عربي دولي

معلومات إضافية: تصاعد الانتقادات داخل “معسكر قيس سعيد” وسط مطالبات بالتغيير والتسوية السياسية في تونس

معلومات إضافية: تصاعد الانتقادات داخل “معسكر قيس سعيد” وسط مطالبات بالتغيير والتسوية السياسية في تونس

تتصاعد الانتقادات من داخل معسكر الرئيس التونسي قيس سعيد نفسه تجاه السياسات الراهنة، مطالبة بإصلاحات سياسية وتشريعية تُحيي الحياة السياسية في تونس من جديد. وفي حين لم تتوقف المعارضة عن توجيه الانتقادات، فإن الموجة الجديدة هذه المرة تأتي من قلب “بيت السلطة” الحالي.

أكدت المصادر التونسية ونشطاء سياسيون لـ”عربي بوست” أن “الوضع في تونس بات غير قابل للاستمرار بهذه الوتيرة”، وأن على السلطة الحاكمة التحلي بـ”الرشد” والسعي نحو “تسوية سياسية مع مختلف أطياف الشعب التونسي” لتجنب انفجار الأزمة واضطرار السلطة إلى اتخاذ إجراءات قسرية.

أصوات من داخل سلطة قيس سعيد

انتقد النائب أحمد السعيداني، المعروف بـ “عرّاب الانقلاب”، بشدة منظومة الحكم ورئيس الجمهورية خلال الجلسة العامة المشتركة لمناقشة مشروع ميزانية الدولة لسنة 2026.

أبرز تصريحات السعيداني:

وفي سياق نقدي لاذع، تساءل النائب النوري الجريدي، خلال مناقشة موازنة وزارة العدل لعام 2026، عن المدة التي سيقضيها رئيس الجمهورية في منصبه، مستفسرًا: “كم سيتواصل وجود رئيس الجمهورية على كرسي الرئاسة؟ عهدة أخرى، اثنتان، ثلاثة، أربعة، عشرون سنة أخرى، أي إلى حدود 2045 كحد أقصى؟”.

وأضاف النائب، في سياق تلميحي لمصير الرئيس التونسي الحالي، أنه “لا أحد من الذين عاصروا بوعي ثورة 17 ديسمبر/ كانون الأول و14 يناير/كانون الثاني، واعتقد لثانية واحدة أن النظام البوليسي لبن علي سوف ينهار، وأن بن علي سيترك وراءه كل شيء ويغادر إلى بلد آخر”.

وفي حديثه لوزيرة العدل، نبّه الجريدي إلى أن “كثرة نكت الوجع على شخص الحاكم والمسؤول في أي دولة، فاعلموا أن أيامه في الحكم معدودة”، مشيرًا إلى أن الشعب “يتحدث عنكم في صمت واختناق في زوايا المقاهي، وهو يتحدث عن العائلات الحاكمة كما تحدث منذ عقدين عن (طرابلسية بن علي)”، في إشارة إلى عائلة وأصهار الرئيس السابق. كما أكد الجريدي أن “لا عدل والمحكمة الدستورية غائبة”، معتبرًا أن غياب هذه المؤسسة يشكل عائقًا أمام حسم الصراعات السياسية المتعلقة بالحكم أو ملء الشغور في منصب رئاسة الجمهورية.

في تصريحات خاصة لـ”عربي بوست”، قدّم الأكاديمي والناشط السياسي التونسي الأمين بوعزيزي، مؤسس تحالف “مواطنون ضد الانقلاب”، قراءة جديدة وحادة للمشهد السياسي في تونس، معتبرًا أن البلاد تعيش واحدة من أخطر أزماتها منذ أحداث 25 يوليو، وأن ما كان يُروَّج له طوال السنوات الثلاث الماضية عن “مشروع وطني يقوده الرئيس قيس سعيد” يتهاوى تدريجيًا، ليس فقط أمام معارضيه التقليديين، بل داخل معسكره نفسه الذي بدأ يرفع صوته عاليًا ضد الرجل بعد أن كان صامتًا أو داعمًا.

يقول بوعزيزي إن الوضع في تونس وصل إلى مستوى من التعقيد جعل حتى أكثر المقربين من الرئيس يعبرون عن غضبهم بصوت واضح. لكنه يشدد في الوقت ذاته على أن هذا الغضب لا علاقة له بالديمقراطية أو بمعارضة انقلاب يوليو، بل هو رفض لأداء قيس سعيد شخصيًا وفشله الذريع في إدارة الدولة، بينما يظل هؤلاء جميعًا متمسكين بالإجراءات الاستثنائية التي أطاحت بالمنظومة السياسية السابقة. بعبارة أخرى، فإن جزءًا من معسكر الرئيس يثور عليه، لكنه لا يثور على الانقلاب.

يذهب الأمين بوعزيزي إلى أبعد من ذلك، مؤكدًا أن قيس سعيد نفسه ليس صاحب السلطة الفعلية في تونس، وأن ما جرى في يوليو لم يكن انقلابًا دستوريًا أو خطوة انفرادية من رئيس الجمهورية، بل كان “انقلابًا عسكريًا مكتمل الأركان”، تولته المؤسسة العسكرية والأمنية، ثم وُضع قيس سعيد في الواجهة ليقوم بالدور المطلوب منه دون أن يمتلك أدوات القرار الحقيقية. ويضيف أن الرئيس لم يأتِ بالأجهزة، بل الأجهزة هي التي جاءت به. هذا الفهم، بحسب بوعزيزي، يفسر التباين الواضح بين أداء الرئيس وأداء حكومته؛ فممارسات سعيّد تجري في وادٍ، بينما تتحرك حكومته في وادٍ آخر، لأن كلاهما ليس صاحب القرار الفعلي، بل مجرد أدوات تتحرك بإشارات من خلف الستار.

في السياق ذاته، وفي حديثه لـ”عربي بوست”، قال مصدر بارز في حزب النهضة، عمل مستشارًا سياسيًا سابقًا لراشد الغنوشي، إن تصاعد موجة الانتقادات داخل منظومة الحكم الحالية لم يكن مفاجئًا بالنسبة لمن تابع عن قرب مسار السنوات الماضية. ويوضح: “ما تشهده تونس اليوم هو لحظة انفجار طبيعية لنظام أُقيم على أساس شخصنة السلطة. كثيرون من الذين صفقوا لإجراءات 25 يوليو كانوا يعتقدون أنهم سيصبحون جزءًا من منظومة الحكم، أو أنهم سيجنون مكاسب سياسية أو إدارية. لكن الرئيس سعيّد أغلق الباب أمام الجميع واحتكر القرار بشكل مطلق، مما جعل حزامه السياسي يشعر بأن دوره انتهى.”

ويضيف أن هذه الانتقادات “ليست صحوة ديمقراطية مفاجئة، بقدر ما هي نتيجة إحباط وخيبة أمل وإدراك متأخر بأن الرئيس لا يقبل بشركاء”.

أما بخصوص التصريحات التي أدلى بها النائب أحمد السعيداني — الذي كان أحد أبرز الداعمين لإجراءات يوليو في تونس — فقد كانت الأكثر إثارة للجدل، بعدما وصف النظام بأنه “فاقد لرشده وصوابه”، معتبرًا أن الرئيس “يعيش في كوكب آخر”. هذه اللغة غير المعتادة داخل أروقة الموالاة اعتبرها المصدر في النهضة مؤشرًا مفصليًا.

ويقول المصدر في حزب النهضة: “عندما يخرج أحمد السعيداني أو غيره ليتحدث عن أن النظام فقد رشده، فهذا ليس كلام معارضة، وإنما شهادة من داخل البيت نفسه. خروجهم اليوم بهذا المستوى من الغضب يكشف أن منظومة الحكم بدأت تتآكل من الداخل، وأن الثقة بين الرئيس ومحيطه الأقرب انهارت بالكامل.”

أصوات من المهجر

لم يتوقف الانتقاد من داخل تونس، لكن هناك أصوات محسوبة على قيس سعيد بدأت توجيه الانتقادات من خارج البلاد، كما يفعل ثامر بديدة، المسؤول الأمني السابق المقيم حاليًا في باريس، والذي كان له دور في “شيطنة الطبقة السياسية الحاكمة” خلال فترة حزب النهضة. أصبح اليوم من أشد منتقدي الرئيس قيس سعيد وأسلوبه في الحكم، ويدعو بديدة إلى إنهاء ما يسميه “السنوات العجاف”.

من ناحيته، طرح هشام المدب، المرشح السابق لرئاسة الجمهورية والعميد السابق في الجيش ووزارة الداخلية، السؤال الذي يتردد في تونس في الأوساط الشعبية والسياسية والنخبوية منذ فترة: إلى أين تتجه الأمور في تونس؟

ونقل المدب عن مستشار الرئيس الأميركي، جاريد كوشنر، السيناريو الأميركي لتحقيق الانتقال السياسي في تونس بصورة هادئة، تضمن عدم الفوضى والتقاتل الداخلي. وقال الجنرال السابق في الجيش التونسي إن الولايات المتحدة وفرت ما وصفه بـ”باب لخروج آمن للرئيس قيس سعيد”، تمامًا كما حصل مع الرئيس الراحل بن علي في العام 2011، وفق تعبيره.

واعتبر أن السلطة السياسية، بموجب “سيناريو كوشنر”، تتوفر على فرصة كبيرة لمغادرة السلطة دون أي تداعيات اجتماعية أو سياسية عنيفة، عبر تنظيم التداول على الحكم تحت إشراف المؤسسة العسكرية، التي يعهد إليها إعداد البلاد في غضون ثلاثة أشهر (تسعين يومًا بتعبير فقهاء الدستور) لإجراء انتخابات على أساس دستور العام 2014، يتم بموجبها تسليم السلطة لمن يختاره التونسيون بكل حرية.

الأكاديمي والناشط السياسي التونسي الأمين بوعزيزي، مؤسس تحالف “مواطنون ضد الانقلاب”، يشير إلى أن الصراعات المحيطة بقصر قرطاج ليست إلا انعكاسًا لبنية السلطة الجديدة في تونس، التي باتت تقوم على توازنات سرية داخل الأجهزة وليس بين مؤسسات منتخبة. ويقول إن ما يبدو صراعًا بين شخصيات من دائرة قيس سعيد هو في الحقيقة صراع بين أجنحة داخل المنظومة العسكرية والأمنية، تُستخدم فيه الوجوه المدنية كأدوات يتم تحريكها من بعيد.

أما في الملف الاقتصادي، فيعتبر بوعزيزي أن فشل قيس سعيد لم يعد خافيًا على أحد، وأن هذا الفشل تحديدًا هو ما فتح الباب أمام تمرد حقيقي داخل معسكره. فالانهيار الاقتصادي، وتدهور المالية العمومية، وتوسع حالة الاحتقان الاجتماعي، جعلت حتى الداعمين له يطالبون بشكل مباشر بتغييره، بحثًا عن وجه جديد يمكنه إدارة الأزمة أو على الأقل إقناع الشارع بأن هناك أفقًا للتغيير.

وعن الانتخابات المقبلة، يرى بوعزيزي أن المشهد يبدو مضللًا في ظاهره، إذ يتحرك الجميع كما لو أن البلاد تتجه نحو استحقاق انتخابي عادي، بينما في الكواليس تجري ترتيبات مختلفة تمامًا. يقول إن السيناريو الأقرب للحدوث هو التخلص من قيس سعيد عبر تأجيج المعارضة ضده، ثم الدخول في مصالحة سياسية واسعة تشمل الإسلاميين والعلمانيين على حد سواء، وإصدار عفو عن المعتقلين وإعادة هندسة المشهد السياسي بشكل كامل. ويصف ذلك بأنه “مكياج سياسي” جديد، يحاول من خلاله النظام تجاوز الفشل دون تغيير جوهر البنية التي حكمت تونس منذ يوليو.

ويضيف بوعزيزي أن ما يجري اليوم ليس إلا بداية مرحلة جديدة، ستعيد تشكيل التحالفات وتوزيع الأدوار، لكن عنصر الثبات الوحيد فيها هو سيطرة المؤسسة العسكرية على مفاصل القرار، مهما تغيّرت الوجوه المدنية فوق السطح.

وبحسب المستشار السابق للغنوشي، فإن الشرعية التي استند إليها سعيّد بعد 25 يوليو لم تكن مؤسسية، بل “شعبوية”، واستُهلكت بالكامل. ويؤكد في هذا السياق: “الشرعية التي بناها سعيّد بعد 25 يوليو لم تكن شرعية مؤسسة على دستور أو قانون، بل على خطاب شعبوي، وعلى وعد بإسقاط الطبقة السياسية ومحاربة الفساد. اليوم، بعد أربع سنوات، لم يتحقق شيء من تلك الوعود، بل تفاقمت الأزمة الاقتصادية والاجتماعية.”

ويضيف: “عندما يبدأ أنصاره أنفسهم في التشكيك في قدرته على إدارة الدولة أو اتهامه بالعزلة والانفصال عن الواقع، فهذا يعني أن الشرعية تتآكل بسرعة مخيفة.” ويرى المصدر أن جزءًا من هذه الانتقادات لا يمكن فصله عن صراع النفوذ داخل الأجهزة والمؤسسات، فالكثير من الشخصيات التي كانت محسوبة على الرئيس أو الأجهزة الأمنية التي ساهمت في تثبيت مساره السياسي تشعر اليوم بأنها مُهمّشة.

ويشرح: “هناك تململ داخل الإدارة وداخل الأجهزة، وحتى داخل الديوان الرئاسي نفسه. الرئيس يدير الدولة بعقلية الفرد الواحد، ويستبعد حتى الأشخاص الذين ساعدوه على الوصول إلى السيطرة الحالية. ما نراه الآن هو مواجهة مفتوحة بين دوائر داخل الدولة تشعر بأنها مستغلة أو مستهدفة.”

الكاتب التونسي صالح عطية يشتبك مع تزايد وتيرة الانتقادات لقيس سعيد من داخل معسكره السياسي في مقالة له بالقول إن هناك ثلاث ملاحظات أساسية في هذا السياق:

1. التجربة التونسية الراهنة قد استنفدت جميع أدواتها وقواعد لعبتها، ولم تعد قادرة على الاستمرار أكثر، لا سيما في غياب القدرة على “التغيير من الداخل” وتعديل أوتار الحكم.

2. تآكل “الحزام الرئاسي” بشكل واضح، إذ لم يعد ثمّة من المدافعين عنه سوى بعض الأصوات غير المؤثرة، وتلك التي تُصنّف ضمن “أصوات الطابور الخامس”، فهي لا تزيد بدفاعها عن منظومة الحكم الراهنة سوى الإمعان في غضب الناس ومزيد احتقانهم.

3. تونس تمرّ بمخاض كبير وعميق، مع ظهور “البنية الهشّة للحكم” بشكل واضح وجليّ، والغريب أنّ هذه الهشاشة لم تكن بمفعول ضغط المعارضة بقدر ما كانت ترجمة لفراغ مدوّ في مستوى التصورات للحكم، والخيارات والسياسات، وعلاقات السلطة المتوترة مع أكثر من طرف في الداخل والخارج.

يشير صالح عطية إلى أن العقل التونسي يحتاج إلى التفكير خارج كل الصناديق، عسى أن يتوصل إلى مخرج لهذه الأزمة التي أدخلت فيها البلاد رغماً عنها، بلا بوصلة أو تصور أو خيارات واضحة، وهي اليوم تجني نتيجة ذلك، مأزقًا حقيقيًا يحتاج التونسيون إلى براعة في التفكير للخروج من هذا النفق.

 تصعيد قيس سعيد ضد الاتحاد الأوروبي

وفي تصعيد جديد يبرز توتر العلاقة بين تونس والاتحاد الأوروبي، وصف الرئيس التونسي قيس سعيد قرار البرلمان الأوروبي، الذي دعا إلى إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، بأنه “تدخل سافر” في الشؤون الداخلية لتونس، مؤكدًا أن سيادة البلاد غير قابلة للمساس.

وجاء القرار الأوروبي بعد الإفراج عن المحامية والمعلقة سنية الدهماني، التي قضت أكثر من نصف عقوبتها منذ توقيفها في مايو 2024، وذكر البرلمان الأوروبي ضرورة حماية حرية التجمع والتعبير واستقلال القضاء، مع الدعوة لإلغاء المرسوم 54 المثير للجدل، والذي يتيح مقاضاة منتقدي السلطات بتهم نشر أخبار غير صحيحة أو التشويه. كما طالبت المؤسسات الأوروبية بالضغط على الحكومة التونسية للتراجع عن أي ضغوط اقتصادية تمارسها ضد المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان.

هذا التصعيد الدبلوماسي يأتي بعد يوم من احتجاج الرئاسة التونسية على ما اعتبرته خرقًا للضوابط الدبلوماسية من قبل سفير الاتحاد الأوروبي جيوسيبي بيروني، إثر لقائه مع ممثلين عن الاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد الأعراف، وهما من أكثر المنظمات نفوذًا في البلاد. وأوضحت الرئاسة أن سعيد استدعى السفير لإبلاغه احتجاجًا شديد اللهجة على التعامل خارج الأطر الرسمية المعتمدة، معتبرًا أن اللقاءات غير الرسمية تتجاوز الأعراف الدبلوماسية المتعارف عليها.

وكانت اللقاءات التي أجراها بيروني مع الاتحاد العام التونسي للشغل، برئاسة الأمين العام نور الدين الطبوبي، قد سببت توترًا إضافيًا، خاصة بعد تأكيد الطبوبي أن المنظمة “متجهة نحو إضراب عام دفاعًا عن الاستحقاقات المادية والاجتماعية للشغالين والدفاع عن الحق النقابي في مواجهة مصاعب الحياة”. في المقابل، أشاد السفير الأوروبي بالدور الكبير للاتحاد في دعم الحوار الاجتماعي والتنمية الاقتصادية في تونس، وفق بيان نشره الاتحاد على “فيسبوك”.

المصدر في حزب النهضة، والذي كان يعمل مستشارًا سابقًا لرئيس البرلمان راشد الغنوشي، علق على التصعيد الأخير بين تونس والاتحاد الأوروبي، قائلًا لـ”عربي بوست”: “الوضع في تونس أصبح معقدًا جدًا. خطوة الرئيس سعيد بالاحتجاج على البرلمان الأوروبي واستدعاء ممثل الاتحاد الأوروبي ليست مفاجئة، لكنها تعكس أزمة ثقة كبيرة بين السلطة التونسية والمؤسسات الدولية. من الطبيعي أن تدافع الدولة عن سيادتها، لكن التصريحات التي تتسم بالحدة تجعل من الصعب إجراء أي حوار بناء، سواء مع المجتمع الدولي أو مع منظمات المجتمع المدني”.

وأضاف المصدر: “الاحتجاجات الدبلوماسية التي أطلقها الرئيس تأتي في وقت يحتاج فيه المشهد السياسي إلى التهدئة والتوافق الداخلي، لا إلى التصعيد. البرلمان الأوروبي لم يتدخل اعتباطًا، بل حاول لفت الانتباه إلى وضع حقوق الإنسان والحريات الأساسية في تونس، خصوصًا بعد الإفراج عن المحامية سنية الدهماني. هذه المؤشرات تعكس تدهورًا واضحًا في استقلال القضاء وحماية الحريات، وهي ملفات تحتاج إلى معالجة جدية بدلًا من رفض أي نقد خارجي بشكل كامل”.

وتابع المصدر: “تونس اليوم أمام مفترق طرق. يجب أن يكون هناك توازن بين الحفاظ على السيادة الوطنية والانفتاح على الحوار مع المجتمع الدولي. أي تجاهل للرسائل الأوروبية أو أي تصعيد متواصل قد يعمّق الأزمة ويزيد من عزلة تونس على المستوى الدولي، وهو ما لا يخدم أي طرف، سواء السلطة أو الشعب”.

وعن موقف النهضة من هذا المشهد، يؤكد المصدر أن الحزب ينظر إلى ما يجري من زاوية وطنية لا حزبية، رغم أن التطورات تصبّ موضوعيًا في مصلحته السياسية. ويقول: “النهضة تراقب المشهد لكنها لا تتعامل معه بمنطق الشماتة أو الاستثمار المباشر. البلاد تمرّ بأزمة عميقة، وحتى لو سقط نظام سعيّد غدًا، فإن إعادة بناء الدولة ستكون مهمة بالغة التعقيد. هذه ليست فرصة حزبية، بل فرصة وطنية لإعادة ترتيب المشهد على أسس سليمة”.

وفق تقدير المستشار السياسي السابق، فإن دائرة التمرد مرشحة للاتساع بشكل كبير خلال المرحلة المقبلة. ويضيف: “هذه ليست سوى البداية. هناك تململ صامت داخل الإدارة والأجهزة والبرلمان. وكلما اشتدت الأزمة الاقتصادية والمالية، ستزداد الجرأة لدى المزيد من الشخصيات لرفع أصواتهم ضد الرئيس”.

ويؤكد المصدر أن ما يحدث اليوم يمثل نقطة مفصلية في مسار حكم قيس سعيد، ويضيف: “الأنظمة الفردية تبدأ عادة بتآكل داخلي قبل السقوط العلني. وعندما يبدأ أهل البيت بالتمرد، فهذا يعني أن النظام فقد السيطرة على أهم أدواته: الخوف، والولاء، والقدرة على خلق سردية موحّدة. التغيير قادم، قد يتأخر، لكنه أصبح أمرًا حتميًا.”

عربي بوست

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب