كتب

قرار الكنيست بإلغاء قانون الأراضي الأردني: انتهاك للشرعية الدولية وتحدٍّ للولاية الأردنية

قرار الكنيست بإلغاء قانون الأراضي الأردني: انتهاك للشرعية الدولية وتحدٍّ للولاية الأردنية

بقلم: المحامي علي أبو حبلة

أثار القرار الذي صوّت عليه الكنيست الإسرائيلي والقاضي بإلغاء قانون الأراضي الأردني المطبّق في الضفة الغربية قبل عام 1967، موجة واسعة من التحذيرات والانتقادات، لكونه يشكّل خطوة أحادية الجانب تمسّ الوضع القانوني للأرض المحتلة، وتتناقض مع مبادئ القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن واتفاقية وادي عربة. ويأتي القرار في إطار مسار إسرائيلي متصاعد يستهدف إعادة تشكيل البيئة القانونية في الضفة الغربية وفرض تشريعات الاحتلال على أراضيها، بما يعكس توجهًا واضحًا نحو الضم التشريعي التدريجي.

من منظور قانوني، فإن إلغاء التشريع الأردني في الضفة يفتقر لأي شرعية، إذ تحظر المادة (64) من اتفاقية جنيف الرابعة على قوة الاحتلال تغيير القوانين السارية في الأرض المحتلة إلا في حدود ضيقة ومؤقتة. كما أن محاولات فرض القوانين الإسرائيلية على الضفة الغربية تُعدّ انتهاكًا مباشرًا لمبدأ عدم جواز اكتساب الأراضي بالقوة، وهو المبدأ الذي أكدته قرارات مجلس الأمن، وفي مقدمتها 242 و338، اللذان حددا بوضوح أن الضفة الغربية أرض محتلة تخضع لقواعد القانون الدولي، ولا يجوز تغيير وضعها القانوني من خلال تشريعات أحادية.

وينسف القرار أحد الالتزامات الواردة في اتفاقية وادي عربة لعام 1994، والتي تؤكد على احترام الوضع القائم في الأراضي المحتلة بعد عام 1967، وعدم اتخاذ أي إجراءات من شأنها تغيير هذا الوضع. كما ينطوي على تأثير مباشر على حقوق الدولة الأردنية في الأراضي المسجّلة ضمن سجلاتها الرسمية في الضفة الغربية، سواء تلك المملوكة للخزينة أو للمؤسسات العامة والخاصة، ما يحوّل القرار إلى اعتداء صريح على الحقوق القانونية الأردنية.

وعلى المستوى السياسي والدبلوماسي، أعاد القرار تسليط الضوء على الدور الأردني الثابت في حماية الوضع القانوني في القدس والضفة الغربية، وفي مقدّمته الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، والتي تحظى باعتراف إقليمي ودولي راسخ. وقد كرّرت الجهات الأردنية الرسمية—في بيانات وتصريحات متعددة صدرت خلال الأيام الماضية—رفضها للتصرفات الإسرائيلية الأحادية، مؤكدة أن المملكة لن تعترف بأي تغيير على الوضع القانوني والتاريخي في الضفة الغربية أو القدس، وأن أي إجراءات من هذا النوع تُعد غير مشروعة وفاقدة للأثر القانوني.

وتحذّر مصادر أردنية من أن استمرار إسرائيل في تشريع قوانين تستهدف البنية القانونية للأرض المحتلة، يشكل انتهاكًا خطيرًا يهدد الاستقرار الإقليمي ويقوّض أسس عملية السلام. وتؤكّد هذه المصادر أن المملكة ستواصل تحركها السياسي والدبلوماسي لحماية حقوقها وحماية الوضع القانوني الدولي المعترف به، وأنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام محاولات تغيير البنية القانونية للأراضي المحتلة أو التأثير في حقوق ملكية أردنية أو فلسطينية محمية بالوثائق الرسمية والمعاهدات الدولية.

بالتوازي مع ذلك، تدرس الجهات الرسمية في عمان، وفق مصادر مطلعة، سلسلة إجراءات لمواجهة القرار، تشمل تقديم احتجاجات رسمية، ومخاطبة الأمم المتحدة ومجلس الأمن لوضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته، إضافة إلى دراسة الخيارات القانونية المتاحة بما فيها اللجوء إلى محكمة العدل الدولية. وبحسب هذه المصادر، فإن أي خطوات إسرائيلية أحادية لن تغيّر من موقف الأردن المتمسّك بالشرعية الدولية، ولن تمنح الاحتلال حقًا غير قائم أصلًا.

إن خطورة القرار تتجاوز تأثيراته القانونية المباشرة، ليصبح جزءًا من مسار يهدف إلى إعادة تشكيل البيئة القانونية والإدارية في الضفة الغربية بما يتعارض مع القانون الدولي، ويقوّض آفاق أي حل سياسي قائم على قرارات الشرعية الدولية. وهنا تبرز أهمية الموقف الأردني الرسمي الذي يجمع بين الرفض القانوني الصريح، والتحرك الدبلوماسي النشط، والتشبث بوحدة الموقف العربي والدولي الرافض لأي تغيير أحادي الجانب.

ختامًا، فإن قرار الكنيست، رغم خطورته، يبقى—وفق القانون الدولي—مجرد خطوة باطلة لا تنشئ حقًا للمحتل ولا تُسقط حقًا لأصحابه. إلا أن التعامل معه يتطلب يقظة سياسية وقانونية مستمرة، وتحركًا متماسكًا يصون الحقوق الأردنية والفلسطينية، ويؤكد أن القانون الدولي ما زال المرجعية الأسمى، وأن الأردن سيظل في مقدمة الدول المدافعة عن هذه المرجعية وعن استقرار المنطقة وحماية حقوقها وحقوق شعبها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب