كاتب فرنسي: بعد الفوضى.. هل وصول مارين لوبان إلى السلطة أمر لا مفر منه؟
كاتب فرنسي: بعد الفوضى.. هل وصول مارين لوبان إلى السلطة أمر لا مفر منه؟
باريس-
قال الكاتب والموظف السامي الفرنسي، خافيير باتيير في مقال رأي له بصحيفة “لوفيغارو” الفرنسية، إنه إذا كان العنف منذ وفاة نائل قد أدى إلى تفاقم الرغبة في فرض النظام العام لدى بعض الفرنسيين، فمن المناسب أن نسأل من سيكون قادرا على الاستجابة لمخاوفهم من خلال فرض أنفسهم كمدافعين عن المؤسسات الجمهورية.
وأضاف الكاتب أنه ثمة فكرة عصرية مفادها أن فرنسا محكوم عليها أن تواجه عاجلاً أم آجلاً حكومة تنتمي إلى اليمين المتطرف، كما هو الحال بالفعل في إيطاليا والسويد وفنلندا ولاتفيا والمجر وبولندا والبلدان الأوروبية التي كانت تُحكم سابقا من قبل اليسار، والتي يبدو أنها تعايشت مع هذا التغيير الجذري في المشهد السياسي دون كارثة.
يبدو أن الأحداث التي أعقبت وفاة الشاب نائل، وأعمال الشغب الموجهة ضد مؤسسات الجمهورية، تثبت أن أولئك الذين يتوقعون وصول حزب مارين لوبان إلى السلطة على حق، لأنهم يثيرون الرغبة في سيادة النظام العام. يشرح البعض أن الأمر كان سيحدث بالفعل إذا كانت أحزاب اليمين قادرة على الاتحاد في فرنسا كما فعلت في إيطاليا أو السويد. فالأنا العليا اليسارية ستحظر هذا التجمع، وتدين البلاد بأن يحكمها تيار أقلية، وفي الواقع أن يحكمها الشارع.
ومناخ التمرد الذي يترسخ، والذي يتناوب بين الأزمات الحادة وفترات الراحة المقلقة، ويغذيه الانطباع بأن الانتخابات السابقة لم تمنح السلطة للأغلبية الحقيقية، سيضع حداً قريباً لهذا الوضع الزائف: الانتخابات المقبلة، قد تعطي، في المدى القصير جدا، مفاتيح البلد ليمين اليمين.. تلك هي أطروحة الساعة.. فهل باتت قائمة؟ يتساءل الكاتب.
ويرى أن الأمور بعيدة عن أن تكون بهذه البساطة، كون النبوءة الانتخابية علم صعب، أو بمعنى أدق هي فن عشوائي؛ معتبرا أن فرنسا تمرّ بتغييرات عميقة ستنعكس عاجلاً أم آجلاً على حكومتها، وحتى على مؤسساتها.
فالاضطرابات تشجّع الفرنسيين على التشبث قدر المستطاع بمعالم تبدو مستقرة، لكن كل شيء يفلت منهم. حيث إن اليسار واليمين التقليديين لم يعودا من المعالم المستقرة: انتهت ثقافة اليمين، وأصبحت ثقافة اليسار قبيحة.
تدور المعركة في مكان آخر يدفع فيه الجميع لاختيار معسكرهم، وهذا المعسكر لم يعد من الممكن أن يكون يمينا تقليديا أو يسارا قديما، إنه إما الوسط، وإما الأطراف (اليمين المتطرف- اليسار المتطرف). وهو تطوّر محفوف بالمخاطر، لأن الانقسام الذي كان ببساطة سياسيا، أصبح سياسيا واجتماعيا وجغرافيا في الوقت نفسه.
ومضى الكاتب قائلا إن الفرنسيين لا يطمحون إلى حكومة بوليسية، ولا يريدون حكومة متواطئة في أعمال العنف، ويصرّون في غالبيتهم على الإيمان بدولة قادرة على دعمهم.
يرتبط هذا التغيير غير المسبوق بالهجرة الجماعية خلال الأربعين عاما الماضية، ولكنه يرتبط أيضا بالعديد من الأسباب الأخرى، أولها أزمة التعليم، التي لم تعد قادرة على اللحاق بالتطور الجنوني للسلوك. فرفض التغيير من حيث المبدأ، هو خطوة سخيفة تمهد للعنف الشديد. وأشار جاك شيراك، الذي فهم أكثر من خصومه هشاشة الدولة وحاجتها إلى المحبة، أن “التغيير هو قانون الحياة”.
الفرنسيون – يقول الكاتب- بحاجة إلى حكومة قادرة على تحمل المحن التي تؤثر عليهم، وقادرة على إيجاد كلمات المصالحة الوطنية. الضواحي ليست أوكارا لقطّاع الطرق. الرجال والنساء يعيشون هناك ويحق لهم الاحترام. فالتغيير مؤلم دائما ومصيرنا هو التغيير دائما. تمر فرنسا في القرن الحادي والعشرين بولادة مؤلمة، وهي ليست الأولى في تاريخها. فكل عصر عظيم ممزق بين ثقافتين، واحدة تتلاشى والأخرى تفرض نفسها. يمكننا تأجيل الشر أو إخفاؤه أو التظاهر بتنظيمه، ولكن لا يمكننا إيقافه.
“القدس العربي”: