مقالات
السلطة الفلسطينية بين خطأ التقدير واليد الخفية بقلم الدكتور وليد عبد الحي
بقلم الدكتور وليد عبد الحي
السلطة الفلسطينية بين خطأ التقدير واليد الخفية
بقلم الدكتور وليد عبد الحي
لم يظهر تعبير “السلطة الفلسطينية ” بدلالته السياسية الواضحة إلا بعد اتفاق أوسلو، ثم بدأ يحل تدريجيا وبشكل متواصل محل تعبير منظمة التحرير الفلسطينية، وبدأت مؤسسات سلطة أوسلو تزاحم مؤسسات منظمة التحرير سرا وعلانية الى أن تم تحويل المنظمة الى “تراث معاصر”.
ومرت السلطة الفلسطينية بمراحل ثلاث ، الأولى من اتفاق أوسلو (1993) الى قتل ياسر عرفات(2004)، وتوهم عرفات في هذه المرحلة أنه يمكن ان يجعل على المدى المتوسط والبعيد من الضفة الغربية وقطاع غزة “فيتنام الشمالية “،لأن الظروف الاقليمية والدولية كانت تسير خلافا لكل آماله، فمصر خرجت من الصراع،والعراق اصبح ركاما ،والاردن خرجت من الصراع ،والاتحاد السوفييتي لم يعد موجودا، واغلب علاقاته مع الدول العربية كانت متوترة بخاصة مع تداعيات موقفه من ازمة الكويت،ولم يعد له قاعدة جغرافية قريبة من الاراضي المحتلة، فاعتقد ان التراجع خطوة بالاعتراف باسرائيل سيمكنه لاحقا من التقدم خطوتين على غرار الشعار اللينيني، وأدرك الطرف الاسرائيلي كنه الرؤية الفلسطينية، فكان لا بد من وأد هذا التخطيط بالتخلص من صاحبه، فتم اغتيال عرفات بالسم .
ولعبت “ثقافة الفهلوة” التي كرسها عرفات دورا في أن يتحلق حوله قبل اغتياله مجموعة غير متجانسة لا فكريا ولا اخلاقيا، وكان يعتقد انه يوظف كل فريق طبقا للاحتياجات اللحظية، كما ان الاستبداد المتدثر بالثورية شكل بعدا من ابعاد إدارته للصراع الداخلي والخارجي ، وساهم ذلك كله في انتهاء مشروعه تماما لأنه قدر تقديرا خاطئا ومنفردا.
وبدأت المرحلة الثانية ، فبدلا من انشاء “فيتنام الشمالية” تم انشاء “حكومة فيشي” ، وتم تعيين قيادة فيشي الفلسطينية في اجتماعات لخصت محاضرها كونداليزا رايس عندما كانت مستشارة الامن القومي الامريكي( 2001- 2005)،ثم اصبحت وزيرة الخارجية (2005 الى 2009)، اي انها كانت ضمن الفريق الذي اختار القيادة الفلسطينية الجديدة ،ودونت ذلك في كتابها (No Higher Honor:A Memoir of my years in Washington-2012)، وقد اشارت الى ان اجتماعات واشنطن 2005 بين امريكا واسرائيل حددت اسماء القيادة الفلسطينية الجديدة سواء الرئيس أو رئيس وزرائه، وتم تقييم هذه الشخصيات ومدى قدرتها على أداء المهام التي ستوكل لها ، وكان المجتمعون الذين اختاروا القيادة الفلسطينية الجديدة هم: الرئيس بوش، ورئيس الوزراء الاسرائيلي شارون، وكونداليزا رايس ،مع حضور متقطع لمدير السي آي ايه( الصفحات 77-166 و 168-178 و 255 الى 386 و من 467 -481 ،ثم تتحدث في صفحة 706 عن تدريب قيادات التنسيق الامني في الولايات المتحدة”.
واتسمت المرحلة الثانية بتغييب منظمة التحرير،ومنع المقاومة المسلحة، وتنشيط التنسيق الامني مع اسرائيل، والعمل على نشر ثقافة استهلاكية وتعزيز الهجرة من الريف للمدن لفسح المجال لفك ارتباط الفلاح الفلسطيني بأرضه وبالتالي تيسير الاستيطان، والعمل وبشكل وثيق على خنق اية محاولات لمقاومة الاحتلال، وساهم اساتذة علم النفس في الجامعات الاسرائيلية في إعداد ضباط التنسيق الامني والاعلاميين لحكومة بيتان بل واحيانا تجد مفردات في خطابات اشخاص حكومة بيتان موصى بها من هؤلاء العلماء الاسرائيليين ، ومن يرد المزيد عليه ان يعود لكتابات Schleifer Ron وبخاصة كتابيه :Psychological Warfare in the Arab Israeli Conflict او كتابه Psychological Warfare in the Intifada:Israel and Palestinian Media Politics and Military Strategies.
لكن هذا النهج افرز ردات فعل باشكال مختلفة ، فكان بروز الحركات الاسلامية تدشينا للمرحلة الثالثة، وكانت العمليات الاستشهادية أحد رموز ردات الفعل الثورية من قِبل هذه الحركات ، وشكل فوز هذا التيار في انتخابات تشريعية مؤشرا على بداية التحلل الفلسطيني من الفريق الذي شكلته اجتماعات شارون/ بوش / كونداليزا رايس، وتنامى هذا التيار وصولا لمرحلة طوفان الاقصى.
من هنا ،على المقاومة المسلحة ان تستفيد من رحلة الثورة الفلسطينية التاريخية، من خلال:
أ- استبعاد تام لأي حوار مع ” بيتان الفلسطيني أو اي من حاشيته” تحت اية يافطة او شعار او استجابة لضغوط دولية او اقليمية او محلية ، وكل استطلاعات الرأي العام الفلسطيني تشير الى ان شعبية فريق بيتان الفلسطيني لا تزيد في اي من استطلاعات الرأي العام العربية او الغربية او الفلسطينية عن 10% في اعلى الاستطلاعات ، وهو ما يعزز استثناء هذه المجموعة.
ب- العمل على اشراك القوى الفتحاوية التي ابتعدت عن مجموعة “بيتان” او بقيت وفية لميثاق منظمة التحرير من قيادات في كتائب الاقصى او في معتقلات اسرائيل.
ت- ان تتخلى قيادات المقاومة عن “الاستبداد المتدثر بالثورية”، وأن تستمع لكل الاجتهادات “الحرة” من كل التنظيمات والافراد على اختلاف مشاربهم ،وتتجنب كل الاجتهادات التي يطرحها وكلاء دول التطبيع في الشارع الفلسطيني بخاصة من خفتت الاضواء عنهم أو تقيأتهم إدارة الاحتلال أو من مستحاثات أوسلو، أي عدم تكرار النموذج العرفاتي في القيادة.
الخلاصة:
ان المعركة السياسية لمرحلة ما بعد الطوفان ستكون اقسى من المعركة العسكرية أيا كانت نتائج المعركة العسكرية ،وستكون معركة اعادة الاعمار لغزة بؤرة ابتزاز شايلوكي بامتياز من اسرائيل ومن الغرب ومن اغلب النظم السياسية العربية، وهو ما يستدعي العمل على تشكيل لجان من شخصيات لها احترامها للبدء في التواصل مع المجتمع المدني في كل دولة اسلامية لجمع المساعدات المادية وغير المادية، وترك العدو هو من يبدأ باتخاذ القرارات تجاه المبادرات الدولية (وبخاصة ان معركة حل الدولتين ستفتح على اسرائيل اشكالا غير بسيط)
لقد أدى المجاهدون دورا شكل “نقطة تحول” حقيقية لا افتراضية، ولا يجوز تسليم هذه النقطة إلا لمن هم في مستوى أداء المجاهدين ابداعا وتصميما وخلقا ثوريا.