سعدالله الفتحي: مسيرة مهمه… ما لها وما عليها
سعدالله الفتحي
انتهيت حديثا من قراءة كتاب الصديق دكتور رمزي سلمان – الرئيس الاسبق لشركة تسويق النفط العراقية سومو ونائب الامين العام لمنظمة اوبك سابقا – الصادر في بيروت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشربعنوان “مسيرتي” متحدثا فيه عن مراحل حياته بما في ذلك اصوله العائلية ودراسته وعمله الجامعي وفي وزارة النفط ومنظمة اوبك وقطر.
قبل كل شيء اهنىء الدكتور رمزي على صدور كتابه وارى ان “مسيرته” الاولية ولغاية عودته من الدراسة الجامعية تكاد تكون مشابهة للكثيرين – وانا منهم – من حيث نشأتنا المتواضعة وتقدمنا في الدراسة واتاحة الفرصة لنا للدراسة خارج العراق من بلد محب لأبنائه من اين ما جاؤا لايفرقهم الا مدى تفوقهم في الامتحانات.
وقد اعجبت بافتتاح “مسيرته” بالحديث عن الوالد، رحمه الله، وعن عصاميته وكيف شق طريقه في حياة لم تكن سهلة مأكدا بذلك تواضع العائلة المكافحة واهتمامها بان يحضى ابنائها بفرصة افضل. وهذا ايضا ينطبق علي وعلى الكثيرين من زملائنا.
ويقول المؤلف “المطبوع ليس مذكرات او سيرة حياة” ولكنه سوف يأخذ على انه كذلك خاصة انه كان غنيا بالتفاصيل في بعض الجوانب ومختصرا في غيرها مما يثير اسئلة كثيرة بحاجة الى اجابة.
انا لا استغرب ان الدكتور رمزي ابتدأ حياته العملية في جامعة بغداد خاصة ان اغلب مدرائنا كانوا يفضلون من هم اقل درجة جامعية للتعيين في الدوائر العاملة في وزارة النفط لكي يتماشوا مع متطلبات العمل الحقلي او لا يستنكفون منه. ولكن هناك بالتأكيد استثناءات اخرى شاهدتها وانا مديرا لقسم الهندسة في مصفى الدورة والدكتور رمزي ايضا اثبت ذلك بتواضعه وقبول التدريب في الحقل لاحقا. الا ان ذهابه للجامعة كان مفيدا اذ تخرج من قسم هندسة النفط – وكان من مؤسسيه – بعضا من خيرة مهندسينا العراقيين وغيرهم بما في ذلك رئيس شركة النفط الوطنية الباكستانية.
حدثنا عن بدايات شركة النفط الوطنية المتواضعة وكيف كانت مهمتها استلام المعلومات من الشركات بخصوص اراضي القانون 80 لتقييم تلك المعلومات من خلال استعمال الحاسبة في الجامعة الامريكية في بيروت وكيف كانت تلك الاعمال قاعدة لقرارات لاحقة حول حجم الاحتياطي النفطي الذي قدربنحو 105 مليار برميل لكنه لا يقول لنا لماذا بقي ذلك الرقم سرا لمدة طويلة. الا انه لم يحدثناعن الصعوبات السياسية التي صاحبت محاولات الشركات الالتفاف على تأسيسها بتأسيس شركة مشتركة كما اذكر ولا عن اسباب تأخر عملها الحقلي الى سنة 1969. وفي تلك الفترة ايضا كان الدكتور رمزي من العاملين النشطين في جمعية ونقابة المهندسين التي كانت لها مكانة كبيرة في العراق.
ان شركة النفط الوطنية على الرغم من سنوات البناء بين 1964 و 1968 الا انها لم تنطلق الا بالتحدي السياسي بعد ذلك وحفر اول بئر والشروع بتطوير شمال الرميلة وبتدريب العراقيين في الجزائر وقبول مقاولي الحفر الاجانب وغيرهم بكل تواضع.
ويشكر المؤلف على توسعه في شرح بدايات عمليات تسويق النفط وطنيا فقلة من الناس من يعرف ذلك وهي تذكر للمرة الاولى بشكل مكتوب وكيف تم اختياره ليكون رئيسا لمؤسسة ثم شركة سومو ويشرح كيف ان تسويق الانتاج الوطني من الفاو والحصة العينية من طرابلس وغيرها كانت مدرسة للتعلم. لكنه مع الاسف لم يكتب عن ظروف التاميم واستشارة الرئيس صدام حسين لبعض العاملين في الوزارة لاهمية هذا الموضوع مهنيا وتاريخيا.
لا يوجد ادنى شك بان الدعم السياسي الكبير الذي اعطي لعملية التسويق ورئيسها كان له الاثر الكبير في نجاح سومو واخذها مكانا عالميا مرموقا حتى عند بعض الشركات التي لم تكن سومو تتعامل معها. ان تجاوز سومو للصعوبات التي صاحبت عمليات التسويق خاصة بعد التأميم مباشرة تستحق الفخر كمثال على الاصرار والمهنية وكذلك على الدعم من قبل بعض الشركات العالمية التي كانت تريد ان تتخلص من سيطرة الشركات الكبرى ووضوح السياسة التسويقية من حيث تحقيق اكبر فائدة للعراق وتوسيع قاعدة المشترين دون اغفال اسبقية التعامل مع الدول المراعية لمتطلبات العراق سياسيا وامنيا واقتصاديا والالتزام بالعقود حتى في حالة تقلب السوق.
ويشير المؤلف ان التعاون الخليجي اثناء الحرب مع ايران لم يكن يتوافق مع تصريحات بعض المسؤلين مثل تايه عبد الكريم رحمه الله. ولكنني اضيف ان كل سياستنا داخل اوبك لم تكن مفهومة في تلك الفترة. فقد كنا في حرب مع ايران ومتوافقين معها في سياستها النفطية الداعية لاعلى الاسعار بالضد من السعودية ودول الخليج. حتى على نطاق الفنيين في اجتماعات اوبك كان الوضع هكذا.
كان تصدير النفط الخام من العقبة بالشاحنات – اثناء الحرب مع ايران – بسبب حاجتنا لأي منفذ مهما صغر وقد سبق هذه العملية قيام المصافي والتوزيع باعداد كافة متطلبات تصدير زيت الوقود من هناك ايضا. وبهذه المناسبة فانني استغرب عدم ذكرالمؤلف في كل الكتاب عن تصدير المنتجات النفطية العراقية – عن طريق الاردن وتركيا – الذي كان جهدا كبيرا مشتركا بين التسويق والمصافي والتوزيع والذي بلغ اكثر من 150 الف برميل باليوم في 1985.
ذكر بعض المناسبات التي كان على سومو القيام بدور مهم لحل اشكاليات تعاني منها جهات عراقية اخرى مثل صفقة صواريخ الاكسوسيت. هذا ما يأكد ان سومو – كغيرها – ذراعا للدولة وان دورها التخصصي او الخاص لا يجعلها خارج هذا السياق. لكن المهم ان سومو تمكنت من القيام بذلك دون التضحية بدورها في المحافضة على فصل عقود بيع النفط عن اية التزامات اخرى. وكذلك برفضها ان تكون ضامنة للعقود بدلا من البنك المركزي.
مؤسف ان ماذكره المؤلف في باب “التوتر مع الكويت” جدليا واحادي الجانب وكأن الكويت لم تكن جزء من استدراج العراق الى مأساة اضرت بالبلدين. فالكويت لم تغرق السوق بالنفط بقدر ماهي منعت اي اتفاق ذا معنى داخل اوبك او اضعفته بالتصريحات. علي الصباح بتصريحه المشهور عن انسحاب الكويت من اي اتفاق اذا تجاوز اي عضو حصته بمقدار برميل واحد كان يفسر على ان اتفاق اوبك يفتقد للجدية. اما عدم انتقاد اي دولة للكويت فهو بسبب ان الاعضاء كانوا يضعون كل دول الخليج في سلة واحدة. هذا الباب سيركز عليه بعض المعلقين وينسون كثيرا من ايجابيات المسيرة الاخرى.
في باب “رسالة امير الكويت الى صدام حسين” حول ضرورة قيام السعودية والعراق والكويت قيادة منظمة اوبك وقراراتها تبين ان تعليق الرئيس صدام وموافقته على محتوى الرسالة يمثل نوعا من “الاستراتيجية البعيدة المدى” التي كانت ناقصة في اوبك، حيث الدور القيادي كان مفقودا. فالدول الكبيرة نفطيا (السعودية والعراق والكويت) بحكم ضخامة احتياطياتها ستقود اوبك على ان تراعي هذه الدول من هم اقل امكانية ايضا. وهذا ما يحدث الان في اوبك+ بعد اكثر من ثلاثين سنة من تلك الرسالة.
ان ما اورده المؤلف عن اجتماع جدة في تموز 1990 بين وزراء نفط العراق والسعودية والامارات والكويت كانت مجرياته تصب في استفزاز جديد للعراق وخارجا تماما عن اي اتفاق سابق. ربما يكون نقله لنا من قبل المؤلف – من خلال ملاحظاته المكتوبة – المصدر الوحيد ولكن دون ان يناقشه اويعلق عليه. ولا استغرب ان علي الصباح كان رأس الرمح في الاستفزازات وهو من مهندسي المأساة بين العراق والكويت. سأله احد موظفيه الكبار – كما قال لي – لماذا تتصرف هكذا وماهي الفائدة من عزل الكويت عن بقية المنظمة؟ فكان جوابه انه يدير مصالح الكويت الاستراتيجية. وتبين لاحقا ان مصالح الكويت الاستراتيجية تعني تدمير العراق. الكل يعلم ان موقف السعودية كان الافضل وكان توفيقيا ولكنها مع الاسف لم تستطع ان تلجم الكويت والامارات او ربما كان الوقت متأخرا اذ حدثت المأساة بعد ايام قليلة.
اما عمل المؤلف في اوبك فلن اعلق عليه حيث صاحبته في اغلب المدة التي قضاها هناك وكنا فخورين في ما انجزه بشأن العلاقة مع الحكومة النمساوية وخاصة ما يتعلق بالبناية من حيث مسؤلية مالكيها في صيانتها وعدم مسؤلية اوبك في دفع اجارها السنوي. وكان بودي ان يذكر رفض دول الخليج – رغم انصافه لهم – تمديد خدمته بعد انتهاء ستة سنوات لا بل الغاء منصب نائب الأمين العام في نفس الوقت ربما لكي لا يشغله عراقي مستقبلا.
في ختام هذه الملاحظات، اود ان اهنأ الدكتور رمزي مجددا على نشره كتابا مهما رغم الاختصار الكبير لجوانب ستبقى غامضة او اسئلة بحاجة الى اجابات. المهم ان يستفيد الجيل الحالي من تجربة مهمه وكفوءة بعدد محدود من المنتسبين ربما لم يتجاوز ثمانين وما يقال حاليا عن اعداد مضاعفة.
فيينا – سعدالله الفتحي
Post Views: 1