تحقيقات وتقارير

إسرائيليون يسخرون من “خطاب إسبرطة” ويذكّرون بنهايتها على يد الفرس القدماء

إسرائيليون يسخرون من “خطاب إسبرطة” ويذكّرون بنهايتها على يد الفرس القدماء

وديع عواودة

الناصرة- لم يعارض مراقبون في إسرائيل تشبيهها بإسبرطة من قبل رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو؛ فاعتبر بعضهم أن التشبيه ينمّ عن اعتراف بواقع بائس عنوانه عزلة دولية غير مسبوقة صنعها بيده، وعن تصريح صريح بالرهان على القوة فقط، فيما تشاءم آخرون من احتمال كونها نبوءة سوداء، بالاستناد إلى الحقيقة التاريخية بأن مدينة إسبرطة خُرِّبت وهُزمت، رغم قوتها المفرطة، وربما بسببها.

إسرائيليون وصفوا خطاب نتنياهو بالغباء عندما تحدث عن العزلة وضرورة التعوّد على اقتصاد في حصار، عصاميّ، بدون صادرات..

وعقّب رئيس المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد بالقول إن نتنياهو قد قال «إننا سنكون مثل إسبرطة»، وأنا أذكّره بأن إسبرطة قد تُدمَّر، لكن هذا ليس قدراً محتوماً، ولن نسمح بتدمير إسرائيل، معتبرًا أن الحل الوحيد يكمن في تفكيك الحكومة. وتابع: «سنقود نحو تشكيل حكومة تجعل إسرائيل دولة متطوِّرة، متقدِّمة، ومحترمة من قبل دول العالم، كما ينبغي أن يكون».

وتبعه في ذلك رئيس حزب “الديمقراطيين” يائير غولان وأعضاء آخرون في المعارضة ممن وصفوا خطاب نتنياهو بالغباء عندما تحدث عن العزلة وعن ضرورة التعوّد على اقتصاد في حصار، عصامي، بدون صادرات، الخ.

في افتتاحيتها “لا نريد أن نكون إسبرطة”، تقول صحيفة “هآرتس”، اليوم، إن دولة ترغب بالحياة والبقاء لا يمكنها أن تكون إسبرطة، وتعتبر ذلك طريقًا للكارثة، داعية الإسرائيليين إلى الإصغاء لما قاله عبد الفتاح السيسي في قمة الدوحة أمس: إن “ما يجري الآن يمس مستقبل السلام، ويهدد أمننا وأمنكم وشعوب المنطقة، ويسد الطريق أمام اتفاقات سلام جديدة، ويضر بالاتفاقات الموجودة”.
وترى “هآرتس” أنه بدلًا من رفع أسوار “الغيتو”، أو القلعة الإسرائيلية، على إسرائيل أن تفعل العكس: صفقة تبادل أسرى، ووقف الحرب، والقول “نعم” للتعاون الإقليمي، والإصغاء للعالم، وقبول استعداده لضمان اليوم التالي في غزة.

من أمة الهايتك إلى “أمة الحرب”
ويتناول المعلق السياسي للصحيفة يوسي فرطر موضوع المقاربة التاريخية بين الدولة الإسرائيلية التي قامت على أنقاض الشعب الفلسطيني، واستحوذت على كامل وطنه بالحروب، وبين الدولة الإغريقية القديمة، بالقول إن إسرائيل تنتقل في عهد نتنياهو من أمة الهايتك (Start-up Nation) إلى “أمة الإسبرطة”، معتبرًا أن نتنياهو بتصريحه هذا قد صاغ لائحة الاتهام ضد نفسه بيده.

وتابع فرطر: “للمرة الأولى يصدق نتنياهو ويقدّم وصفًا دقيقًا لحالتنا، وفي التزامن يبث نفياً معتلًا للأسباب التي قادتنا لها. فضيحة وظاهرة الوزيرة ماي غولان تعكس حالتنا هذه”.
وقال فرطر إن نتنياهو، بـأناه المتضخّمة، أو بكونه يعيش في “فيلم خيالي”، كان يأمل بخطاب “إسبرطة” أن يترك أثرًا مشابهًا لخطاب الدم والدموع الذي قدّمه تشرشل في ذروة الحرب العالمية الثانية، لكن، كما في حالات كثيرة في الفترة الأخيرة، تبيّن أن الخيبة هي النتيجة.
وفي توصيف ثاقب أكثر يقول زميله الأديب المعلّق والناقد السينمائي في “هآرتس” روغل ألبير إننا تحوّلنا إلى إسبرطة منذ زمن بعيد، ومن يبحث عن أثينا هنا عليه الهجرة إلى أثينا الحقيقية في اليونان.
ويعلّق ألبير على خطاب نتنياهو بالقول الساخر: “قال نتنياهو للإسرائيليين؛ أنتم وحدكم تمامًا، أنتم معزولون ومكروهون في العالم، وهذا ليس لأنكم فعلتم شيئًا، فأنتم على ما يرام، هذا لأنكم فقط يهود مفتخرون بأنفسكم، ترفضون أن تُذبحوا، وتصمّمون على حقكم الأصيل بالدفاع عن أنفسكم من ذبح واغتصاب. هذا واقع لن يتغيّر. هناك نفق، ولكن دون نهاية، وبالتأكيد لا ينتظركم النور في نهايته. عندما تتغلبون على عدوٍ واحد يقوم عليكم عدو جديد لإبادتكم. بن غوريون أقام إسرائيل. حروب قصيرة وبينها هدن طويلة وفترات ازدهار. انسوا إسرائيل. هذا انتهى ومات. اليوم أعلن بهذا عن قيام دولة إسبرطة الإسرائيلية”.

قلعة صليبية
رغم أنه صوت نادر، ألبير يقر بالحقيقة أن إسرائيل لم تكن أثينا والآن تتحول إلى إسبرطة؛ بل هي إسبرطية منذ قامت عام 1948 بالاعتماد على القوة والتدمير والتهجير، وعلى الجندي المتوحّش تمامًا، كما كان في المدينة الإغريقية القديمة، حين كانت إسبرطة تنتزع الأولاد من أحضان عائلاتهم بغية تدريبهم على شدة البأس والقتال المتوحّش. في الطريق أقامت داخلها “أثينا” من ناحية الاهتمام بالعلوم والثقافة، لكنها نشأت، وكانت وما زالت إسبرطة في جوهرها؛ لم تعرف سوى الحرب، وهُزمت في نهاية المطاف على يد الفرس القدماء، الإمبراطورية الساسانية.
قبل أن تُقام إسرائيل في عام النكبة، كانت الحركة الصهيونية قد تبنّت نظرية القوة التي وضعها المنظّر الصهيوني زئيف جابوتنسكي، الأب الروحي لحركة “الليكود”، واضعًا نظرية “الجدار الحديدي” المبنية على بناء قوة للدولة الإسرائيلية، وبواسطتها تُخضع العدو، وتجبره على الاعتراف بها وصنع سلامٍ معها.

فرطر: للمرة الأولى يصدق نتنياهو ويقدّم وصفاً دقيقاً لحالتنا.. بخطاب إسبرطة صاغ لائحة الاتهام ضد نفسه بيده

ورغم ردود الفعل الواسعة على خطاب نتنياهو، خطاب “إسبرطة”، فقد سبقه مؤسس إسرائيل ورئيس حكومتها الأولى دافيد بن غوريون في الاستخفاف بالعالم وبالأمم المتحدة، حيث طالما ردد مقولة بالعبرية تلمّح إلى أن الأمم المتحدة “صحراء قاحلة”. بيد أن القوة المفرطة، الإسبرطية، التي تُفسّر مواصلة سياسات البلطجة وخوض الحروب وانتهاك المواثيق الدولية، ليست عقيدة أيديولوجية فحسب، بل هي نتيجة تعامل الغرب (ليس فقط الولايات المتحدة التي أعطى وزير خارجيتها روبيو الضوء الأخضر لاجتياح مدينة غزة، تزامنًا مع انعقاد قمة الدوحة) مع الإسبرطة الحديثة بصفتها “الابنة المدلّلة”، ونتيجة ضعفٍ وانقسامٍ في النظام العربي، وفقدان الردع وميزان الرعب المتبادل معه.
رغم ذلك يخشى بعض المراقبين الإسرائيليين من تبعات التسونامي العالمي المتصاعد ضد إسرائيل، ومن نبوءة المؤرخ الإسرائيلي البارز بيني موريس، في حديث مستفيض لصحيفة “هآرتس” عام 2018. وقتها قال موريس إن القوة المفرطة لدى “القلعة الصليبية الإسرائيلية” لن تحميها من الاندثار، وذلك لعدة عوامل، منها نجاة ملايين الفلسطينيين من التهجير وبقاؤهم بين البحر والنهر، علاوة على تغيّرات باطنية تمر بها إسرائيل، وتسلّل الفساد لمفاصلها.

حرب دينية
ولذا، فإن مقابل الانتقادات الكثيرة ضد خطاب “إسبرطة”، واعتراف نتنياهو بعزلة مرشحة للتفاقم، واتهامه بالتسبّب بهذه العزلة، وبتوجيه ضربة للاقتصاد، وترهيب المستثمرين، رغم محاولاته تصحيح مقولته، هناك أوساط واسعة في إسرائيل إسبرطية في روحها أكثر من أي وقت مضى، وتؤيّد شيطنة ونزع الصفة الإنسانية عن الفلسطينيين وإبادتهم، طبقاً لاستطلاعات متتالية.
وهذا ينعكس في بعض مقولات مراقبين، اليوم، أمثال محرر الشؤون البرلمانية في صحيفة “يديعوت أحرونوت” عاميحاي أتالي، الذي يقول إن الكثير من الإسرائيليين يعملون من أجل طمر رؤوسهم بالرمل، لكن الحقيقة ينبغي أن تُقال: “نحن في حرب دينية”. يقول أتالي إن الغزيين حاربونا حربًا دينية، ولا مجال عندئذ سوى للحسم العسكري، ولا يمكن الانتصار على العدو الغزي بالمفاوضات.

“القدس العربي”:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب