رياضة

هل تعجل السذاجة برحيل محمد صلاح عن ليفربول؟

هل تعجل السذاجة برحيل محمد صلاح عن ليفربول؟

عادل منصور

لندن ـ : تحول مدرب ليفربول يورغن كلوب ومشروعه، إلى مادة ساخرة على نطاق واسع في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي في المملكة المتحدة الأسبوع الماضي، وذلك ليس للبداية المحبطة بالنسبة للمشجعين، والتي أسفرت عن الاكتفاء بالتعادل مع تشلسي في القمة الافتتاحية لموسم الدوري الإنكليزي الممتاز، بل لانكشاف قلة حيلة وضعف إدارة الريدز أمام طغيان وجبروت البلوز في المعارك المليونية على الصفقات الجديدة، بتلك الطريقة الدرامية التي غير بها الملياردير الأمريكي تود بويلي وشركاه مسار هدفي المدرب الألماني، والإشارة إلى مويزيس كايسيدو وروميو لافيا من قلعة «الآنفيلد» إلى صرح «ستامفورد بريدج»، وما زاد الطين بلة، البروبغاندا التي افتعلها محمد صلاح بعد استبداله أمام فريقه الأسبق، وعلى إثرها لم تتوقف اشاعات انتقاله إلى الدوري السعودي حتى وقت كتابة هذه الكلمات.

ماذا يحدث في ليفربول؟

دعونا نتفق، أنه من الصعب جدا إطلاق أي أحكام مسبقة على خطة يورغن كلوب، لإعادة الأمور كما كانت عليها قبل الوصول لقاع الحضيض الكروي الموسم الماضي، لكن من شاهد مباراة البلوز، لاحظ أن الريدز ظهر بنفس النسخة التقليدية عن «ليفربول كلوب»، نفس الشكل والرسم التكتيكي الذي لا يتغير أبدا 4-3-3، معتمدا على الخطوط العريضة في إستراتيجيته المكشوفة بالنسبة لمنافسيه في البريميرليغ، متمثلة في الضغط الجنوني على دفاع الخصم، أو مباغتة المنافس بتمريرة واحدة من المنتصف إلى الثلث الأخير من الملعب، كما فعلها أليكسيس ماك اليستر في تمريرته الطويلة لمحمد صلاح، التي ترجمها إلى هدية على طبق من فضة أمام لويس دياز داخل مربع العمليات، مثلما كان يفعل ميلنر أو هيندرسون مع الفرعون وساديو ماني، الفارق هذه المرة، أن من ينفذ الفكرة الثابتة هو الثنائي الجديد ماك اليستر ودومينيك سوبوسلاي والمتحرر كودي خاكبو، الذي يقوم بدور كوتينيو في الزمن القديم ونابي كيتا وباقي الأسماء التي تناوبت على هذا المركز. ولو أن هذا لا يقلل من جودة ثنائي الوسط الجديد، كما يبدو في ارتفاع نسق الوسط، مقارنة بالنسق في وجود القائد السابق وميلنر وأيضا فابينيو، لكن الأمر يتعلق بالتوظيف الصحيح للاعبين بإستراتيجية أو أفكار جديدة من خارج الصندوق، بدلا من الإصرار على نفس النهج، الذي تسبب في ما يمكن وصفه بالرتابة والملل في أداء المنظومة الجماعية للفريق. ربما تكون ضريبة عدم التغيير والاستعانة بدماء جديدة، ربما لانتهاء مفعول شحنة الحماس والدوافع التي كان يخلقها المدرب الألماني للاعبين، حتى نشاهدهم بالشراسة والحدة التي كانوا عليها في سنوات الذروة، آخرها إنجاز القتال على الرباعية حتى الأمتار الأخيرة في موسم 2021-2022، والتي انهارت في غضون أيام قليلة، بخسارة لقب البريميرليغ بفارق نقطة عن البطل المهيمن مانشستر سيتي، ثم التحسر على خسارة كأس دوري أبطال أوروبا للمرة الثانية أمام ريال مدريد، وربما لأسباب أخرى، لكن الشيء المؤكد، أن مباريات الفريق في جولة الاستعداد للموسم الجديد وصدام الافتتاح أمام تشلسي، أظهرت أن ليفربول ما زال بحاجة لتدعيمات، إذا كانت هناك رغبة حقيقية لتضييق الفجوة مع فرسي الرهان مانشستر سيتي وآرسنال وبدرجة أقل مانشستر يونايتد وتشلسي، بثوبه الجديد وأسلوبه العصري تحت قيادة ماوريسيو بوتشيتينو.

عبثيات ليفربولية!

أنا وأنتِ وأنت عزيزي القارئ، نعرف جيدا أن كلوب يبحث عن لاعب وسط رقم 6 منذ أكثر من عام، ولعلنا نتذكر ما أثير في ميركاتو 2022 عن اهتمام الإدارة بجوهرة بوروسيا دورتموند جود بيلنغهام، لكن في الأخير، قيل أن عملاق البريميرليغ تراجع عن الفكرة، لمبالغة أسود الفيستيفاليا في شروطهم المادية، بطلب ما يزيد على 100 مليون يورو، لكن ما يصعب هضمه أو فهمه هو موقف النادي بعد الموافقة على بيع فابينيو الى الاتحاد، بدأت بطرق أبواب قديسين ساوثهامبتون لشراء عقد البلجيكي اليافع روميو لافيا، لكن سرعان ما انهارت الصفقة، لاعتراض الإدارة الأمريكية المستحوذة على «الآنفيلد» على دفع 50 مليون جنيه إسترليني لإطلاق سراح صاحب الـ19 عاما من «سانت ماري»، فيما اعتبرها المدير الرياضي الجديد جورج شمادتكه، أشبه بالمخاطرة في لاعب ظهر بمستوى جيد في موسم واحد فقط على مستوى البريميرليغ، واكتمل هذا المسلسل العبثي، بعرض ما مجموعه 111 مليون جنيه إسترليني، لضم العشريني الإكوادوري مويزيس كايسيدو من برايتون، بحجة أنه أكثر خبرة من لافيا، ومع ذلك فشلت المحاولة أمام البعبع الأزرق، بخسارة لافيا وكايسيدو في غضون أيام قليلة، من دون أن ننسى، أن الهدف الأول وهو بيلنغهام، تعاقد معه ريال مدريد بمبلغ أقل من العرض الضخم الذي عرضه ليفربول على كايسيدو، وهذا لا يعكس سوى سذاجة وتخبط الإدارة في القرارات المهمة لمشروع كلوب، لا سيما بعد إجماع أغلب النقاد والمتابعين على حاجة الفريق الماسة للاعب وسط من الطراز المقاتل، أو قاطع كرات بمصطلح المدربين والمعلقين، لتجنب مشاهد خسارة معركة الوسط بسهولة، كما حدث أمام هيمنة انزو وغالاغر في معركة عطلة نهاية الأسبوع الماضي، وهذا يحدث وسط تذمر المشجعين، بعد تحول النادي إلى مادة ساخرة بالنسبة للشامتين في ساحات «السوشيال ميديا»، مع ضغوط متزايدة بعدم التوقف عند صفقي يونيو، بعدما أثبتت التجارب أن الفريق بحاجة للاعب بدني بنفس تأثير البرازيلي كاسيميرو مع مانشستر يونايتد ورودري مع مانشستر سيتي وتوماس بارتي مع آرسنال، وكايسيدو مع تشلسي على المدى القريب، بشرط الظهور بنفس النسخة الرنانة التي كان عليها مع برايتون في الموسم الثاني، الذي ختمه بأرقام وإحصائيات أقل ما يُقال عنها لا تصدق، كوجوده في المركز الثاني في قائمة أكثر قاطعي تمريرات الخصوم في البريميرليغ، بجانب جودته العالية على مستوى دقة التمرير، وبنسبة ناجحة بلغت نحو 88.9%، خلف رودري، مع شجاعة في الالتحام مع اللاعبين في الكرات المشتركة على الأرض أو الحوارات الفضائية، ومواصفات أخرى يفتقر لها وسط ليفربول في الوقت الحالي، لاستحالة الاعتماد على ماك أليستر في مركز رقم 6 لفترة طويلة.
لك عزيزي القارئ أن تتخيل أننا في هذه الزاوية على دراية بحالة اليأس التي يمر بها ليفربول لحل إشكالية وسط الملعب، فكيف سيكون الأمر بالنسبة للأندية التي سيتفاوض معها المدير الرياضي الألماني لشراء لاعب الارتكاز المنتظر في «الآنفيلد»، أو بالأحرى بعد تسريب العرض الذي قدمه ليفربول للتوقيع مع كايسيدو، الشيء المؤكد أنه سيضطر لدفع مبالغ إضافية، استغلالا للمبالغ المتاحة حاليا في خزينة النادي للتعاقد مع لاعب وسط قبل أن يُسدل الستار على الميركاتو الصيفي، ويُقال إن أنظار كلوب والمديرين التنفيذيين توجهت نحو قلب الأسد سفيان أمرابط، متوسط ميدان فيورنتينا الإيطالي. وبطبيعة الحال، إذا صدقت صحة هذه الأنباء، ستكون واحدة من الضربات الموفقة، على طريقة صفقات طيب الذكر مايكل إدواردز، شريك كلوب في الجيل الذي أنهى عقدة النادي مع البريميرليغ في عام جائحة كورونا، وهذا ليس رأيا عاطفيا أو انحيازا لنجمنا العربي، بل لتمتعه بكل المواصفات المطلوبة في المركز الشاغر في «الآنفيلد» من قبل حتى التخلي عن فابينيو وهيندرسون. نتحدث عن لاعب ما شاء الله يُقال عنه «بثلاث رئات»، بجينات مقاتل لا يكل ولا يمل من الركض والضغط على المنافسين، فضلا عن خبرته التي ترجح كفته على كايسيدو ولافيا، كلاعب في منتصف العشرينات يعيش أفضل أوقاته في عالم كرة القدم، بعد مساهمته الكبيرة في وصول منتخب بلاده المغربي إلى الدور نصف النهائي لكأس العالم قطر 2022، لكن السؤال الذي يفرض نفسه، ماذا لو تعثرت المفاوضات مع فيورنتينا الإيطالي لإتمام ما يُمكن وصفها بطوق النجاة الأخير لوسط ليفربول قبل فوات الأوان؟ أبسطها ستتعقد مهمة استعادة سمعة النادي في سوق اللاعبين، بعد التحول الكبير في الانطباع المحفور في الأذهان عن ليفربول في السنوات الماضية، من ناد يلتقط الأسماء القابلة للانفجار في المراكز الحيوية في الفريق، إلى التخبط في طريقة إدارة ملف الدماء الجديدة والتقاعس في توفير بدلاء بنفس جودة المغادرين، ومن حسن الحظ أن جون هنري كان حاضرا في «ستامفورد بريدج»، ومن المؤكد أنه شاهد نقاط الضعف ولمس الحاجة لتدخل الإدارة وعدم الاكتفاء بصفقتي ماك أليستر و سوبوسلاي، وإلا القادم لن يكون أفضل مما حدث الموسم الماضي.

رسائل صلاح

كل ما سبق في كفة وتهديد صلاح الأخير في كفة، لخطورة الأمر على مشروع كلوب الجديد ومستقبله مع الفريق، كيف لا وهو الهداف التاريخي لليفربول على مستوى البريميرليغ وهداف الحقبة منذ وصول المدرب أواخر العام 2015، ناهيك عن قيمته وتأثير وقوفه في هجوم الفريق، كواحد من أساطير البريميرليغ في العصر الحديث، يخشاه أعتى المدافعين في العالم قبل الصغار والمراهقين، وقبل هذا وذاك، رسم كلوب خطة الموسم الجديد على قائد المنتخب المصري، خاصة بعد السماح بخروج روبرتو فيرمينو في ثاني صيف بعد بيع ساديو ماني لبايرن ميونيخ، وإلا سيكون من الجنون والانتحار أن يخسر صلاح وفيرمينو معا، ثنائي إنتاجيته تلامس الـ40 هدفا في الموسم. والشيء المهم بالنسبة لصلاح، أنه الوحيد في خط الهجوم، الذي يمكن الوثوق به على مدار الموسم، طبعا لسجله الذهبي مع الإصابات، مقارنة بداروين نونييز وديوغو جوتا ولويس دياز، هذا في الوقت الذي سيحتاج فيه جورج شمادتكه، لمعجزة من السماء للتوقيع مع البديل الإستراتيجي لصلاح في الأيام القليلة المتبقية على غلق النافذة الصيفية، لكن السؤال الذي نبحث جميعا عن إجابته: لماذا أعطى الضوء الأخضر لمسؤولي اتحاد جدة للتفاوض مع ليفربول من أجل ضمه إلى بيت العميد في أقرب فرصة ممكنة؟ البعض يرى أن قرار المدرب باستبداله في منتصف الشوط الثاني هو من ضاعف من حالة التوتر بينهما، والبعض الآخر يفسر غضب صلاح، بوسيلة ضغط جديدة على النادي من أجل الموافقة على بيعه، كنوع من أنواع التهديد بأنه لن يتوقف عن إثارة الجدل داخل غرفة خلع الملابس، إذا تكرر معه نفس الأمر، وهناك رواية أخرى تتحدث عن خطة متفق عليها بين الميغا ستار ووكيل أعماله رامي عباس، هدفها الرئيسي جذب اتحاد جدة السعودي مرة أخرى بعرض يفوق حاجز الـ200 مليون يورو، لكن قليلين يتوقفون عند تطلعات وطموحات صلاح في المرحلة القادمة، والأمر لا يتعلق بتأمين مستقبل أحفاد الأحفاد ماديا، بل ما هو أفضل لكل الأطراف، مع انكشاف نوايا الإدارة بخفض مستوى التوقعات، أو على الأقل تحسين مستوى جودة الفريق بالصورة التي كان عليها في سنوات المجد، مقارنة بنشاط وحركة الخصوم الطامحين في وقف هيمنة إعصار السكاي بلوز على البريميرليغ والألقاب المحلية في وطن مهد كرة القدم. وهذا في حد ذاته، ينذر باحتمال الاستيقاظ على سيناريو صادم في نهاية الموسم، ومن يدري، قد يكون هدف صلاح هو الهروب من السفينة قبل الغرق الكبير، بعد ظهور مؤشر لعنة الموسم السابع لكلوب مع فرقه الموسم الماضي، الذي خرج منه خالي الوفاض، بجانب الفشل للمرة الأولى في الحصول على أحد المقاعد الإنكليزية المشاركة في دوري أبطال أوروبا، في مشهد توقعه البعض في بداية الموسم، بالتذكير بخواتيم كلوب مع ماينز وبوروسيا دورتموند في الموسم السابع، مع الأول تسبب في هبوطه، ومع الثاني نجى بأعجوبة من الهبوط، بعد فترة وجيزة من وصوله إلى ذروة النجاح، بإنهاء سيطرة بايرن ميونيخ على لقب البوندسليغا والترشح لنهائي دوري أبطال أوروبا عام 2013، كواحد من أسباب اتهام كلوب بالوصول إلى مرحلة الإفلاس الكروي، من باب أنه قدم كل ما لديه من أفكار على مدار السنوات السبع الماضية ولم يعد لديه الجديد ليقدمه، على عكس شيخ المدربين سير أليكس فيرغسون، الذي كان دائما يعود أقوى بعد انتهاء كل جيل بأفكار وأساليب مختلفة جعلته يعمر مع الشياطين الحمر لأكثر من عقدين ونصف العقد من الزمن، فهل يا ترى سينجح يورغن كلوب في الرد على هذه المزاعم والشكوك في قدرته على إعادة الشراسة والحدة التي كان عليها حتى ليلة السقوط أمام ريال مدريد بهدف فينيسيوس جونيور؟ أم تزداد الأوضاع سوءا في موسمه الثامن حال أصر أبو صلاح على مرافقة النجوم والمحاربين القدامى المهاجرين من أوروبا إلى جنة اللاعبين الجديدة في الشرق الأوسط وتخلى عن حلم التتويج بجائزة «الكرة الذهبية» كأفضل لاعب في العالم من قبل مجلة «فرانس فوتبول» الفرنسية؟ دعونا ننتظر ماذا سيحدث.

«القدس العربي»

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب