فلسطين

ملاحقات إسرائيل لفلسطينيي الداخل تعيد الحكم العسكري دون الإعلان عنه

ملاحقات إسرائيل لفلسطينيي الداخل تعيد الحكم العسكري دون الإعلان عنه

الناصره / وديع عواودة

الناصرة-  تواصل السلطات الإسرائيلية تضييق الخناق على فلسطينيي الداخل باعتقالات وملاحقات واسعة واعتداءات ميدانية في أماكن عمل والمرافق العامة، فيما يحظر التظاهر يواصل الكنيست تشريع قوانين ملاحقة بلغت حدّ تجريم الأفكار، في قانون صُودق عليه أمس، يمنع قراءة ومشاهدة وسماع مواد صادرة عن منظمات صُنفت كإرهابية.

ورغم حظر التظاهر والاحتجاج على الحرب، من المنتظر أن يتظاهر، قبيل ظهر اليوم الخميس، القادة السياسيون لفلسطينيي الداخل، في مركز مدينة الناصرة، تحت عنوان: “أوقفوا الحرب”، و “الأمن يأتي بحلول سياسية لا عسكرية للقضية الفلسطينية”.

بركة عبّرَ عن  جوهر موقف فلسطينيي الداخل، بأن جرائم الاحتلال لا تبرر المساس بالمدنيين الإسرائيليين، وأن هذا الحدث لا يبرر جرائم الحرب  الإسرائيلية بحق المدنيين الفلسطينيين

وكان رئيس “لجنة المتابعة العليا” محمد بركة قد عبّرَ بشكل عام عن  جوهر موقف فلسطينيي الداخل مما يجري، بقوله، قبل أيام، إن جرائم الاحتلال الإسرائيلي منذ النكبة لا تبرر المساس بالمدنيين الإسرائيليين، قتل النساء والأطفال منهم واختطافهم في عملية “طوفان الأقصى”، وإن هذا الحدث لا يبرر جرائم الحرب  الإسرائيلية بحق المدنيين الفلسطينيين داخل قطاع غزة.

 قانون تجريم الأفكار

 وفي إطار الملاحقات الإسرائيلية المتوحشة، صادق الكنيست، أمس، بالقراءتين الثانية والثالثة على قانون يحظر مشاهدة ما اعتُبر “منشورات إرهابية”، أو ما يسمى بـ “قانون استهلاك منهجي ومستمر لمنشورات ترويجية لحماس- وداعش”.

وبحسب القانون، قد تصل العقوبة الجنائية على مشاهدة هذه المنشورات بالسجن حتى عام، مستثنيًا ما اعتُبر مشاهدة عابرة عفوية، أو غير متعمدة لهذه المقاطع أو المنشورات، وقد عارضته منظمات حقوق الإنسان، مطلقةً عليه: “قانون تجريم الأفكار”.

وأصدرت “الجبهة” و”العربية للتغيير”، برئاسة النائب أيمن عودة، بيانًا حول مصادقة الكنيست على القانون غير المسبوق في كل العالم، أكدت فيه أن هذا القانون عنصري، وفي غاية الخطورة، مشددةً على أن الحكومة الإسرائيلية تستغل الحرب لتعيد إلى الأذهان، وحتى بشكل فعلي، أجواء الحكم العسكري”.

وأضاف البيان: “هذا القانون هدفه مواصلة ملاحقة أبناء المجتمع العربي الفلسطيني في إسرائيل، التي لم تتوقف عن التحريض منذ بداية الحرب،  فإسرائيل هي الوحيدة التي ستحكم فعليًا بالسجن على إنسان لم يرتكب جرمًا بعد، وهذا ما يجعله أكثر خطورة”.

 في هذا السياق، دعا الحاخام مئير جولدمينتز، الذي يشغل منصباً رفيعاً في مستوطنة غلاعاد ( شخصية روحية مؤثرة لدى المستوطنين وأنصار الصهيونية الدينية)، لاستكمال النكبة وتهجير الفلسطينيين المتبقين في البلاد. وأرسلت النائبة عايدة توما سليمان للمستشارة القضائية للحكومة الإسرائيلية بطلب فتح تحقيق جنائي ضد الحاخام مئير جولدمينتز، بعد  نشره مقالاً يحتوي على دعوات واضحة للتهجير والتطهير العرقي، ويستند إلى تفسيرات دينية تروج لفكرة طرد جميع الفلسطينيين والعرب المواطنين من إسرائيل، بالإضافة إلى قوله إن العمال العرب الذين يبنون المنازل يعملون كجواسيس لمنظمات إرهابية”. كما وصف الحاخام أحداث يوم السابع من أكتوبر بأنها وقعت بسبب عدم طرد سكان البلاد. وشددت عايدة توما سليمان برسالتها على أنه يتعين أخذ جميع هذه التصريحات بجدية، حيث يمكن أن تؤدي إلى تحريض على العنف ضد المجتمع العربي المتأثر بالفعل بوضعه، بالإضافة إلى أنه يجب اتخاذ إجراءات قانونية ضد هذا النوع من خطاب الكراهية والتحريض ضد المجتمع العربي.

ممنوع التظاهر

في هذا المضمار، ردّت المحكمة الإسرائيلية العليا قرارها، أمس، الالتماس الذي قدمه مركز “عدالة” باسم كل من “الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة” و”الحزب الشيوعي الإسرائيلي”، اعتراضًا على رفض الشرطة لترخيص مظاهرتين في مدينتي أم الفحم وسخنين احتجاجاً على الحرب على غزة، وتعليمات المفوض العام للشرطة الإسرائيلية، شبتاي ليفي، التي تمنع المظاهرات ضد الحرب.

يواصل بن غفير توزيع الأسلحة على ميليشيات الحراسة بدعوى أن هناك مخاطر داخلية

 وفي قرارها الصادر عن ثلاثة قضاة، قررت العليا الإسرائيلية بأنه لا توجد للمفوض العام للشرطة صلاحية بمنع مظاهرات بشكل جارف، ولذا كان من المفضل لو لم يصدر تعليماته بذلك، لأن حق التظاهر مهم أيضًا في فترة الطوارئ والحرب.

وبالرغم من ذلك، رأت المحكمة الإسرائيلية أن ترفض الالتماس، معلّلةً ذلك بموافقتها لادعاءات الشرطة بخصوص عدم وجود قوات كافية من أجل ضمان وسلامة الأمن العام. كما أكدت أن قرارها هذا ساري المفعول في هذا التوقيت حصرًا، وفي سياق طلبي المظاهرات في أم الفحم وسخنين، ويحق للملتمسين تقديم طلبات جديدة، وعلى الشرطة أن تنظر إليها بجدية، ووفقًا للمعايير التي تحترم حرية التظاهر.

 وقد عقّب مركز “عدالة” على هذا القرار قائلًا: “رغم رفض المحكمة الإسرائيلية العليا تعليمات المفوض العام للشرطة الجارفة بمنع المظاهرات، وتأكيدها على حق في حرية التظاهر، إلا أن قرارها الذي منع حق التظاهر في هذه القضية تحديدًا بحجة عدم وجود قوات كافية للشرطة هو إشكالي؛ إذ إننا لا نرى هذا الادعاء يطبق على حق التظاهر في المدن اليهودية، مثل تل أبيب وغيرها. ولذا، نرى أنه حتى في مسألة حق التظاهر يقع تمييز بين فلسطينيي الداخل والمجتمع اليهودي، وبين البلدات العربية واليهودية”.

ويؤكد مدير عام “عدالة” المحامي حسن جبارين لـ “القدس العربي” أن قرار المحكمة الإسرائيلية العليا “يعني أن التظاهر لليهود حلال وللعرب حرام، وهذه ازدواجية تنسف الأساس للنظام الديمقراطي”.

 وتابع: “سنظل نتابع نهج الشرطة الإسرائيلية بتعاملها مع تقديم الطلبات الجديدة للترخيص، ونتحدّاها قانونيًا، إذا اقتضت الحاجة”. كما يؤكد حسن جبارين على ما قاله خلال جلسة المحكمة بالقول إن الادعاءات التي استندت إليها الشرطة أمام المحكمة عنصرية، وهي فعليًا تتيح حق التظاهر فقط في البلدات اليهودية، بمقابل منع تام وشامل في البلدات العربية”. من جانبها، اعترفت الشرطة الإسرائيلية بأنها لا ترفض طلبات التظاهر بحق الأطراف المدعية (أي الجبهة والحزب الشيوعي)، إنما لديها تخوفاتها من انضمام أطراف أخرى للتظاهر، التي يمكن لها أن “تحرض”، وليس توجسًا من أعمال عنف.

 وبموافقة الأطراف، سمح بعرض مواد أمام المحكمة، من دون حضور الملتمسين، حول ادعاء الشرطة الإسرائيلية انتشار قواتها نتيجة الحرب وعدم قدرتها التعاطي مع المظاهرات، كما هو الحال في السابق.

إثر ذلك الادعاء، سُئل المدعون إذا ما كانوا على استعداد لدراسة إمكانية تنظيم الاحتجاجات في أمكنة مغلقة، ورفض هذا الطلب. وتبعًا لذلك، رَفَضَ القضاة طلب تنظيم المظاهرات المطلوبة. ويبدو أن هناك جملة أسباب تقف خلف السلوك المغاير لفلسطينيي الداخل حيال الحرب على غزة، بخلاف مواقفهم في أزمات حروب سابقة، بعضها يرتبط بهم وبتفاعلات وتراجع السياسة في أراضي 48، وبمفاعيل العامل الديني كالأقصى، حيث يتحركون ميدانياً فور المساس به، وبوجود حكومات فاشية في إسرائيل تمارس الملاحقات، وتهدد بسحب المواطنة والتهجير، وتمارس البطش، فحتى الآن هناك مئات من المعتقلين لمجرد نشرهم كلمات متكافلة مع وجع الغزيين، وحصل أن اعتُقل عددٌ من الفلسطينيين في الداخل لنشرهم مقاطع من أغنية أو قصيدة، واعتُبر ذلك تأييداً لـ “الإرهاب”.

وعلى سبيل المثال؛ تم اعتقال ممرضة عربية من الجليل تدعى نور عيادات بشبهات التحريض لنشرها، عام 2021، مقطعاً من أغنية “زهرة المدائن”.

جبارين: قرار المحكمة الإسرائيلية العليا يعني أن التظاهر لليهود حلال وللعرب حرام، وهذه ازدواجية تنسف الأساس للنظام الديمقراطي

فيما تم اعتقال صحفي عربي من شمال البلاد لنشره مقطعاً من قصيدة محمود درويش: “وَنَحْنُ نُحِب الحَيَاةَ إذَا مَا اسْتَطَعْنَا إِلَيْهَا سَبِيلاَ… وَنَرْقُصُ بَيْنَ شَهِيدْينِ نَرْفَعُ مِئْذَنَةً لِلْبَنَفْسَجِ بَيْنَهُمَا أَوْ نَخِيلاَ”.

وقبل ذلك، اعتُقلت الفنانة دلال أبو آمنة لنشرها مقطعاً مِن آية تقول: “لا غالب إلا الله”.

كما تم اعتقال الفنانة ميساء عبد الهادي، وتقديم لائحة اتهام ضدها لنشرها صورة الجرافة التي اجتازت الحدود من غزة للمستوطنات، وكتبت تحتها: “لنفعل ذلك، على طريقة برلين”، وصورة سيدة إسرائيلية كانت في طريقها لغزة ضمن مجموعة المحتجزين الإسرائيليين، وكتبت تحتها كلاماً بلغة ساخرة.

 هذا علاوة على استمرار ظاهرة التهويش الرسمي والشعبي على فلسطينيي الداخل، والإبعاد العشوائي عن العمل، والاعتداءات في الشارع. ومع ذلك هناك من يتساءل داخل أراضي 48 إلى متى هذه الاستكانة وعدم الاحتجاج على استمرار الحرب على غزة.

كاريكاتير ساخر

وفي التزامن يواصل وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، المدان بالإرهاب، بتوزيع الأسلحة على ميليشيات الحراسة، في 700 بلدة إسرائيلية حتى الآن، بدعوى أن هناك مخاطر داخلية ورغبة بعدم السماح بتكرار أحداث “حارس الأسوار” (أحداث “هبة الكرامة” خلال عملية “سيف القدس”) في مايو/أيار 2021.

وسخر رسم كاريكاتير نشرته “هآرتس”، اليوم، من بن غفير، الذي يبدو في شبّاك تذاكر سينما لعرض فيلم “حارس الأسوار 2″، لكن عدداً قليلاً جداً من الإسرائيليين يصل لصالة العرض، فيما يطلب بن غفير من الحارس نقل العرض لصالة صغيرة.

وكان حزب “القوة اليهودية”، برئاسة بن غفير، قد فاز بسبعة مقاعد في انتخابات الكنيست الأخيرة، بعدما طار على جناحي التحريض على فلسطينيي الداخل، واتهامهم بالتواطؤ على إسرائيل، والاستعداد للمساس بها على طريقتهم، معتبراً “هبة الكرامة” مجرد مثال على ما يضمرونه.

“القدس العربي”:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب