اقتصاد

الاقتصاد والسياسة معًا.. لماذا توجه الإمارات استثماراتها إلى أسواق الغاز؟

الاقتصاد والسياسة معًا.. لماذا توجه الإمارات استثماراتها إلى أسواق الغاز؟

صحفي وكاتب مصريكتب بواسطة:صابر طنطاوي 

“أدنوك” الإماراتية تستحوذ على حصة 30% في حقل “أبشيرون” بأذربيجان

 

أعلنت شركة بترول أبو ظبي الوطنية (أدنوك) عن استحواذها على حصة 30% في حقل غاز “أبشيرون” بأذربيجان بموجب الصفقة التي جرت قبل أيام بين الشركة الإماراتية وشركتي النفط الوطنية في أذربيجان “سوكار” و”توتال إنرجيز” اللتين حصلتا على حصة 35% لكل منهما.

تسمح هذه الصفقة – التي تعد واحدة من الصفقات القليلة التي أبرمتها الإمارات خارج حدودها في مجال الغاز -، للدولة الخليجية بترسيخ أقدامها في منطقة بحر قزوين الغنية بمصادر الطاقة المتجددة.

تتحرك الإمارات بقوة خلال الأعوام القليلة الماضية لتعزيز حضورها في سوق الغاز بعد الإقبال الكبير الذي شهده هذا السوق جراء الطلب الأوروبي والعالمي على هذا المورد الذي زادت أهميته بعد الحرب الروسية الأوكرانية، وهو ما جعله سوقًا استثماريًا مغريًا لكثير من القوى الاقتصادية.

Image

الاستثمار خارج الدولة في مجال الغاز

تعكس صفقة حقل غاز “أبشيرون” الأذربيجاني الأهمية المتزايدة للاستثمار خارج الإمارات، كما قال المدير التنفيذي للشركة، مصبح الكعبي، الذي أكد أن استثمار أدنوك في منطقة بحر قزوين يهدف إلى “خلق مكانة نمو كبيرة مع دخولها سوق الغاز الدولية، وتعزيز شراكة الطاقة بين الإمارات العربية المتحدة وأذربيجان”، وتعد تلك الصفقة أول استثمار لأدنوك في الإنتاج خارج الإمارات العربية المتحدة، بحسب بلومبيرغ.

لم تكن أذربيجان المستهدف الوحيد للإمارات خارجيًا، إذ قدمت أدنوك وشركة بريتش بتروليوم الإنجليزية عرضًا لشراء حصة في شركة نيوميد للطاقة الإسرائيلية تبلغ نحو 50% من حصصها نظير مبلغ مالي قدره ملياري دولار، فيما تدرس الشركة الإسرائيلية تفاصيل العرض قبل الرد بشكل نهائي.

Image

جدير بالذكر أن شركة نيوميد الإسرائيلية هي أكبر مساهم في حقل ليفياثان البحري العملاق (130 كيلومترًا قبالة ميناء حيفا) الذي تديره شركة شيفرون الأمريكية وينتج أكثر من 12 مليار مترمكعب من الغاز يُضخ إلى “إسرائيل” ومصر والأردن.

في حال نجاح الصفقة ستستحوذ الشركة الإماراتية ونظيرتها الإنجليزية على نصف شركة نيوميد، فيما تستحوذ مجموعة ديليك على النصف الآخر، وبذلك تضع أبو ظبي أولى أقدامها في قطاع الطاقة الإسرائيلي، لتواصل مساعيها نحو تعزيز العلاقات مع تل أبيب تماشيًا مع التوجه الذي يتبناه أبناء زايد خلال السنوات الخمسة الأخيرة.

يذكر أنه في العام الماضي كانت الإمارات قد استحوذت على 22% من حقل غاز تمار البحري، شرق البحر المتوسط، في صفقة أبرمت مع مجموعة ديليك للحفر مقابل مليار دولار، وهي الصفقة التي أثارت حينها الكثير من الجدل داخل أوساط الطاقة العربية والدولية.

150 مليار دولار استثمارات في قطاع الغاز

قبل أشهر قليلة كشفت شركة أدنوك عن إستراتيجيتها الجديدة التي تتضمن زيادة استثماراتها إلى 550 مليار درهم (150 مليار دولار) للسنوات الخمسة القادمة (2023-2027)، مضيفة في بيان لها أنها “ستدمج أعمالها في مجالات معالجة الغاز والغاز الطبيعي المسال وتأسيس شركة “أدنوك للغاز””.

تهدف الشركة من خلال تلك الإستراتيجية بحسب البيان إلى إعادة توجيه 175 مليار درهم (48 مليار دولار) إلى الاقتصاد المحلي عبر برنامجها لتعزيز القيمة المحلية المضافة، بجانب زيادة سعتها الإنتاجية إلى 5 ملايين برميل نفط يوميًا بحلول عام 2027، بدلًا من 2030 المعلن عنه سابقًا.

كما وقعت الشركة المملوكة بالكامل لحكومة إمارة أبو ظبي، وتضم أكثر من 16 شركة فرعية مختصة ومشروعات مشتركة، خلال العام الحاليّ 2023 وعدد من الاتفاقيات والشراكات التي تهدف لخلق فرص تصنيع محلية لأكثر من مئة منتج تصل قيمتها إلى 70 مليار درهم (19 مليار دولار) بحلول 2030.

 

وفي سياق تعزيز الاستثمارات في مجال الغاز تخطط الشركة لبناء مصنع جديد للغاز الطبيعي المسال في الفجيرة، على أن يدخل حيز الإنتاج في 2027، ويكون قادرًا على إنتاج ما يصل إلى 9.6 مليون طن سنويًا، بما يعزز الطاقة الإنتاجية للإمارات التي تمتلك حاليًّا 3 محطات إسالة بطاقة مجمعة تبلغ 5.8 مليون طن سنويًا في جزيرة داس الواقعة داخل الخليج.

تحتل الإمارات المرتبة الثانية عشرة بين أكبر منتجي الغاز الطبيعي المسال في العالم العام الماضي، وتسعى لتعزيز تلك المكانة من خلال ضخ المزيد من الاستثمارات التي بلغت خلال الأعوام القليلة الماضية أكثر من 20 مليار دولار لتطوير المزيد من موارد الغاز الطبيعي بما يؤهلها لزيادة الإنتاج كخطوة أولية نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي بحلول العام 2030.

لماذا الغاز؟

هناك سياق مهم لا بد من التعريج عليه لقراءة الهرولة الإماراتية نحو تعزيز استثمارات الغاز في الداخل والخارج خلال الآونة الأخيرة، هذا السياق يدور حول رغبة أبو ظبي في ترسيخ أقدامها في هذا السوق الهائل الذي أصبح أحد أهم أسواق الطاقة في العالم خلال العامين الماضيين ويتوقع أن يستمر في الريادة خلال فترة لا تقل عن خمس سنوات قادمة.

فمع الطلب الزائد على الغاز في ظل نقص الاستثمارات كان لا بد من طرق مكثف لتلك الأبواب لزيادة معدلات الإنتاج، وهو ما أكده وزير الطاقة الإماراتي سهيل المزروعي خلال لقائه مع نظيره القطري على هامش قمة مجلس الأطلسي العالمية للطاقة التي انطلقت أعمالها في أبو ظبي، في 14 يناير/كانون الثاني الماضي.

إذ قال وزير الطاقة الإماراتي: “الغاز الطبيعي سيظل مطروحًا على الطاولة لمدة طويلة جدًا رغم الاتجاه نحو المزيد من توسعات الطاقة المتجددة”، مضيفًا أن الحاجة المتزايدة في الطلب على هذا المورد تتطلب المزيد من الاستثمارات، كاشفًا أن “عددًا من الدول اتبعت إستراتيجية غير واضحة قيّدت عقود الغاز طويلة الأجل، وأثر ذلك في قدرة الشركات على توفير تمويل للاستثمارات في تطوير الإنتاج”.

الرأي ذاته أكده المدير التنفيذي للحلول منخفضة الكربون والنمو الدولي في شركة “أدنوك”، مصبح الكعبي، الذي أشار إلى مساعي الشركة الإماراتية في تعزيز استثماراتها تلبية لاحتياجات العالم من الغاز بشكل كبير، تلك الاحتياجات التي تضاعفت منذ بداية الحرب الروسية، ولهث أوروبا خلف مصادر الغاز من أي مكان في العالم، ما ترتب عليه زيادة أسعاره حتى أصبح سوقًا مغريًا للاستثمار.

تواجه الإمارات منذ 2020 منافسة شرسة من السعودية في معركة الاستحواذ على الريادة التجارية العالمية في الشرق الأوسط، فبعد سنوات طويلة من الهيمنة الإماراتية على هذا المجال حين كانت دبي مركز التجارة العالمي الأبرز في المنطقة، تخطط الرياض لسحب البساط من تحت أقدام الإماراتيين، حين أعلنت عن بعض الإجراءات والخطوات – القاسية في بعضها – لنقل مقار الشركات العالمية للمدينة المالية في العاصمة السعودية.

وهي الخطوة التي هددت بشكل كبير ثقل الإمارات في المنطقة، خاصة بعد استجابة عدد من الشركات بالفعل للشروط السعودية التي شددت على أنها لن تتعامل مع أي شركة ليس لها مقر في الرياض بحلول 2024، الأمر الذي أوقع أبو ظبي في مأزق حقيقي دفعها نحو البحث عن بدائل أخرى للحفاظ على نفوذها وحضورها الإقليمي المتآكل في أكثر من ملف، وليس الاقتصاد فقط.

ووجد الإماراتيون في سوق الغاز ضالتهم للحفاظ على وجودهم على ساحة الريادة، رغم ابتعادهم عن هذا المجال في السابق، فيما كانت الدوحة هي الأكثر حضورًا، وعليه كان التحرك في الداخل والخارج لتعزيز هذا الوجود من خلال حزم وخطط إستراتيجية قوية.

على الجانب الآخر من السياق ذاته، تحاول الإمارات تعميق العلاقات مع القوى الإقليمية، السياسية والاقتصادية، فهرولت نحو تعزيز التلاحم مع “إسرائيل” عبر اتفاق أبراهام الموقع في 2019 ثم الانتقال نحو تعميق الشراكات الاقتصادية مع بعض البلدان الأخرى كأذربيجان صاحبة ثروات الطاقة الهائلة وغيرها من البلدان، لا سيما في إفريقيا العائمة على كميات ضخمة من الثروات التعدينية.

ومن ثم لا تود أبو ظبي رفع الراية البيضاء في مواجهة الهيمنة السعودية على المشهد، كما أنها لا ترغب في الصدام المباشر معها في ظل الفارق الكبير في الإمكانات والقدرات والنفوذ بين الطرفين، وعليه تحاول طرق أبواب أخرى لإثبات حضورها الإقليمي عبر نافذة الغاز، لكن يبقى السؤال: هل تُترك الإمارات في هذا المجال بحرية مطلقة أم ستدخل قوى أخرى للمنافسة والمناكفة معًا؟ وهل تنجح الإمارات في التغلب على فشلها السياسي عبر بوابة الاقتصاد؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام القادمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب