مقالات

للتاريخ استحقاقات وحرب غزة حبلى بالمفاجئات  بقلم د. رياض العيسمي

بقلم د. رياض العيسمي

للتاريخ استحقاقات وحرب غزة حبلى بالمفاجئات
 بقلم د. رياض العيسمي
االقادة عادة يقرأون التاريخ لكنهم لا يستوعبون دروسه. ولا يحاولون الاستفادة من أخطاء الماضي. بل على العكس يعملون على تكرار الأحداث متأملين أن يحصلوا على نتائج أفضل. وكان انشتاين قد حذر من هذا التوجه بقوله: “قمة الغباء أن نعيد تجريب نفس الحل لنفس المشكلة ونتوقع الحصول على نتائج مختلفة”. فقادة بريطانيا وفرنسا كانوا يعتقدون بأن الحرب العالمية الأولى ستكون آخر الحروب في التاريخ. وكانوا على قناعة راسخة بأنه لا أحد يستطيع ازاحة الدولتين من الشرق الأوسط بعد اتفاقية سايكس-بيكو. وهكذا حال قادة الولايات المتحدة اليوم. فهم لا يعتقدون بأن أحدًا يمكن أن ينازعهم على النفوذ في المنطقة بعد الانتصار في الحرب العالمية الثانية وازاحة بريطانيا وفرنسا منها بعد حرب السويس، ١٩٥٦. وكذلك لا أحد يستطيع أن يناقشهم بطبيعة وكيفية وجود اسرائيل التي خلقوها في المنطقة. وإلا فكيف يمكن للرئيس بايدن الكاثوليكي ان يقول على الملأ بأنه هو ليس يهودي وحسب، وإنما صهيوني ويعتقد بأنه يمكن ان يكون له مصداقية في إيجاد حل للنزاع الاسرائيلي الفلسطيني. وكيف له أن يعود إلى حل الدولتين الذي لم يستطع سلفه الرئيس أوباما تطبيقه في ظل ظروف أفضل. وكان هو معه نائبا للرئيس. وذهب بنفسه إلى إسرائيل لاقناع نتنياهو بوقف الاستيطان. ولكن نتنياهو قابله وقتها بقرار بناء دفعة جديدة من المستوطنات. وهل سيساعد نتنياهو بايدن هذه المرة، بكونه اصبح رئيسا، على اخلاء المستوطنات التي أمر ببنائها تمهيدا لحل الدولتين المزمع. أم أن بايدن يراهن على خروج نتنياهو من السلطة كما خرجت غولدا مائير بعد حرب ٦ أكتوبر عام ١٩٧٣. وهل يراهن وزير خارجيته انتوني بلينكن على أن يلعب نفس الدور الذي لعبه سلفه هينري كيسينجر وزير الخارجية الأسبق عندما تصرف كيهودي استراتيجي وأراد، كما قال، انقاذ اسرائيل من نفسها. وذلك لأنها أصابها الغرور والزهو بالقوة بعد الانتصارات الساحقة التي حققتها في حرب عام ١٩٦٧ وهي لم تكن لتقبل تقديم أية تنازلات للسلام الذي كان الرئيس المصري انور السادات قد عرضه عليها. والذي كان يسعى كيسنجر لتحقيقه، ولم يستطيع تحقيقه إلا بعد خسارة إسرائيل في حرب ٧ أكتوبر عام ١٩٧٣. ولهذا ذهب بلينكن الى اسرائيل وقال بأنه يزورها كيهودي وليس كوزير خارجية الولايات المتحدة. وهل هذا هو ما سيساعده على تحقيق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين حتى ولو كان مفروضا بالقوة. فهو رفض مؤخرا طلبا لوزراء الخارجية العرب للضغط على إسرائيل بقبول وقف لاطلاق للنار لتمرير احتياجات العيش الإنساني للمحاصرين في غزة. وذلك خوفا من ان تستعيد حركة حماس قوتها وتكرر أحداث ٧ أكتوبر ، ٢٠٢٣. وهل يحاول بلينكن بهذا ان ينقذ اسرائيل من نفسها كما فعل كسينجر من قبل. ولكن بطرية معكوسة عبر اعطائها جرعة من النصر حتى تتجاوز صدمة الفشل ويتمكن من فرض الحل على الطرف الاخر بالقوة. لكن المرحلة قد تغيرت اليوم. وهي لم تعد كتلك التي كانت في عام ١٩٧٣. و بلينكن هو ليس كيسنجر. وحركة حماس ليست كمنظمة التحرير التي فرضت اسرائيل الحصار عليها في بيروت عام ١٩٨٢ لأكثر من شهرين، وإلى أن اجبرت على الخروج إلى تونس.
لم يعد أمام الفلسطينيون إلا الصمود والتشبث بأرضهم ومحاولة تلبية احتياجاتهم الانسانية ولو بالحد الأدنى لاستمرار الحياة. وكلما حوصروا اكثر، سيحاولون الصمود أكثر. وهم لهم تجربة طويلة في الصمود. ولهم طرقهم في التعامل مع الأزمات. وهم مصممون على الانتصار بشتى السبل حتى ولو بزيادة الإنجاب. وذلك لأن هزيمة اسرائيل المتوقعة ستكون بالديموغرافيا، زيادة في عدد السكان الفلسطينيين بما يجعل الإسرائيليين أقلية صغيرة. ولهذا هل تعتقد الولايات المتحدة واسرائيل فعلا بأن اطالة أمد الحرب سيجبر حركة حماس على الاستسلام وتسليم الرهائن، والذين هم أكبر ورقة تفاوض استراتيجية يمتلكونها. إن اسرائيل لا تعاني فقط من أزمة جغرافيا تستوعب الفلسطينيين داخل الأرض المتنازع عليها، وانما أيضا ازمة ديمغرافيا. والمتمثلة بزيادة عدد السكان الفلسطينيين بنسبة ٤ إلى ١. وكذلك الهجرة المعاكسة من إسرائيل التي تتضاعف كل عام. والتي من المتوقع أن تزيد عدة أضعاف اذا ما فشلت إسرائيل في القضاء على حركة حماس. وكيف ستقضي اسرائيل على حركة حماس المتحصنة داخل شبكة من الانفاق تحت الأرض تقدر ب ٥٠٠ كيلومتر. واذا كانت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس قد امهلت الحكومة الاسرائيلية عام ٢٠٠٦ ٣٣ يوما للقضاء على حزب الله ولم تفلح. فكم من الوقت يستطيع ان يمنح بلينكن هذه الحكومة للقضاء على حركة حماس. وكم من الوقت يستطيع اقتصاد اسرائيل أن يتحمل توقف العمل بسبب التحاق الموظفين والعمال بالاحتياط والذهاب إلى الحرب. وهل فعلا تستطيع اسرائيل تهجير كل سكان غزة البالغ عددهم مليونين ونصف إلى مصر. وذلك لاخراج غزة من معادلة حل الدولتين الذي بدء يضغط به الرئيس بايدن ووزير الخارجية بلينكن. ومن يضمن بأن تقبل مصر هذا العرض هذه المرة بعد أن رفضته من قبل عدة مرات. كما ومن يضمن للولايات المتحدة واسرائيل عدم انقلاب ايران على قواعد اللعبة وانحيازها للصين وروسيا ضد الولايات المتحدة في الشرق الأوسط في الوقت المناسب. وايران عبر تاريخها الطويل برعت في استخدام فن المراوغة والاحتيال. كما وأن معظم دول أوروبا لم تعد تتحمل ولن تعد تستطع تغطية جرائم اسرائيل. والدعم لها بدأ يتراجع بشكل ملحوظ في كل العالم. واذا ما بقيت كل هذه الأمور تسير على ما هي عليه لوقت أطول، لن تخسر اسرائيل الجغرافيا التي تسعى لتغييرها عبر هذه الحرب، وإنما ستخرج من التاريخ أيضا، كما خرجت منه مرتين من قبل.
بنو إسرائيل هم قبائل عربية بالأساس. رحلت من اليمن إلى أرض كنعان في فلسطين التي بناها العرب اليبوسيين في القرن الرابع قبل الميلاد. واليهودية هي دين متجذر في المنطقة منذ نزول التوراة على النبي موسى في مصر. وهذه الأرض يمكن أن تتسع لكل الأديان كما كانت منذ الأزل. ولا تستطيع أية فئة دينية بعينها مهما عظمت قوتها وعلا شأنها ان تذهب عكس منطق التاريخ إلى الأبد. والحياة بحسب منطق دارون للتطور هي للأكثر قدرة على التأقلم، وليس للأقوى. ومن يعاكس منطق التطور إما أن يرحل أو يتغير. ولو كانت الحياة للأقوى لما انقرض الديناصور. لم يعد هناك أية دولة احتلال في العالم سوى إسرائيل. والدول الدينية قد تجاوزها الزمن.
إن حرب غزة اليوم، وباعتراف كل المحللين العسكريين، هي حرب من نوع آخر. و ليس لها مثيل في التاريخ. ولا أحد يستطيع التكهن بنتائجها. ولكنها بالتأكيد ستكون مختلفة هذه المرة. المرحلة قد تغيرت، وللتاريخ استحقاقات، وحرب غزة ما تزال حبلى بالمفاجئات.
للمزيد من المعلومات حول هذا الموضوع، أرجو زيارة موقعي والاطلاع على كتابي “الولايات المتحدة ومآلات الصراع على الشرق الأوسط”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب