تحقيقات وتقارير

ليبيا أمام تحديات أمنية جديدة وحلم الانتخابات ما زال بعيدا

ليبيا أمام تحديات أمنية جديدة وحلم الانتخابات ما زال بعيدا

رشيد خشانة

الظاهر أن الرئيس الجديد للمجلس الأعلى للدولة في ليبيا محمد تكالة، يُريد ترك بصمته، المختلفة عن بصمتي سلفيه خالد المشري وعبد الرحمن السويحلي، على الرغم من الدور الاستشاري للمجلس. ويُعزى هذا التباعد لاختلاف المشرب الفكري، إذ أن المشري والسويحلي ينحدران من جماعة الإخوان المسلمين. كما يُعزى أيضا إلى أن تكالة (57) عاما هو في الأساس خبير في الاقتصاد والصيرفة، وهو ليس من «نجوم» المسرح السياسي الليبي، بل هو رجل ظل عُرف بقلة انغماسه في اللعبة السياسية. وقد أتاح له مساره الأكاديمي في جامعة بودابست مشاهدة انتقال المجر وباقي بلدان أوروبا الشرقية نحو الديمقراطية، بعد سقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفييتي. وفي أعقاب انتفاضة 2011 فاز بعضوية «المؤتمر الوطني العام» أول برلمان منتخب، بعد نهاية نظام القذافي، عن مدينته الخُمس، واختير عضوا في لجنة المواصلات والاتصالات في المجلس. كما ترشح لمنصب رئيس ديوان المحاسبة، إثر فتح مجلس الدولة باب الترشح للمناصب السيادية في شباط/فبراير الماضي.

خلاف بين المجلسين

ولدى اندلاع الخلاف بين المؤتمر الوطني ومجلس النواب الذي حل محلهُ، في أعقاب انتخابات 2014 النيابية، فاز تكالة مجددا بمقعد من بين 137 مقعدا من مقاعد المؤتمر الوطني العام، والذين تشكل منهم المجلس الأعلى للدولة. أكثر من ذلك، اختير تكالة عضواً في فريق الحوار بالمجلس الأعلى للدولة، في إطار جولات الحوار مع مجلس النواب، قبل اختياره عضوا، إلى جانب 12 عضوا آخرين، لتمثيل مجلس الدولة في ملتقى الحوار السياسي، الذي شكلته البعثة الأممية في ليبيا عام 2020 لوضع خريطة طريق، تمهد لإجراء انتخابات حرة، وتشكيل حكومة مؤقتة بما يُنهي الانقسام بين المجلسين. وانبثقت من جلسات ملتقى الحوار السياسي، بين جنيف وتونس، حكومة موحدة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، في شباط/فبراير. واللافت أن تكالة كان من بين مؤيدي إسناد رئاسة حكومة الوحدة إلى عبد الحميد الدبيبة، في مواجهة التشكيلة المنافسة برئاسة فتحي باشاغا. انطلاقا من هذه الخلفية يُرجح أن يشكل الدبيبة وتكالة ثنائيا منسجما، على عكس العلاقات التي كانت متوترة بين الدبيبة والمشري.

رهانات كبرى

يجوز القول إن المواقف التي عرف بها تكالة لم تظهر إلا في الفترة الأخيرة، مع تواتر الحديث عن خريطة الانتخابات، وما يدور حولها من رهانات كبرى. في السياق نلحظ أنه انضم إلى أعضاء مجلس الدولة، الذين أعلنوا رفضهم إقدام رئاسة المجلس على تمرير التعديل الدستوري وخريطة الطريق، التي لم تحصد توافقا بين الأطراف السياسية المعنية. كما كان تكالة أيضا من الرافضين تشكيل لجنة 6+6 بين مجلسي النواب والأعلى للدولة، مع مخرجاتها.
والأرجح أن هذه المواقف الصارمة ستنعكس سلبا على العلاقات بين الرئاستين (الأعلى والنواب) بما يُنهي العلاقة الخاصة، بين عقيلة صالح وخالد المشري، التي ترسخت في الفترة الأخيرة، بعد جفاء طويل بين الرجلين.
لكن سيتعين على الرئيس الجديد لـ«لمجلس الأعلى» أن ينتبه إلى صفوف مؤيديه، ويعمل على حشدهم إلى جانبه، لأن فوزه لم يكن بغالبية مُريحة، إذ لم يحصد في الجولة الثانية سوى على 67 صوتا، فيما اقترع لخالد المشري، الذي حل في المرتبة الثانية 62 نائبا. من هنا فإن الأمل بالعودة إلى كرسي الرئاسة في العام المقبل، يُعتبر غير مضمون، ويحتاج إلى عمل دؤوب وانفتاح على جميع الفرقاء. وما من شك بأن حضور تكالة في فريق «المجلس الأعلى لخريطة الطريق» الذي أصبح عضوا فيه منذ العام 2022 يُؤهله ليلعب دورا مهما في الإعداد السياسي والمادي للانتخابات. وبحث أعضاء مجلس النواب الإثنين الماضي مشروعي قانون لانتخاب رئيس الدولة وقانونا آخر لانتخاب أعضاء مجلس النواب. وناقش الأعضاء مواد قانون انتخاب رئيس الدولة، وهي 89 بندا، مُفسحا المجال أمام الأعضاء لإبداء ملاحظاتهم.

خصمٌ وحكمٌ؟

وفيما ينتقد الرئيس الجديد للمجلس الأعلى للدولة، دور لجنة 6+6 ويرفض مخرجاتها، يسعى خصوم الدبيبة إلى تشكيل حكومة بديلة، اعتمادا على أن حكومة الوحدة الوطنية لا يمكن أن تكون خصما وحكما في الانتخابات المقبلة. ويشترك المجلس الأعلى للدولة مع مجلس النواب في عدة صلاحيات، من بينها اختيار رئيس الحكومة وتقديم الملاحظات على الميزانية المقترحة واختيار المناصب السيادية.
وتدفع الأمم المتحدة والدول الكبرى في اتجاه تسريع الخطوات العملية نحو إجراء الانتخابات بحلول نهاية العام الحالي، وهو موقف بعيد عن الواقعية. مع ذلك أوفدت واشنطن ديفيد ماك مساعد وزير الخارجية الأسبق لشؤون الشرق الأوسط إلى ليبيا، التي سبق أن اشتغل فيها، ليحض الفرقاء على التفاهم، من أجل «تحقيق قدر أكبر من الاستقرار والأمن لليبيين وشركائهم الاقتصاديين الغربيين». وفي إشارة مباشرة إلى الدور الروسي المتنامي في ليبيا، أكد المسؤول الأمريكي أن من شأن الاستقرار في ليبيا أن يجعل من الممكن إحداث زيادة كبيرة في صادرات النفط والغاز الليبية، بما يُعزز اقتصادات شركائهم في الاتحاد الأوروبي ويوفر المزيد من الاستقرار الإقليمي في مواجهة الجهود المزعزعة للاستقرار التي تبذلها روسيا» على ما قال. وزاد أن واشنطن تريد مساعدة الليبيين على معالجة مشاكلهم السياسية والاقتصادية «بطرق تقلل بشكل كبير فرص الأذى الروسي أو نمو المنظمات الإرهابية».
وكانت زيارة ديفيد ماك في الثاني من الشهر الجاري، وقبلها زار طرابلس في الأول من نيسان/ابريل، المبعوث الأمريكي السابق إلى ليبيا جوناثان واينر، وأكد الأخير أيضا أن جوهر الجهود الأمريكية لتحقيق الاستقرار في ليبيا «يبدأ بالديمقراطية والانتخابات، ويشمل توحيد المؤسسات واستخدام الموارد الطبيعية والثروات لصالح الشعب الليبي بطريقة شاملة». وقبل ماك وواينر زار ليبيا مدير المخابرات المركزية الأمريكية وليام بيرنز سائلا عن موقف القيادات الليبية من التمدد الروسي في البلدان المُتاخمة لجنوب ليبيا، وخاصة موقف الجنرال المتقاعد خليفة حفتر، الحليف الرئيس للروس في ليبيا.

تحديات أمنية جديدة

لكن ليبيا باتت تجابه تحديات أمنية متزايدة، في علاقة بتنامي الحضور العسكري الأجنبي، فضلا عن الارتفاع المضطرد لأعداد المهاجرين غير النظاميين واللاجئين السودانيين. في السياق شكل الليبيون لجنة لتقييم الوضع الحدودي بين ليبيا وتونس. وناقشت اللجنة في اجتماعها الأخير الحاجات المستعجلة للأجهزة الأمنية المعنية بتأمين الحدود، من دون إيضاح نوعية الأجهزة. وشكلت اللجنة بدورها، غرفة أمنية مشتركة من قطاعات الدولة المعنية بتأمين الحدود ومكافحة الهجرة غير الشرعية. وكانت حافلات تونسية نقلت في وقت سابق من هذا الشهر مجموعات من المهاجرين الذين دخلوا إلى الأراضي التونسية بطرق غير قانونية، وتركتهم على الشريط الحدودي في ظروف مناخية صعبة.
هذه القضية التي استقطبت اهتماما إعلاميا واسعا، بين من انتقدوا بشدة من مؤسسات الإغاثة ومن هاجموا الحكومة من بين مكونات المجتمع المدني التونسي، فرضت التفكير في حلول من بينها إطلاق ما سُمي بـ«مبادرة الممر التجاري الأفريقي» بين تونس وليبيا في اتجاه دول أفريقيا جنوب الصحراء. وكانت هذه المبادرة في صلب الزيارة التي أداها وزير الاقتصاد والتجارة في حكومة الوحدة الوطنية محمد الحويج إلى تونس، على رأس وفد رفيع المستوى، حيث بحث الوزيران التدابير الإدارية واللوجستية التي ترتبط بتسيير المسالك التجارية عبر معبر رأس جدير، جنوب تونس، ومناقشة السبل التي تساهم في تسهيل حركة البضائع والتجارة بين البلدين وتقليل العقبات التي تواجهها.
ويمكن القول إن أحد العناصر المهمة التي يسرت إطلاق هذه المبادرة يتمثل في ابتعاد الخطر الإرهابي، إذ كانت المناطق الحدودية مصدر أخطار من الجماعات المسلحة، أسوة بالهجوم على مدينة بنقردان التونسية القريبة من الحدود المشتركة مع ليبيا، حيث حاولت جماعة «أنصار الشريعة» إقامة إمارة إسلامية، قبل أن يطردها السكان وقوات الجيش التونسي.
أما اليوم فإن التحدي الأمني الجديد، الذي فرض نفسه على ليبيا، مصدره دول الجوار، وهو يتعلق بسبل التعامل مع المهاجرين غير النظاميين واللاجئين الآتين من السودان، إذ تم تشكيل لجنة متخصصة، بقرار من رئيس مجلس الوزراء الدبيبة، لتقييم الوضع عبر الشريط الحدودي بين ليبيا وتونس، وتحديد الإجراءات التي يتعين اتخاذها، بُغية تأمين الشريط الحدودي بين البلدين. ووفق المركز الإعلامي لحكومة الوحدة الوطنية، ناقشت اللجنة في اجتماعها الثاني الحاجات المستعجلة للأجهزة المعنية، من أجل القيام بمهامها. كما بحثت اللجنة سبل التعامل مع المهاجرين غير النظاميين وتقديم الدعم الإنساني للعائلات المهاجرة بواسطة الهلال الأحمر الليبي. غير أن رئيس مجلس النواب عقيلة صالح عاد ليضع شرعية حكومة الدبيبة في الميزان، مُطالبا بمعاودة تشكيل الحكومة الحالية باعتبارها «منتهية الولاية» على ما قال. وتزامنت تصريحات صالح مع تصريحات مماثلة أدلى بها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وحض فيها الأطراف السياسية والأحزاب في ليبيا على إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية «شاملة وذات مصداقية» في أقرب وقت ممكن، لكن هل هناك من يسمع؟

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب