الصحافه

كارثة إنسانية للفلسطينيين ومأساة عسكرية وسياسية لإسرائيل.. هل يتدخل ترامب؟

كارثة إنسانية للفلسطينيين ومأساة عسكرية وسياسية لإسرائيل.. هل يتدخل ترامب؟

ألون بن دافيد

بينما يقف جنودنا على بوابات غزة مرة أخرى، حاولت القيادة الأمنية هذا الأسبوع فهم ما إذا كان رئيس الوزراء جدياً في نيته للخروج إلى معركة ذات أثمان كثيرة وإنجازات قليلة، أم سيتراجع قبل لحظة من إصدار الأمر. مثلما في كل حكم مطلق عندنا، ينشأ فرع رياضي لتخمين إرادة الزعيم الحقيقية، لإعطاء إشارات بلغة جسده، في بادرات طيبة وحدساً، في محاولة لفهم ما يجري في رأس من بلسانه تحسم الأمور.

لقد عرضت عليه المعطيات وهو يعرفها جيداً: مدينة غزة الموسعة حيث مليون نسمة تختلف في طبيعتها عن باقي مدن وبلدات القطاع، ومعظم عماراتها لا تزال على حالها، وتعمل شبكة أنفاق حماس من تحتها، التي لم يتضرر منها إلا قسم صغير جراء الاحتلال السابق للمدينة في نهاية 2023.

يقدر الجيش الإسرائيل بأن احتلال المدينة وتطهيرها، من فوق الأرض وتحتها سيكلف حياة نحو 100 مقاتل، وسيستغرق سنة على الأقل. هذا التقدير عرض أيضاً في الكابنت، ليس كنتيجة دقيقة لصيغة حسابية، بل كي يوضح لأصحاب القرار بأن هذه لا توشك على أن تكون حملة أخرى، بل حرب ثقيلة وطويلة، لا أحد يضمن إنهائها بـ “حسم” حماس.

الثمن الذي سيدفعه الجيش الإسرائيلي هو الآخر معامل النهج والسرعة اللذين ستعمل فيهما القوات. حركة سريعة إلى مراكز ثقل حماس ستوفر إنجازاً ظاهراً ومؤثراً في الوعي في غضون زمن قصير، لكنها ستخلف وراءها الكثير من البنى التحتية التحت أرضية التي لم تدمر. بالمقابل، فإن تقدماً بطيئاً وهدماً ممنهجاً لبنى العدو التحتية سيحقق ضربة مادية ذات مغزى أكبر بقدرات حماس، لكنه سيتطلب بقاء أطول في المنطقة..

شرط المناورة المسبق هو نقل السكان جنوباً، إلى منطقة المواصي ومخيمات الوسط الذي يضم الآن مليون نسمة آخرين. في الخريطة التي رسمتها قيادة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، عثر على مناطق فارغة في هذه المجالات قد تؤوي مدن الخيام الجديدة للمخلين من غزة.

لكن الفلسطينيين في غزة لا يبدون حالياً رغبة في الإخلاء، وحماس تمنع حركتهم جنوباً على أمل أن يبقوا هناك كـ “كمين إنساني” للقوات الإسرائيلية المناورة. ولنقلهم، يحتاج الجيش الإسرائيلي لما يسميه “ناراً مشجعة” – نار على قرب من تجمعات السكان تدفعهم للرحيل.

لا ستالينغراد أخرى

حتى بعد أن ينتقل السكان، لن تحل المشاكل الإنسانية، لأنه لا توجد في جنوب القطاع أي شروط لاستيعاب مليون نسمة آخرين: لا توجد منظومة يمكنها امتصاص مجاري مليوني نسمة، ويوجد أربعة مستشفيات قابلة للاستخدام وثمانية مستشفيات ميدانية أخرى لن تتمكن من معالجة العدد الهائل من السكان. خطوط المياه لن تلبي احتياجات الشرب، ومشكوك أن تنجح أربعة مراكز توزيع للغذاء أخرى تفتح هناك في التصدي للطوفان البشري.

قطاع غزة مثل صفحة ورق طويناها من النصف، ثم إلى النصف مرة أخرى، ومرة أخرى، ومرة أخرى، إلى أن تأتي اللحظة التي لا يعود ممكناً طيها.

وعليه، معقول أن يختار قسم لا بأس به من سكان غزة ألا يخلوا ويبقوا في منطقة القتال، ما يجعل عمل القوات صعباً. هذا سيتطلب من الجيش الإسرائيلي أن يفرض مزيداً من الانضباط على المقاتلين ليمتنع عن الإصابات الإنسانية التي ستسحق بقايا شرعيتنا الدولية، إذا بقي لنا أمر كهذا.

القيد الأصعب سيكون وجود المخطوفين. قيادة المخطوفين والمفقودين تعنى بوضع المخطوفين. أحياناً، تكون خريطتهم أوضح، وأحياناً تبدو غامضة. ينبغي الافتراض بأن قسماً من المخطوفين يحتجزون شمالي القطاع، في المنطقة التي سيعمل فيها الجيش الإسرائيلي، ومعقول أن يكون بعضهم على مقربة من المسؤولين الكبار الذين تبقوا من ذراع حماس العسكرية: عز الدين الحداد ورائد سعد، وكلاهما هدفان للجيش الإسرائيلي.

 سيمتنع الجيش عن العمل في مناطق يشتبه بأن فيها مخطوفين، لكن هذا على افتراض أن تكون الصورة الاستخبارية لدينا دقيقة. المؤكد أنه حتى بعد الانصراف المبارك لأبي عبيدة، الناطق بلسان حماس، سيكون في منظومة الوعي الكبرى للمنظمة من سيعرف كيف يستخدم المخطوفين كيف يمارس الضغط على الرأي العام الإسرائيلي.

واضح لحماس بأن لا قدرة عسكرية لهم لوقف قوات الجيش الإسرائيلي. هم لا يستعدون لمعركة على نمط ستالينغراد – المقاومة حتى المقاتل الأخير، بل أكثر، لمعركة على نمط السرايا – قتل عصابات يجبي ثمناً من القوات المناورة في ظل جهد لمزيد من الاختطافات من بين القوات.

لكن حماس تخشى هذه المواجهة ومن إصابة قاعدة حكمها في القطاع، وسيسرها أن تزيل التهديد عنها باحتلال مدينة غزة. في الزمن القصير المتبقي، حتى منتصف الشهر، موعد بدء الهجوم على قلب المدينة، ستلين المنظمة مواقفها من صفقة أسرى وتجبر إسرائيل على إعادة التفكير. هذا كفيل بأن يكون سلماً لنتنياهو، إذا كان يبحث عن مثل هذا السلم، للنزول عن الخطوة العسكرية التي تحمل معها جملة مخاطر وأثماناً مؤكدة مع احتمالات صغيرة جداً لنجاح مدو ولـ “نصر مطلق”.

ترامب يبتعد عن الخاسرين

سلم آخر كفيل بأن يأتي من واشنطن التي بدأت بإبداء قصر نفس تجاه حربنا. قال الرئيس ترامب صراحة إن إسرائيل “لا تنتصر” في الحرب على العلاقات العامة، وكان على مسافة خطوة من أن يصفنا بـ “الخاسرين”، وترامب كما هو معروف لا يحب جانب الخاسرين.

في كل يوم نعمق غرقنا في رمال غزة، نعمق خسارتنا في الساحة الدولية التي ليست أقل أهمية لمستقبلنا وأمننا. العالم لا يفهم ما الذي نبحث عنه في غزة، وإسرائيل تصبح كل يوم معزولة أكثر على شفا دولة منبوذة. هذه ليست مقاطعة أكاديمية أو ثقافية فقط، بل مس مباشر بقدرة الجيش الإسرائيلي على الحصول على العتاد اللازم لمواصلة القتال.

بحكم الأمر الواقع، إسرائيل اليوم تحت حظر سلاح من معظم دول الغرب، ومن يسمع البحث الناشئ في الولايات المتحدة، بما في ذلك في أوساط الجمهوريين، حول استمرار المساعدات العسكرية لإسرائيل، يدرك أن سندنا الاستراتيجي لم يعد مضموناً إلى الأبد. الضرر الذي لحق بمكانتنا الدولية حتى قبل أن نعيد احتلال غزة، سيشعر به الجيل التالي من الإسرائيليين أيضاً.

السياسي الذي كان مقدراً في العالم قبل بضع سنوات، يصعب اليوم تخيل بن نتنياهو أعمى عن هذه التطورات أو لا يفهم معناها. كما أن مكانته الشخصية تآكلت، وقائمة الدول المسموح أن تطأها قدمه تقلصت دراماتيكياً في السنتين الأخيرتين. ربما لم يعد مستقبل إسرائيل على رأس اهتمام نتنياهو، لكن هل هو مستعد للتضحية أيضاً بمكانته الشخصية لإرضاء شركائه الائتلافيين؟

بشكل شاذ، في جلسة الكابنت التي عنيت بالعملية في غزة هذا الأسبوع، لم تسمع جوقة موحدة من الوزراء كالتي ميزت جلسات الكابنت في السنتين الأخيرتين. ووزراء الليكود بالذات، وبالذات أولئك الذين يتميزون كخدم مطيعين للزعيم، تجرأوا على طرح تساؤلات عن الحملة المخطط لها وعن رفض صفقة المخطوفين المقترحة. ثمة من يرون في هذا الشذوذ خطوة من نتنياهو لتهيئة التربة في حالة قرر التوجه إلى صفقة. مثلما هو الحال دوماً، لن يكون قراره النهائي إلا في اللحظة الأخيرة.

 معاريف 5/9/2025

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب