
احذر من غدر الصهاينة
رسالة مفتوحة الى سمو ولي عهد المملكة العربية السعودية محمد بن سلمان
بقلم عبد الواحد الجصاني
7/10/2023
صاحب السمو الأمير محمد بن سلمان حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
خطواتكم الجادة والسريعة في تحديث المملكة العربية السعودية كانت مبعث فخر العالم العربي والإسلامي، وباركت الأمة جهودكم وأنتم تبنون أسس نهضة كبرى واستثمار الموارد في التنمية البشرية وفي مشاريع استراتيجية بدأت تعطي ثماراً يانعة، وتؤشر إلى مستقبل واعد ومزدهر للسعودية تعم فوائده على الأمة جمعاء.
لكن هذا الشعور بالفخر يخالطه شعور بالخشية على تجربتكم من الصهاينة المتربصين بكم وبالأمة، الذين أزعجتهم مشاريعكم التنموية الكبرى ومنها مشروع تخصيب اليورانيوم وامتلاك الطاقة النووية للأغراض السلمية، واستقلالكم في صنع السياسات واتخاذ القرارات في السياسة الخارجية وفي قطاع النفط، والنهضة التعليمية والثقافية التي تشهدها المملكة. وزادت الخشية عندما أعلنوا نواياهم الخبيثة لإجهاض هذه التجربة ومنع السعودية من التقدم العلمي، مستندين الى سجلّهم في إجهاض تجارب عربية كثيرة، والدولة الفاشلة في العراق تغريهم بتكرار التجربة.
وكان من بين مخططاتهم لإجهاض تجربتكم سعيهم لإحداث الفرقة في داخل المجتمع السعودي وبين السعودية والأمة، من خلال سعيهم لانتزاع اعتراف السعودية بإسرائيل والتطبيع معها. فهم يرون في هذا الاعتراف والتطبيع تدميراً لرمزية السعودية في العالم الإسلامي، وإنهاءً للقضية الفلسطينية وتمهيدا لإعلان الدولة اليهودية على كامل أرض فلسطين والجولان وتهويد القدس.
وتصريح دانيال شابيرو المستشار الأقدم في وزارة الخارجية الأمريكية في مقابلة مع دورية ” AL- MONITOR يوم 3/10/2023 ، كان واضحا بقوله: ” للسعودية رمزية خاصة في العالم الإسلامي، وإقامة العلاقات بين السعودية وإسرائيل سيفتح الباب أمام تطبيع العالم الإسلامي مع إسرائيل من موريتانيا الى ماليزيا واندونيسيا. وقبله بأسبوعين كانت كلمة نتنياهو في الجمعية العامة يوم 22/9/2023 التي جاء فيها ” اعتقد أننا على عتبة خرق أكثر دراماتيكية من اتفاقات ابراهام، واعني به سلام تاريخي بين إسرائيل والسعودية ينهي الصراع العربي الإسرائيلي ويشجع دول عربية أخرى على لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل. وأضاف ” السلام مع السعودية سيخلق شرق أوسط جديد …الفلسطينيون يشكلون 2% فقط من العالم العربي ولا يجب أن تكون لديهم الفيتو على قرارات العرب”
صاحب السمو
مخطط انتزاع اعتراف السعودية بإسرائيل والتطبيع معها سبق وأن جربوه إزاء عدة دول عربية، لكن مخططهم إزاء السعودية تميز بأنه متعددة المسارات تستخدم فيه كل أساليب الترهيب والترغيب، بضمنها حملات إعلامية ترمي الى استغفال السعودية من خلال خطوات شكلية يقدمها الكيان الصهيوني كأنها إنجازات عظيمة تتحقق نتيجة للتطبيع، ولا أحسبكم غافلين عنها.
وغيض من فيض إغراءاتهم المخادعة نشير الى إعلان مسؤولين إسرائيليين وامريكان أن إسرائيل وأمريكا ستوافق مقابل “صفقة التطبيع” على قيام المملكة العربية السعودية بتخصيب اليورانيوم ، وكذلك تزويد السعودية بمفاعل طاقة ” وإقامة حلف دفاعي بين السعودية وامريكا لحمايتها من ايران . والساذج يعرف أن تخصيب اليورانيوم حق اصيل لكل دول العالم الأطراف في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية وليس منّة من إسرائيل وأمريكا. ومفاعلات الطاقة معروضة في السوق العالمية ومن مناشئ مختلفة وأرخص بكثير من مفاعلهم. وإغرائهم السعودية باتفاق دفاعي يحميها من ايران هو عرض خبيث، فقد كان لدى السعودية تحالف مشابه خلال السنوات الـ 80 الماضية ولم يوقف التهديدات والاعتداءات الإيرانية على السعودية. ثم، هل تحتاج السعودية الى تحالف عسكري مع قوة اجنبية ضد ولاية الفقيه التي سبق وأن أذاقها العراق لوحده كأس السم!
وفي مقال مشترك لمارتن انديك، اليهودي الصهيوني وسفير أمريكا السابق في إسرائيل، وزيد بن رعد الحسين، “سليل الأسرة الهاشمية”، نشر في مجلة “الشؤون الخارجية” يوم 2/10/2023 أظهر الكاتبان ما اسمياه الحرص الشديد على أن تحقق السعودية أهدافاً استراتيجية للفلسطينيين مقابل التطبيع، وذكرا إن على السعودية أن تشترط أمرين مقابل التطبيع وهما أن توقف الحكومة الإسرائيلية طموحات اليميني المتطرف “سموتريتش” الذي يدعو الى ترحيل الثلاثة ملايين ونصف المليون فلسطيني من الضفة الغربية الى الدول العربية وإعلان الدولة اليهودية من النهر الى البحر ، وأن توافق الحكومة الإسرائيلية على نقل نسبة من أراضي الضفة الغربية الى الإدارة الفلسطينية !!! ولنا أن نتصور حجم الاستغفال في هذا العرض .
صاحب السمو
ونحن نرى هذه الخدع الصهيونية التي يريدون تمريرها على السعودية نسترجع ذكريات مؤلمة عندما استفرد الامريكان والإسرائيليين بالرئيس المصري الراحل أنور السادات في منتجع “كامب ديفيد” وظلوا يتحايلون عليه حتى وافق على صفقة مذلّة ذهبت بسلطانه، وأرجو أن نعيد جميعا قراءة مذكرات وزير الخارجية المصري الشجاع محمد إبراهيم كامل وعنوانها “السلام الضائع في اتفاقيات كامب ديفيد” ونسختها الالكترونية موجودة على الانترنت، والتي عرض فيها هذا الانسان المصري العربي الأصيل كيف وُضِعَ السادات بين المطرقة الإسرائيلية والسندان الأمريكي لتوقيع اتفاق كامب ديفيد الذي عزل مصر عن قضية العرب والمسلمين الأولى، ولم يعزل فلسطين. وقوله في الصفحة (445) من مذكراته ” وقع السادات في مصيدة المشاريع والصياغات التي أدت الى تآكل مركزه وانهياره تماما في نهاية الأمر” . وكان الوزير محمد إبراهيم كامل خلال جولات مفاوضات كامب ديفيد يحذر السادات بقوة من تقديم التنازلات، وكان يستشهد بالمملكة العربية السعودية ، ومن ضمن ما قاله ” هل تستطيع السعودية، مثلا، أن توافق على ضم القدس لإسرائيل إذا طلبت منها أمريكا ذلك فتهدر زعامتها للعالم الإسلامي” (الصفحة 464).
صاحب السمو
دخلت “إسرائيل” مأزقها التاريخي ككيان عنصري منبوذ، وأصبحت سياساتها العنصرية “الابارتهايد” تلقى رفضا متزايدا وإدانة من شعوب العالم، بضمنها شعوب الغرب، وضاقت خياراتها فحل الدولتين يقضي على مشروع الاستيطان، وحل الدولة الواحدة، وقد فاق عدد الفلسطينيين عدد اليهود، يعني ان فلسطين ستعود الى أهلها. والصهاينة يتجاهلون الحقائق على الأرض ويهربون الى الأمام بالمراهنة على التطبيع مع المملكة العربية السعودية لإنهاء القضية الفلسطينية وقيادة مجموعة اقتصادية تضمهم والدول العربية مشابهة لمجموعة “أسيان” في جنوب شرق آسيا كما يدّعون!
صاحب السمو
الغالبية الصامتة من العرب والمسلمين تدعو الله ان ينصركم ويثبت اقدامكم ، وتبارك تأكيدكم على أولوية الحل العادل للقضية الفلسطينية، والذي أظهره بوضوح بيان المملكة العربية السعودية امام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 24/9/2023 الذي القاه صاحب السمو الأمير فيصل بن فرحان بن عبدالله وزير الخارجية وعبر فيه عن تأكيد المملكة على أن أمن منطقة الشرق الأوسط يتطلب الإسراع في إيجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، يُبنى على أساس قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية بما يكفل حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على حدود عام 1967م وعاصمتها القدس الشرقية.
ونأمل ان تؤكدوا أن مبادرة السلام العربية كلّ لا يتجزأ ، فهي تتضمن الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة، بما في ذلك الجولان السوري وحتى خـط الرابع من يونيو ١٩٦٧، والتوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يتفق عليه وفقاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم ١٩٤ .وقيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ ٤ يونيو ٦٧ في الضفة الغربية وقطاع غزة عاصمتها القدس الشرقية. وبالتأكيد ستواصل إسرائيل رفضها لمبادرة السلام العربية لإنها تعرف أن قبولها بها سيسرّع زوال كيانها.
وقبل ان انهي رسالتي المفتوحة لكم ، أوجه النداء الى الجماهير العربية ألاّ تقف متفرجة، وعليها ان تُسمع الصهاينة صوتها: “فلسطين عربية من البحر الى النهر” من خلال تظاهرات في المدن العربية. لدعم جهاد شعب فلسطين الذي يشهد هذه الأيام عمليات بطولية آخرها عملية يوم 7/10/2023 البطولية، والتي أكّدت أنه شعب الجبارين ، وليشعر الصهاينة أن فلسطين والسعودية ورائهما أمة ثقلها ظاهر وصوتها هادر، وإن زمان الاحتلال والقوة الغاشمة ونظريات التفوق العرقي والديني قد ولّى، وإلى الأبد.
والله المستعان
بغداد في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023