مجموعة البريكس ترى في فسطين أحد الجسور نحو عالم متعدد الأقطاب وتقزيم هيمنة الغرب

مجموعة البريكس ترى في فسطين أحد الجسور نحو عالم متعدد الأقطاب وتقزيم هيمنة الغرب
حسين مجدوبي
تعمل دول البريكس وخاصة الثنائي الروسي-الصيني على تغيير الخريطة الجيوسياسية الحالية من عالم هيمن الغرب على مجريات تاريخه طيلة فترة طويلة جدا إلى عالم متعدد الأقطاب بمفهمومه الحضاري الواسع وليس السياسي، ومنها حل نزاعات أخذت طابعا دينيا وإثنيا ومنها النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي بل العربي-الإسرائيلي.
ورغم انضمام أعضاء جدد إلى مجموعة البريكس منذ اجتماع آب/اغسطس الماضي في جنوب أفريقيا، يوجد قلق من موقف المنظمة تجاه القضية الفلسطينية بسبب وجود دول مثل الإمارات ومصر التي تتبنى الهدنة بل والتماهي مع الأطروحة الإسرائيلية. ورغم كل هذا، سيبقى العالم يركز على موقف بلدين وهما الصين وروسيا، ونسبيا جنوب أفريقيا والبرازيل ومن ضمن الأعضاء الجدد إيران، وذلك بسبب مواقفها الراسخة بضرورة الانتقال إلى عالم متعدد الأقطاب وحل النزاعات ومنها القضية الفلسطينية.
وخلال الحرب التي اندلعت بعد أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر، انفردت دول البريكس باستثناء الهند بموقف متميز مقارنة مع الغرب، بل جعلت من هذا الحادث منعطفا جديدا ينضاف إلى حرب أوكرانيا لرسم خريطة جيوسياسية جديدة.
وارتباطا بهذا، كانت الصين أول دولة من دول نادي البريكس التي أعربت عن مواقف جريئة وقوية وتجلت في ثلاثة مظاهر رئيسية، أولا، عدم اعتبار حركة حماس إرهابية بل التلميح إلى أنها جزء من المقاومة الفلسطينية، ثم رفض الهجمات الوحشية الإسرائيلية على الفلسطينيين والتحرك أمام الأمم المتحدة لاستصدار هدنة وقف إطلاق النار، وأخيرا التشديد على ضرورة حل الدولتين في أقرب الآجال. وحول النقطة الأخيرة، كان وزير خارجية بكين واضحا بقوله يوم 13 تشرين الأول/أكتوبر الماضي في مباحثات مع المسؤول عن العلاقات الخارجية والدفاع في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل «لإسرائيل الحق في إقامة دولة، وكذلك لفلسطين. لقد حصل الإسرائيليون على ضمانات البقاء، ولكن من سيهتم ببقاء الفلسطينيين؟ لم تعد الأمة اليهودية مشردة في العالم، ولكن متى تعود الأمة الفلسطينية إلى بيتها؟».
الدولة ذات الوزن الكبير
وتعتبر روسيا الدولة ذات الوزن الكبير وسط البريكس بعد الصين، وهي من الدول التي تدافع عن حق فلسطين في دولتهم، وتعترف بالدولة الفلسطينية منذ نهاية الثمانينات. ويبقى المثير هو أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أبرز أن الأمر يتعلق بتيار وسط الولايات المتحدة والغرب يستغل الصراعات للدفاع عن استمرار الهيمنة. وقبل هذا التصريح، كان قد أوحى بآخر يبرز فهمه العميق لما تشكله فلسطين لكل مسلم بقوله يوم 11 تشرين الأول/أكتوبر الماضي «فلسطين في قلب كل مسلم».
وتعتبر البرازيل العضو الثالث الأكثر وزنا في البريكس أن ما يجري في قطاع غزة إرهابا، وأعرب رئيسها لولا دا سيلفا عن هذا الموقف من خلال تصريحه «إذا ارتكبت حماس عملا إرهابيا وفعلت ما فعلته، فإن دولة إسرائيل ترتكب أيضا العديد من أعمال الإرهاب، قتل الأبرياء دون أي معايير في الحرب، وإلقاء القنابل حيث يوجد أطفال ومستشفيات، بحجة وجود إرهابي هناك عمل مدان، إنهم لا يقتلون جنودا، بل أطفالا». وتبنت دولة جنوب أفريقيا استراتيجية عملية هجومية جريئة هي في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية، إذ في اليوم التالي لـ 7 تشرين الأول/أكتوبر اعتبرت ما جرى هو نتيجة الاحتلال الصهيوني. ولاحقا، تزعمت رفقة أربع دول أخرى تقديم دعوى ضد إسرائيل أمام الجنائية الدولية بتهمة جرائم ضد الإنسانية. وتعمل حاليا رفقة فلسطين على تقديم التماس إلى محكمة العدل الدولية تطالب فيه بتصنيف الكيان دولة فصل عنصري.
الموقف الهندي
ويلف الغموض الموقف الهندي، حيث تعتبر الدولة ضمن نادي الخمس الكبار التي تميل لإسرائيل نسبيا، حيث قام الرئيس الهندي الحالي مودي بتغيير سياسة نيودلهي الكلاسيكية الموالية لفلسطين إلى سياسة انفتاح كامل على تل أبيب.
ورغم الموقف الهندي، يبقى موقف البريكس واضحا من النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي. فخلال قمة جنوب أفريقيا في آب/أغسطس الماضي، جاء في البيان الختامي «ندعو المجتمع الدولي إلى دعم المفاوضات المباشرة على أساس القانون الدولي، بما في ذلك قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والجمعية العامة للأمم المتحدة، وكذلك مبادرة السلام العربية الهادفة إلى تنفيذ حل الدولتين، إنشاء دولة فلسطين ذات سيادة». وعادت دول البريكس في القمة الافتراضية التي جرت منذ أيام إلى التشديد على نفس المواقف وبقوة أكثر لاسيما هدنة وقف إطلاق النار وضرورة بدء المفاوضات حول الدولة الفلسطينية. ومن خلال جرد مختلف المواقف، يقوم الموقف الجامع والرئيسي للبريكس على مجموعة من التصورات المرتبطة بكل عضو وازن، وهي:
-الصراع الحضاري والعقائدي: إذ ترى روسيا النزاع من جانب عقائدي بتركيز بوتين على ما تشكله فلسطين في قلب كل مسلم، وكذلك من زاوية حضارية بجعل فلسطين وروسيا في صف واحد في مواجهة الغرب وأساسا الولايات المتحدة. وهذا التصور أساسي في عمل البريكس لأن الغرب يتخذ من القضية الفلسطينية معرقلا أمام أي وحدة عربية. وتنخرط الصين وجنوب أفريقيا في هذا التصور وكذلك بعض الأعضاء الجدد مثل إيران.
القانون الدولي: وتتزعم الصين هذا التصور من خلال تقديم نفسها كساهرة على تطبيق القانون الدولي، بل وتريد جعل القضية الفلسطينية من بين إنجازاتها المستقبلية بعدما نجحت في إرساء حوار سلام بين طهران والرياض: وهذا التصور قائم على اعتبار فلسطين آخر القضايا الاستعمارية والعنصرية الكبرى في العالم في الوقت الراهن، ويجب تصفية هذا الملف في أقرب وقت.
وتجتمع ثلاث عناصر رئيسية لتجعل من البريكس أملا في الدفع نحو تصفية الاستعمار الإسرائيلي في فلسطين وبناء الدولة الفلسطينية. ويبقى الأساسي، هل سيراهن الفلسطينيون على دول البريكس أم ستستمر منظمة التحرير الفلسطينية في توجيه بوصلتها إلى وسيط غير نزيه وهو الغرب؟
ـ «القدس العربي»: