منوعات

جحود الوسط الفني أزمة تتكرر في حياة النجوم بعد زوال الشهرة

جحود الوسط الفني أزمة تتكرر في حياة النجوم بعد زوال الشهرة

كمال القاضي

تتصاعد حدة النقد ونبرة الهجوم على النقابات الفنية بين الحين والآخر مع ظهور حالة جديدة لمرض فنان أو فنانة أو مرور أي منهم بظروف اجتماعية واقتصادية صعبة. وبرغم أن التاريخ الفني مليء بالنماذج التي عانت طويلاً من العوز وقصر ذات اليد واشتداد المرض، إلا أن الخطاب الهجومي على النقابات الفنية لم يتغير كأن ما يحدث الآن لبعض النجوم من مآس إنسانية وصحية على أصعدة مُختلفة لم يحدث من قبل.
ربما الصورة التي نشرتها ابنة المُطرب الكبير إيمان البحر درويش لأبيها وهو على فراش المرض هي التي فجرت الأزمة وفتحت الملفات القديمة المُغلقة على عشرات الحالات المأسوية من هذا النوع عبر سنوات طويلة شهدت خلالها الساحة الفنية ما لم يسر من نوبات المرض القاسي والفقر المُدقع والعزلة لمن كانوا قبل محنتهم نجوماً ساطعين ملء السمع والبصر.
لقد تحدث الناقد الفني الراحل سامي السلاموني قبل عشرين عاماً تقريباً عبر شاشة التلفزيون المصري عن مأساة الفنانة الكبيرة فاطمة رشدي التي اعتزلت الفن بحكم تقدمها في السن وانزوت بعيداً عن الأضواء وأقامت قسراً في مدينة السويس في أحد الأحياء الشعبية، حيث اشتد عليها المرض وساءت أحوالها المادية، ولم تعد قادرة على مواجهة الجمهور الذي طالما التف حولها واحتفى بها، حتى أنها رفضت آنذاك مُقابلة سامي السلاموني وامتنعت عن الظهور أمام كاميرات التلفزيون لتحتفظ بصورتها الأولى الناضرة وهيئتها التي كانت في أيام المجد والشهرة.
بعد فترة انتقلت فاطمة رشدي من السويس إلى القاهرة لإحساسها بدنو الأجل ورغبتها في العودة إلى العاصمة قبل رحيلها، وفي القاهرة أقامت مع أسرة بسيطة بحي الدرب الأحمر تطوعت بخدمتها ورعايتها بعد أن تخلى عنها الجميع وصارت وحيدة بلا عائل أو مُعين، وانقضت أيامها الصعبة ورحلت في صمت وهي النجمة الكبيرة التي أطلق عليها في شبابها لقب سارة برنار الشرق وانطوت صفحتها إلى الأبد.
ولم تكن فاطمة رشدي بالطبع حالة فريدة من نوعها وإنما جحود الوسط الفني كان كفيلاً بأن يجعل حالتها الإنسانية نموذجاً مُتكرراً. فقد طالعتنا الأيام والسنون بأزمة الفنان عبد العزيز مكيوي بطل فيلم «القاهرة 30» مع سعاد حسني وحمدي أحمد، فهو الذي جسد دور الشاب الثوري الذي ارتبط بعلاقة عاطفية مع إحسان الفتاة الجامعية الجميلة قبل انحرافها واختيارها حياة المجون والثراء.
لقد عانى عبد العزيز مكيوي مُعاناة طال أمدها ففقد عمله وأصيب بالاكتئاب وأصبح يُفضل العزلة ويتجنب الظهور في أية مناسبات وفشلت مساعي الأصدقاء والقريبين منه في مساعدته بعد أن وصل إلى قمة اليأس والإحباط وباستمرار الحالة النفسية السيئة وتدهورها تراجعت صحته يوماً بعد يوم وانتهت مسيرته الفنية والحياتية نهاية مؤسفة.
ومن ضمن ما يحفل به ملف النجوم من أحزان، ما تعرض له إسماعيل يسن حين تقدم به العمر وأصيب بمرض النقرس فعجز عن الوقوف طويلاً على خشبة المسرح كمنولوجست وممثل فزادت احتياجاته المادية ما اضطره لبيع الكثير من ممتلكاته، غير أن تفاقُم المرض أشعرة بالعجز الكامل لا سيما بعد انحسار الأضواء عنه وابتعاد مُتعهدي الحفلات الذين كان يتهافتون عليه وهو في ذروة نجاحه ونجوميته، الأمر الذي دفعه للقبول بالعمل بأقل أجر ليغطي نفقات أكله وشُربه وعلاجه ومطالب أسرته، وفي النهاية توفي إسماعيل يسن أيضاً فقيراً وهو النجم الكوميدي الذي حققت أفلامه نجاحات وإيرادات غير مسبوقة.
والغريب أن اثنين من رفاق مشواره ورحلته الفنية الطويلة لم تُكتب لهما السعادة في نهاية رحلتهما، الأول هو عبد الفتاح القصري الذي تزوج من فتاة صغيرة وهو في خريف عمرة فاستولت على كل ثروته وتركته وحيداً متحسراً على ماله ونفسه، إذ فقد بصره من شدة الحزن والبكاء ولم يجد من يواسيه في محنة إفلاسه ومرضه غير زميلته الفنانة نجوى سالم التي ظلت بجواره إلى أن لقي ربه.
أما الصديق الثاني لإسماعيل يسن فكان الفنان رياض القصبجي المُلقب «بالشايش عطية» نسبة إلى دوره البارز في مُعظم البطولات المشتركة التي قدماها سوياً في مجموعة الأفلام الشهيرة «إسماعيل يس في البحرية» و«إسماعيل يسن في الجيش» و«إسماعيل يسن في حديقة الحيوان» إلى آخر السلسلة الكوميدية المعروفة.
لقد تعرض رياض القصبجي إلى محنة مرضية شديدة أجبرته على التزام البيت وعدم الخروج نهائياً إلا لزيارة الطبيب فقط وكان قد تجاوز سن اللياقة وفقد القُدرة على الحركة وانصرف من حوله المُعجبون وفارقته الابتسامة كما فارقته الأضواء وأجواء النجاح، وكالعادة ظل الفنان الكبير يُعاني مرارة الوحدة والعوز ويحن إلى أيام النجومية والعمل، وفي يوم من الأيام رغب في الذهاب إلى أحد ستديوهات التصوير ليسترجع ذكرياته وماضيه الفائت وكان مُقرراً له القيام بدور صغير لكنه لم يقو على احتمال الضغوط النفسية فسقط مغشياً عليه ونُقل لمنزله ومات بعدها بعدة أيام.
هكذا تمضي الحياة سريعاً ما بين الأفراح والأتراح وتنتهي سير النجوم من ذوي الحظ العاثر نهاية مؤلمة ليبقى درس الحياة مُلخصاً في التفاصيل والمعاني والوقفات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب