافها لشعب كامل لا لفصيل بعينه، ومحاولتها محو وجوده المادي والمعنوي»؛ هكذا، يقرأ نائب الأمين العام لـ«الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»، جميل مزهر، المشهد بعد مرور عامين على اندلاع الحرب على قطاع غزة، مبيّناً أن هذه الحرب لم تكن «تقليدية بين جيشَين، إنما مواجهةً بين المنظومة الاستعمارية، التي وقفت داعمة وشريكة لجيش الاحتلال المُدجّج بكل أصناف الأسلحة الأميركية والغربية الصنع، ضد شعبنا الأعزل إلّا من إرادته التي صنعت من أبسط الأدوات أسلحة للدفاع عن وجوده».

مع ذلك، يؤكد مزهر فشل الاحتلال في تحقيق أهداف الحرب التي أعلنها، خصوصاً تلك المتعلقة بالتهجير والاقتلاع، قائلاً إنه «رغم هول الدمار واتساع المأساة، لم يُهزم الشعب الفلسطيني، ولم تُكسر المقاومة، وما زالت بإمكانات محدودة جدّاً تخوض حرب عصابات داخل أزقة غزة، وقد ألحقت خسائر فادحة بقوات الاحتلال». كما يلفت إلى أن الحرب «تحوّلت إلى نقطة تناقض سياسي داخلي لدى الكيان، وخاصة في ظل سعي مجرم الحرب بنيامين نتنياهو إلى إطالة أمد القتال لحفظ تماسك حكومته، وكذلك إدراك معظم قادة الاحتلال أنه لا يوجد أفق لتحقيق الأهداف القصوى التي يرفعها نتنياهو».

ويضيف أن ما لم يكن في حسابات قادة الحرب هو «الأثر العميق الذي خلّفته إبادة المدنيين وهذا الدمار الكبير، في الضمير الإنساني العالمي؛ فقد تجاوزت موجات التضامن الفعاليات التقليدية، وتحوّلت إلى حراك شعبي عالمي واسع غير مسبوق، أعاد القضية الفلسطينية إلى الواجهة العالمية، وأدّت إلى اتجاه متزايد ومتصاعد لعزل الاحتلال دولياً».

وفي خصوص الخطة الأخيرة التي طرحها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لإنهاء الحرب على قطاع غزة، يرى فيها مزهر محاولة لتحويل ما فشل الاحتلال في تحقيقه عسكرياً إلى إنجازات سياسية ودبلوماسية، منبّهاً إلى «أنها لا تخصّ فقط الحرب على غزة، بل تُعيد إدراج حلّ غزة كجزء من مخططات أوسع للهيمنة الأميركية في المنطقة، ضمن ما يُعرف بمشروع الاتفاقات الإبراهيمية؛ إذ تحاول واشنطن من خلال هذه الخطة دمج «إسرائيل» في شبكة علاقات إقليمية جديدة، تعزّز حضورها السياسي وهيمنتها الأمنية والعسكرية، وتفتح المجال أمام دول إضافية للانخراط لاحقاً، بما في ذلك محاولات لإدراج السعودية أو دول أخرى ضمن هذا المشروع».

ويشير إلى أن ترامب «تنصّل من المقترح الذي تمّ إقراره في الاجتماع مع المجموعة العربية والإسلامية، قبل أن يجري إدخال تعديلات مهمة وخطيرة من قبل نتنياهو وإقرارها دون أي تشاور مع المجموعة العربية والإسلامية»، مضيفاً أن المقترح الأميركي «يحتوي على فِخاخ متعددة، وفي العديد منها يُعتبر بمثابة صك استسلام، كما أنه لا يؤدّي فعلياً إلى التزام الاحتلال بوقف الحرب أو الانسحاب أو رفع الحصار، ويظل غامضاً من حيث بنوده»، و«يمنح الاحتلال دوراً جوهرياً في تحديد توقيت ومراحل الانسحاب، ما يُحوّل المقترح وآليات تنفيذه إلى رهينة لمزاج المحتل وشريكه الأميركي».

كذلك، يرى مزهر أن تعديل بنود المُقترح تحت ضغوط نتنياهو يؤشّر إلى سعي الاحتلال لفرض فصل بين غزة والضفة، مذكّراً بأن «هذا هدف «إسرائيلي» مُدرج على الأجندة منذ ما قبل السابع من أكتوبر»، ومعتبراً أن شطب البند المتعلق بعدم ضمّ الضفة، الذي تم الاتفاق عليه مع المجموعة العربية والإسلامية «يؤكّد أن الاحتلال يسعى لحسم الصراع في الضفة بالتزامن مع حرب الإبادة في غزة وأنه لا يريد أي بند مُلزِم له». غير أن ما لم تدركه واشنطن بعد، هو أن «روح المقاومة التي فجّرتها غزة لم تعد قابلة للإخماد، وأنّ كل محاولة لفرض الاستسلام إنما تزرع بذور مقاومة أعمق وأوسع مدى»، بحسب مزهر.

الحل يكمن في «إدارة وطنية مؤقّتة بتوافق داخلي، تضمن كرامة غزة»

وعلى الرغم من عيوب المقترح الأميركي، جاء التعاطي «إيجابياً» مع بعض القضايا الواردة فيه، كـ«جزء من عمل سياسي لوقف حرب الإبادة، ولتفويت الفرصة على أميركا والاحتلال لاستخدام الاتهامات ضد الطرف الفلسطيني بالتهرّب من الاتفاق»، وفقاً للقيادي، الذي يشدّد على أنه «يجب استثمار جميع أدوات الضغط العربية والإسلامية والدولية على أميركا والاحتلال لضمان تنفيذ الاتفاق في جميع مراحله بما يؤدي إلى وقف العدوان بشكل كامل وانسحاب الاحتلال».

وفي هذا السياق، يثمّن مزهر موقف حركة «حماس» من المقترح الأميركي بوصفه «موقفاً مسؤولاً وحكيماً»، مؤكداً أن «الجبهة الشعبية» أرسلت «ملاحظاتها بكل صراحة ومسؤولية، وقد استجابت قيادة حماس لهذه الملاحظات باهتمام بالغ»، علماً أن موقف الحركة «تقاطع» مع موقف «الجبهة» في «العديد من النقاط الأساسية». ويشدّد مزهر على أهمية أن يتحوّل هذا التنسيق إلى «تنسيق وطني شامل لجميع الفصائل والأطر الوطنية، بما يفضي إلى قرار فلسطيني موحّد ومستقل في القضايا الوطنية والسياسية الكبرى، بعيداً عن أي ابتزاز أو تدخّل خارجي».

وفيما يؤكد رفض «الجبهة» أي وصاية دولية تقود إلى «ربط الإعمار بمزاج الاحتلال أو القوى الخارجية»، و«تؤدي إلى مزيد من الابتزاز وتعطيل هذين الملفين»، فهو يعتقد أن الحل يكمن في «إدارة وطنية مؤقّتة بتوافق داخلي، تضمن كرامة غزة وتمنع فصلها عن الكيانية الفلسطينية، وتضع الإعمار وتحسين الأوضاع الإنسانية في مكانه الصحيح كحق لا يخضع للابتزاز أو الشروط الخارجية».

وهنا، يذكّر مزهر بـ«أننا لا نطلب أو نسعى لحصص فصائلية، بل قبلنا مُسبقاً بابتعاد الفصائل عن هذا الملف، وتعاملنا بمرونة كاملة لتسهيل الوصول إلى حل فيه»، مشيراً إلى أنه «في إطار الرعاية المصرية، توصّلنا إلى جهود لتشكيل لجنة إدارية مؤقّتة لقطاع غزة تتولى إدارة شؤون القطاع بشكل مستقلّ، تضم شخصيات تكنوقراط ومستقلّة وغير تابعة لأي فصيل سياسي، وتتم إدارتها بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية، إلى حين الوصول إلى توافق وطني شامل لترتيب البيت الفلسطيني، بما يشمل تشكيل حكومة وطنية موحّدة للضفة وغزة»، مستدركاً بأن «أي محاولة لتقييد هذا الحق أو استغلاله ستكون مرفوضة بشكل كامل وستقابل بكل الوسائل الممكنة لضمان سيادة الشعب الفلسطيني والإرادة الفلسطينية».

وحول طبيعة التعاون بين الفصائل، يؤكّد مزهر وجود «تنسيق مستمر بين جميع الفصائل، سواء على المستوى الميداني داخل قطاع غزة أو في مناطق أخرى، وهو يشمل جميع مستويات التخطيط والاتصالات، من تبادل المعلومات الاستخباراتية إلى تنسيق العمليات الميدانية، بما يضمن مرونة الاستجابة لأي تطورات على الأرض». لكنه يوضح أن هذا التنسيق «لم يصل إلى الدرجة المتكاملة التي نصبو إليها جميعاً، وإن كانت الإرادة متوفّرة لذلك». أمّا «غرفة العمليات المشتركة»، فقد باتت، بسبب تعقيدات المشهد الميداني وحجم الاستهداف الكبير الذي يطاول المدنيين والمقاتلين على حد سواء، «غير عملية وغير ظاهرة»، وذلك لصالح «تنسيق عملياتي ميداني بين كلّ الأذرع العسكرية، بما في ذلك كتائب الشهيد أبو علي مصطفى».

وفي ما يتعلّق بمستقبل القطاع، ينبّه إلى أن المرحلة المقبلة، على انفتاحها على احتمالاتٍ شتى، لا تخلو من «خطر الاستنزاف الطويل، وما يحمله من انعكاساتٍ سياسية واستراتيجية عميقة على كل الأطراف». ومن هنا، تعي «الجبهة» «طبيعة هذا المنعطف التاريخي»، وتؤكّد «أننا سعينا وما زلنا وسنواصل السعي من أجل ألّا تُدفع قضيتنا إلى حافة الإنهاك، بل إلى أفق التحرّر. وهدفنا أن تُختتم هذه المواجهة بوقف شامل للعدوان، وانسحاب كامل من الأرض الفلسطينية، وكسر نهائي للحصار».

ويقدّم مزهر قراءةً نقدية للموقف العربي الرسمي، واصفاً إيّاه بأنه «هامشي» و«دون المستوى المطلوب» حتى الآن؛ إذ «لم يُحقّق بعد أيّ اختراقٍ حقيقي على صعيد حماية حقوق الشعب الفلسطيني أو وقف جرائم الاحتلال على حدوده وفي عمق المنطقة»، على الرغم من أنه «يمكن اعتبار الخطوات الأخيرة التي قامت بها «المجموعة العربية والإسلامية» للضغط على الإدارة الأميركية خطوةً مهمةً في سبيل تحقيق اختراقٍ سياسيٍّ يمكن البناء عليه مستقبلاً، أو استثماره في أي تطورات تخص الأوضاع في غزة وفلسطين».

وعن إمكانية خلق توازن مضاد في مواجهة المشروع الأميركي – الصهيوني، يقول مزهر إن «ذلك ممكن عبر تضامن شعوب منطقتنا وإدراكها لمصيرها المشترك وما تواجهه من تهديدات»، معتبراً أنه «يمكن لهذا التوازن أن يقوم أولاً على إزالة أي أحقاد أو عداوات مصطنعة بين الدول العربية وإيران، وتعزيز كل أشكال الترابط التاريخي والوجداني والديني والقواسم المشتركة، كمقدّمة للوصول إلى تحالفات سياسية وأمنية ودفاع مشترك، وتوسيع دائرة الاشتباك السياسي والميداني مع المشروع الأميركي في المنطقة، بما يضمن تكامل أدوار القوى الرافضة للهيمنة الصهيونية والأميركية والغربية».

نائب الأمين العام لـ«الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»

الاخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب