ترامب يدفع بمساعديه إلى المنطقة لحماية الاتفاق.. وفي إسرائيل تتصاعد السجالات الداخلية مجدداً

ترامب يدفع بمساعديه إلى المنطقة لحماية الاتفاق.. وفي إسرائيل تتصاعد السجالات الداخلية مجدداً
الناصره /وديع عواودة
على خلفية استبدال “أزمة الجثامين” بأزمة تجدد النار في قطاع غزة التي أسفرت عن مقتل عسكريين إسرائيليين واستشهاد 45 فلسطينياً في هجمات عشوائية للاحتلال، يصل مبعوثا اتفاق وقف النار، الأمريكي ستيف ويتكوف، وصهر الرئيس الأمريكي جاريد كوشنر إلى البلاد، اليوم، ويتبعهما، غداً الثلاثاء، نائبه فانس، من أجل صيانة الاتفاق ومنع انهياره.
قال المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط إن “السلام بات ممكناً”، وتوقع تحقيقه في عدة بؤر خلافية في المنطقة، بما في ذلك الخلاف الجزائري- المغربي
وبضغط واشنطن سارعت سلطات الاحتلال للإعلان عن الالتزام بوقف النار، وإلغاء قرار وقف المساعدات وإغلاق معابر غزة، وهذا من شأنه أن يجدد النقاشات في إسرائيل حول سيادتها واستقلالية قرارها، بعدما كانت جهات معارضة فيها قد اعتبرتها ولاية أمريكية تتلقى أوامرها من البيت الأبيض.
بعد كل ما شهده الأمس من تصعيد، يطرح السؤال: هل تتكرر مثل هذه الاحتكاكات الأمنية وتستمر الانتهاكات الإسرائيلية؟ عن ذلك تنقل صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، اليوم الإثنين، عن مصادر عسكرية محلية ترجيحها أن “حادثة رفح” ستتكرر. وهذا يدفع إلى سؤال آخر: هل يؤدي ذلك إلى انهيار اتفاق وقف الحرب، خاصة أن حكومة الاحتلال لا تخفي رغبتها في معاودتها، كما تجلّى في تصريح نتنياهو الأخير، قبل أيام، وكما قال وزير التعليم يوآف كيش للإذاعة الرسمية، نهار اليوم.
مواساة لخليل الحية
قبيل وصوله اليوم، قال المبعوث الأمريكي الخاص للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، ضمن برنامج “60 دقيقة” على شبكة “سي بي إس” الأمريكية الليلة الماضية، إن “السلام بات ممكناً”، وتوقع تحقيقه في عدة بؤر خلافية في المنطقة، بما في ذلك الخلاف الجزائري–المغربي، لافتاً لتلقي واشنطن رسائل من إيران أيضاً.
وكشف ويتكوف أنه قدم العزاء لقائد حركة “حماس” خليل الحية بفقدانه ولده وزوجته، وقال إنه قد أبلغه أنه والد ثاكل ويعي معنى الفقدان. وفي المقابل أشاد بنتنياهو “الذي قاد الدولة في ظروف صعبة جداً”، نافياً أن ما يحصل حرب إبادة. لكن ويتكوف دحض بشكل غير مباشر رواية نتنياهو عن إنهاء الحرب، موضحاً أن العدوان الإسرائيلي الفاشل على الدوحة دفع الإدارة الأمريكية إلى الاستنتاج أن إسرائيل فقدت السيطرة على نفسها ويجب وقفها، وهذا ما كان.
وقال صهر الرئيس الأمريكي جاريد كوشنر، في حديث للقناة ذاتها، إن ما يلمسه حتى الآن يشير إلى أن حركة “حماس” تريد الالتزام بالاتفاق، وأضاف، خلال مقابلة عبر “سي بي إس”، أن الهدف هو التوصل إلى وقف لإطلاق النار وإطلاق سراح المحتجزين ضمن اتفاق يحترمه الطرفان. وحول الوضع في غزة أضاف أن من المؤلم رؤية السكان يعودون إلى بيوت مدمرة، وذكّر بتهديد ترامب أنه إذا لم تلتزم “حماس” بنزع سلاحها ستفعل الولايات المتحدة ذلك بنفسها، أو عبر أحد حلفائها، وربما إسرائيل، مؤكداً أنه لن يكون هناك عناصر أمريكية على الأرض لأنه لا يوجد سبب لذلك، لكنه قال إنه لا يوجد سقف زمني محدد، لكن يجب أن يتم ذلك. واعتبر أن إسرائيل إذا ما أرادت الانخراط في المنطقة عليها تحسين واقع حياة الفلسطينيين.
ترامب، الذي يواجه احتجاجات داخلية واسعة ضد تحويل الديمقراطية إلى نظام استبدادي عبر مظاهرات تحت شعار “لا ملوك”، استبق وصول السياسيين الأمريكيين للبلاد اليوم بقوله، ليلة أمس، إن وقف النار “ما زال قائماً”.
في هذا المضمار، حمل عضو الكنيست وقائد جيش الاحتلال السابق غادي إيزنكوت على نتنياهو، وقال للإذاعة العبرية العامة، صباح اليوم الإثنين، إنه كان يمكن التوصل إلى هذا الاتفاق منذ شهور، وقبل أن تفرضه الولايات المتحدة على إسرائيل بهذا الشكل.
تدويل القضية
وعلى خلفية التطورات المذكورة داخل القطاع، ومقتل جندي وضابط وإصابة ثلاثة من جنود الاحتلال في رفح، والتي ضربت رواية نتنياهو حول الانتصار، توجّهت جهات في إسرائيل بانتقادات للحكومة لموافقتها على نص الاتفاق “غير الواضح والمليء بالفجوات”، ولقبولها بتدويل قضية قطاع غزة، في ظل تدخل فعلي على الأرض من قبل الولايات المتحدة وقطر ومصر وتركيا وغيرها.
في هذا السياق حملت وزيرة التعليم السابقة ليمور لفنات (حزب “الليكود”) على نتنياهو، وسخرت، في مقال نشرته صحيفة “يديعوت أحرونوت” اليوم، من تسميته الجديدة للحرب: “حرب القيامة”، وقالت إن حكومته فاشلة، مثلما أن محاولاتها استنساخ التاريخ فاشلة.
وتتابع لفنات: “يحاول نتنياهو بيع الإسرائيليين رواية غير حقيقية عن الحرب بدعم جوقة منافقين من الوزراء والنواب في الليكود”. وتخلص إلى القول: “علينا التخلص من هذه الحكومة قبل أن ينهار كل شيء هنا”. يشار إلى أن الدورة الشتوية للبرلمان الإسرائيلي تبدأ اليوم الإثنين، ومعها تستمر السجالات الداخلية، وتتصاعد التوترات في ظل نية حكومة الاحتلال مواصلة مساعيها لتغيير النظام السياسي من خلال “الانقلاب القضائي” الذي انطلقت به قبيل الحرب طيلة 2023، إذ يستعد الائتلاف الحاكم لطرح مشاريع قوانين تقلص مساحات الديمقراطية وتضرب مبدأ فصل السلطات، ومنها تقليص صلاحيات المستشار القضائي للحكومة، وربما تكون هذه مقدمة لقرار حكومي يلغي محاكمة نتنياهو بتهم فساد.
كشف ويتكوف أنه قدم العزاء لقائد حركة “حماس” خليل الحية بفقدانه ولده وزوجته، وقال إنه قد أبلغه أنه والد ثاكل ويعي معنى الفقدان
قلق داخلي متصاعد
يزداد القلق في إسرائيل من تصاعد الخلافات الداخلية، في ظل استنكاف الكنيست عن دعوة رئيس المحكمة العليا، رمز السلطة القضائية، بصفته هذه، والاكتفاء بدعوته كقاضٍ في العليا، ما يعني عدم الاعتراف برئاسته، وذلك دفع صحيفة “هآرتس” إلى دعوة رئيس إسرائيل يتسحاق هرتسوغ، في افتتاحيتها اليوم، لعدم المشاركة في مراسم افتتاح الدورة الشتوية كي لا يشارك في إضفاء الشرعية على رغبة الحكومة بمواصلة الانقلاب.
ويتوقف المحلل السياسي الإسرائيلي البارز ناحوم برنياع عند العناد في مواصلة الخصومة الداخلية ويعبّر عن قلقه من المستقبل بالقول: “الشهور الأخيرة ستُظهر إلى أين نحن ذاهبون: هل تستمر مسيرة التدمير الذاتي، التي بدأت قبل ثلاث سنوات، في دفعنا إلى المنحدرات حتى هجرة الشباب الإسرائيلي هجرة جماعية من البلاد، حتى يتراجع الحلم الصهيوني ويضرب مكانة إسرائيل في العالم أكثر، أم أننا سنصحو؟”
ويرى برنياع، في مقاله المنشور في “يديعوت أحرونوت”، أن هناك دوراً لرئيس الدولة هرتسوغ في تنفيس الاحتقان: “بحال غاب هرتسوغ عن الكنيست اليوم سيثبت أنه ليس رمزاً سلطوياً فارغاً بل مدافعاً عن الديمقراطية. بحال حضر ومنح شرعية لهذا المقام سيذكر كرئيس صادق بصمته على إلغاء فصل السلطات”.
ويبدو أن المعركة على الرواية والوعي الخاص بحرب الإبادة على غزة تغذي هذه السجالات، وهي مرشحة للتفاقم بسبب قرب الانتخابات العامة التي سيصارع فيها نتنياهو ورفاقه للبقاء، ومن المتوقع خوضه معركة ملوثة تقطر تحريضاً وتهويشاً على خصومه.
“القدس العربي”: