رئيسيالافتتاحيه

من يوقّع عن الفلسطينيين في شرم الشيخ؟

من يوقّع عن الفلسطينيين في شرم الشيخ؟

رؤية استراتيجية وتحليل سياسي

بقلم: رئيس التحرير 

مع اقتراب موعد التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار في شرم الشيخ بحضور الرئيس الأمريكي دونالد ترمب وعدد من الأطراف الإقليمية والدولية، يتقدّم إلى الواجهة سؤال جوهري يمسّ العمق السياسي والوطني للقضية الفلسطينية: من سيوقّع عن الطرف الفلسطيني؟

هذا السؤال ليس إجراءً بروتوكوليًا، بل هو سؤال في صميم الشرعية والتمثيل الوطني، ويشكّل اختبارًا حقيقيًا لمستقبل القضية الفلسطينية وموقعها في النظامين العربي والدولي. فالاتفاق – بصرف النظر عن مضامينه – يُعاد من خلاله رسم خرائط النفوذ، وتحديد مَن يتحدث باسم الفلسطينيين، ومَن يملك حق القرار في قضايا الحرب والسلام.

أولاً: أزمة التمثيل الفلسطيني بين الشرعية والانقسام

منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني بموجب الاعتراف العربي والدولي وقرارات الأمم المتحدة، وأي محاولة لتجاوزها أو القفز عنها تمثّل إلغاءً للتاريخ الوطني الفلسطيني الذي تأسست عليه الثورة الفلسطينية المعاصرة منذ عام 1965، دفاعًا عن الهوية والاستقلالية في مواجهة محاولات التبعية والوصاية.

لكن استمرار الانقسام الداخلي بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وازدواجية الخطاب السياسي بين السلطة وحركة حماس، أوجد بيئة ملتبسة استغلّها الاحتلال وبعض القوى الدولية لتهميش منظمة التحرير وإضعاف موقعها التمثيلي. وفي ظلّ هذا التنازع، برز خطرٌ استراتيجي يتمثل في تعدد المنابر الفلسطينية وظهور أطراف تتحدث بلسان الفلسطينيين دون تفويض أو إجماع وطني.

ثانيًا: مخاطر تجاوز منظمة التحرير

أيّ توقيع باسم الفلسطينيين من طرف خارج إطار منظمة التحرير يعني العودة إلى نقطة الصفر، إلى ما قبل الاعتراف العربي والدولي بالمنظمة، ويعيد فتح ملف “من يمثل الفلسطينيين” من جديد. هذا الانزلاق ستكون له تداعيات كارثية على التمثيل السياسي والقانوني في الأمم المتحدة، وعلى مجمل العلاقات الدبلوماسية التي بُنيت خلال العقود الماضية.

فالاعتراف بالمنظمة كممثل شرعي وحيد ليس رمزيًا فحسب، بل هو مرتكز قانوني وسياسي استندت إليه اتفاقيات عديدة مثل مدريد وأوسلو، وهو ما يُكسبها صفة الطرف المتعاقد في أي اتفاق دولي. تجاوز هذه الشرعية يعني نسف الأسس التي قام عليها الكيان السياسي الفلسطيني، ويفتح الباب أمام مشاريع “البدائل الوظيفية” التي تحاول إسرائيل وبعض القوى فرضها لتذويب الهوية الوطنية في كيانات محلية أو إدارية منفصلة.

ثالثًا: دور الجامعة العربية والوسطاء الدوليين

إن الجامعة العربية مطالَبة اليوم بأن تؤكد عمليًا التزامها بقرارات القمم العربية السابقة التي كرّست منظمة التحرير ممثلاً شرعيًا ووحيدًا، وأن ترفض أي صيغة بديلة قد تُطرح تحت ذرائع إنسانية أو أمنية أو إعادة الإعمار. كما تقع مسؤولية كبرى على الوسطاء الإقليميين والدوليين، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، في ضمان احترام إرادة الشعب الفلسطيني ومؤسساته الشرعية المنتخبة، وعدم السماح بتجاوزها تحت أي ضغط سياسي أو إغراء اقتصادي.

وفي حال تمّ تجاوز هذا المبدأ، فإنّ المجتمع الدولي سيكون شريكًا في إعادة إنتاج الانقسام الفلسطيني، وتحويل الاتفاق إلى أداة لتصفية القضية بدلًا من إنهاء الصراع.

رابعًا: وحدة التمثيل الفلسطيني… خيار وطني لا مصلحة فصائلية

القضية الفلسطينية تمرّ اليوم بمرحلة مفصلية، تتطلب إعادة ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي على قاعدة الشراكة الوطنية الكاملة، وليس على قاعدة المغالبة أو فرض الأمر الواقع.

إن وحدة التمثيل الفلسطيني ليست مسألة فصائلية، بل هي مسألة بقاء وطني. فحين تتعدد الألسنة باسم فلسطين، تضيع البوصلة، ويتحوّل النضال التحرري إلى نزاع إداري، وتُفتح الأبواب أمام قوى إقليمية لتحديد مصير الشعب الفلسطيني بمعزل عنه.

إنّ أي توقيع أو اتفاق يتم خارج الإجماع الوطني سيُكرّس الانقسام، ويحوّل قطاع غزة إلى كيان منفصل يدار تحت وصاية دولية أو عربية، وهو ما تسعى إليه إسرائيل منذ سنوات لتصفية القضية عبر “حلّ إنساني” يزيح البعد السياسي من المعادلة.

خامسًا: رؤية استراتيجية للمستقبل

من هنا، لا بد من مقاربة فلسطينية جديدة تنطلق من النقاط التالية:

  1. استعادة مكانة منظمة التحرير الفلسطينية وتفعيل مؤسساتها المنتخبة، بما يشمل إعادة بناء المجلس الوطني والمركزي على أساس الشراكة والتمثيل العادل لكل الفصائل.
  2. تبنّي استراتيجية سياسية موحّدة تقوم على الجمع بين المقاومة المشروعة والدبلوماسية الذكية، بما يضمن حماية الثوابت الوطنية وعدم ترك الساحة للفراغ السياسي.
  3. رفض أي اتفاق أو تفاوض خارج المظلة الشرعية الفلسطينية، مع التمسك بقرارات الشرعية الدولية التي تؤكد حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.
  4. تفعيل الدبلوماسية القانونية الفلسطينية في المحاكم والمحافل الدولية لمساءلة الاحتلال على جرائمه، وربط أي اتفاق بآليات تنفيذ وضمانات دولية واضحة.
  5. توحيد الجبهة الداخلية عبر مصالحة وطنية حقيقية تُبنى على برنامج سياسي مشترك لا على محاصصات أو تفاهمات مؤقتة.

خاتمة

إنّ الشيطان يكمن في التفاصيل، والاتفاق المزمع توقيعه في شرم الشيخ قد يحمل في طيّاته فرصًا أو فخاخًا. وما لم يكن الصوت الفلسطيني موحّدًا، والتمثيل واضحًا وشرعيًا، فإنّ القضية الفلسطينية ستكون عرضة للتلاعب والتفريغ من مضمونها.

لقد آن الأوان لأن تتحمّل منظمة التحرير مسؤوليتها التاريخية، وأن تُبادر لا أن تنتظر. فالغياب لم يعُد مقبولًا، والصمت لم يعُد موقفًا.

إنّ وحدة التمثيل هي المعركة الحقيقية، ومن ينتصر فيها يحمي فلسطين من التبديد، ويحفظ للدماء التي سُفكت معناها وللقضية مكانتها بين قضايا العالم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب