مخاوف من “حكم أقلية أوليغارشية”.. كيف سيطر المليارديرات على السياسة الأمريكية؟

مخاوف من “حكم أقلية أوليغارشية”.. كيف سيطر المليارديرات على السياسة الأمريكية؟
واشنطن-
نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تحليلا بعنوان: “كيف سيطر المليارديرات على السياسة الأمريكية؟”، أكدت فيه على أن تركيز الثروة بين أغنى الأمريكيين أمرٌ غير مسبوق في التاريخ، وكذلك نفوذ المليارديرات في السياسة.
ووفق التحليل فإن تبرعات أغنى 100 أمريكي للانتخابات الفدرالية ارتفعت منذ عام 2000 بمقدار 140 مرة، لتشكل نحو 7.5% من إجمالي الإنفاق الانتخابي بحلول 2024، بعد أن كانت لا تتجاوز 0.25% عام 2000.
تحليل الصحيفة المملوكة للمفارقة لواحد من أكبر أثرياء أمريكا، جيف بيزوس، مالك “أمازون”، أكد أن هذا يعكس النفوذ الكبير للأثرياء في تحديد السياسات والمرشحين، وذلك ما يثير قلق علماء السياسة والجمهور على حد سواء.
وشدد التقرير على أن العقود الأخيرة شهدت تغييرات سياسية وقانونية واقتصادية عززت قوة الأثرياء من بينها ثورات التكنولوجيا والأسواق، وسياسات الضرائب المخففة، وقرارات قضائية ألغت قيود التمويل الانتخابي، مما سمح بتبرعات غير محدودة للانتخابات.
تبرعات أغنى 100 أمريكي للانتخابات الفدرالية ارتفعت منذ عام 2000 بمقدار 140 مرة، لتشكل نحو 7.5% من إجمالي الإنفاق الانتخابي بحلول 2024، بعد أن كانت لا تتجاوز 0.25% عام 2000.
ولفت إلى أنه نتيجة لذلك، أصبح السياسيون الأمريكيون أكثر اعتمادا على سخاء المليارديرات، وذلك ما منح أقلية لا تتجاوز 0.5% من الأمريكيين نفوذا استثنائيا في نجاح السياسات والسياسيين، في وقت يشير فيه علماء السياسة والمراقبون إلى أن الأموال الكبيرة ترفع تكاليف الحملات وتقوض ثقة الجمهور في الديمقراطية الأمريكية.
ووفق التحليل، لا يعتمد الأثرياء فقط على التبرعات، بل إن بعضهم اتجه إلى المناصب العامة مباشرة، إذ وجدت مراجعة أجراها معدو التحليل أن 44 من أصل 902 ملياردير أمريكي في قائمة فوربس 2025، أو أزواجهم، تم انتخابهم أو تعيينهم في مناصب حكومية خلال العقد الماضي، من مناصب وزارية رفيعة إلى مقاعد استشارية أقل شهرة.
وأشار إلى أن ثروة هؤلاء المليارديرات مجتمعة تجاوزت 6.7 تريليونات دولار، مقارنةً مع 2.6 تريليون قبل عقد من الزمن، وقد دعم أغلبهم سياسيا حزب ترامب الجمهوري حيث ذهب أكثر من 80% من مساهمات أغنى 100 أمريكي في 2024.
ولفت إلى أن أثرياء قطاع التكنولوجيا تحولوا إلى دعم الجمهوريين بعد خلافات مع إدارة الرئيس السابق جو بايدن، في الوقت الذي دعم فيه ترامب إجراءات مثل خفض الضرائب وإلغاء اللوائح التنظيمية مما يعزز مصالح الأغنياء.
وأنه بالفعل وجد كبار أثرياء التكنولوجيا، من أمثال إيلون ماسك وبيتر ثيل في الجمهوريين شركاء أكثر توافقا مع مصالحهم الاقتصادية وميولهم الليبرالية جزئيا. وقد أنفق ماسك 294 مليون دولار عام 2024، للمساعدة في انتخاب ترامب وجمهوريين آخرين، كما منح آخرون 509 ملايين دولار إضافية للجمهوريين مقارنة بنحو 186 مليون دولار للديمقراطيين.
وأعطى التحليل كذلك مثالا بتبرع ملياردير العقارات والنفط جون كاتسيماتيديس عام 2024 بمبلغ 2.4 مليون دولار لدعم الرئيس دونالد ترامب والجمهوريين، وهو ما يقارب ضعف تبرعاته عام 2016، وأشار إلى أن كاتسيماتيديس نفسه قال إنه يشعر بضرورة متزايدة لمحاولة التأثير على مسار السياسة الأمريكية، نظرا للفجوة الكبيرة بين الحزبين.
وأضاف كاتسيماتيديس الذي تقدر ثروته الصافية بنحو 4.5 مليارات دولار: “إذا كنت مليارديرا، فأنت تريد أن تظل مليارديرا”، وأوضح أن الأمر لا يتعلق بثروته الخاصة فحسب، بل “أنا قلق بشأن أمريكا وأسلوب حياتنا”.
وقال كاتسيماتيديس، وهو ديمقراطي سابق، إنه لا يثق بقدرة الديمقراطيين على التعامل مع الهجرة غير النظامية والجريمة والاقتصاد.
وقال توماس بيترفي، وهو مؤسس شركة وساطة إلكترونية تبلغ ثروته الصافية 57.3 مليار دولار، إن “اليسار التقدمي في الحزب الديمقراطي هو حزب اشتراكي، وأغنى الناس هم رجال الأعمال، وهم يتجهون نحو ترامب لأنهم يدركون مدى نفعه لاقتصاد مزدهر”.
ولفت التحليل إلى أنه رغم نفوذه الكبير، فإن المال لا يضمن الفوز دائما في الانتخابات، كما أظهرت خسارة بعض المرشحين الممولين من المليارديرات. فعلى سبيل المثال، ساعد الملياردير ورائد المشاريع بيتر ثيل، صديقه وموظفه السابق بلاك ماسترز، في الانتخابات التمهيدية للجمهوريين في أريزونا عام 2022 بمبلغ 15 مليون دولار، وقد أظهرت خسارته أمام الديمقراطي مارك كيلي أن دعم المليارديرات لا يضمن النجاح دائما.
وأشار إلى تكاتف العديد من المليارديرات، بمن فيهم كاتسيماتيديس، لمحاولة إيقاف مرشح عمدة نيويورك زهران ممداني، محذرين من أن انتخابه سيكون كارثة اقتصادية، لكنه تفوق عليهم، معتبرا أن معارضته لهم وسام شرف، وقال في خطاب نصر حماسي: “يمكننا الرد على الأوليغارشية والاستبداد بالقوة التي تخشاها، لا بالتهدئة التي تتوق إليها”.
وأبرز التحليل ما قالته النائبة السابقة تشيري بوستوس إن المال أو القدرة على جمعه تعتبر عاملا مهما عند اختيار المرشحين من قبل الأحزاب، وأضافت: “عند اختيارك المرشح، تنظر إلى مدى قدرته على جمع الأموال ومن لديه علاقات يمكن أن تجلب تبرعات كبيرة”.
تحليل الصحيفة المملوكة للمفارقة لواحد من أكبر اثرياء أمريكا جيف بيزوس، مالك “أمازون”، أكد أن هذا يعكس النفوذ الكبير للأثرياء في تحديد السياسات والمرشحين، ما يثير قلق علماء السياسة والجمهور على حد سواء.
ورغم ذلك، فإن القوة السياسية للأثرياء ليست مطلقة، ولكنهم يظلون قادرين على رفع تكاليف الحملات الانتخابية وزيادة اعتماد السياسيين على أموالهم، مما يقلل من ثقة الجمهور في الديمقراطية، كما يقول تحليل الصحيفة.
ومع أن بعض السياسيين الليبراليين يحاولون مهاجمة النفوذ المتزايد للأثرياء، مستشهدين بالقيم الدينية والعدالة الاجتماعية، فإنهم في الوقت نفسه يقبلون تبرعات من المليارديرات إذا دعمت قضايا عامة، مما يعكس صعوبة تحدي نفوذ المليارديرات، حسب واشنطن بوست.
وخلص التحليل إلى أن الأثرياء أصبح لهم نفوذ غير مسبوق في السياسة الأمريكية، سواء عبر التمويل المباشر للانتخابات أو من خلال المناصب العامة، مما يثير مخاوف من تحول الديمقراطية الأمريكية نحو أوليغارشية تتحكم فيها الثروة والقوة بشكل متزايد.
“القدس العربي”:




