صحيفة عبرية: لبنان على شفا حرب.. وحكومة عون تعلق في حقل ألغام سياسي

صحيفة عبرية: لبنان على شفا حرب.. وحكومة عون تعلق في حقل ألغام سياسي
الثلاثاء الماضي، عندما استقبلت طائرات إف 35 الأمريكية بن سلمان، استعدت سفارة لبنان في واشنطن لاستقبال شخص آخر، هو قائد الجيش اللبناني رودولف هيكل، الذي كان من شأنه أن يلتقي مع شخصيات رفيعة في الجيش الأمريكي وشخصيات أمريكية أخرى. ولكنه احتفال انتهى قبل أن يبدأ: في البداية، تم خفض مستوى الشخصيات الرفيعة التي كان سيلتقي هيكل معها، ثم إلغاء جميع اللقاءات مع أعضاء الكونغرس – في النهاية، أعلن هيكل عن إلغاء الزيارة.
حسب الرواية الأمريكية، الإدارة الأمريكية هي التي بادرت إلى إلغاء الزيارة عقب تصريحات انتقادية لهيكل ضد الهجمات الإسرائيلية في لبنان. الانتقاد الأمريكي قاد السيناتور ليندزي غراهام، الذي كتب في شبكة “اكس”: “من الواضح أن قائد الجيش اللبناني الذي تعامل مع إسرائيل كعدو رغم ضعفه، ولم يحاول نزع سلاح حزب الله، يعدّ عائقاً كبيراً أمام جهود الدفع بلبنان قدماً. هذا الربط يحول الجيش اللبناني إلى استثمار غير جيد بشكل خاص بالنسبة لأمريكا”.
يبدو أن أقوال غراهام تعكس بالضبط ما سمعه في إسرائيل، وتم التعبير عن هذا الموقف أيضاً في إحاطات كبار قادة الجيش لوسائل الإعلام الإسرائيلية. ولكن قبل ثلاثة أسابيع، في لقاء للجنة المسؤولة عن تطبيق وقف إطلاق النار، كان للجنرال الأمريكي جوزيف كليرفيلد أمور جيدة ليقولها عن الجيش اللبناني: “مهنية الجيش اللبناني والتزامه بتطوير الدولة ظاهرة للعيان. أداؤه يعكس التصميم على ضمان مستقبل الدولة”. قبل أسبوعين من ذلك، قال قائد المنطقة الوسطى الأمريكية، الجنرال براد كوفر، أموراً مشابهة: “شركاؤنا في لبنان يواصلون قيادة العملية التي استهدفت ضمان نزع سلاح حزب الله”. وحتى إن كوفر قال بأن الجيش اللبناني نجح في إبعاد عشرات آلاف الصواريخ، 405 صاروخاً و205 ألف قطعة سلاح من أنواع مختلفة.
الفجوة بين ما قاله ضباط الجيش الأمريكي وبين ما قاله السياسيون الأمريكيون غير مطمئنة للقيادة اللبنانية. فهي تتراوح بين الخوف الشديد من استئناف الحرب إذا لم يقم الجيش اللبناني بتوفير البضاعة بالوتيرة والكمية التي تطلبها إسرائيل وبين موقف الرئيس جوزيف عون الذي تمسك بالحاجة إلى التوصل إلى تفاهمات مع حزب الله لمنع مواجهات عنيفة في الداخل. يطرح عون علناً موقفاً هجومياً معداً للأذن الأمريكية والإسرائيلية. في بداية الأسبوع، نشر موقع “أساس” اللبناني مقابلة مع الرئيس، شرح فيها رؤيته حول نشاطات الجيش ضد حزب الله: “نحن نعمل بصبر ورؤية بعيدة المدى وحكمة واعتدال، وندرك الحساسية ونقاربها بحذر. ولكن كل ذلك لا يمنع من التوصل إلى استنتاج: تقييد سلاح حزب الله واتخاذ قرارات. هذا هو ألفباء بناء الدولة”.
موقف عون غير جديد؛ فقد عبر عنه في خطاب تسلمه للسلطة في كانون الثاني الماضي. وفي آب عقب الضغط الذي استخدمه المبعوث الأمريكي توم براك، فرض على الحكومة خطوات أساسها نزع سلاح حزب الله وإعطاء تعليمات للجيش بتقديم خطة عمل لهذا الهدف حتى نهاية السنة. في الوقت نفسه، طلب لبنان انسحاباً إسرائيلياً من المواقع الخمسة اللبنانية التي ما زالت تحتفظ بها، والتوقف عن الهجمات والبدء في إعادة المعتقلين اللبنانيين الموجودين لديها.
حتى قبل شهر ونصف، ظهرت هذه الطلبات معقولة لبراك، وحتى إنه صاغ خطة جديدة بحسبها توقف إسرائيل النار لشهرين، وخلال هذه الفترة تجرى مفاوضات حول ترتيبات أمنية وترسيم الحدود البرية بين الدولتين، ويتم تحديد منطقة منزوعة السلاح بين إسرائيل ولبنان، وانسحاب إسرائيل بالتدريج من هذه المواقع. إسرائيل، حسب براك، رفضت الاقتراح كلياً، وزادت حجم الهجمات بصورة دراماتيكية – بعضها ضد نشطاء حماس في لبنان. حسب ادعاء إسرائيل، فإن الجيش اللبناني يتعاون مع حزب الله، وامتنع عن العمل في بيوت مواطنين في جنوب لبنان، التي قام فيها حزب الله -حسب معلومات استخبارية- بإخفاء سلاح وذخيرة داخلها.
“غير واضح إلى أين تسعى إسرائيل”، قال للصحيفة محلل لبناني يعيش خارج لبنان. “في نهاية المطاف، معظم الهجمات تنفذها من الجو. لماذا عليها مواصلة الاحتفاظ بالمواقع الخمسة التي ليست إلا ورقة مساومة في المفاوضات؟ حيث إن الدعم الكامل الذي تحصل عليه من الولايات المتحدة سيمكنها من الهجوم لاحقاً أيضاً، وحتى إن اللجنة المشرفة على تطبيق وقف إطلاق النار لم تتطرق لهذه الهجمات على الإطلاق. لماذا لا تجري مفاوضات وتسلم الحكومة اللبنانية أوراق المساومة التي هي بحاجة إليها ضد حزب الله؟”.
إن تساؤل المحلل اللبناني يعكس موقف عون الذي قال في المقابلة: “لقد انتهت نشاطات حزب الله على الصعيد العسكري، وجاء رجاله لي وهم يعترفون بهذا الواقع ونتائجه. ولكنهم يصممون على أن تكون نهاية محترمة وخروجاً بكرامة، وهذا بالضبط ما نعمل على تحقيقه”. تصعب معرفة علام تعتمد أقوال عون، وما هي الجهات في حزب الله التي تحدثت معه عن “خروج محترم” في الوقت الذي يعلن فيه الأمين العام لحزب الله نعيم القاسم، بأن الحزب لا ينوي التخلي عن سلاحه.
مع ذلك، يجب التأكيد على أن حزب الله اكتفى حتى الآن بانتقاد إعلامي وسياسي للهجمات الإسرائيلية. يوجه سهامه إلى حكومة لبنان لأنها تظهر العجز العسكري والسياسي أمام إسرائيل، التي تخرق وقف إطلاق النار. وفي غضون ذلك، القيادة اللبنانية عالقة في حقل ألغام سياسي يسبب الشلل.
توقع لتطبيق رسائل
إسرائيل غير معفية من طرح أسئلة مشابهة أيضاً. عليها أن تحدد أهداف الهجمات والتصعيد، وأن تشرح استمرار احتفاظها بالمواقع الخمسة. الحروب في لبنان وفي غزة أوضحت بأن الهجمات من الجو وحدها لا يمكنها نزع سلاح المنظمات، وحتى المعارك البرية كبيرة لم تطهر مخازن السلاح لحماس وحزب الله بالكامل؛ فقد اضطرت إسرائيل في غزة إلى وضع جزء من هذه المهمات في يد قوة متعددة الجنسية، التي لم تشكل بعد، ولا يقين من أنها ستشكل. أما لبنان، في المقابل، فثمة حكومة تعهدت بالعمل ضد حزب الله، بل وبدأ الجيش العمل على الأرض وسجل إنجازات – حتى لو كانت بعيدة عن الهدف النهائي.
ليس من نافل القول بأن توم براك قال في بداية الشهر إن “فكرة نزع سلاح حزب الله بالقوة ليست فكرة واقعية. أنت لا يمكنك أن تطلب من لبنان نزع سلاح حزب سياسي وتوقع السلام. ما علينا سؤاله لأنفسنا هو كيف نمنع الحزب من استخدام سلاحه”. تحديد الأهداف أمر ضروري؛ لأن طموحات إسرائيل في لبنان لا تتطابق مع طموحات الولايات المتحدة. إسرائيل تركز على منع إعادة البناء العسكري لحزب الله، وتدمير البنى التحتية القائمة له في شمال وجنوب الليطاني. في المقابل، الولايات المتحدة التي ترى الهدف العسكري بنفس الطريقة، تسعى إلى استخدام الضغط العسكري الإسرائيلي أيضاً لتحقيق عملية سياسية لا يقين بأن إسرائيل تعتبرها رداً كافياً على تخوفاتها.
توم براك ونظيرته مورغن اورتيغوس، التي عادت لإدارة ملف لبنان، يستخدمان ضغطاً شديداً على القيادة اللبنانية للبدء في مفاوضات سياسية مباشرة مع إسرائيل، ستأتي نهايتها -كما يأملان- بالانضمام لاتفاقات إبراهيم. براك أوضح ذلك بصراحة عندما عرض على لبنان احتمالين: المفاوضات المباشرة مع إسرائيل، أو الحرب. “إذا أراد لبنان إجراء مفاوضات (مباشرة) كهذه فسنساعده؛ سنضغط على إسرائيل كي تكون منطقة”، وعد براك في بداية الشهر.
في غضون ذلك، خطوات أخرى لم تحدث الاختراقة السياسية، ومن بينها استخدام الضغط من قبل الولايات المتحدة ومروراً بالإلغاء غير المسبوق لزيارة قائد الجيش في واشنطن، والتلميح عن الحاجة إلى استبدال قائد الجيش، وتجميد المساعدات العسكرية للجيش اللبناني، والتهديد باستخدام عقوبات اقتصادية شديدة من أجل إغلاق مسار نقل الأموال لحزب الله. أعلن الرئيس اللبناني بأنه “لا مناص من إجراء المفاوضات”، وحتى إنه وافق على ضم خبراء مدنيين للجنة الرقابة على وقف إطلاق النار. هكذا، هو استجاب بشكل جزئي لطلب أمريكا، منح اللجنة طابعاً سياسياً وليس عسكرياً فقط. ولكنه حتى الآن، لم يسمع كلمات “مفاوضات مباشرة”.
مكبس الضغط الأمريكي يحاول تجنيد السعودية ومصر لإقناع عون ببذل جهود إضافية، حسب الأمريكيين، والتقدم في المحادثات الدبلوماسية. الاثنين، وصل وفد من رجال الأعمال السعوديين إلى بيروت برئاسة يزيد بن فرحان، المسؤول عن ملف لبنان في وزارة الخارجية السعودية. حمل معه بعض الأخبار، بما في ذلك استئناف التجارة بين لبنان والسعودية، التي كانت مجمدة بسبب تهريب الكبتاغون والمخدرات من لبنان إلى المملكة، ووعد باستثمارات سعودية للمساعدة في إعمار البلاد. لكن هذه الزيارة هدفت بالأساس إلى إرسال رسالة للبنان تفيد بأن السعودية لم تتخل عنه، وأنها مستعدة لتقديم الدعم السياسي الذي تحتاجه القيادة في بيروت.
تسفي برئيل
هآرتس 21/11/2025




