استثمارات ضخمة في قطاع الفنادق الفاخرة تقود نمو السياحة والعقارات في الدول العربية
استثمارات ضخمة في قطاع الفنادق الفاخرة تقود نمو السياحة والعقارات في الدول العربية
إبراهيم نوار
تستحوذ المملكة السعودية على النصيب الأعظم من الاستثمارات الفعلية والمخططة لتطوير القطاع السكني والفندقي في العالم العربي. وتقدر مؤسسة «نايت فرانك» العالمية المتخصصة في التقييم والاستشارات العقارية قيمة الاستثمارات في هذا القطاع في السعودية بحوالي 1.2 تريليون دولار بنسبة 63.1 في المئة من الاستثمارات في قطاعات الفنادق والضيافة والسكن في الدول العربية ككل، التي تبلغ قيمتها 1.9 تريليون دولار. وتأتي الإمارات في المركز الثاني بقيمة 301 مليار دولار بنسبة 15.8 في المئة، ثم تأتي مصر في المركز الثالث بقيمة 200 مليار دولار تقريبا بنسبة 10.5 في المئة من الاستثمارات العربية في هذه القطاعات. ومن الملاحظ حتى الآن أن السعودية والإمارات وقطر، وهي الدول الخليجية الثلاث الرائدة في ميادين الاستثمار العقاري الفندقي والسكني، تركز على الاستثمارات من النوعية الفاخرة، مستهدفة الشريحة الأعلى من السائحين، إضافة إلى تقديم المساكن أيضا للشريحة نفسها، وذلك اعتمادا على بيانات مؤسسة «نايت فرانك» وغيرها من مؤسسات التقييم والاستشارات العقارية العاملة في منطقة الشرق الأوسط، في حين ينتشر في مصر نمط السياحة المتوسطة والاقتصادية.
تطوير القطاع الفندقي في السعودية
تسعى السعودية لأن تصبح واحدة من أكبر وأهم المقاصد السياحية العالمية. وطبقا لرؤية 2030 تبلغ قيمة الاستثمارات المخططة لتطوير القطاع الفندقي فقط حوالي 37.8 مليار دولار. ومن المتوقع أن يتضاعف عدد الوحدات الفندقية في السعودية بحلول العام 2030 إلى 450 ألف وحدة. وتستهدف السعودية أن ترتفع نسبة مساهمة السياحة في الناتج المحلي الإجمالي إلى 15 في المئة. وعلى الرغم من الدور الذي تلعبه السياحة الوافدة من كل أنحاء العالم، فإن السياحة المحلية ما تزال تمثل حتى الآن المحرك الرئيسي لنمو القطاع السياحي في السعودية، حيث يميل 65 في المئة من السعوديين إلى السفر محليا بين المدن والأقاليم المختلفة من مرة إلى ثلاث مرات كل شهر. وطبقا لبيانات «مجلس السياحة والسفر العالمي» فإن أكثر السائحين الذين يزورون السعودية يأتون من الكويت، يليهم من الإمارات ثم من مصر. وتستهدف السعودية في الوقت الحالي جذب أعداد كبيرة من السائحين من الصين، في ظل تنامي المبادلات الاقتصادية بين البلدين. وقد وقعت هيئة السياحة السعودية في شهر نيسان/أبريل الماضي مذكرة تفاهم مع إحدى المؤسسات السياحية الكبرى في الصين، لجذب أفواج سياحية منظمة. وتأمل في جذب ما يصل إلى 4 ملايين سائح من الصين بحلول العام 2030. لكن جذب السائحين غير الخليجيين والعرب يحتاج إلى تطوير سريع واسع النطاق للبنية التحتية السياحية في السعودية، وهو ما تحاول أن تقوم به السلطات المعنية بالسياحة والطيران والفنادق في الوقت الحالي.
وتتجه خطة تطوير القطاع الفندقي إلى التركيز على السياحة الفاخرة، حيث تم تخصيص ما يقرب من 77 في المئة من الاستثمارات المخططة فعلا والمتوقعة لتطوير قطاع الفنادق ذات التصنيف فوق الخمس نجوم حتى الأربعة نجوم المتميزة، وذلك مقابل نسبة تبلغ 66 في المئة من الوحدات الفندقية المتاحة في الوقت الحاضر. وكما هو الحال في الإمارات فإن أهم شركات إدارة الفنادق العاملة في السعودية تتمثل في مجموعات «أكور» و «ماريوت» و «هيلتون» العالمية. وتستحوذ المجموعات الفندقية العالمية على ما يقرب من 40 في المئة من الطاقة الفندقية في السعودية، بينما تستحوذ مجموعات فندقية محلية على نسبة 20 في المئة تقريبا. بينما نسبة كبيرة من الفنادق العاملة في السعودية تصل إلى 40 في المئة هي فنادق لا تتبع ماركات عالمية أو محلية.
وتستحوذ مدينة نيوم على أكبر نسبة من الطاقة الفندقية المخططة في السعودية بما يتراوح بين 40 ألفا إلى 80 ألف وحدة فندقية (غرفة أو شقة) تليها التوسعات المخططة في مدينة «المدينة» بما يصل إلى 47 ألف وحدة. وفي مناطق التوسعات السياحية الجديدة تبرز منطقة العلا بطاقة فندقية مخططة تشمل أكثر من 7 آلاف وحدة. كما تبرز أيضا منطقة قمم السودة ويتكون المخطط العام لقمم السودة من 3 مراحل رئيسة، ومن المتوقع أن تكتمل أولى مراحله في عام 2027 حيث تتضمن المرحلة الأولى تطوير 940 غرفة فندقية و391 وحدة سكنية و32 ألف متر مربع من المساحات التجارية.
وتشير أرقام الإشغال الفندقي في السعودية إلى زيادة كبيرة في السنوات الأخيرة. وقد بلغت نسبة الإشغال خلال الفترة من فبراير من العام الماضي إلى نهاية الشهر نفسه من العام الحالي في السعودية ككل إلى 72 في المئة. وبلغت النسبة أقصاها في المدينة مسجلة 85 في المئة تليها الفنادق في مكة بنسبة 80 في المئة، بينما وصلت في العاصمة الرياض إلى 76 في المئة.
السياحة في الإمارات تستعيد عافيتها
بلغ عدد السائحين الواصلين إلى دبي في النصف الأول من العام الحالي 8.6 مليون سائح بنسبة زيادة 20 في المئة مقارنة بالنصف الأول من العام الماضي. وكانت السياحة في منطقة الشرق الأوسط قد تعرضت لضربة كبرى بسبب جائحة كورونا. وفي دبي سجلت السياحة انخفاضا حادا في عام 2020 وذلك بهبوط عدد السائحين الواصلين إلى الإمارة بنسبة 67 في المئة، لكن الحركة السياحية لم تلبث أن تعافت تدريجيا في العام التالي ليرتفع عدد السائحين بنسبة 32 في المئة عام 2021 ثم بنسبة 97 في المئة في العام الماضي ليتجاوز 14 مليون سائح مقابل أقل من 6 ملايين في عام 2020 وحوالي 16 مليون سائح في عام 2019 قبل جائحة كورونا.
ومن الملاحظ أن الاستثمارات السياحية، خصوصا في قطاع الفنادق لم تتأثر إلى حد كبير في دبي بسبب الخسائر التي لحقت بالقطاع بين عامي 2020 و2021 إذ استمر عدد الغرف الفندقية في الزيادة على الرغم من الهبوط في نسبة الإشغال خلال عامي كورونا. وكان عدد الغرف الفندقية من الدرجات السياحية المختلفة قد بلغ 121.6 ألف غرفة في عام 2019 ارتفع في العام الماضي إلى حوالي 144.8 ألف غرفة. ومن المتوقع أن يرتفع عدد الغرف الفندقية في نهاية العام الحالي إلى 154 ألف غرفة بنسبة زيادة تبلغ 6.4 في المئة مقارنة بالعام الماضي. وفي الوقت الحالي تبلغ كمية العرض الكلي للغرف الفندقية في دولة الإمارات العربية المتحدة حوالي 207.2 ألف غرفة فندقية، أي أن دبي وحدها تستحوذ على 74.3 في المئة من الطاقة الفندقية في الإمارات.
وبالنظر إلى طبيعة الاستثمارات الجارية في دولة الإمارات والمخططة حتى عام 2030 فإن نسبة 70 في المئة تقريبا من الطاقة الفندقية الجديدة تتركز في قطاع الغرف الفندقية الفاخرة حتى مستوى أربعة نجوم (المستوى المتميز) على الأقل. وهو ما يعني استمرار التركيز على جذب السائحين ذوي القدرة المرتفعة على الإنفاق.
مصر وجهة سياحية
عالمية تحت التطوير
تمثل مصر واحدة من أهم المقاصد السياحية العالمية، التي تتميز بتعدد الروافد السياحية، من سياحة التاريخ والآثار إلى سياحة الشواطئ، إلى سياحة الصحاري والسياحة البيئية والصحية. لكن السياحة تتميز باعتبارها واحدا من أكثر الأنشطة الاقتصادية حساسية لتغيرات الدخل، والظروف الاقتصادية والسياسية. وتعتبر هذه العوامل: الدخل والاستقرار السياسي والحروب والظروف البيئية من أهم العوامل التي تؤثر على حركة السياحة، وعلى إنفاق السائحين. وقد تعرضت السياحة في مصر لتأثير كل هذه الظروف السلبية مجتمعة في السنوات الأخيرة ما أدى إلى تعرض القطاع السياحي وقطاع الخدمات الفندقية لخسائر شديدة، أثرت أيضا على أعمال الصيانة الدورية الضرورية بسبب نقص الإمكانيات المادية والفساد وسوء الإدارة.
لكن القطاع الخاص العامل في السياحة والفنادق في مصر يتجه الآن إلى ترك هذه العوامل السلبية وراء ظهره، خصوصا مع اتجاه الدولة إلى التخارج من القطاع السياحي والفندقي على نطاق واسع عن طريق بيع الفنادق التاريخية وتأجير المواقع الأثرية، وفتح المزيد من المطارات للرحلات السياحية والتجارية العابرة في كل أنحاء البلاد، خصوصا تلك القريبة من المقاصد السياحية مثل القاهرة والبحر الأحمر والأقصر وأسوان.
وطبقا لواحد من أحدث استطلاعات الرأي بين المسافرين أجرته مؤسسة «Bain & Company» فإن مكانة مصر في جدول تفضيلات السائحين في منطقة الشرق الأوسط والبحر المتوسط تأتي في المركز الرابع بعد اليونان وتركيا والمغرب، متقدمة على كل من الإمارات وتونس. وترتفع مكانة مصر إلى المركز الثاني بعد اليونان مباشرة عندما تتعلق تفضيلات السائحين بالمعايير البيئية والسياحة المستدامة، حيث تتبنى شركات التطوير السياحي في مصر مبادرات بيئية مهمة، خصوصا في مجالات النقل والطاقة وتدوير المخلفات، وكذلك في مجالات تطوير مقاصد سياحية مستدامة جديدة مثل مبادرة «طريق العائلة المقدسة».
كذلك فإن مصر تستفيد من عودة السياحة للانتعاش على النطاق العالمي بعدما تعرضت له من أضرار بسبب جائحة كورونا. ومن المتوقع أن يصل حجم الإنفاق السياحي حول العالم بحلول العام 2027 إلى 17 تريليون دولار، بعد أن كان قد هبط إلى 10 تريليون دولار في عام 2020.
القطاع الفندقي في قطر
تستهدف قطر تقديم وجهة سياحية منافسة في منطقة الخليج قادرة على جذب أعداد متزايدة من السائحين من كل أنحاء العالم. وقد كان النجاح الباهر الذي حققته في تنظيم بطولة كأس العالم لكرة القدم في العام الماضي حافزا كبيرا للدولة الناشئة من أجل تعظيم الاستثمار في المرافق السياحية التي تم بالفعل إنشاؤها، وإضافة خدمات نوعية متميزة جديدة تساعد على اكتساب السياحة في قطر هوية متميزة مثل سياحة المخيمات والصحراء. وقد نجحت هذه الاستراتيجية الجديدة للتنمية السياحة في ارتفاع عدد السائحين الواصلين إلى قطر من كل أنحاء العالم إلى أكثر من 2.5 مليون سائح في الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي بنسبة زيادة بلغت 167 في المئة مقارنة بالفترة المقابلة من العام الماضي. واستحوذ السائحون القادمون من دول الخليج على النصيب الأعظم من عدد السائحين الواصلين خلال هذه الفترة بحوالي 804.2 ألف سائح خليجي، في حين بلغ عدد السائحين القادمين من بلدان أوروبية وآسيوية أكثر من 900 ألف سائح. وتعبر هذه الأعداد عن قفزة كبيرة في عدد السائحين مقارنة بما كان عليه في عام 2019 قبل جائحة كورونا عندما بلغ عدد السائحين 2.1 مليون سائح. لكن جائحة كورونا أدت إلى هبوط هذا الرقم بنسبة 73 في المئة إلى حوالي نصف مليون سائح.
وطبقا لتقارير «نايت فرانك» عن تحليل القطاع الفندقي في قطر فإن عدد الوحدات الفندقية المتاحة في العام الحالي يصل إلى حوالي 39 ألف وحدة، بين غرفة وشقة، منها 19 في المئة فقط من التصنيف السياحي المتوسط، بينما تبلغ نسبة الوحدات ذات التصنيف الفاخر 25 في المئة، والتصنيف المرتفع والمتميز (من خمسة نجوم إلى أربعة نجوم متميز) 49 في المئة. وتستحوذ سلاسل الفنادق العالمية على نسبة 58 في المئة من عرض الوحدات الفندقية في قطر، بينما يبلغ نصيب الفنادق المحلية المصنعة حوالي 25 في المئة. وتخطط قطر لزيادة عدد الوحدات الفندقية في نهاية عام 2028 إلى 53.4 ألف وحدة مقارنة بحوالي 39 ألف غرفة وشقة فندقية في العام الحالي، وذلك بضخ استثمارات كبيرة في قطاع الوحدات السياحية الفاخرة وذات تصنيف الخمس نجوم والأربع نجوم المتميزة بنسبة 90 في المئة من الوحدات المخططة حتى ذلك الوقت. وقد بلغ عدد الوحدات الفندقية الجديدة التي تمت إضافتها بالفعل في النصف الأول من العام الحالي 1230 وحدة فندقية مقارنة بنحو 7256 وحدة فندقية في العام الماضي.
ومع انتعاش الحركة السياحية في العالم، وتحقيق قدر أكبر من اليقين والاستقرار في الشرق الأوسط، فإن العائد على الاستثمارات الفندقية والسياحية في العالم العربي يمكن أن يتعاظم بسرعة، وهو ما يعزز انتقال رؤوس الأموال العربية عبر الحدود للاستثمار في هذا القطاع، وهي الظاهرة التي تزداد قوة في الوقت الحاضر بين الدول الخليجية النفطية ومصر.