عربي دولي

مصر: أهالي ضحايا قارب غرق قرب اليونان يروون لـ«القدس العربي» معاناتهم

مصر: أهالي ضحايا قارب غرق قرب اليونان يروون لـ«القدس العربي» معاناتهم

تامر هنداوي

القاهرة ـ «القدس العربي»: اتشحت قرى مصرية بالسواد بعد تضاؤل آمال العثور على ناجين في واقعة غرق قارب الهجرة غير الشرعية بالقرب من سواحل اليونان. إحدى هذه القرى التابعة لمركز تلا في محافظة المنوفية في دلتا مصر، فقدت أكثر من 10 من أبنائها في غرق القارب، حسب ما أكد أيمن أبو سعدة، شقيق أحد المفقودين لـ«القدس العربي».

15 شخصا من قرية واحدة

وقال إن «شقيقه الذي يدعى عبده، وأكثر من 15 آخرين من أبناء قريته، كانوا على متن القارب، لم يظهر منهم سوى اثنين حتى الآن. وكان آخر اتصال مع شقيقي صباح يوم الخميس قبل الماضي، حيث أخبرنا أنهم في الطريق إلى التخزين في مدينة طبرق الليبية، وأن المهربين سيجمعون الهواتف وسيمنعونهم من إجراء أي اتصال قبل ارتياد المركب».
«والتخرين» مصطلح تطلقه عصابات الهجرة غير الشرعية على المرحلة الأخيرة من عملية التهريب، وهي جمع الشباب في مكان بعيد عن أعين أجهزة الأمن، ويتم جمع هواتفهم ومنعهم من الاتصال بعائلاتهم، حتى تجهيز القارب الذي سيقلهم إلى الشواطئ الأوروبية.
ويعمل عبده الذي يبلغ من العمر 35 عاما ولديه 3 أطفال، في مجال تركيب السيراميك، وقد سافر قبل شهر من واقعة المركب ليلتحق بشقيقه الموجود في ليبيا، لكنه قرر فجأة خوض مغامرة السفر إلى أوروبا عبر عصابة تهريب، حسب شقيقه، الذي أكد أنه حاول منعه كثيرا من الإقدام على مثل هذه الخطوة.

عصابات التهريب

عبده سافر إلى ليبيا بشكل شرعي، وفق شقيقه، لكن آخرين خرجوا من مصر بعد الاتفاق مع مندوبين لعصابات التهريب، ليخوضوا رحلة أصعب، حسب قريب أحد الضحايا من قرية أبراش التابعة لمحافظة الشرقية. إذ قال لـ«القدس العربي» مفضلا عدم ذكر اسمه، إن الرحلة بدأت قبل 3 أسابيع، عندما اتفق أحد أقاربه مع أحد مندوبي عصابات الهجرة غير الشرعية لتهريبه إلى أوروبا على مرحلتي، الأولى تتضمن الدخول إلى الأراضي الليبية بمقابل مالي يقدر بـ20 ألف جنيه، أي حوالى 645 دولارا.
يضيف: «كنت على اتصال به بعدما وصل إلى ليبيا، وروى لي كيف كانت الرحلة شاقة وخطرة». قائلا: بعد أن «وصل إلى مدينة السلوم الحدودية، التقى بالمهرب وانضم إليه آخرون من المهاجرين غير الشرعيين، قبل أن يتوجه بهم إلى منطقة تبعد عن الحدود مسافة عدة كيلومترات وطالبهم بالسير من خلال المرتفعات بعيدا عن أعين حرس الحدود إلى داخل الأراضي الليبية».
وبعد أن تمكنوا من دخول الحدود الليبية، جرى تسليمهم إلى دليل جديد طالبهم هو الآخر بالسير لمسافة مماثلة وسط الجبال حتى يتم تسليمهم لدليل آخر يقلهم إلى مدنية طبرق، لتبدأ المرحلة الثانية من الرحلة من خلال التخرين، والاستعداد للإبحار مقابل 100 ألف جنيه، حوالى 3 آلاف دولار، قبل أن يغرق بهم المركب.
عشرات الأسر المصرية لا تعلم حتى الآن مصير أبنائها. وقال محمد شوقي عواد شقيق أحد المفقودين لـ«القدس العربي» إن أسرته لا تعلم شيئا عن شقيقه، وإن البعض يتحدث عن وجود أحياء ومصابين في 3 مستشفيات في اليونان، وإنه تواصل مع أبناء قريته الموجودين هناك وبعض من أبناء الجالية المصرية للبحث عن شقيقه.
عملية البحث عن الأحباء أو حتى التأكد من وفاة البعض بعد انتشال جثامين من البحر، ليست بالأمر السهل، ووفق أيمن أبو سعدة، شقيق أحد المفقودين الذي قال لـ«القدس العربي» إن «بعضا من أبناء قريته المقيمين في إيطاليا توجهوا إلى اليونان فور علمهم بحادث غرق المركب، لكن السلطات اليونانية منعتهم من إلقاء نظرة على الجثامين للتعرف على هويتهم، بعد أن اشترطت إجراء بصمة وراثية من خلال السفارة المصرية في اليونان».
وانتقد أبو سعدة تصرف السلطات اليونانية واعتبره تعنتا غير مقبول في ظل هذه الظروف، كما انتقد غياب دور السفارة المصرية في مساعدة أهالي الضحايا في إجلاء مصير أبنائهم.

قالوا إنهم لا يعلمون مصير أبناءهم… وانتقدوا تخاذل سفارة بلادهم… واتهموا خفر السواحل بالتسبب في الحادثة

واعترف أبو سعدة أن شقيقه أخطأ عندما أقدم على هذه الخطوة، لكنه رأى أن أي مواطن مصري له حق على السفارة المصرية في اليونان، قائلا: «لولا الظروف الاقتصادية لما أقدم شقيقي على هذه الخطوة وفي النهاية هو وحده الآن يدفع ثمن محاولته السفر إلى أوروبا لتحسين أحواله المالية».
وأعلنت وزارة الداخلية اليونانية إنقاذ 104 أشخاص في حادث غرق المركب بينهم 43 مصريا، ونشرت قائمة بأسمائهم، وأقدمت على توقيف 8 من المصريين بعد توجيه اتهام لهم «بتأسيس منظمة إجرامية وتهريب مهاجرين غير شرعيين».
لكن أعضاء في الجالية المصرية في اليونان، اعتبروا أن توقيف المصريين الثمانية جاء دون برهان على ضلوعهم في عملية التهريب. ودللوا على موقفهم بأن أحد المتهمين الذين أوقفتهم السلطات اليونانية، يدعى محمد عماد عبد المجيد يبلغ من العمر 25 عاما وسافر في مارس/ آذار الماضي، بعد أن أنهى فترة تجنيده في يناير/ كانون الثاني الماضي، وأكدوا أن ذلك يمثل دليلا على قصر الفترة التي أقام فيها في ليبيا، وبالتالي لا يمكن أن يكون ضمن عناصر التهريب.

اتهامات لليونان

آخرون وجهوا أصابع الاتهام لخفر السواحل اليوناني بالتسبب في غرق المركب، وقال محمد الشرقاوي، وهو مصري من قرية أبرشة التابعة لمحافظة الشرقية، مقيم في اليونان، وفقد شقيقه في حادث غرق المركب، إن خفر السواحل تسبب في غرق المركب بعد ربطه وسحبه بشكل سريع، ما تسبب في انقلاب المركب.
وأضاف أن العديد من أبناء قريته بينهم شقيقه كانوا على متن المركب لم ينج منهم سوى 6 أشخاص. وتابع: في قريتنا الكل يعرف من هو المندوب المسؤول عن هذه العملية، قائلا: جمعوا من الشباب الأموال وألقوا بهم في مركب متهالك في عرض البحر.
ورغم فجيعة الحادث، أصدرت السلطات المصرية بيانين خلال الأيام الأربعة الماضية، أحدهما أصدرته وزارة الخارجية، والثاني على لسان وزيرة الهجرة وشؤون المصريين في الخارج سها الجندي، نعت فيه ضحايا الحادث، وقالت إن الوزارة تجري تنسيقا مع الجهات المعنية، للوقوف على أسماء الناجين وموقفهم، وكذلك الذين لقوا مصرعهم خلال هذه الكارثة.

عدد غير محدد

ولفتت إلى أن إجمالي عدد من كانوا على المركب يتراوح ما بين 400 و 750 من جنسيات مختلفة، وإجمالي عدد المصريين الناجين43 منهم 5 قُصر، و38 رجلا، وأنهم شباب ما بين 20 و40 سنة من البالغين المصريين.
وأضافت أن هناك 8 أشخاص يتم التحقيق معهم ووجهت لهم تهمة تنظيم هجرة غير شرعية والتسبب في قتل ضحايا والانتماء لمنظمة جريمة منظمة، وهم رهن الاعتقال.
وأضافت أن إجمالي من تم إنقاذهم 104 من الجنسيات الأخرى التي تم انقاذها: 12 باكستانياً، 47 سورياً، وفلسطينيان اثنان. وأكدت أن عدد المفقودين من المصريين غير محدد، لأن الحادث كان في مياه عميقة جدا، وتتم متابعة الموقف أولا بأول.
ودعت، «الشباب المصري ألا يلقوا بأنفسهم في رحلات الموت، وأن يحرصوا على السير في الطرق القانونية، والالتحاق ببرامج التدريب والتأهيل من أجل التوظيف التي تنظمها الوزارة لإكساب الشباب المهارات والخبرات، التي تؤهلهم للعمل في المشروعات القومية أو فرص عمل آمنة في الخارج».

حديث السيسي

الإعلان عن غرق المركب جاء بعد ساعات فقط من رد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على المطالبات بمنح مزيد من الحريات للمعارضة، إذ قال الأربعاء الماضي «الناس تريد أن تعيش، يأتي من يطلب إعطاء الناس فرصة للحريات أكتر وهذا صحيح، لكن الناس لن تظل تتحدث، ستتركك وتتجه إلى البحر وتهاجر».
حديث السيسي الذي جاء خلال افتتاح محطة مياه في الإسكندرية، شمال مصر، بدا وكأنه يحمل رسالتين، الأولى للداخل عن صعوبة الوضع الاقتصادي، وأخرى للقاطنين في الجهة المقابلة من البحر المتوسط، بشأن دور مصر في الحد من الهجرة غير الشرعية، وهي القضية التي كثيرا ما لوح بها لمطالبة الأوروبيين بدعم بلاده.
وكان الاتحاد الأوروبي أعلن أواخر العام الماضي، توقيع اتفاق مع مصر يتعلق بالمرحلة الأولى من برنامج لإدارة الحدود بقيمة 80 مليون يورو.
ووفقا لوثيقة نشرتها مفوضية الاتحاد، يهدف المشروع إلى مساعدة حرس الحدود وخفر السواحل في مصر على الحد من الهجرة غير الشرعية والإتجار بالبشر على الحدود، كما يتضمن تمويلا لشراء معدات مراقبة مثل سفن البحث والإنقاذ والكاميرات الحرارية وأنظمة تحديد المواقع عبر الأقمار الصناعية.
ووفقا لوثيقة المفوضية الأوروبية، تم توقيف أكثر من 26 ألفا و500 مصري على الحدود الليبية في عام 2021.
ولفتت الوثيقة إلى أنه من المرجح أن تشهد مصر «تدفقات كثيفة» من المهاجرين على المدى المتوسط إلى الطويل بسبب عدم الاستقرار الإقليمي وتغير المناخ والتحولات الديموغرافية وتراجع الفرص الاقتصادية.

تزايد هجرة المصريين

منذ أواخر عام 2016 انخفض معدل الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا من الساحل الشمالي لمصر، لكن وفقا للوثيقة الأوروبية، فإن هجرة المصريين عبر الحدود الصحراوية الطويلة لمصر مع ليبيا ومن ساحل البحر المتوسط الليبي إلى أوروبا آخذة في التزايد.
وحسب التقارير الأوروبية فإنه في الفترة ما بين 1 يناير/كانون الثاني إلى 28 أكتوبر/تشرين الأول عام 2022، أعلن 16 ألفا و413 مهاجراً وصلوا بالقوارب إلى سواحل إيطاليا أنهم مصريون، ما يجعلهم ثاني أكبر مجموعة بعد التونسيين، وفقًا لبيانات نشرتها وزارة الداخلية الإيطالية.
وكان مشهد عودة آلاف المصريين وبعض الجنسيات الأخرى المرحلين من ليبيا سيرا إلى الحدود المصرية خلال الشهر الجاري، أثار المخاوف بشأن تزايد إقدام المصريين على الهجرة غير الشرعية.
جاء ذلك في أعقاب مداهمات نفذتها قوات شرق ليبيا على أوكار تهريب البشر، وعثرت على ما يقرب من 4 آلاف شخص. ونجحت مصر خلال السنوات الماضية في خفض معدل الهجرة غير النظامية عبر سواحلها، لكن في المقابل دفعت الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تشهدها البلاد وأدت إلى انخفاض قيمة العملة المحلية وموجات متتالية من ارتفاع الأسعار، إلى زيادة معدل هجرة المصريين عبر السواحل الليبية.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب