
لن ننسى: الغرب ومؤامرة الصمت
محمد ياغي
تحت عنوان «مؤامرة الصمت» كتب مايكل يونغ مقالاً في موقع مؤسسة كارنيغي تحدث فيه عن خطة إسرائيل لتهجير الفلسطينيين من غزة الى سيناء وصمت الغرب المطبق في مواجهة هذا المشروع الإسرائيلي.
يقول يونغ «بذلت إسرائيل جهودًا كبيرة على مدى العقود الماضية لإعادة تعريف تطهيرها العرقي للسكان العرب في فلسطين عام 1948 على أنه نتيجة للرحيل الطوعي للعرب من منازلهم، أو نتيجة طاعتهم لأوامر قادتهم بالخروج. وبهذه الطريقة، سعى الإسرائيليون إلى تقويض الاتهام بأن دولتهم بنيت على أسس ما يعتبر بأنه جريمة ضد الإنسانية. ومع ذلك، فإن النقل القسري للسكان الفلسطينيين في غزة إلى مصر يخضع اليوم للمناقشة العلنية من قبل كبار القادة الإسرائيليين والمسؤولين السابقين».
ثم يذكر يونغ عدداً من التقارير الإعلامية والتصريحات للسياسيين الإسرائيليين التي تؤكد أن مشروع الترحيل ليس مجرد فكرة وإنما مشروع قيد التنفيذ.
يورد يونغ مثلا ما قالته صحيفة صحيفة فايننشال تايمز «أن نتنياهو سعى إلى إقناع القادة الأوروبيين بالضغط على مصر لقبول اللاجئين من غزة» وأن هؤلاء الدبلوماسيين سعوا الى توصيف ما قاله نتنياهو على انه أراد «أن تستقبل مصر الفلسطينيين بشكل مؤقت» رغم علمهم بأن مغادرة الفلسطينيين لغزة تعني ان نتنياهو سيغلق الباب خلفهم وسيمنعهم من العودة لها تماماً مثلما فعلت إسرائيل العام ١٩٤٨.
ويذكر يونغ أيضا وثيقة للمخابرات الإسرائيلية وضعت فيها عدة خيارات أمام قادة الحرب في دولة الاحتلال من بينها «أن تقوم إسرائيل بإجلاء سكان غزة إلى سيناء وإنشاء منطقة عازلة بعدة كيلومترات داخل مصر وعدم السماح للفلسطينيين بالعودة إلى النشاط أو الإقامة بالقرب من الحدود الإسرائيلية». وتطالب الوثيقة أيضا بأن تسعى إسرائيل الى «حشد الدعم العالمي لهذا المشروع، وخاصة من الولايات المتحدة».
وهو كما يبدو ما حاول بلينكن وزير خارجية أميركا اقناع مصر قبوله في زيارته لها بعد رحلة الحج التي قام بها لإسرائيل في اليوم الثاني عشر من أكتوبر – الرحلة التي قال فيها بأنه يأتي لإسرائيل كيهودي وليس كوزير لخارجية بلاده، ثم قال في مصر بأنه يأتي اليها كإنسان في سابقة لا مثيل لها في التاريخ – وهذا ربما ما جعل الرئيس المصري يتحدث علنا عن رفض بلاده للمشروع ومطالبته بترحيل الفلسطينيين الى صحراء النقب إن كانت إسرائيل راغبة في ترحيلهم.
ولا يبدو أن فكرة الترحيل مجرد خاطرة في لحظة غضب، ولكن من الواضح انها السياسة الرسمية لدولة الاحتلال وهي كما يبدو تمثل «الحال النهائي» (فاينال سوليوشن) لمعضلة غزة بالنسبة لهم، وهو ما يذكرنا «بالحل النهائي» الذي قام به النازيون الألمان تجاه اليهود فيها.
في «الواي نيت» الإسرائيلية، وانا انقل عن يونغ، كتب غيورا آيلاند الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي مقالا قال فيه «يجب تهيئة الظروف التي تصبح فيها الحياة في غزة غير مستدامة» بحيث «ينتقل جميع سكان غزة إما إلى مصر أو إلى الخليج».
ويوضح آيلاند في مقاله الطريقة التي سيتم بها ذلك وهي «أن يتم تحويل غزة الى مكان لا يصلح أن يعيش فيه إنسان» مضيفا «أنا أقول هذا كوسيلة وليس كغاية» إذ «لا يوجد خيار آخر لضمان أمن دولة إسرائيل فنحن نخوض حرباً وجودية».
وهو بالضبط ما تقوم به إسرائيل الآن، فهي تدمر كل شيء في غزة بحيث لم يعد المكان صالحا لحياة البشر فيها، فلا ماء ولا كهرباء ولا غذاء ولا وقود ولا مستشفيات ولا مدارس ولا جامعات ولا محال تجارية ولا مساجد. إسرائيل دمرت كل شيء وحولته الى أعمدة من ركام.
لم يعد هنالك ما يمكن أن يعتمد عليه الفلسطيني في غزة للحفاظ على حياته وحياة أطفاله فيها.
في النهاية حققت إسرائيل ما ارادت من دمار وخراب، لكنها متفاجئة فقط من قدرة الفلسطيني على الصمود والتمسك بوطنه حتى لو تبقى منه فقط أعمدة منهارة من الباطون المسلح وأكوام من الحجارة.
إن ما قاله آيلاند، يقول يونغ «مثير للاشمئزاز» لأن جعل حياة البشر مستحيلة في حروب التطهير العرقي هو «المبرر الذي يلجأ إليه الأوغاد في كل مكان عندما يبررون جرائمهم الفظيعة».
لكن المثير للاشمئزاز، يقول يونغ، هو أن الولايات المتحدة والدول الأوروبية يشاهدون هذه المذبحة في غزة للآلاف من الفلسطينيين ويرفضون وقف إطلاق النار ويستمرون في تبرير التطهير العرقي الذي تقوم به إسرائيل والتذكير بما تعرضت له يوم السابع من أكتوبر كذريعة للجرائم التي تقوم بها، وهو ما يؤكد بأن قادة الغرب عنصريون عندما تتعلق المسألة بحياة العرب وبأنهم لا يخجلون من اعتبار حياة الإسرائيليين أعلى قيمة وأثمن من حياة العرب.
قبل خمسة وأربعين عاما بالتمام والكمال كتب الراحل الفلسطيني إدوارد سعيد كتاب «الاستشراق»، قال فيه بأن السياسات الغربية تجاه الشرق «تجاه شعوب منطقة الشرق الأوسط» قائمة على سرديات واكاذيب كتبها مستشرقون صوروا شعوب المنطقة على أنهم كسالى، سُذج، غير صادقين، بربريون، ضعفاء، غير منطقيين ولا يمكن الثقة بهم وأنهم أقل شأنا من الشعوب الأوروبية وأنهم بحاجة للغرب المتحضر لكي ينقذهم من أنفسهم.
لقادة الغرب نقول: لن ننسى دعمكم ووقوفكم مع دولة الاحتلال ومساندتكم لها في حملة التطهير العرقي التي تقوم بها في غزة.