
في غزة عربات تجرها الحمير لنقل الجرحى والشهداء الى المشافي عندما تعطلت سيارات الاسعاف.
بقلم مروان سلطان – فلسطين
17.1.2024
المشهد في غزة يتحدث عن نفسه، لقد اعاد الاحتلال قطاع غزة الى العصر الحجري بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. بنك الاهداف الاسرائيلية فرض نفسه على الحياة العامة وبات المشهد واضحا غياب المدنية بكل صورها. مساكن وابراج سكنية تم تدميرها ، توقفت الحياة العامة عن مسيرتها فلا مدارس بقيت ، ولا مياه صحية توفرت، ولا شوارع بقيت، وانقطع الوقود عن سائر الهدمات فتوقفت السيارات التي اذا لم تدمر غير متوفر لها الوقود، وتعطلت الاسواق التي اصلا فرغت في اقل من اسبوع من البضائع بع بدء الحرب على غزة من المحلات التجارية ، تستطيع ان تصف المشهد بان غزة في العصر الحجري.
اذا كان لنا نتحدث عن الواقع وبمنتهى المرارة عندما تشاهد جرحى او اكوام من الجثث تنقل على عربات تجرها الحمير. هذا المشهد هو الذي يتجلى في نقل الجرحى او الموتى بدل استخدام سيارات الاسعاف التي معظمها تعطلت واعطبت بسبب القصف او نقص الوقود.
تتحرك هذه العربات المجرورة من الحمير اجلكم الله في غزة ، وهي تسابق طائرات الاباتشي والطائرات المقاتلة التي تقصف الاحياء المدنية والسكان، فتقوم هذه العربات للقيام بواجبها الانساني والاخلاقي باتجاه الجرحى لنقلهم الى المستشفيات او الشهداء لنقلهم الى المقابر.
مشهد سيسجله التاريخ كيف الت اليه الامور ، وكيف تم نقلت غزة بواقعها المدني والحضاري الى عصر ما قبل التاريخ. للاسف الشديد لا يحمل سائقي العربات سجلات للمرضى او الشهداء ، فقط هم ينقلون اناس أثخنتهم الجراح دون علم باسمائهم او اسماء عائلتهم . او شهداء يتم نقلهم الى المقابر ان وجدت فاعداد الجرحى يفوق استيعاب المشافي، واعداد الشهداء يفوق طاقة استيعابهم في المقابر.
هذا المشهد يتحدث عن نفسه، ليقدم اسطورة الصمود والتحدي والارادة لشعب غزة العظيم . وهو يدرك ان هذه اللحظات العابر ستمر رغم الالم والجراح العميقة التي اثخنت قطاع غزة.
هذا المشهد سيدونه التاريخ المعاصر ولا ادري كيف سيتم وصفه، او ماذا سيقولون عن المشهد ، لكني اقول ان المنقول ربما يكون محظوظا اليوم لان غدا من الممكن ان تتوقف هذه الوسيلة للنقل بسبب القصف الذي يقتل البشر والشجر والحيوان ويدمر المكان.
محظوظ اذا وصل الى المشفى حيا من تكتب له الحياة ، وكثير من المنقولين يموتون بسبب نقص الاسعاف الاولي الذي من المفترض ان يتلقاه الجريح اثناء توجهه الى المشافي.
من الممكن ان لا يظهر هذا المشهد في سجلات محكمة الجنايات الدولية ، ولا في كلام الساسة عندما يتحدثون عن الفظائع، ولكن على المؤرخين ان يذكروا ان الجريمة كانت اكبر من ان توصف ، او يذكرها المؤرخون بحق غزة واهلها ، في ذات الوقت الذي تتوفر طائرات لنقل المصابين من الطرف الاخر ، او مشافي ميدانية …. الخ من الوسائل الحديثة التي يستخدموها لذات الاغراض .
امام هذا المشهد ليسجل التاريخ ان شوارع العالم باسره تحركت من اجل غزة، من اجل رفع هذا الظلم التاريخي الذي اصابها، في واشنطن ونيويورك ولندن وباريس اثقل الساسة بالحراك الشعبي، فكلما تسارعت تلك العربات في نقل المصابين ، كلما علا صوت الحراك في هذا العالم وتعرق ساستها ، فالتغيير قادم .