تحقيقات وتقارير

الرياح الفلسطينية تهب بما لا تشتهيه سفن الاحتلال والأيام الآتية تنذر بعواقب وخيمة

الرياح الفلسطينية تهب بما لا تشتهيه سفن الاحتلال والأيام الآتية تنذر بعواقب وخيمة

وديع عواودة

الناصرة ـ : في نظرة ثاقبة متبصرة لما تشهده الضفة الغربية ومجمل الأراضي الفلسطينية، تبدو الصدامات الدموية الأخيرة مجرد مناظر لفيلم أشد وأصعب تحمله الأيام نظرا لاستمرار حالة استعمارية يتعرض فيها ملايين الفلسطينيين للاحتلال والحصار والسلب والنهب والتعامل الصهيوني الفوقي. ينظر الفلسطينيون في الضفة الغربية من حولهم ويرون كيف تسرق أرضهم ومياههم ومجمل مقدراتهم من قبل أذرع الاحتلال والمستوطنين ممن يشاركون الجنود في الاعتداء عليهم وتحويل حياتهم اليومية إلى كابوس. وكلما حاول الفلسطينييون التخلص من هذه الأعباء عادت السلطات الإسرائيلية لاستخدام القوة المفرطة ضمن استراتيجية القمع وكسر الإرادة ونظرية «جز العشب». فكلما رفع شاب رأسه يقاوم الظلم والظلام يلاحق حتى الموت. ولا فرق بذلك بين حكومات إسرائيل المتعاقبة من اليمين واليسار الصهيونيين، فالمداهمات والاعتقالات وجرائم القتل المستمرة في الضفة الغربية اليوم هي جزء من مسلسل بدأته حكومة الاحتلال السابقة بقيادة لابيد وغانتس وبينيت والتي نعتت نفسها بـ «حكومة التغيير». تلك الحكومة التي انهارت بعد عام هي التي أطلقت حملة «كاسر الأمواج» وفيها قتلت نحو 200 فلسطيني في عام واحد إلى جانب اعتقال المئات في مداهمات يومية انطلاقا من مفهوم عسكري مفاده أن «أفضل وسيلة للدفاع هي الهجوم» ومحاولة وأد المقاومة الفلسطينية في مهدها بقوة وحشية. وهذا ما تنتهجه حكومة الاحتلال الحالية بقيادة نتنياهو، سموتريتش وبن غفير، لكنها شرعت بالانتقال من محاولة إدارة الصراع إلى حسمه عنوة. وتتبنى حكومة الاحتلال الحالية نظرية سموتريتش الداعية لتصفية القضية الفلسطينية بدلا من البحث عن هدن متتالية وكسب الوقت وذلك باستخدم القوة والمزيد منها وكيّ وعي الفلسطينيين بالحديد والنار. هذه النظرية هي التي تقف خلف العودة لعملية إعدام ميدانية تتم باستهداف الفلسطينيين بالصواريخ والطائرات والطائرات المسّيرة للمرة الأولى منذ نهاية الانتفاضة الثانية. ولم تخف قيادة الاحتلال رغبتها بالتصعيد حيث ملأت الفضاء تهديدا ووعيدا باستخدام كل الوسائل الممكنة للنيل من الفلسطينيين كما جاء على لسان رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو ووزير أمنه يوآف غالانت في الأيام الأخيرة وانضم لهما قادة إسرائيليون آخرون عقب جريمة اغتيال الشباب الفلسطينيين قريبا من حاجز الجلمة شمال جنين قبل عدة أيام وهي عملية تهدف لردعهم ضمن معركة متصاعدة على الوعي. إسرائيل وبعد نجاح المقاومة في مخيم جنين بالنيل من هيبة الجيش بعدما تورط هناك لثماني ساعات، تعتبر أن هذا النجاج قد حفّز على القيام بعملية استهداف المستوطنين قريبا من مستوطنة عاليه قبل أيام وتخشى من الاقتداء بها ومحاكاتها ولذا استخدمت القوة الصاروخية الإجرامية ونشرت صورة السيارة المتفحمة في بياناتها تزامنا مع تهديداتها بقتل كل من يرفع يده على الاحتلال بدون أي اكتراث للمواثيق الدولية وللمحافل العالمية والانتقادات الخارجية. في التزامن يواصل المستوطنون بدعم من جيش الاحتلال الاعتداء على القرى الفلسطينية قتلا وحرقا وسلبا ونهبا وهم يحظون بتشجيع مباشر من قبل وزراء في الحكومة الأكثر تشددا وعنصرية.

تسمين الاستيطان

في اليوم التالي للعملية المسلحة التي وقعت في مستوطنة «عيلي» في الضفة الغربية، أعلن ديوان رئاسة حكومة الاحتلال أن نتنياهو اتفق مع كلٍّ من وزير الأمن يوآف غالانت ووزير المال بتسلئيل سموتريتش، على التخطيط الفوري لإقامة 1000 وحدة سكنية جديدة في منطقة مستوطنة «عيلي» بجانب موقع العملية. وكتب سموتريتش في تغريدة نشرها في حسابه الخاص على موقع «تويتر»: «اتفقنا اليوم مع رئيس الحكومة ووزير الدفاع على الدفع قدماً بتخطيط فوري لنحو 1000 وحدة سكنية جديدة في مستوطنة عيلي متاخمة لموقع هجوم الأمس». ويأتي ذلك على الرغم من توجيه الإدارة الأمريكية في الأيام الأخيرة عدة تحذيرات إلى الحكومة الإسرائيلية، على خلفية التصعيد الأمني في مناطق الضفة الغربية ومخططات بناء آلاف الوحدات السكنية الجديدة في مستوطنات المناطق.

الدرع والسهم

ليس هذا فحسب فقد نقل موقع «واينت» عن جهات أمنية إسرائيلية قولها إن الجيش الإسرائيلي قريب جدا من شن عملية عسكرية واسعة النطاق تركز بشكل أساسي على مخيمات اللاجئين وقصبتي نابلس وجنين. وإلى جانب حملة اعتقال واسعة، من المتوقع أن تركز القوات حول جمع الأسلحة والعبوات الناسفة التي بدأ تحضيرها في الأشهر الأخيرة في شمال الضفة، وكذلك الصواريخ من مختلف الأنواع. وطبقا لـ«واينت» في أيام عملية الدرع والسهم، قال رئيس الشاباك، رونان بار، إنه حتى في الضفة الغربية، تحاول المنظمات الفلسطينية إنتاج صواريخ أو قذائف شبيهة بالصواريخ من أنواع مختلفة، لكن الجيش الإسرائيلي يريد كبح هذه الظاهرة منذ بدايتها. كما ينقل عن مصادر في جهاز الأمن الإسرائيلي قولها إنه في العام الماضي، عندما وقعت عملية «كاسر الأمواج» ينشط الجيش الإسرائيلي بشكل أكثر هجومي في شمال الضفة مما كان عليه في السنوات السابقة، والقوات تعمل بشكل مركّز لكن الغرض من العملية إذا تم تنفيذها، هو العمل على نطاق أوسع، والهدف الرئيسي هو استعادة الردع. ويرى المحلل العسكري في «واينت» رون بن يشاي في هذا المضمار: «سيكون لمثل هذه العملية عواقب واسعة فيما يتعلق بالتعاون مع الفلسطينيين. في الوقت الحالي، يود الجيش الإسرائيلي أن يرى انخراطًا أكبر للسلطة الفلسطينية في الاعتقالات ومنع العمليات، وبالتأكيد في نابلس. كما أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تستعد لاحتمال حدوث توترات أمنية، وحتى وقف التنسيق الأمني ​​مع الجهات الفلسطينية خلال أيام العملية».

العملية في الضفة الغربية
ستحقق تهدئة مؤقتة

في المقابل هناك جهات إسرائيلية تشكك بجدوى القوة المفرطة وبالحملات العسكرية على شاكلة «السوار الواقي» من العام 2002 فيقول على سبيل المثال المحلل العسكري في صحيفة «هآرتس» عاموس هارئيل إن قتل أربعة إسرائيليين الثلاثاء الماضي في محطة الوقود قرب مستوطنة «عيلي» ربما يؤدي إلى عملية عسكرية واسعة شمالي الضفة الغربية، منوها إلى أنه بحال خرجت العملية إلى حيز التنفيذ، فهو جراء ضغوط من المستوى السياسي. ويتابع هارئيل في تحفظه: «مع ذلك، وإزاء التحفظات في المستوى المهني، فمن الجدير الانتباه إلى قرارات الحكومة والجيش الإسرائيلي. عملية يتم تسويقها كالدرع الواقي 2 لن تحدث بالضرورة. المرجح أكثر هو رغبة جهاز الأمن في الاكتفاء بعملية محدودة تهدف إلى تهدئة مؤقتة في المنطقة، لكن ليس أقل من ذلك تهدئة ادعاءات اليمين». ويرى أن «العملية المذكورة قد استهدفت خاصرة رخوة لإسرائيل في الضفة-حركة المدنيين على الشوارع. المستوطنات نفسها محمية ومؤمنة نسبياً، وقد أحيطت بجدران في فترة الانتفاضة الثانية (عدد من البؤر الاستيطانية ما زال مكشوفاً). ولكن الشوارع مشتركة للمجموعتين السكانيتين. لا صعوبة أمام خلية مسلحة تعرف منطقة العملية في العثور على هدف مدني لضربه على أحد الشوارع، ثم محاولة التملص من هناك بسرعة. وهذا ما حدث في العمليات الأخيرة قرب مستوطنة حرميش وبلدة يعبد، اللتين تقعان غربي جنين». ويتهم هارئيل المستوطنين بالسعي إلى إسقاط حكم السلطة وإعادة سيطرة إسرائيل على كل الضفة الغربية حتى بثمن الاحتكاك العسكري. ويقول إن الجهود المبذولة لإجازة قوانين الانقلاب النظامي غير منفصلة عن ذلك. لنتنياهو اعتباراته، وعلى رأسها الرغبة في التملص من محاكمته بواسطة وقف الإجراءات الجنائية ضده. ولكن شركاءه في اليمين لهم حسابات أخرى. مشددا على إن إضعاف جهاز القضاء هدف إلى التمكين من تحقيق توسيع المستوطنات وتخليد الاحتلال، مع ضمان حكم اليمين لفترة طويلة. ويضيف «ما يحدث داخل حدود الخط الأخضر غير منفصل عما يحدث في المناطق على المستوى الأمني. هذان جانبان مكملان لنفس الخطة الخطيرة».

السياسة الإسرائيلية
الفاشلة في الضفة

وتوافق معه الباحث المحلل السياسي والعسكري عوفر شيلح ضمن تحليل نشرته صحيفة «يديعوت أحرونوت» قال فيه إنه يمكن الافتراض أن الهجوم الخطِر على المستوطنين قريبا من مستوطنة «عيلي» سيقرّبنا من عملية واسعة للجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية وربما في شمالها، على الرغم من أن هوية منفذي العملية اللذين قُتلا والمكان الذي أتيا منه يطرحان شكوكاً حول وجود علاقة تربط بينهما وبين معقل التنظيمات في جنين. ويتابع في هذا السياق: «حتى قبل الهجوم، كان هناك ضغط للقيام بمثل هذه العملية، ونشكّ في أن حكومة اليمين بالكامل يمكنها أن تتصرف بصورة مختلفة في مواجهة تسلّسُل الأحداث التي بلغت ذروتها بمقتل 4 إسرائيليين. لم يأتِ الضغط من أجل القيام بعملية عسكرية واسعة من قيادة المستوطنين فالشاباك، المؤتمن على إحباط الهجمات، يرى كيف نشأت في شمال الضفة منطقة، الدخول إليها محرّم، وتتواجد فيها مجموعات مدعومة من حماس، ومن حزب الله، وبصورة غير مباشرة من إيران، تدير نوعاً من الحكم الذاتي. وهذا الأمر يجعل من الصعب استمرار السيطرة المطلوبة لمنع الهجمات مستقبلاً. في الواقع، الهجوم أول من يدل على أن المرض انتشر أبعد من جنين».
ويتساءل شيلح: هل نستخدم القوة المفرطة في العمل ضد التنظيمات في المدن الفلسطينية، وعلى رأسها في أتونوميا العنف في جنين، وتفكيكها ولو بثمن باهظ، مع المخاطرة بتمدُّد النيران إلى جبهات أُخرى، أم الاستمرار في العمل بصورة محدودة مع استمرار الهجمات وازدياد خطر لبننة المناطق؟
عن ذلك وعن فقدان الأفق السياسي والإمعان في البحث عن حلول عسكرية فقط يخلص شيلح للتنبؤ بالمزيد من التصعيد والدم والدوران داخل دائرة مغلقة: «كما في إسرائيل دائماً، يمكن الافتراض أن ما سيقرَّر في نهاية الأمر هو الأحداث، والهجوم الكبير الذي شهدناه، هو صيغة عن هذه الأحداث. إن المعضلة التي أوصلتنا إليها هذه السياسة القصيرة النظر، والشرخ الداخلي الذي تسببت به الحكومة الحالية، أمران صعبان للغاية: عملية القتل التي حدثت تفرض رداً حاداً، ومن الواضح أن مناطق الحكم الذاتي يمكن أن تزداد وتتطور. اللعبة الحقيقية تكمن في اتخاذ قرار مهما يكن، لأنه ما دامت هذه هي الطريق التي تسير فيها إسرائيل، فإن النهاية معروفة -المزيد من العمليات والانزلاق إلى دولة ثنائية القومية بكل تداعياتها».
وهذا ما يتنبه له رؤساء معهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب ممن يحذرون بشكل منهجي منذ شهور من استعداء العالم نتيجة توسيع الاستيطان واستخدام القوة المفرطة لفرض الضم الزاحف بقيادة بتسلئيل سموتريتش الحاكم الفعلي للضفة الغربية. يؤكد هؤلاء أن الأخطر من الانتقادات الواسعة في العالم لإسرائيل هو دفعها بيديها نفسها لواقع ثنائي القومية يختلط فيه الحابل الإسرائيلي بالنابل الفلسطيني، ما يعني تحول إسرائيل لدولة غير يهودية وبالتالي غير ديمقراطية وبعضهم يحذر بصوت عال من انهيار المشروع الصهيوني. غير أن هذا الصوت في إسرائيل ما زال قليلا وما يجري على الأرض من تهويد وقتل وسلب ونهب يدفع لحالة معقدة خطيرة جدا على غرار ما شهدته منطقة البلقان في شرق أوروبا، حالة ثنائية القومية يحاول طرف تكريس فوقيته بالحديد والنار وطرف آخر يحاول التحرر من نير الاحتلال بكل ثمن ونيل الحرية مهما ارتفع مهرها وما سيعقد الأمر أكثر هو التشابك الحاد بين ملايين الفلسطينيين على طرفي الخط الأخضر مع ملايين الإسرائيليين في بقعة أرض صغيرة علاوة على تديين الصراع يجعله أكثر دموية وخطورة. على ضوء ذلك فإن الأيام الآتية حبلى بكثير من مشاهد النار والدخان والدمار وتتحمل إسرائيل بالأساس مسؤولية ذلك بسبب كونها الطرف المحتل.

«القدس العربي»

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب