تحقيقات وتقارير

صمت “الإسبارطيين الجدد” يمنح نتنياهو الضوء الأخضر لمواصلة تدمير غزة وديع عواودة الناصرة-  بعد تأجيلات وخلافات، تدخل حملة اجتياح مدينة غزة “مراكب جدعون الثانية” يومها الثاني، وسط احتجاجات ضعيفة عليها من قبل الإسرائيليين “الإسبارطيين الجدد”، ومخاوف من أثمانها وخسائرها المتنوعة، ومن نجاح حركة المقاومة الفلسطينية في أسر جندي أو جنود. في محاولة لتخفيف هذه الأثمان المحتملة، تجري الحملة العسكرية بشكل بطيء وحذر ومتوحش، على طريقة “الهرس والسحق”، وتدمير العمارات والخرائب حجرًا بعد حجر، كما تقول الصحفية الإسرائيلية عميرة هاس، مراسلة “هآرتس” في رام الله، منوّهة إلى أن ما يجري تدمير منهجي، وغزة تُهدم وتُمحى عن الوجود. عميرة هاس: ما يجري تدمير منهجي، وغزة تُهدم وتُمحى عن الوجود رغم معارضته الشديدة داخل الغرف الموصدة، ذهب قائد جيش الاحتلال أيال زامير إلى محيط غزة، وخاطب قادة الحملة العسكرية التي يعارضها فعليًا، مقلّلًا من حجم أهدافها: “ملقاة على عاتقكم مهمة استعادة المخطوفين وتعميق المساس بحماس وحسم كتيبة غزة”، وهذا توصيف بعيد عن مصطلحات نتنياهو: “تدمير حماس” و”النصر المطلق” الذي سبق ونُقل عنه قوله إنه لا يفهم معناه. قبل وخلال هذه الحملة على مدينة غزة المكتظة بمئات آلاف النساء والأطفال والشيوخ والمرضى، يصعّد الاحتلال القصف العشوائي، في محاولة لترهيب الغزيين وتهجيرهم، رغم عدم توفر أماكن آمنة، حيث يتم تدمير وإبادة الأحياء بالنار المفرطة، حتى يسمع دوي قصف غزة من يافا، على بُعد 70 كيلومترًا. تستمر حرب الإبادة وتقترب من مرور عامين على اندلاعها، وتنطلق هذه الحملة البرية البربرية الآن رغم تحفّظ، بل رفض المؤسسة الأمنية، لتشكيكها في جدوى ودوافع الحملة البرية الجديدة، ولاعتقادها أن القضاء على “حماس” غير ممكن، وأنها ستُكلّف قتلى وجرحى في صفوف الجيش، علاوة على مقتل المختطفين واستمرار النزيف السياسي في العالم. غير أن حكومة الاحتلال برئاسة نتنياهو لا تكترث بانتقادات من الخارج والداخل، وتمضي في محاولات لتحقيق غايات وأطماع، أخطرها مخفي ويرتبط باستكمال التدمير وفتح باب “الهجرة الطوعية” لاحقًا، واستعادة القطاع، بعد الانسحاب منه في “فك الارتباط” عام 2005، فيما تراود أحلام إعادة الاستيطان فيه عددًا من الوزراء، إلى جانب استغلال فرصة “تاريخية” لحسم الصراع مع الشعب الفلسطيني بالحديد والنار. تستفيد حكومة الاحتلال من دعم مفتوح من جهة الولايات المتحدة، التي يبدو ساستها وكأنهم أعضاء في حزب “الليكود”، وربما ينجح نتنياهو وديرمر بالتغرير بهم، وسط استغلال لتوجهاتهم الإنجيلية الغيبية والمسيحية-الصهيونية، ولقلة درايتهم بالشؤون العسكرية، كما يرى رئيسا حكومتي الاحتلال السابقتين، المعارضان لنتنياهو، باراك وأولمرت وغيرهما. كما تستمد حكومة الاحتلال من بطء انتقال الدول الأوروبية والعربية من الأقوال إلى الأفعال في قراراتها حيال العربدة الإسرائيلية المتفاقمة، وتبدو الفجوة كبيرة بين موقف الشعوب وبين الحكومات، كما يتجلى في مظاهرات عملاقة تتواصل في العواصم الغربية. عاموس هارئيل: الحملة العسكرية بدأت دون معارضة جماهيرية ورغم معارضة المؤسسة الأمنية والشكوك العامة حول محركاتها وجدواها ضعف الاحتجاجات غير أن حكومة الاحتلال تمعن في غيّها نتيجة صمت الإسرائيليين وضعف الاحتجاجات، وهذا ما يتنبّه له بعض المراقبين الإسرائيليين أمثال المحلل العسكري في “هآرتس” عاموس هارئيل، الذي يقول، اليوم، إن الحملة العسكرية بدأت دون معارضة جماهيرية ورغم معارضة المؤسسة الأمنية والشكوك العامة حول محركاتها وجدواها. ويعتبر هارئيل أن نتنياهو يغامر في أكبر مغامرة خطيرة منذ عامين، مذكّرًا بأن زامير يشدد في أحاديثه على قلة المعلومات عن مكان الرهائن وعلى احتمال استخدامهم درعًا بشريًا. وبعد العدوان على الدوحة ومحاولة اغتيال طاقم المفاوضات الحمساوي وعقب انطلاق الحملة العسكرية، غيّرت عائلات المحتجزين طريقة الاحتجاج وتركّزت على نتنياهو، إذ تتظاهر في محيط بيته الخاص القائم في القدس المحتلة، في شارع غزة الذي تنعته هذه “العائلات” بـ”شارع المخطوفين”. على خطى هارئيل، يشير الناقد التلفزيوني والمعلق في “هآرتس” روغيل ألبير إلى ضعف الاحتجاجات فيقول إن عيناف تسانغاوكر، والدة أحد الجنود الأسرى، باتت رمز المعاناة الإنسانية التي يشعر بها الجمهور، لكنها تصرخ وحيدة مقابل بيت نتنياهو الذي نجح في جعل عائلات المحتجزين ثلة هامشية من غريبي الأطوار في عيون الإسرائيليين وإخراجها من قلب الإجماع. التطرف القومي والديني بيد أن ضعف الاحتجاجات في الشارع الإسرائيلي وعدم بلوغها درجة الغليان بالكم والكيف ينم عن أسباب كثيرة أخرى، علاوة على شيطنة عائلات المحتجزين، منها تورط الاحتلال بحرب متوحشة، حرب إسبارطة، ما يُفقدهم المشاعر الإنسانية حتى حيال من يعارض منهم الحرب. كذلك فإن “الإسبارطيين الجدد” يشهدون تطرفًا قوميًا ودينيًا مفرطًا بدأ قبل الحرب بكثير نتيجة تفاعلات ذاتية باطنية وديموغرافية، ترتبط أيضًا بالصراع الكبير خاصة بعد العام 2000، وبالخوف الواسع من عدد الفلسطينيين بين البحر والنهر وتصميمه على الصمود فوق ترابه ورفض الاحتلال والهجرة. ينعكس رضا معظم الإسرائيليين عن مواصلة الحرب ومحاولات حسم الصراع مع الفلسطينيين والانتصار عليهم في مواقف أوساط غير قليلة منهم. وهذا ما يرد في مقالات رأي اليوم أيضًا، منها مقال الصحافي في “يديعوت أحرونوت” يائير كراوس، وفيه يقول إن حكم “حماس” كحكم “حزب الله” مبرر لمواصلة حرب الإبادة. وكذلك زميله المعلق العسكري البارز رون بن يشاي، وهو يسدي نصائح لجيش الاحتلال ويتحدث عن طريقة القتال الجديدة: “سيطرة وتحكم بالتصعيد الناري”. وهذا يتجلى أيضًا في العنوان الرئيس للصحيفة نفسها، صورة دبابة تحت عنوان صارخ لا يخلو من تباهٍ مستبطن: “في مركز غزة”. ويتوقف، اليوم الأربعاء، الصحافي/المحرر الحريدي اليساري في “ياتيد نئمان” بيني رابنوفيتش، في مقال تنشره “هآرتس”، عند التطرف القومي لدى اليهود الحريديم. ويحاول تعقب الأسباب بالإشارة إلى دور حاخامات متطرفين، وإلى التحالف المتواصل مع حكومات اليمين منذ صعود اليمين الصهيوني (الليكود) للحكم وسقوط حزب “العمل” في “انقلاب 1977”. كما يشير رابنوفيتش إلى دور شراء ذمم الناشطين والمؤثرين في مجتمع الحريديم (13% من الإسرائيليين) بالوظائف والمال من قبل حكومات اليمين الصهيوني. وكذلك دور الإعلام الحريدي الذي يساهم في التغييرات الأيديولوجية في صفوف الحريديم، بعدما كانوا يتحفظون جيلًا بعد جيل من فكرة الصهيونية ويحرّمون دخول الحرم القدسي الشريف على سبيل المثال. يُضاف إلى ذلك تفشي الفساد بكل أنواعه في إسرائيل في الفترة الأخيرة، ما يساهم في تعمق البلادة والنكران أمام وجع وحقوق الآخرين، وفضيحة الوزيرة مي غولان ليست حادثة استثنائية، بل تعكس خللًا يتعدى حكومة فاسدة نحو ما هو أعمق وأشمل. سامي بيرتس: إسبارطة خرطة.. نتنياهو يواصل الكذب من أجل البقاء في الحكم قدوة هتلر في الأمس، ورغم تكرار الأسئلة الصحافية خلال مؤتمر صحافي عقده لتصحيح تصريحاته حول العزلة وإسبارطة، تهرّب نتنياهو من التطرق للشبهات بالتورط في فضائح فساد ومخدرات تدور حول الوزيرة غولان. لكن عددًا من المراقبين الإسرائيليين واصلوا انتقاداتهم له ولحديثه عن اقتصاد يتجه للعزلة وعن تشبيهه إسرائيل بإسبارطة الإغريقية التي خُرّبت على يد الفرس القدماء. تحت عنوان “نتنياهو خطير وكذاب”، قال المعلق والمحرر الصحافي في إذاعة الجيش سامي بيرتس إن نتنياهو عندما يقول إننا في نوع من العزلة فهذا يعني أن “حماس” هزمتنا. وقال مستخدمًا كلمة عربية عامية إن “إسبارطة خرطة”، متهمًا نتنياهو بمواصلة الكذب من أجل البقاء في الحكم. ويسخر كاريكاتير “هآرتس” من خطاب إسبارطة، ففيه يبدو حداد داخل محددة بدائية تسأله زوجته: ماذا تعمل؟ فيرد بالقول: “أصنع مدفعًا”. وكان عدد قليل جدًا من المراقبين قد تجاوز السخرية والحديث عن الضرر الاقتصادي في تصريح نتنياهو، وتوقف عند الأهم في “خطاب إسبارطة” بالقول إنها ترمز للتوحش، كما يقول محرر الشؤون الشرق أوسطية في “هآرتس” تسفي بار إيل، مشددًا على أن “إسبارطة كانت قدوة هتلر”. وينشغل الإعلام الإسرائيلي أكثر بحسابات الربح والخسارة، وسط تجاهل تدمير وتهجير غزة، وهم يتساءلون عن احتمالات تصاعد المقاطعة لإسرائيل في العالم: هل تكبر وتدوم أم سينسى العالم المذبحة بعد سقوط محتمل لحكومة نتنياهو واستبدالها بساسة يعطونك من طرف اللسان حلاوة، وفي ظل سطوة المصالح على القيم في العالم ونظرًا لقصر ذاكرة البشر؟ أم أنها ستكون مئة عام من العزلة؟ في تصريح جديد، قال رئيس المعارضة يائير لبيد للإذاعة العبرية الرسمية، اليوم، إن حكومة بديلة بقيادته هو ورموز المعارضة ستُصلح ما أفسدته حكومة نتنياهو، لأن إسرائيل دولة صالحة تقودها حكومة فاسدة، لافتًا إلى خطورة مناهضة 70% من الأمريكيين اليوم لإسرائيل، ومحذرًا أن فوز الحزب الديمقراطي بعد ثلاث سنوات على خلفية ما يجري اليوم يعني كارثة كبرى لإسرائيل. “القدس العربي”:

صمت “الإسبارطيين الجدد” يمنح نتنياهو الضوء الأخضر لمواصلة تدمير غزة

وديع عواودة

الناصرة-  بعد تأجيلات وخلافات، تدخل حملة اجتياح مدينة غزة “مراكب جدعون الثانية” يومها الثاني، وسط احتجاجات ضعيفة عليها من قبل الإسرائيليين “الإسبارطيين الجدد”، ومخاوف من أثمانها وخسائرها المتنوعة، ومن نجاح حركة المقاومة الفلسطينية في أسر جندي أو جنود.

في محاولة لتخفيف هذه الأثمان المحتملة، تجري الحملة العسكرية بشكل بطيء وحذر ومتوحش، على طريقة “الهرس والسحق”، وتدمير العمارات والخرائب حجرًا بعد حجر، كما تقول الصحفية الإسرائيلية عميرة هاس، مراسلة “هآرتس” في رام الله، منوّهة إلى أن ما يجري تدمير منهجي، وغزة تُهدم وتُمحى عن الوجود.

عميرة هاس: ما يجري تدمير منهجي، وغزة تُهدم وتُمحى عن الوجود

رغم معارضته الشديدة داخل الغرف الموصدة، ذهب قائد جيش الاحتلال أيال زامير إلى محيط غزة، وخاطب قادة الحملة العسكرية التي يعارضها فعليًا، مقلّلًا من حجم أهدافها: “ملقاة على عاتقكم مهمة استعادة المخطوفين وتعميق المساس بحماس وحسم كتيبة غزة”، وهذا توصيف بعيد عن مصطلحات نتنياهو: “تدمير حماس” و”النصر المطلق” الذي سبق ونُقل عنه قوله إنه لا يفهم معناه.

قبل وخلال هذه الحملة على مدينة غزة المكتظة بمئات آلاف النساء والأطفال والشيوخ والمرضى، يصعّد الاحتلال القصف العشوائي، في محاولة لترهيب الغزيين وتهجيرهم، رغم عدم توفر أماكن آمنة، حيث يتم تدمير وإبادة الأحياء بالنار المفرطة، حتى يسمع دوي قصف غزة من يافا، على بُعد 70 كيلومترًا.

تستمر حرب الإبادة وتقترب من مرور عامين على اندلاعها، وتنطلق هذه الحملة البرية البربرية الآن رغم تحفّظ، بل رفض المؤسسة الأمنية، لتشكيكها في جدوى ودوافع الحملة البرية الجديدة، ولاعتقادها أن القضاء على “حماس” غير ممكن، وأنها ستُكلّف قتلى وجرحى في صفوف الجيش، علاوة على مقتل المختطفين واستمرار النزيف السياسي في العالم. غير أن حكومة الاحتلال برئاسة نتنياهو لا تكترث بانتقادات من الخارج والداخل، وتمضي في محاولات لتحقيق غايات وأطماع، أخطرها مخفي ويرتبط باستكمال التدمير وفتح باب “الهجرة الطوعية” لاحقًا، واستعادة القطاع، بعد الانسحاب منه في “فك الارتباط” عام 2005، فيما تراود أحلام إعادة الاستيطان فيه عددًا من الوزراء، إلى جانب استغلال فرصة “تاريخية” لحسم الصراع مع الشعب الفلسطيني بالحديد والنار.

تستفيد حكومة الاحتلال من دعم مفتوح من جهة الولايات المتحدة، التي يبدو ساستها وكأنهم أعضاء في حزب “الليكود”، وربما ينجح نتنياهو وديرمر بالتغرير بهم، وسط استغلال لتوجهاتهم الإنجيلية الغيبية والمسيحية-الصهيونية، ولقلة درايتهم بالشؤون العسكرية، كما يرى رئيسا حكومتي الاحتلال السابقتين، المعارضان لنتنياهو، باراك وأولمرت وغيرهما. كما تستمد حكومة الاحتلال من بطء انتقال الدول الأوروبية والعربية من الأقوال إلى الأفعال في قراراتها حيال العربدة الإسرائيلية المتفاقمة، وتبدو الفجوة كبيرة بين موقف الشعوب وبين الحكومات، كما يتجلى في مظاهرات عملاقة تتواصل في العواصم الغربية.

عاموس هارئيل: الحملة العسكرية بدأت دون معارضة جماهيرية ورغم معارضة المؤسسة الأمنية والشكوك العامة حول محركاتها وجدواها

ضعف الاحتجاجات

غير أن حكومة الاحتلال تمعن في غيّها نتيجة صمت الإسرائيليين وضعف الاحتجاجات، وهذا ما يتنبّه له بعض المراقبين الإسرائيليين أمثال المحلل العسكري في “هآرتس” عاموس هارئيل، الذي يقول، اليوم، إن الحملة العسكرية بدأت دون معارضة جماهيرية ورغم معارضة المؤسسة الأمنية والشكوك العامة حول محركاتها وجدواها. ويعتبر هارئيل أن نتنياهو يغامر في أكبر مغامرة خطيرة منذ عامين، مذكّرًا بأن زامير يشدد في أحاديثه على قلة المعلومات عن مكان الرهائن وعلى احتمال استخدامهم درعًا بشريًا.

وبعد العدوان على الدوحة ومحاولة اغتيال طاقم المفاوضات الحمساوي وعقب انطلاق الحملة العسكرية، غيّرت عائلات المحتجزين طريقة الاحتجاج وتركّزت على نتنياهو، إذ تتظاهر في محيط بيته الخاص القائم في القدس المحتلة، في شارع غزة الذي تنعته هذه “العائلات” بـ”شارع المخطوفين”.

على خطى هارئيل، يشير الناقد التلفزيوني والمعلق في “هآرتس” روغيل ألبير إلى ضعف الاحتجاجات فيقول إن عيناف تسانغاوكر، والدة أحد الجنود الأسرى، باتت رمز المعاناة الإنسانية التي يشعر بها الجمهور، لكنها تصرخ وحيدة مقابل بيت نتنياهو الذي نجح في جعل عائلات المحتجزين ثلة هامشية من غريبي الأطوار في عيون الإسرائيليين وإخراجها من قلب الإجماع.

التطرف القومي والديني

بيد أن ضعف الاحتجاجات في الشارع الإسرائيلي وعدم بلوغها درجة الغليان بالكم والكيف ينم عن أسباب كثيرة أخرى، علاوة على شيطنة عائلات المحتجزين، منها تورط الاحتلال بحرب متوحشة، حرب إسبارطة، ما يُفقدهم المشاعر الإنسانية حتى حيال من يعارض منهم الحرب. كذلك فإن “الإسبارطيين الجدد” يشهدون تطرفًا قوميًا ودينيًا مفرطًا بدأ قبل الحرب بكثير نتيجة تفاعلات ذاتية باطنية وديموغرافية، ترتبط أيضًا بالصراع الكبير خاصة بعد العام 2000، وبالخوف الواسع من عدد الفلسطينيين بين البحر والنهر وتصميمه على الصمود فوق ترابه ورفض الاحتلال والهجرة.

ينعكس رضا معظم الإسرائيليين عن مواصلة الحرب ومحاولات حسم الصراع مع الفلسطينيين والانتصار عليهم في مواقف أوساط غير قليلة منهم.

وهذا ما يرد في مقالات رأي اليوم أيضًا، منها مقال الصحافي في “يديعوت أحرونوت” يائير كراوس، وفيه يقول إن حكم “حماس” كحكم “حزب الله” مبرر لمواصلة حرب الإبادة.

وكذلك زميله المعلق العسكري البارز رون بن يشاي، وهو يسدي نصائح لجيش الاحتلال ويتحدث عن طريقة القتال الجديدة: “سيطرة وتحكم بالتصعيد الناري”. وهذا يتجلى أيضًا في العنوان الرئيس للصحيفة نفسها، صورة دبابة تحت عنوان صارخ لا يخلو من تباهٍ مستبطن: “في مركز غزة”.

ويتوقف، اليوم الأربعاء، الصحافي/المحرر الحريدي اليساري في “ياتيد نئمان” بيني رابنوفيتش، في مقال تنشره “هآرتس”، عند التطرف القومي لدى اليهود الحريديم. ويحاول تعقب الأسباب بالإشارة إلى دور حاخامات متطرفين، وإلى التحالف المتواصل مع حكومات اليمين منذ صعود اليمين الصهيوني (الليكود) للحكم وسقوط حزب “العمل” في “انقلاب 1977”. كما يشير رابنوفيتش إلى دور شراء ذمم الناشطين والمؤثرين في مجتمع الحريديم (13% من الإسرائيليين) بالوظائف والمال من قبل حكومات اليمين الصهيوني. وكذلك دور الإعلام الحريدي الذي يساهم في التغييرات الأيديولوجية في صفوف الحريديم، بعدما كانوا يتحفظون جيلًا بعد جيل من فكرة الصهيونية ويحرّمون دخول الحرم القدسي الشريف على سبيل المثال.

يُضاف إلى ذلك تفشي الفساد بكل أنواعه في إسرائيل في الفترة الأخيرة، ما يساهم في تعمق البلادة والنكران أمام وجع وحقوق الآخرين، وفضيحة الوزيرة مي غولان ليست حادثة استثنائية، بل تعكس خللًا يتعدى حكومة فاسدة نحو ما هو أعمق وأشمل.

سامي بيرتس: إسبارطة خرطة.. نتنياهو يواصل الكذب من أجل البقاء في الحكم

قدوة هتلر

في الأمس، ورغم تكرار الأسئلة الصحافية خلال مؤتمر صحافي عقده لتصحيح تصريحاته حول العزلة وإسبارطة، تهرّب نتنياهو من التطرق للشبهات بالتورط في فضائح فساد ومخدرات تدور حول الوزيرة غولان. لكن عددًا من المراقبين الإسرائيليين واصلوا انتقاداتهم له ولحديثه عن اقتصاد يتجه للعزلة وعن تشبيهه إسرائيل بإسبارطة الإغريقية التي خُرّبت على يد الفرس القدماء.

تحت عنوان “نتنياهو خطير وكذاب”، قال المعلق والمحرر الصحافي في إذاعة الجيش سامي بيرتس إن نتنياهو عندما يقول إننا في نوع من العزلة فهذا يعني أن “حماس” هزمتنا. وقال مستخدمًا كلمة عربية عامية إن “إسبارطة خرطة”، متهمًا نتنياهو بمواصلة الكذب من أجل البقاء في الحكم.

ويسخر كاريكاتير “هآرتس” من خطاب إسبارطة، ففيه يبدو حداد داخل محددة بدائية تسأله زوجته: ماذا تعمل؟ فيرد بالقول: “أصنع مدفعًا”.

وكان عدد قليل جدًا من المراقبين قد تجاوز السخرية والحديث عن الضرر الاقتصادي في تصريح نتنياهو، وتوقف عند الأهم في “خطاب إسبارطة” بالقول إنها ترمز للتوحش، كما يقول محرر الشؤون الشرق أوسطية في “هآرتس” تسفي بار إيل، مشددًا على أن “إسبارطة كانت قدوة هتلر”.

وينشغل الإعلام الإسرائيلي أكثر بحسابات الربح والخسارة، وسط تجاهل تدمير وتهجير غزة، وهم يتساءلون عن احتمالات تصاعد المقاطعة لإسرائيل في العالم: هل تكبر وتدوم أم سينسى العالم المذبحة بعد سقوط محتمل لحكومة نتنياهو واستبدالها بساسة يعطونك من طرف اللسان حلاوة، وفي ظل سطوة المصالح على القيم في العالم ونظرًا لقصر ذاكرة البشر؟ أم أنها ستكون مئة عام من العزلة؟

في تصريح جديد، قال رئيس المعارضة يائير لبيد للإذاعة العبرية الرسمية، اليوم، إن حكومة بديلة بقيادته هو ورموز المعارضة ستُصلح ما أفسدته حكومة نتنياهو، لأن إسرائيل دولة صالحة تقودها حكومة فاسدة، لافتًا إلى خطورة مناهضة 70% من الأمريكيين اليوم لإسرائيل، ومحذرًا أن فوز الحزب الديمقراطي بعد ثلاث سنوات على خلفية ما يجري اليوم يعني كارثة كبرى لإسرائيل.

“القدس العربي”:

وديع عواودة

الناصرة-  بعد تأجيلات وخلافات، تدخل حملة اجتياح مدينة غزة “مراكب جدعون الثانية” يومها الثاني، وسط احتجاجات ضعيفة عليها من قبل الإسرائيليين “الإسبارطيين الجدد”، ومخاوف من أثمانها وخسائرها المتنوعة، ومن نجاح حركة المقاومة الفلسطينية في أسر جندي أو جنود.

في محاولة لتخفيف هذه الأثمان المحتملة، تجري الحملة العسكرية بشكل بطيء وحذر ومتوحش، على طريقة “الهرس والسحق”، وتدمير العمارات والخرائب حجرًا بعد حجر، كما تقول الصحفية الإسرائيلية عميرة هاس، مراسلة “هآرتس” في رام الله، منوّهة إلى أن ما يجري تدمير منهجي، وغزة تُهدم وتُمحى عن الوجود.

عميرة هاس: ما يجري تدمير منهجي، وغزة تُهدم وتُمحى عن الوجود

رغم معارضته الشديدة داخل الغرف الموصدة، ذهب قائد جيش الاحتلال أيال زامير إلى محيط غزة، وخاطب قادة الحملة العسكرية التي يعارضها فعليًا، مقلّلًا من حجم أهدافها: “ملقاة على عاتقكم مهمة استعادة المخطوفين وتعميق المساس بحماس وحسم كتيبة غزة”، وهذا توصيف بعيد عن مصطلحات نتنياهو: “تدمير حماس” و”النصر المطلق” الذي سبق ونُقل عنه قوله إنه لا يفهم معناه.

قبل وخلال هذه الحملة على مدينة غزة المكتظة بمئات آلاف النساء والأطفال والشيوخ والمرضى، يصعّد الاحتلال القصف العشوائي، في محاولة لترهيب الغزيين وتهجيرهم، رغم عدم توفر أماكن آمنة، حيث يتم تدمير وإبادة الأحياء بالنار المفرطة، حتى يسمع دوي قصف غزة من يافا، على بُعد 70 كيلومترًا.

تستمر حرب الإبادة وتقترب من مرور عامين على اندلاعها، وتنطلق هذه الحملة البرية البربرية الآن رغم تحفّظ، بل رفض المؤسسة الأمنية، لتشكيكها في جدوى ودوافع الحملة البرية الجديدة، ولاعتقادها أن القضاء على “حماس” غير ممكن، وأنها ستُكلّف قتلى وجرحى في صفوف الجيش، علاوة على مقتل المختطفين واستمرار النزيف السياسي في العالم. غير أن حكومة الاحتلال برئاسة نتنياهو لا تكترث بانتقادات من الخارج والداخل، وتمضي في محاولات لتحقيق غايات وأطماع، أخطرها مخفي ويرتبط باستكمال التدمير وفتح باب “الهجرة الطوعية” لاحقًا، واستعادة القطاع، بعد الانسحاب منه في “فك الارتباط” عام 2005، فيما تراود أحلام إعادة الاستيطان فيه عددًا من الوزراء، إلى جانب استغلال فرصة “تاريخية” لحسم الصراع مع الشعب الفلسطيني بالحديد والنار.

تستفيد حكومة الاحتلال من دعم مفتوح من جهة الولايات المتحدة، التي يبدو ساستها وكأنهم أعضاء في حزب “الليكود”، وربما ينجح نتنياهو وديرمر بالتغرير بهم، وسط استغلال لتوجهاتهم الإنجيلية الغيبية والمسيحية-الصهيونية، ولقلة درايتهم بالشؤون العسكرية، كما يرى رئيسا حكومتي الاحتلال السابقتين، المعارضان لنتنياهو، باراك وأولمرت وغيرهما. كما تستمد حكومة الاحتلال من بطء انتقال الدول الأوروبية والعربية من الأقوال إلى الأفعال في قراراتها حيال العربدة الإسرائيلية المتفاقمة، وتبدو الفجوة كبيرة بين موقف الشعوب وبين الحكومات، كما يتجلى في مظاهرات عملاقة تتواصل في العواصم الغربية.

عاموس هارئيل: الحملة العسكرية بدأت دون معارضة جماهيرية ورغم معارضة المؤسسة الأمنية والشكوك العامة حول محركاتها وجدواها

ضعف الاحتجاجات

غير أن حكومة الاحتلال تمعن في غيّها نتيجة صمت الإسرائيليين وضعف الاحتجاجات، وهذا ما يتنبّه له بعض المراقبين الإسرائيليين أمثال المحلل العسكري في “هآرتس” عاموس هارئيل، الذي يقول، اليوم، إن الحملة العسكرية بدأت دون معارضة جماهيرية ورغم معارضة المؤسسة الأمنية والشكوك العامة حول محركاتها وجدواها. ويعتبر هارئيل أن نتنياهو يغامر في أكبر مغامرة خطيرة منذ عامين، مذكّرًا بأن زامير يشدد في أحاديثه على قلة المعلومات عن مكان الرهائن وعلى احتمال استخدامهم درعًا بشريًا.

وبعد العدوان على الدوحة ومحاولة اغتيال طاقم المفاوضات الحمساوي وعقب انطلاق الحملة العسكرية، غيّرت عائلات المحتجزين طريقة الاحتجاج وتركّزت على نتنياهو، إذ تتظاهر في محيط بيته الخاص القائم في القدس المحتلة، في شارع غزة الذي تنعته هذه “العائلات” بـ”شارع المخطوفين”.

على خطى هارئيل، يشير الناقد التلفزيوني والمعلق في “هآرتس” روغيل ألبير إلى ضعف الاحتجاجات فيقول إن عيناف تسانغاوكر، والدة أحد الجنود الأسرى، باتت رمز المعاناة الإنسانية التي يشعر بها الجمهور، لكنها تصرخ وحيدة مقابل بيت نتنياهو الذي نجح في جعل عائلات المحتجزين ثلة هامشية من غريبي الأطوار في عيون الإسرائيليين وإخراجها من قلب الإجماع.

التطرف القومي والديني

بيد أن ضعف الاحتجاجات في الشارع الإسرائيلي وعدم بلوغها درجة الغليان بالكم والكيف ينم عن أسباب كثيرة أخرى، علاوة على شيطنة عائلات المحتجزين، منها تورط الاحتلال بحرب متوحشة، حرب إسبارطة، ما يُفقدهم المشاعر الإنسانية حتى حيال من يعارض منهم الحرب. كذلك فإن “الإسبارطيين الجدد” يشهدون تطرفًا قوميًا ودينيًا مفرطًا بدأ قبل الحرب بكثير نتيجة تفاعلات ذاتية باطنية وديموغرافية، ترتبط أيضًا بالصراع الكبير خاصة بعد العام 2000، وبالخوف الواسع من عدد الفلسطينيين بين البحر والنهر وتصميمه على الصمود فوق ترابه ورفض الاحتلال والهجرة.

ينعكس رضا معظم الإسرائيليين عن مواصلة الحرب ومحاولات حسم الصراع مع الفلسطينيين والانتصار عليهم في مواقف أوساط غير قليلة منهم.

وهذا ما يرد في مقالات رأي اليوم أيضًا، منها مقال الصحافي في “يديعوت أحرونوت” يائير كراوس، وفيه يقول إن حكم “حماس” كحكم “حزب الله” مبرر لمواصلة حرب الإبادة.

وكذلك زميله المعلق العسكري البارز رون بن يشاي، وهو يسدي نصائح لجيش الاحتلال ويتحدث عن طريقة القتال الجديدة: “سيطرة وتحكم بالتصعيد الناري”. وهذا يتجلى أيضًا في العنوان الرئيس للصحيفة نفسها، صورة دبابة تحت عنوان صارخ لا يخلو من تباهٍ مستبطن: “في مركز غزة”.

ويتوقف، اليوم الأربعاء، الصحافي/المحرر الحريدي اليساري في “ياتيد نئمان” بيني رابنوفيتش، في مقال تنشره “هآرتس”، عند التطرف القومي لدى اليهود الحريديم. ويحاول تعقب الأسباب بالإشارة إلى دور حاخامات متطرفين، وإلى التحالف المتواصل مع حكومات اليمين منذ صعود اليمين الصهيوني (الليكود) للحكم وسقوط حزب “العمل” في “انقلاب 1977”. كما يشير رابنوفيتش إلى دور شراء ذمم الناشطين والمؤثرين في مجتمع الحريديم (13% من الإسرائيليين) بالوظائف والمال من قبل حكومات اليمين الصهيوني. وكذلك دور الإعلام الحريدي الذي يساهم في التغييرات الأيديولوجية في صفوف الحريديم، بعدما كانوا يتحفظون جيلًا بعد جيل من فكرة الصهيونية ويحرّمون دخول الحرم القدسي الشريف على سبيل المثال.

يُضاف إلى ذلك تفشي الفساد بكل أنواعه في إسرائيل في الفترة الأخيرة، ما يساهم في تعمق البلادة والنكران أمام وجع وحقوق الآخرين، وفضيحة الوزيرة مي غولان ليست حادثة استثنائية، بل تعكس خللًا يتعدى حكومة فاسدة نحو ما هو أعمق وأشمل.

سامي بيرتس: إسبارطة خرطة.. نتنياهو يواصل الكذب من أجل البقاء في الحكم

قدوة هتلر

في الأمس، ورغم تكرار الأسئلة الصحافية خلال مؤتمر صحافي عقده لتصحيح تصريحاته حول العزلة وإسبارطة، تهرّب نتنياهو من التطرق للشبهات بالتورط في فضائح فساد ومخدرات تدور حول الوزيرة غولان. لكن عددًا من المراقبين الإسرائيليين واصلوا انتقاداتهم له ولحديثه عن اقتصاد يتجه للعزلة وعن تشبيهه إسرائيل بإسبارطة الإغريقية التي خُرّبت على يد الفرس القدماء.

تحت عنوان “نتنياهو خطير وكذاب”، قال المعلق والمحرر الصحافي في إذاعة الجيش سامي بيرتس إن نتنياهو عندما يقول إننا في نوع من العزلة فهذا يعني أن “حماس” هزمتنا. وقال مستخدمًا كلمة عربية عامية إن “إسبارطة خرطة”، متهمًا نتنياهو بمواصلة الكذب من أجل البقاء في الحكم.

ويسخر كاريكاتير “هآرتس” من خطاب إسبارطة، ففيه يبدو حداد داخل محددة بدائية تسأله زوجته: ماذا تعمل؟ فيرد بالقول: “أصنع مدفعًا”.

وكان عدد قليل جدًا من المراقبين قد تجاوز السخرية والحديث عن الضرر الاقتصادي في تصريح نتنياهو، وتوقف عند الأهم في “خطاب إسبارطة” بالقول إنها ترمز للتوحش، كما يقول محرر الشؤون الشرق أوسطية في “هآرتس” تسفي بار إيل، مشددًا على أن “إسبارطة كانت قدوة هتلر”.

وينشغل الإعلام الإسرائيلي أكثر بحسابات الربح والخسارة، وسط تجاهل تدمير وتهجير غزة، وهم يتساءلون عن احتمالات تصاعد المقاطعة لإسرائيل في العالم: هل تكبر وتدوم أم سينسى العالم المذبحة بعد سقوط محتمل لحكومة نتنياهو واستبدالها بساسة يعطونك من طرف اللسان حلاوة، وفي ظل سطوة المصالح على القيم في العالم ونظرًا لقصر ذاكرة البشر؟ أم أنها ستكون مئة عام من العزلة؟

في تصريح جديد، قال رئيس المعارضة يائير لبيد للإذاعة العبرية الرسمية، اليوم، إن حكومة بديلة بقيادته هو ورموز المعارضة ستُصلح ما أفسدته حكومة نتنياهو، لأن إسرائيل دولة صالحة تقودها حكومة فاسدة، لافتًا إلى خطورة مناهضة 70% من الأمريكيين اليوم لإسرائيل، ومحذرًا أن فوز الحزب الديمقراطي بعد ثلاث سنوات على خلفية ما يجري اليوم يعني كارثة كبرى لإسرائيل.

“القدس العربي”:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب