استمرار تدفق صواريخ المقاومة بعد آلاف الغارات الإسرائيلية… وتهجير الفلسطينيين حلم إسرائيلي لن يتحقق
استمرار تدفق صواريخ المقاومة بعد آلاف الغارات الإسرائيلية… وتهجير الفلسطينيين حلم إسرائيلي لن يتحقق
القاهره / حسام عبد البصير
تتجاوز الملحمة البطولية التي يقودها رجال فلسطين في تأثيرها حدود شعبها، الذي استرد قضيته من ركام النسيان، فالمقاومة الباسلة نجحت في ما فشلت فيه حكومات ودول وقوات نظامية حول العالم، بابتكارها قاعدة في التسليح المحلي المؤثر، رغم ندرة الإمكانات، وبينما تزداد المخاوف خشية أن تنجح المؤامرة الإسرائيلية الرامية لتهجير أهالي قطاع غزة، أكد سامح شكري وزير الخارجية، رفض مصر القاطع لمحاولات إرغام الفلسطينيين على ترك أرضهم، أثناء اتصال من نظيره الكولومبي ألفارو ليفا، تناولا فيه الوضع الأمني والإنساني المتدهور في قطاع غزة. وكشف السفير أحمد أبو زيد المتحدث باسم وزارة الخارجية، عبر صفحته الرسمية في منصة «إكس» عن أن الاتصال تناول ضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار. وشدد الاتصال على أهمية إتاحة الفرصة لتثبيت الهدن الإنسانية لإدخال المساعدات. كما أكد شكري الرفض القاطع لمحاولات إرغام الفلسطينيين على ترك أرضهم.
حقيقة الهمج
تُعيد الدماء التي تفيضُ في شوارع قطاع غزة، والأشلاء التي تتناثر فيه كل يوم، الوعي إلى بعض من لم يعرفوا حقيقة الهمج الذين يقتلون النساء والأطفال، ويمنعون كل سبل الحياة عمن ينتظرون أدوارهم في القتل. كان هذا الوعي، الذي غاب لدى بعض المثقفين، كما أخبرنا الدكتور وحيد عبد المجيد في “الأهرام”، حاضرا بقوةٍ لدى من أدركوا خطر التطبيع الثقافي، والشعبي عموما، مع من لا يوثق في عهودهم، وقدموا ما يبدو الآن أنه كان إنذارا مبكرا جدا عندما أسسوا لجنة الدفاع عن الثقافة القومية في أبريل/نيسان 1979. تَنَادى جمع كبير من المثقفين المصريين الواعين بأن المشروع الصهيوني لا يقتصرُ على فلسطين لاتخاذ موقف واضح، والسعي إلى نشر الوعي، لكيلا يُنسى أو يُستهان بالخطر المستمر. كان بينهم مثقفون من مختلف الأجيال في ذلك الوقت من جيل الأربعينيات إلى جيل السبعينيات، خاضوا غمار معركة الوعي، وتصدوا لحملةٍ صهيونية ظن من شنها أنه ليس في مصر العريقة من يقفون ضد محاولاتهم تغيير مفاهيمٍ ومعتقداتٍ استقرت في ضمائر أبنائها لأجيالٍ متوالية على اختلاف اتجاهاتهم ومواقفهم، حاولوا التشكيك في هوية مصر وانتمائها العربي، وسعوا إلى إعادة صوغ أساس الصراع وعوامله التي يشهدُ عليها التاريخ، وحصره في ما أُطلق عليه حاجز نفسي تسهُل إزالته. وكأن كل الاحتلال والتشريد وقتل الأسرى ليس إلا وهما يخلق صورا ذهنية يمكن إحلال أخرى محلها. أسهمت تلك الحركة الثقافية الرائدة في المحافظة على الوعي الشعبي بطبيعة الصراع، وساعد انضمام القوى الحية في المجتمع من نقابات وأحزاب ناشئة ومُنظمات مدنية في كسب المعارك التي خاضها من أدركوا الخطر مبكرا، فلم ينزلق إلى التطبيع الثقافي سوى عدد ضئيل جدا، بينهم من رحلوا ولا تجوز عليهم إلا الرحمة، ومن بدأوا في إدراك حقيقة من توسموا فيها خيرا، فيما لا يزال الوعي بحقيقتهم بعيدا عن آخرين. وحين يشتدُ شعورنا بالألم ونحن نتابع المجازر في غزة، لا بد من أن نذكر بالإجلال كل من بادروا إلى تأسيس لجنة الدفاع عن الثقافة القومية، ووضعوا الأساس لمواجهة التطبيع، وأن ندعو من قلوبنا لكُثُرٍ منهم، فسلامُ لأرواحهم.
هيبة ضائعة
سقطت هيبة الجيش الإسرائيلي في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عندما فشل استخباراتيا وعسكريا في رصد أو صد «طوفان الأقصى». ولن تعود هذه الهيبة، كما قال طلعت إسماعيل في “الشروق” إلى جيش لا يجيد سوى قتل المدنيين من النساء والأطفال وكبار السن، واستهداف الجرحى في المستشفيات، وهدم البيوت على رؤوس سكانها الأبرياء. وضع رئيس الوزراء الإسرائيلي وأركان حربه من قوى اليمين المتطرف هدفين رئيسيين لحملته العدوانية ضد المدنيين في قطاع غزة، وهما استعادة الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية، والقضاء على حركة حماس، لكنه وبعد ما يقرب من 60 يوما من القتل والتدمير، عجز حتى الآن عن تحرير أي أسير أو محتجز إلا وفق شروط حماس، التي أرغمته على التوقيع على هدنة لأربعة أيام جرى تجديدها مرتين بوساطة مصرية قطرية أمريكية. التصلب الإسرائيلي، وعدم استجابة تل أبيب للضغوط الإقليمية والدولية لوقف النار في غزة، لا يعكس سوى العجز عن استرداد هيبة ضاعت، وتمرغت في الوحل لجيش يحاول بشتى الطرق إثبات أنه لا يزال موجودا، وهو يصيح ليل نهار في البرية «أنا أقوى من حماس». يملك الجيش الإسرائيلي، الذي يتلقى أحدث الأسلحة والعتاد الأمريكي، من مقدرات القوة العسكرية ما لا يمكن مقارنته بما في حوزة المقاومة الفلسطينية، وفي مقدمتها حماس، لكنه سيفشل في تحقيق أي من أهدافه، فحسب شاهد من أهلها وهو الكاتب في صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية ناحوم بارنياع، فإن «كل الأحاديث عن حرب حتى النصر، وإبادة (حماس)، وتصفية الإرهاب، هي كلام فارغ»، فـ«حماس» كما يقول «فكرة وحركة تاريخية، ولا يمكن إبادة فكرة» بعملية عسكرية.
«القتل الرحيم»
طبعا والكلام ما زال لطلعت إسماعيل سيظل الجيش الإسرائيلي وقادته في مجلس الحرب يعتقدون أن بإمكانهم «تفكيك» حماس، والقضاء على المقاومة بالقوة العسكرية، بعد أن حصلوا على ضوء أخضر جديد من وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، الذي طالبهم باستئناف العدوان ولكن تحت شعار «القتل الرحيم» لسكان غزة، والقيام بعمليات جراحية لا تجلب احتجاجات دولية، شعبية ورسمية، تضع واشنطن ومؤيدي تل أبيب في الغرب في موقف صعب، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، واتساع رقعة المظاهرات المناصرة للفلسطينيين في العواصم والمدن الأوروبية. بلينكن الذي يفاخر بيهوديته، وذرا للرماد في العيون، تحدث عشية استئناف العدوان عقب هدنة الأيام السبعة، عن ضرورة اتخاذ تل أبيب ما سماه بإجراءات لحماية المدنيين في غزة، وحمل «حماس» بلسان إسرائيلي مبين مسؤولية عدم تجديد الهدنة، وطالب الإسرائيليين الإسراع بتنفيذ مهمتهم في الإبادة الجماعية وسفك الدماء خلال «أسابيع» وليس شهورا لأن الوقت ينفد وفاعلية الغطاء الأمريكي يمكن أن تتلاشى. الحديث عن فرار الفلسطينيين إلى سيناء تزامن مع ما نشرته صحيفة «يسرائيل هيوم» (إسرائيل اليوم) العبرية، عن خطة تهجير عرضتها تل أبيب على مسؤولين كبار من الحزبين الديمقراطي والجمهوري في مجلسي النواب والشيوخ الأمريكيين، وزعمت الصحيفة أنها «نالت مباركتهم»، وتقوم على تهجير «طوعي» للفلسطينيين إلى مصر والعراق واليمن وتركيا مقابل مساعدات اقتصادية لهذه الدول. نحن إذن أمام محاولة جديدة لتمرير فكرة التهجير التي قوبلت برفض مصري قاطع، وتظل حتى الآن أوهاما في رأس من يطرحونها، لكن يجب في كل الأحوال الوقوف لها بالمرصاد، ففي جراب الحاوي الإسرائيلي وراعيه الأمريكي الكثير من الحيل والألاعيب التي تتحتم معرفتها وإبطال مفاعيلها، قبل أن تتحول في غفلة من الزمن إلى أوضاع يصعب التعامل معها. تهجير الفلسطينيين حلم إسرائيلي سيصعب تحقيقه شريطة اليقظة، ومساعدة الفلسطينيين على الصمود فوق ترابهم الوطني، وعدم الاستجابة للضغوط والإغراءات أيا كان شكلها وحجمها، وأن نتمسك برفضنا الواضح والصريح للتهجير باعتباره «خطا أحمر» يهدد أمننا القومي.
حلم الملايين
ماذا لو نجحت حماس وفصائل المقاومة في غزة وصمدوا أمام العدوان الإسرائيلي، ولم يفقدوا السيطرة على غزة، وأفشلوا محاولات جيش الاحتلال في الإفراج عن الرهائن بالقوة؟ الإجابة على لسان معتمر أمين في “الشروق”: في هذا السياق سنصطدم بعدة تطورات وتداعيات في منتهى الخطورة. أولها، أن فشل جيش الاحتلال في كسر حماس يقلب الطاولة على جيش الاحتلال نفسه. فمعنى الفشل في غزة أن جيش الاحتلال فقد قدرته على التأثير، ناهيك عن الردع، ولا تستطيع إسرائيل أن تعيش في المنطقة دون هيبة الجيش، وسلاح الردع، والقوة المفرطة التي تحميها. وثانيها، أن التفاعلات الداخلية في إسرائيل ستكون في منتهى الشدة، فمن ناحية هذه أول حرب تخوضها إسرائيل ويكون اليمين المتطرف هو المهيمن على الحكم، فعادة ما يكون اليسار هو المهيمن، ثم يأتي اليمين لنجدة الحكم بعد الإخفاق في إحراز نتائج جيدة في الحروب، كما حدث في 1973، و2006 وغيرهما. ومعنى فشل اليمين في الحرب أن المجتمع الإسرائيلى سيعود لحالة أشد انقساما مما كان عليه قبل الحرب، بين يمين متطرف لا يستطيع الوفاء بتعهداته ويريد تغير جوهر الدولة، ويسار تقدمي لا يستطيع صنع أغلبية أو تغيير المعادلة الداخلية، ولذلك نقول إن هذا المنحنى الخطر، سيحقق ما كان يخشى منه الرئيس الأمريكي بايدن من أن يستغل أعداء إسرائيل الحرب لصالحهم. وأخيرا، معنى صمود حماس في غزة أنها ستتقدم في الضفة على حساب السلطة الفلسطينية، ويؤكد ذلك، أن أغلب من أفرجت عنهم إسرائيل بطلب من حماس كانوا من أبناء الضفة الغربية، وهو ما يعزز حضور حماس في الضفة.
أدلة انتصارنا
على مستوى الإقليم، هناك ثلاثة أمور يجب أخذها في الاعتبار من وجهة نظر معتمر أمين وهي؛ أولا أن التنافس بين المشروعات الدولية الكبرى التي تمر بالمنطقة يميل لصالح طريق الحرير الصيني، مقابل ممر الهند ـ أوروبا، الذي كان من المفترض أن يعبر من الإمارات إلى إسرائيل. وفي هذا تراجع للمصالح الأمريكية، مقابل تقدم للمصالح الصينية. وثانيا، أن حرب غزة وصمود المقاومة، رفع أسهم المحور الذي يطلق على نفسه محور المقاومة في المنطقة، الذي يعمل بقيادة إيران، ويشمل فصائل في العراق وسوريا واليمن ولبنان، وغزة بطبيعة الحال. واكتسب هذا المحور نقاطا عديدة بعد صمود حماس، وتفوقها إعلاميا على إسرائيل في عملية تبادل الأسرى. وبالتالي إذا انتهت الحرب أيا كانت نتيجتها دون أن تتبعها محاسبة الولايات المتحدة لإيران على تنامي دورها الإقليمي، فإن محاور المقاومة سيجذب المزيد من الأنصار، وفي المقابل ستتراجع أسهم الدول المطبعة، التي أقامت علاقات مع إسرائيل. وثالثها، أن صورة الولايات المتحدة في المنطقة تضررت أشد الضرر بسبب موقفها من الحرب على غزة. وتجرأت عليها الميليشيات الموالية لإيران في العراق وسوريا، واليمن. ولعل خشية الولايات المتحدة من هذا التراجع في صورتها هو ما جعل كبار مسؤوليها بدءا من الرئيس بايدن يعيدون طرح، أو التأكيد على مسألة حل الدولتين، وتبنيهم التحرك سياسيا في هذا الاتجاه. لا أظن أن الولايات المتحدة قادرة أو راغبة في إحياء مسار تفاوض جاد من أجل حل الدولتين، لاسيما في ظل حكومة تعتبر الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل. وإقدام هذه الحكومة على مجرد عقد لقاء من أجل بحث مسألة الدولتين هو بمثابة إعلان انتحار لحكومة اليمين. فلا قاعدتها الجماهيرية المتشددة ستوافق على ذلك، ولا الوزراء الممثلون لليمين المتطرف سيمكثون في الحكومة، لو أقدمت على التفاوض. واستمرار إسرائيل في الحرب دون تحقيق نتائج ملموسة هو بمثابة انتحار سياسي أيضا، وأبسط دليل على ذلك، أنه بعد عودة القتال في اليوم رقم 56 من بداية الحرب، فإن المقاومة الفلسطينية استهدفت بصواريخها عدة مواقع في قلب إسرائيل، وكأنها في بداية الحرب. ما يعنى أن قدرات المقاومة الصاروخية لم تتأثر بعد آلاف الغارات الجوية، التي ضربت كل ما يمكن ضربه في غزة. وكأن المقاومة كسبت الجولة بالفعل، وعلى إسرائيل وحلفائها في المنطقة مواجهة التداعيات.
نتنياهو يتحمل مسؤولية الفشل
تزداد الأصوات المطالبة بعزل نتنياهو في إسرائيل، ليس من أجل فلسطين ولا غزة، ولكن لأنه في رأيهم، كما أوضح كرم جبر في “الأخبار”، لم يعد صالحا للمرحلة، وتحميله مسؤولية الفشل في إجهاض هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول. ولا يعنينا بقاء نتنياهو أو عزله فهو شأن إسرائيلي، والأهم هو إعادة إحياء القضية الفلسطينية وإخراجها من غرفة الإنعاش، وعدم إهدار التضحيات الكبيرة في الحرب المجنونة، واستثمار الارتباك الحادث في إسرائيل. نتنياهو يعتبر السلطة الفلسطينية عدوا لإسرائيل مثل حماس، ويتهمها بدعم الإرهاب، وأولمرت يعتبرها غير صديقة لإسرائيل، ولكنها تعمل مع إسرائيل لمنع العمليات في الضفة، ولا يمكن استبعادها من المفاوضات، حتى لا يتهم المجتمع الدولي إسرائيل بأنها لا تسعى إلى حل سلمي. وهذا معناه ضرورة الدعم العربي والدولي للسلطة الفلسطينية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني، حتى لا يضعها نتنياهو في خانة حماس، ويقوم بمذبحة أخرى في الضفة، بحثا عن «العدد الجديد»، وأملا في استمراره في الحكم بالمجازر والاعتداءات المستمرة. وتغيرت أيضا مواقف مختلف القوى الإسرائيلية من تأييد خطة نتنياهو بالتهجير القسري إلى سيناء، خوفا من ردود الأفعال الغاضبة لدى مصر، والمساس بمعاهدة السلام التي تحققت لإسرائيل بعد حروب تكبدت فيها خسائر كبيرة. والبديل الذي يطرحه الإسرائيليون هو إقامة منطقة عازلة تحمي إسرائيل من أي هجوم في المستقبل، ولن يتحقق ذلك لديهم إلا بعد القضاء على حماس، في أقصر وقت ممكن، ولا تستمر طويلا لتتحول إلى استنزاف عكسي.. ولكن كم تستغرق من الوقت؟
أهداف الحرب على غزة
صحيفة “فايننشيال تايمز” التي تابعها كرم جبر، توقعت أن تستمر لعام أو أكثر، وأن الأهداف تشمل تصفية ثلاثة من كبار قادة حماس الميدانيين وهم، يحيى السنوار ومحمد الضيف ومروان عيسى، وفي المرحلة التالية قوائم بأسماء بقية قادة حماس والعناصر الفاعلة، في 24 كتيبة.. يعني حتى نهاية عام 2024. ولمواجهة الضغوط الدولية المتزايدة بسبب سقوط أعداد كبيرة من الضحايا المدنيين، وضعت إسرائيل خريطة مقسمة إلى أقسام ليتوجه السكان بموجبها إلى ما تسميه الأماكن الآمنة، إلى جانب قواعد للاشتباك السحري في الأماكن التي توجد فيها حماس، ووضع نظام جديد لغزة في مرحلة ما بعد حماس. سارة كوهين مديرة دعاية الحملة الإسرائيلية في الخارج ترى أيضا، أن حكومة نتنياهو لا يمكنها قيادة هذه الحرب، لافتقارها إلى شعبية واسعة، ورغم ذلك ترفض استبدالها، لأن إزاحته تعني الخسارة، ولكنه يتحمل مسؤولية الفشل، وعليه إنهاء مسيرته السياسية بعد ذلك. ويعترف الإسرائيليون بأن سيناريو تدمير شمال غزة، لا يمكن أن يتكرر في الجنوب، حيث يوجد مليونان من المدنيين، ويستحيل إجلاؤهم بشكل جماعي. وعلى حد تعبير أولمرت فإذا فشل نتنياهو في إخبار العالم باستراتيجيته تجاه غزة، فلن يمنحه أحد الوقت لاستكمال القضاء على حماس وأولهم الولايات المتحدة.
إبادة الأبرياء
كما هو متوقع، استأنفت إسرائيل عملية دك غزة، وهذه المرة عملية الدك لا تقتصر، كما أوضحت أمينة خيري في “المصري اليوم” على شمال القطاع الذي طالبت سكانه بالرحيل صوب الجنوب، حتى تتمكن من القضاء عليه تماما، بل امتدت للجنوب. تمضي إسرائيل في حربها على القطاع، ردا على عملية «حماس» يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول. «المقاومة» تقوم بعملية تحرج الساسة الإسرائيليين، تحتجز بضع عشرات من الإسرائيليين وتأخذ في طريقها بضعة عمال من جنسيات آسيوية «كمالة عدد»، لكن الأهم النساء والأطفال والرضع، لما لذلك من أثر بالغ على الداخل الإسرائيلي وقدرته على الضغط على الإدارة الإسرائيلية لزحزحة القضية وحلحلة الجمود، لنيل بعض المكتسبات (شخصيا لا أرى إمكانية حدوث ذلك). يدرك قادة «المقاومة» نوعية وحجم وماهية الرد الإسرائيلي على عمليةٍ كتلك. الخسائر فادحة، والأرواح البريئة والأطفال الملائكة والنساء اللاتي لا حول لهن ولا قوة، والشباب يحملون الآباء والأمهات من كبار السن، وعمليات القتل والدك تجري على الهواء مباشرة، والنزوح بالآلاف يتم توثيقه وبثه على الشاشات على مدار الساعة، ولا مانع من قصف مدرسة تابعة لهيئة أممية نزحت إليها الآلاف فتتعاظم الكارثة وتتفاقم المشاهد لدرجة اللامعقول، وهنا يضغط الرأي العام الغربي على ساسة الغرب الذين يضغطون بدورهم على ساسة إسرائيل، من أجل حل القضية الفلسطينية المعلقة في الهواء على مدار 75 عاما، ويتم الوصول لحل يرضي الفلسطينيين والعرب، سواء كان حل الدولتين أو غير الدولتين. مرة أخرى، لا أرى المشهد بهذه السهولة الدموية، أو البساطة القاتلة، ولكن هذا لا يهم الآن. الآن ما يجري هو أن إسرائيل تمضي قدما في خطةٍ ما ملامحها واضحة منذ اليوم التالي لـ «طوفان الأقصى».
فرصة مسمومة
الانتقام الغاشم بالطبع واضح، ولكن فرصة إسرائيل من وجهة نظر أمينة خيري ذهبية لكسر الشوكة المعترضة حلقها، شوكة غزة. تسوي بنيتها بالأرض، تجعلها مكانا غير قابل للحياة الآدمية، تضغط على السكان بين سلسلة قصف وأخرى بدءا بالشمال لينزحوا صوب الجنوب، ورويدا رويدا يجد السكان أنفسهم والقصف والدك وراءهم، والحدود والمعبر أمامهم. دعك عزيزي من كل الوثائق التي ظهرت فجأة، والتي تمت صياغتها وتجميعها على مدار عقود لخطة تفريغ القضية الفلسطينية من محتواها البشري. لذلك استخدمتُ عبارة “جتلهم على الطبطاب” في إشارة إلى عملية «طوفان الأقصى». التاريخ يخبرنا أن العالم هاج وماج عشرات المرات بسبب عمليات إبادة وقتل جماعي وسفك دماء، وتستمر المشاعر المحتقنة أسابيع وربما أشهرا، أو حتى بضع سنوات، لكنها تهدأ ويعود الجميع إلى حياته العادية، دون حساب المعتدي، أو معاقبة الظالم. يبدو أن المسألة لم تعد مجرد تحويل القطاع إلى قطاعين، ولكنها ربما حشر سكان غزة على الشريط الحدودي، وباقى السيناريو يسهل تخيله، وعمليات تحميل مصر ما لا تحتمل تسهل قراءتها وستكون مدعومة بحسن وسوء نية من قبل كثيرين في الداخل والخارج.
المؤامرة واضحة
المعادلة واضحة وفك ألغازها عبد القادر شهيب في “فيتو”: إسرائيل لن توقف حرب الإبادة التي تشنها ضد أهل غزة إلا إذا ضغطت أمريكا عليها.. وأمريكا لن تضغط على إسرائيل لتوقف الحرب إلا إذا خشيت على مصالحها معنا نحن العرب. وحتى الآن لا تخشى أمريكا على تلك المصالح.. هي تدرك أننا نحن العرب لسنا غاضبين من استمرار الحرب ونريد وقفها فورا، ولكنها لم تشعر بالخطر على مصالحها معنا أو لدينا، ولذلك اكتفت فقط بالهدن الإنسانية وأقنعت إسرائيل بها، وشاركت في التوصل إلى ثلاث هدن منها امتدت إسبوعا.. لكنها لم تطالب إسرائيل بالوقف النهائي للحرب بعد، بل على العكس تماما، أيدت استئناف إسرائيل للحرب مجددا، وكل ما طالبت به الإسرائيليين هو تقليل وحشيتها وتخفيض استهداف المدنيين فقط، لذلك بات أمر وقف الحرب في أيدينا نحن العرب.. فكل ما فعلناه حتى الآن، سواء في مجلس الأمن أو القمم العربية والإسلامية والمباحثات الثنائية، لم يمثل ضغطا كافيا على أمريكا يدفعها للضغط على إسرائيل لوقف تلك الحرب الوحشية التي استأنفتها إسرائيل بشراسة، ضاربة عرض الحائط بنصائح بلينكن، هذا ما يتعين علينا نحن العرب أن ندركه الآن وأن نجعل الأمريكيين يخشون على مصالحهم معنا، ويعرفون أنها صارت الآن في خطر ومهددة، إذا لم تتحرك أمريكا وتمارس ضغوطا جادة وحقيقية لتوقف الحرب الآن وليس غدا.. بغير ذلك سوف تطول تلك الحرب لآن مصلحة قادة إسرائيل السياسيين والعسكريين هو استمرارها لأطول فترة ممكنة، لأنهم لا يستهدفون فقط القضاء على حماس، وإنما يستهدفون فعلا تهجير أهل غزة قسريا إلى خارجها وتوطينهم في سيناء، وتحويل القطاع إلى منطقة عازلة.. فهم بعد أن أجبروا أهل غزة على النزوح جنوبا يستهدفونهم في الجنوب الآن وبقسوة بالغة أيضا..
نسينا السودان
غرق السودان في مأساة الحرب الأهلية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.. وقد انتقلت المعارك التي تابع تداعيتها فاروق جويدة في “الأهرام” إلى أكثر من مدينة، بينها الخرطوم العاصمة، وأم درمان ولا أحد يعلم من المنتصر ومن المهزوم.. ولكن ملايين السودانيين هربوا من الموت إلى دول الجوار.. ويقال إن عددهم تجاوز أربعة ملايين مواطن.. وقد أخذت المعارك شكلا همجيا لا يراعي حقوق المواطنة وأمن الوطن.. والغريب في الأمر أن الحرب تدور بين رفاق السلاح وأبناء الوطن الواحد. لقد فشلت كل محاولات التصالح بين الجيش وقوات الدعم السريع وعقدت لقاءات بين أطراف النزاع تحت رعاية مصر والسعودية والإمارات، بل كانت هناك مشاركات من أمريكا وروسيا والصين.. وكان أسوأ ما نتجت عنه هذه المحاولات أنها فشلت جميعا وزادت المواجهات عنفا.. وفي تقديري أن المشاركة الشعبية غابت وانسحبت القوى السياسية وتركت الساحة للسلاح، وهي خسارة كبيرة، لأن السودان كان يتمتع بوجود بعض القوى السياسية المؤثرة.. وكان لها دور في وجود حياة سياسية وفرت للشعب السودانى قدرا كبيرا من الأمن والاستقرار، رغم الظروف الاقتصادية السيئة.. لقد غابت أخبار السودان أمام الغزو الإسرائيلي لغزة.. ولكن السؤال: أين قوى الشعب السوداني؟ وأين رجاله؟ وكيف سمحوا بأن ينقسم الجيش على نفسه ويدمر وطنا من أغنى الدول العربية؟ إن السودان دولة كبيرة وغنية وفيها شعب على درجة كبيرة من الوعي والاستنارة.. وأين حكماء السودان من الأجيال المختلفة، وكيف سمحوا بتدمير وطن بأيدي أبنائه.. إن مأساة السودان قد تمتد وتدفع الأجيال المقبلة ضريبة غالية من الأمن والاستقرار.
شواهد القوة
خلال افتتاح «معرض إيديكس 2023» أكد الفريق أول محمد زكي وزير الدفاع، على عدة رسائل لها أهداف دقيقة، رسائل لها دلالات واضحة، وفق رأي بلال الدوي في “الوطن”: كلمات وزير الدفاع نَزلت علينا بردا وسلاما، واعتبرناها – أنا وغيرى من الصحافيين والإعلاميين – رسائل لمن تُسَوِل له نفسه التفكير في تهديد الأمن القومي المصري، ولذلك أقول: إن رسائل وزير الدفاع كان لها تأثير واضح لدى المواطن المصري، فقد فَهم الجميع الرسائل. وتم استيعابها جيدا وأيقنوا أن التوافُق الذي شعرنا به خلال الأحداث الأخيرة في فلسطين، بين وجهة نظر الرئيس السيسي، ووجهة نظر الشعب المصري، هو التوافُق نفسه مع وجهة نظر القوات المسلحة، ووجهات النظر الثلاث تؤكد – بما لا يدع مجالا للشك – أننا جميعا مُتوافقون وعلى قلب رجل واحد للدفاع على الوطن وحماية أرضه، وعدم السماح بتهديد أمنه القومي. أعجبتني كلمات وزير الدفاع الصريحة، التي قال فيها نصا: إن القوات المُسلحة المصرية كانت وما زالت الحِصن الأمين لمُقدّرات هذا الوطن، وسوف تظل قواتنا المُسلحة حارسا وحاميا لهذا الوطن، مُحافظة على أمنه واستقراره، ساعية لامتلاك القوة لدحر أي عدوان على أرض مصرنا الغالية، في تعاون وثيق للدِول المُحبة للأمن والسلام، وسعينا لامتلاك أحدث منظومات التحديث، سعيا نحو الحفاظ على أمن وسلامة الوطن، في عالم يَموج بالصراعات، واضعين نُصب أعيننا أن مَن يمتلك مفاتيح القوة هو القادر على صُنع السلام.. هي بالفعل كلمات رنّانة مُعبّرة عن قوة كامنة وإرادة قوية لدى القوات المسلحة في القيام بدورها لصد أي عدوان على مصر.
العيش الآمن
واصل بلال الدوي رصد أسباب إعجابه بتصريحات وزير الدفاع الأخيرة: أعجبتني تأكيداته الحاسمة حينما تحدّث عما يحدث في فلسطين، وتحديدا حينما قال نصا: إن الأحداث العالمية الجارية، خُصوصا ما تواجهه القضية الفلسطينية من مُنحنى شديد الخطورة والحساسية، وتصعيد عسكري غير محسوب لفرض واقع على الأرض، هدفه تصفية القضية الفلسطينية. إن معرض «إيديكس 2023» يُقام في توقيت دقيق يتزامن مع ما يشهده العالم من صراعات وحروب تَعصف بالأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، ومصر كانت وما زالت نقطة التلاقي لجميع شعوب الإنسانية المحبة للخير والسلام، من أجل توحيد الجهود واحتواء وتيرة الصراعات، لإرساء السلام وصياغة حاضر مُشترك نَنعم فيه بالعيش الآمن المبني على المحبة وتحقيق المصالح المُشتركة. إن التعاون المُشترك ضمانة حقيقية لتحقيق التنمية والاستقرار والرخاء لجميع الدول والشعوب المحبة للسلام. أعجبتني رسالة التحفيز التي أرسلها وزير الدفاع حينما قال نصا: إننا نهدف إلى بناء مستقبل أفضل نجتمع فيه على كل الثوابت، لتزيدنا إصرارا على المضي قدما في الدفاع عن مقدرات شعوبنا ضد المخاطر والتحديات مهما تعاظمت، بالتعاون مع المجتمع الدولي، ليس أمامنا من سبيل إلا بالأخذ بأسباب العلم والقوة، والتحلي بالمبادئ السامية التي تحفظ للأمم والشعوب وحدَتها واستقرارها، لنحافظ معا على حاضرنا ومستقبلنا، لأنه لا وجود للتنمية إلا بتوافر الأمن والاستقرار.. فهذه الرسائل جعلتني مطمئنا لأنني كلي ثقة في قواتنا المسلحة وقياداتها وضباطها وجنودها، وكلي ثقة في الرئيس السيسي القائد الأعلى للقوات المسلحة الذي يقود مصر للأمام، متسلحا بإرادة شعبية تقف بجانبه وتدعمه في قراراته الصائبة التي تخدم مصلحة الوطن العليا.
مأساة كوكبنا
قد يتصور البعض بحسن النية ونقص المعلومات أن الاهتمام بقضية المناخ، هو نوع من الرفاهية الفكرية. ولهؤلاء يقول محمد بركات في “الأخبار”: إن هذا تصور خاطئ، نظرا لكونه يتجاهل عن عمد الحقائق القائمة على أرض الواقع الآن ومنذ سنوات عديدة، التي تؤكد أن الخطر الجسيم للمتغيرات المناخية، أصبح واقعا يهدد حاضر ومستقبل الأرض وما عليها من بشر ومخلوقات أخرى بالهلاك والدمار، إذا ما ظلت الممارسات المعوجة للدول والشعوب من سكان الأرض على ما هي عليه الآن. وهذه الحقائق تؤكد بما لا يقبل الإنكار أو الشك، أن استمرار درجة التلوث البيئي والاحتباس الحراري على ما هو عليه حاليا، من ارتفاع وزيادة، سيؤدي بالضرورة إلى وضع بالغ الخطورة بالنسبة للعالم كله على وجه العموم، وبالنسبة للدول والشعوب في منطقة الشمال الافريقى وحوض البحر المتوسط والشرق الأوسط على وجه الخصوص. وفي هذا الإطار يكون السكوت أو التجاهل أو غض الطرف، عن ذلك الوضع الخطير، أمرا غير ممكن ولا مقبول على الإطلاق من جانب العالم كله، ومن جانبنا نحن بالذات سكان هذه المناطق، حيث إن الخطر يهدد الجميع والهلاك.. والكارثة البيئية والمناخية لن تستثنى أحدا منا أو من غيرنا. ولكن مع إدراكنا لهذه الحقيقة لا يمكننا أن نتجاهل في الوقت ذاته هذا الخطر، كما لا يمكننا أن نغض الطرف بأي حال من الأحوال، عن الحقيقة التي يعلمها القاصي والداني من سكان هذا الكوكب، الذي هو الأرض التي نعيش عليها. تلك الحقيقة تقول، بل تجزم وتؤكد مسؤولية الدول الصناعية الكبرى، عن المأساة التي نعيشها وتعاني منها الأرض حاليا، من تلوث واحتباس حراري يكاد يفتك بها ويدمرها، حيث إن هذه الدول هي التي كانت ولا تزال تقوم باستخدام مكثف للمحروقات الكربونية، سواء الفحم أو البترول أو الغاز في جميع أنشطتها الصناعية والحياتية، طوال ما يزيد على قرنين من الزمان منذ انطلاق الثورة الصناعية وحتى الآن.
ـ «القدس العربي»: