غزة: نقل مقبرة قديمة يثير جدلاً حادا بين المواطنين

غزة: نقل مقبرة قديمة يثير جدلاً حادا بين المواطنين
إسماعيل عبدالهادي
أثار إقدام الحكومة التابعة لحماس في غزة على نقل مقبرة التوانسي القديمة في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، غضب السكان في غزة ولاسيما أهالي الموتى، الذين أثار القرار مشاعرهم ورفضوا نية الحكومة نقل المقبرة من أجل إقامة مجمع مدارس بدلاً منها، حيث تحتوي المقبرة والتي تبلغ مساحتها 27 دونماً، المئات من رفاة الشهداء الموتى.
وقدم أهالي الموتى ووجهاء ومخاتير حي الشجاعية اعتراضا للحكومة، يؤكدون من خلاله أن هدم مقبرة الشجاعية قرار مرفوض بشكل تام، كما أنه مخالف للوازع الديني والموروث الأخلاقي والتاريخي، مؤكدين أنه لا يجوز من الناحية القانونية إزالة المقبرة إلا بموافقة ذوي المدفونين، إلى جانب وجود العشرات من الشهداء في هذه المقبرة، مطالبين بضرورة إلغاء هذا القرار لما يترتب عليه من نزاعات وإشكاليات لا يحمد عقباها، خاصة وأن سكان غزة يعيشون ظروفا صعبة وأزمات متراكمة.
وعلى الرغم من السخط العام بين الأهالي وشكواهم بضرورة احترام حرمة الأموات وعدم العبث بالقبور ونبشها، أجبرت وزارة الأوقاف المواطنين على القبول بقرار الإزالة، حيث وجهت الوزارة نداءً لأهالي الحي باحترام التعليمات الصادرة عن وزارة الأوقاف التي تسعى لتحقيق الصالح العام والخاص على حد سواء، حيث أنهت الوزارة الأسبوع الماضي نقل المقبرة بشكل كامل، بعد أن دعت المواطنين ممن لهم قبور خاصة بذويهم، للحضور والإشراف على نقل رفاة أقاربهم إلى المقبرة الشرقية بالقرب من الحدود مع إسرائيل.
ووفق وزارة التعليم في غزة، فإن مشروع إزالة المقبرة القديمة سيوفر مساحة لإقامة مجمع للمدارس تخدم أهالي الحي في ظل الاكتظاظ السكاني الكبير، كما أن المدارس المتوفرة في المنطقة الشرقية لمدينة غزة لا تلبي احتياجات الطلبة الذين يفوق عددهم الـ 70 ألف طالب وطالبة، مشيرةً إلى أن مشروع إزالة المقبرة شكل بارقة أمل لإنهاء معاناة الطلبة الذين يقطعون مسافة طويلة للوصول إلى مدارسهم، وأوضحت الوزارة أن المنطقة الشرقية بحاجة لتوفير 4 مدارس في الوقت الحالي، تخدم مختلف المراحل الدراسية لإنهاء المعاناة المتواصلة منذ وقت طويل، مثمنةً جهود المؤسسات الحكومية بالتعاون مع المجتمع المحلي في الموافقة على البدء في إزالة المقبرة، تمهيداً لإقامة المدارس عليها في أسرع وقت ممكن.
إقامة مجمع مدارس
يقول مدير دائرة المقابر في وزارة الأوقاف زياد أبو عيد من الناحية الشرعية لا يوجد ما يمنع إزالة مقبرة قديمة جداً، وتحقيق بدلاً منها مصلحة لأهل المنطقة، فالقبر ليس ملكاً وميراثاً للميت، فهو مرحلة توارى فيه جثة الإنسان وهناك مدة زمنية، إذا انتهت انتهى موضوع القبر، ويجوز أن تستعمل الأرض لاعتبارات عامة تخدم المواطنين المضطرين لها.
وأوضح لـ«القدس العربي» أن وزارة التربية والتعليم تقدمت بطلبات إلى الحكومة، تطالب بضرورة توفير مساحات من الأراضي لإقامة مجمع مدارس عليها مخصصة لطلبة منطقة الشجاعية، في ظل وجود اكتظاظ سكاني وكثافة سكانية لا مثيل لها، ومن هنا تحركت الحكومة وتواصلت مع الجميع في المنطقة، لكنها واجهت معضلة وهي عدم امتلاكها أرض في المنطقة، كما أن المواطنين في ذات الحي رفضوا بيع أو تبديل الأرض مقابل إقامة مدارس عليها، فكان الخيار الوحيد بعد الجهود المبذولة إزالة المقبرة.
وأشار إلى أن الوزارة عملت مع الجهات المختصة في الحكومة على استصدار كل القرارات وتثبيت المرجعيات الشرعية والقانونية، التي تسمح بنقل هذه القبور إلى المقبرة الشرقية وفق الطريقة الشرعية، وباحترام كامل لما تبقى من جثث الآباء والأجداد في هذه المنطقة، والعمل على نقل القبور بطريقة شرعية تتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية والضوابط الصادرة عن مجلس العلماء.
حرمة الأموات
وبين مؤيد ومعارض عبر عدد من المواطنين عن بالغ استيائهم من قرار نقل المقبرة، في حين رحب البعض بالقرار لما فيه من مصلحة خاصة انطلاقاً من المثل الأحياء أبقى من الأموات.
الناشط أحمد البرش عبر عن بالغ امتعاضه من إقدام الحكومة على إزالة مقبر التوانسي، لما في ذلك اعتداء على حرمة الأموات قائلاً: مقابر الإنكليز في غزة صارت زوايا تصوير من جمالها وكثر الاهتمام بها، والمقابر الرومانية ملايين الدولارات تصرف عليها من أجل زخرفتها وجعلها معالم أثرية وتراثية، أما مقابر المسلمين يتم هدمها وإخفاء معالمها، فهنا لا يجوز من الناحية القانونية إزالة المقبرة إلا بناءً على موافقة ذوي المدفونين، وما حدث كان إجباريا وبالقوة.
أما نظمي الحاج فلم يعارض على قرار إزالة المقبرة طالما أن هناك فتوى شرعية ودينية، يجمع عليها الكل حتى ذوي الموتى من أجل مصلحة عامة بدلاً من المقبرة، في ظل الحصار المفروض وضيق المساحات، وحاجة السكان في غزة لمرافق عامة من مدارس ومستشفيات تخدمهم في ظل ارتفاع أعداد السكان.
يشار إلى أنه تم الانتهاء كلياً من عملية نقل جميع رفات الموتى من مقبرة التوانسي بعد جهد متواصل استمر لأسبوعين بمشاركة مخاتير ورجال الأمن وتحت إشراف لجنة مختصة من شيوخ ومراقبين وعلماء، ولم يتم تسجيل أي مخالفات شرعية مطلقاً في عملية النقل.