قرار مجلس الأمن الدولي 2803… فخاخ ومثالب بين «قد» و«ربما»

قرار مجلس الأمن الدولي 2803… فخاخ ومثالب بين «قد» و«ربما»
سعيد أبو معلا
رام الله ـ سيسال حبر كثير في للوقوف على خلفيات وتداعيات قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2803 الذي تم إقراره في 17 تشرين الثاني/نوفمبر 2025 بهدف تنفيذ خطة السلام الخاصة بغزة، التي اتفقت عليها إسرائيل وحماس في تشرين الأول/أكتوبر 2025.
وكالعادة اختلفت التقييمات والتحليلات المرتبطة بالقرار الدولي المكون من 5 صفحات، فالباحث في تحولات الصراع أمين الحاج يرى أن القرار عبارة عن حقل ألغام بمعنى الكلمة، ويضيف: «هنا يمكن ذكر مثال على البند الثاني من مقدمة البيان ـ فقرة واحدة – لأنها واحدة من أهم الفقرات، ولأنها نسفت كل شيء من أوسلو حتى اليوم، وفيها من الفخاخ القانونية والسياسية والاستراتيجية ما لا يتصوره عاقل أو عقل».
يضيف مشرحا رؤيته للفقرة: «أولا: إنشاء «مجلس السلام – BoP» وهو سلطة دولية قانونية، وإدارة انتقالية، وهو ـ عمليا – إلغاء غير مباشر للسلطة الفلسطينية أو أي سلطة فلسطينية فعلية في غزة، لأنه يعطي قوة دولية سلطة وسيادة على أرض فلسطينية، ويحد من سيادة أي سلطة فلسطينية ويتيح للجهات الدولية التحكم بالتمويل والسياسات التشغيلية.
أما النقطة الثانية بحسب الحاج، فتتعلق بربط إعادة إعمار قطاع غزة ببرنامج إصلاح السلطة الفلسطينية، وهذا الفخ هو عبارة عن ربط الإعمار بشرط سياسي داخلي، أي أنه إذا لم تنجح الإصلاحات أو تعثرت، أو لم تحدث كما هو مطلوب، دون أن يحدد أي مرجعية لها، بل هي كما وردت في كل المقترحات، ودون الإشارة الى مقترح بعينه، سواء الشروط الفرنسية أو البريطانية أو الكندية أو… الخ. يعني مطلوب من السلطة ان تجمع كل الشروط وتتلزم بها جميعا، وإلا فإن إعادة إعمار غزة ستظل مجمدة أو تحت السيطرة الدولية، وهذا يعزز النفوذ الأمريكي والدولي على غزة، ويجعل الفلسطينيين يعتمدون على التقييم الدولي لمدى «نجاح خطة الإصلاح»، بدون معايير تحدد ما هو المرضي وما هو الأمين وما هو الكافي؟ ما يخلق غموضا حول المعايير المطلوبة لإكمال الإصلاحات، ويترك مساحة لتأويل السلطة الدولية الجديدة لتقرير ما إذا كانت السلطة الفلسطينية قد «أكملت» البرنامج ونجحت فيه على نحو مرض أو لا؟
يتابع الحاج حديثه في قراءة ذات الفقرة فيقول: ثالثا في الاشارة إلى مقترحات سلام متعارضة أصلا، فخطة ترامب 2020 مثلا تتعارض كليا مع المقترح السعودي-الفرنسي، وبالتالي يدور الحديث عن كوكتيل بمعنى الكلمة، مثال واحد فقط بخصوص الدولة والقدس، خطة ترامب تقترح دولة فلسطينية محدودة السيادة على أجزاء متقطعة من الضفة الغربية وغزة، مع إبقاء المستوطنات الكبرى والقدس الموحدة ستكون عاصمة للاحتلال، بينما المقترح السعودي-الفرنسي يركز على حل الدولتين بالمفهوم الكلاسيكي، يعني دولة على حدود 67 والقدس الشرقية عاصمة لها.
ورابعا والحديث للباحث الحاج، هناك صياغة غامضة جدا حول مسار الدولة الفلسطينية، كالقول مثلا «قد تكون الظروف متاحة»، ما يعني أيضا انها «قد لا تكون»، ما يعطي مرونة كبيرة للجهات الدولية، يعني أمريكا، لتأجيل أو رفض أي خطوات نحو الدولة الفلسطينية، ويضع السلطة الفلسطينية في موقف يعتمد على تقييم دولي خارجي، غير نزيه أو عادل!
ويرى الحاج أن القرار يقوم على إلغاء كل الآليات الدولية السابقة سواء رباعية أو خماسية وغيرها، وسيطرة أمريكا على الحوار – لا المفاوضات – بين إسرائيل من جهة والفلسطينيين، وليس فلسطين من جهة أخرى.
وحول تعاطي القرار مع الفلسطينيين يرى الباحث أنه لم يحدد من هم الفلسطينيون أو من يمثلهم، وبالتالي «هذا ينسف الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل للشعب الفلسطيني بموجب اتفاق إعلان المبادئ (اتفاق اوسلو)، أي انها لم تحدد من يمثل الفلسطينيين، يعني ممكن المفاوضات تكون مع جماعة ابو شباب أو الاسطل، أو ربما امارة الخليل أو… الخ».
ويخلص إلى أن الفخ الأصلي في كافة بنود القرار هو أن نصه يعطي شعورا بأن السلطة الفلسطينية ستستعيد السيطرة على قطاع غزة بعد اجتيازها اختبار الإصلاحات، من خلال استخدام الحوافز، لكنه في الواقع يضع السلطة الفلسطينية تحت إشراف دولي مشروط ومحدد مسبقا، ما يضعف سيادتها الفعلية ـ أو ما وجد منها – ويسدل الستار ونهائيا على فكرة «استقلالية القرار الوطني الفلسطيني».
وفي اتجاه مواز، يسأل الباحث والمختص في الشأن الفلسطيني محمد القيق لماذا ترامب أراد القرار؟ حيث يرى أن القرار عمل على تدويل وشرعنة قتل الفلسطينيين وتفريق دمهم على القبائل، وطمس معالم المحاسبة الدولية وإعفاء إسرائيل وتبرئتها من الجريمة المستمرة، وهذا أسلوب تلميع ونقل المهمة نفسها لجهات مالية وعسكرية أخرى لنفس الهدف.
وكي يجيب الباحث القيق على السؤال الذي استهل به حديثه يقول: «القرار يعني ربحا اقتصاديا لأمريكا حيث غاز المتوسط وبيع السلاح للقوة الدولية والحصول على الدعم المالي لبيع السلاح لعصابات المخدرات في غزة، كما أنها شرعنة دعم الفوضى الخلاقة وترتيب إدارة لغزة بمقاس أمريكي إسرائيلي على حساب الحق الفلسطيني، ومن كان من دول عربية يدعم عصابات الفوضى في غزة بالسر سيتباهى الآن بدعمهم علنا بحجة تطبيق قرار مجلس الأمن».
ويضيف: «القرار يحقق دفن الوحدة الوطنية الفلسطينية، حيث باتت بعيدة وفي خطر شديد لأن الفيتو الأمريكي قائم عليها لتعزيز صفقة القرن على حساب الانقسام بين الضفة وغزة، وذلك يعزز ضم الضفة وتقسيم غزة وإبقاء صورة الفلسطيني أنه لا يستحق دولة».
ويشدد الباحث القيق على أن مجلس الأمن أطلق رصاصة القتل على هيكله التاريخي وأدخل هيبته في غيبوبة ما قبل الطمس الذي عانت منه عصبة الأمم قبيل الحرب العالمية الثانية، لقد مسّ القرار خطوطا حمراء دولية والملف الفلسطيني أحد أساساتها، ما يعني أنه بات ديكورا لتنفيذ مخططات في ظل توتر دولي ستكون قراراته فتيل حروب ستتوسع، وترامب يعي أنه يلغي هيبة المجلس ويفرض السلام الذي يريده من خلال القوة التي يحددها.
ويخلص إلى أن غموض تفاصيل القرار سيولد انقساما على تفاصيل عمل الخطة بين الدول، وطالما أن أمريكا هي الموجِّه فهذا يعني أنها ستنفذ سياسات طمس القضية وتقوية أطراف عربية تدعم خطتها على حساب أطراف معتدلة، ما سيدفع ويجبر دولا انخرطت في الخطة على الانسحاب على غرار ما قامت به بعض الأطراف من التحالف ضد اليمن لغموض الأهداف.
ويرى أن هذا الأمر سيترتب عليه فراغ لصالح تسريع وتثبيت خطة صفقة القرن والشرق الأوسط الجديد الذي سيكون أساس تثبيته هذا القرار الدولي والذي سيمدد هيمنة مجلس السلام لاحقا لجغرافيا جديدة سيخلق فيها أحداثا يكون أساسها تثبيت «إسرائيل الكبرى»؛ حيث سلم الانتداب البريطاني في 1948 أرض فلسطين لتأسيس إسرائيل، واليوم مندوب سام جديد يجهز الجغرافيا في الإقليم لتوسيع إسرائيل.
سعيد زيداني، الكاتب والباحث الفلسطيني، وأستاذ للفلسفة في جامعة القدس المحتلة، يرى أنه لا يجوز التقليل من أهمية القرار الدولي، «لقد وضع حداً لترحيل الفلسطيني سواء من غزة أو الضفة عن وطنه، كما وضع حداً لضمّ أجزاء من غزة أو الضفة لدولة الاحتلال. وترتب عليه أن أوقف الحرب المدمرة والوحشية على غزة».
ويضيف زيداني أن القرار الأخير أعاد فتح الطريق نحو الدولة الفلسطينية المستقلة وهو ما كان مغلقا قبل ذلك.
ورغم ذلك يرى الأكاديمي أن القرار فيه الكثير من النقائص والمخاطر المعروفة للقاصي قبل الداني مثل: وصاية «مجلس السلام الدولي» برئاسة ترامب على غزة خلال المرحلة الانتقالية، و«قوات استقرار دولية» لتنفيذ البنود الأمنية للقرار. وعدم وضع سقف زمني لتجسيد الدولة الفلسطينية وعدم تحديد مواصفاتها الأخرى. كما انه لا يذكر المحاسبة على ارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
ويختصر زيداني الجدل حول القرار الأممي قائلا: «نحن إزاء قرار إنقاذ لمن ولما تبقى في غزة، ووعد بإعادة التأهيل والإعمار، ووعد بدولة فلسطينية مستقلة مستقبلا، وهذا الوعد قد يحبط أو يخيب. أما أستاذ العلوم السياسية والوزير السابق علي الجرباوي فإنه يصف القرار بإنه «يعكس توازن القوى الدولي»، وبالتالي كان الجميع بين نارين، النار الأولى إنهاء الحرب على غزة وأن يتوقف الدمار الشامل، وهذا وضع الدول المختلفة أمام واجب أخلاقي (من صوت لصالح القرار أو امتنع عن التصويت)، والنار الثانية طبيعة القرار الذي يتضمن مثالب عديدة.
ورأى الجرباوي أن عدم استخدام الفيتو من روسيا والصين جاء لكونهما أدركا أن عدم إقرار القرار ما كان سيترتب عليه وقف الحرب، وبالتالي كان هناك رغبة إقليمية ودولية وفلسطينية لمروره.
وعلق الأكاديمي الجرباوي على مواقف الأطراف الفلسطينية المختلفة قائلا: «أن تحدد الأطراف الفلسطينية المختلفة موقفا من القرار الدولي مسألة، والتفاعل مع القرار والمستجدات التي تترتب عليه مسألة ثانية، فالأول لا يعني أنك لن تتفاعل مع المستجدات التي تفرض عليك».
ومن أهم المثالب بالقرار حسب الجرباوي أنه اختزال الشرعية الدولية بمجلس سلام وقوة استقرار دولي وليس قوة حفظ سلام، وبالتالي يسأل: «أين قرارات الأمم المتحدة؟ أين الشرعية الدولية؟ لقد فوضت الأمم المتحدة الموضوع لمجلس سلام يرسل كل ست أشهر تقريرا للأمم المتحدة، وهو الحاكم الفعلي والتنفيذي في غزة».
ويرى أن هذا الأمر فيه اختزال للشرعية، كما أن مصطلح قوة استقرار مختلف عن مفهوم قوات حفظ سلام، فالفرق بين المصطلحين مهم جدا حيث أن الأولى مكلفة بسحب السلاح من حركة حماس.
ويحذر الجرباوي من عودة الشروط والحديث عن الإصلاحات الحقيقية، معتبرا أنها مثلب آخر بالقرار. «لقد جاء القرار متعلقا بقطاع غزة وليس بالقضية الفلسطينية، وترتب على ذلك أن تركت الضفة الغربية جرحا مفتوحا أمام غول الاستيطان وعنف المستوطنين، وهو بذلك شرع لفصل الضفة عن القطاع، كما أنه لم يعط السلطة الفلسطينية الحق بالتواجد في القطاع بشكل آني ولحظي، بل وربط ذلك بالإصلاحات التي لا يعرف أحد يعرف ما هي على وجه الدقة».
ويكمل في التعليق على الإصلاحات: «لقد دخلنا في هذا الموضوع سابقا، كانوا يقدمون للسلطة قائمة وأنت تحاول أن تنجزها، وفي وقت لاحق تضاف على هذه القائمة بنود جديدة. وبالتالي لا نعرف متى تنتهي الإصلاحات. هذا موضوع مفتوح».
ويشدد أن السؤال المهم: من الذي يحكم على الإصلاحات؟ من الواضح أنه مجلس السلام وإسرائيل بنهاية المطاف، وهذا يعني أننا علقنا في مسألة النهاية المفتوحة.
ومع ذلك يرى الجرباوي أن القرار حقق مسألة ضرورية وأولها وقف الحرب، «هذا مهم لنا كفلسطينيين، وتحديدا لأهل غزة أمام المعاناة المستمرة التي عاشوها، كما أن القرار أخرج قطاع غزة ومستقبله من التفرد الإسرائيلي والتحكم المنفرد».
ويختم قائلا: «لقد أنهى قضية مهمة وهي الطرد القسري للفلسطينيين من القطاع ومن الضفة أيضا، أنهى موضوع أساسي في العقلية اليمينية الصهيونية التي تقوم على الطرد، نحن إزاء نهاية الطرد والتهجير، ورغم يبقى التهجير الطوعي مفتوحا (وهو قسري بكل تأكيد)، هذا شيء إيجابي وجيد، ونقطة مركزية للفلسطينيين.
«القدس العربي»:



