تحقيقات وتقارير

يوم الثلاثاء الإسرائيلي “الأسود”.. فتح لشهوة الانتقام أم صبّ للزيت على الاحتجاجات الداخلية؟

يوم الثلاثاء الإسرائيلي “الأسود”.. فتح لشهوة الانتقام أم صبّ للزيت على الاحتجاجات الداخلية؟

الناصره / وديع عواودة

أكد الناطق العسكري الإسرائيلي صباح اليوم، تسريبات سرت طيلة الليل الفائت بأن 21 ضابطا وجنديا إسرائيليا قُتلوا داخل قطاع غزة، علاوة على ثلاثة ضباط كشف عن مقتلهم قبل ذلك، ليصبح العدد الكلي للقتلى في صفوف جيش الاحتلال منذ التوغّل البري 224 ضابطا وجنديا.

بحسب الرواية الإسرائيلية، فقد وقعت هذه العملية عندما كان يستعد الجيش لهدم عشرة بيوت في منطقة حدودية قريبة من  مستوطنة “كيسوفيم” (على بعد 600 متر منها) من أجل فتح مجال الرؤية. وقُبيل التفجير، استهدف مقاومون فلسطينيون البيتين المكوّن كل منهما من طابقين بصواريخ “آر بي جي”، كما استهدفوا دبابة كانت تحرس القوات أيضا بصاروخ آخر، مما أدى لاحتراقها ومقتل جنديين وإصابة اثنين آخرين داخلها، فيما قُتل 19 جنديا داخل بيتين نتيجة تفجيرهما.

وتتوالى ردود الفعل في إسرائيل التي تبكي وترثي وتحاول شد أزر الإسرائيليين، فقال رئيسها إسحاق هرتسوغ، إن هذا “نهار صعب في حرب عادلة ونحن نناصر الجيش”، فيما قال وزير الجيش، يوآف غالانت، إنها “حرب وجودية مكلفة لكنها ستؤثّر على مصيرنا لعقود قادمة”، وتبعه الوزير بتسلئيل سموتريتش بقوله: “نلتزم بأن لا تذهب هذه الدماء سدى”، أما ووزير الزراعة آفي ديختر، فقال: “نحتضن العائلات الثكلى ودولة كاملة في حالة صدمة”.

رأس المال المعنوي

وكانت وسائل الإعلام العبرية قد تشابهت في عناوينها الرئيسة اليوم، والتي حاولت من خلالها الكشف عن أثمان الحرب المتوحشة، وبين الحفاظ على معنويات الإسرائيليين. وتكررّ استخدام الكلمتين “بطولة الجنود” في هذه العناوين، إلى جانب الحديث عن “مكتسبات الجيش” أو “مكاسب الجيش والثمن الثقيل” مثلما تكرّر منذ عصر أمس المصطلح “معارك ضارية في القطاع” وهو تلميح إسرائيلي مألوف يستخدم قبيل الكشف عن خسائر كبيرة كجزء من عملية التخدير والتمهيد وتحاشي إصابة الجمهور بالهلع وفقدان الثقة بالكامل بالمؤسسة الأمنية والمستوى السياسي، خاصة أن علامات سؤال كثيرة تحوم منذ فترة حول مدى أهليتهما ونظافة حساباتهما في إدارة هذه الحرب التي طالت وباتت مكلفة وتنذر بالتورّط في رمال غزة وحالة استنزاف.

وهذا جزء من اتفاق معهود غير مكتوب بين وسائل الإعلام العبرية وبين المؤسسة الحاكمة أوقات الحروب من منطلق أن النشر الإعلامي يلعب دورا خطيرا على رأس المال الاجتماعي والمعنوي لدى الإسرائيليين، لكنها قد ألمحت منذ عصر أمس لوجود حادثة أمنية خطيرة. واليوم وبعد الكشف عنها، تتحدث وسائل الإعلام العبرية عن “اليوم الأصعب” منذ شن الحرب على غزة.

وفي هذا المضمار، يوضح المحلل العسكري في صحيفة “يديعوت أحرونوت” يوسي يهوشع، أن أمس هو اليوم الأصعب في الحرب، لافتا إلى أنه كلما تعمّق القتال في خان يونس صار الوضع أصعب. وأشار يهوشع بالتلميح لما يطالب به الجيش من المستوى السياسي كي لا يبقى يراوح في المكان ويخسر ما حققه حتى الآن بنقله عن مصادر عسكرية قولها: “نقترب من أهداف حماس المهمة، لكن القوات ليست قريبة من استنفاد القتال. وطالما لا توجد صفقة، فسيستمر القتال”، موضحا أن الجيش موجود في ذروة عملية هجومية في خان يونس لتفكيك لواء كتائب القسام المدافع عن المدينة، واستكمال محاصرة المنطقة تمهيدا للقيام لاحقا بـ”عمليات جراحية عينية وصولا للأهداف”.

العصا الأغلظ

وتبعه المعلق السياسي بن درور يمين، الذي كتب ما كتبه اليوم بعدما علم بـ”الحادثة الأمنية الخطيرة”، ولذا فهو يحاول في مقاله المنشور بصحيفة “يديعوت أحرونوت” شد الهمم ورفع معنويات الإسرائيلين بالقول: “109 أيام من القتال ولن يكسروا روحنا، وسنبقى موحّدين متعاضدين”، وفق تعبيره.

وهكذا صحيفة “إسرائيل اليوم” تقول في عنوانها الرئيس: “معارك قاسية في غرب يونس تجبي أثمانا باهظة لأن المقاومة شرسة وجنودنا مصمّمون على القتال”.

وفي هذا التوقيت المتزامن مع تفاقم أزمة الثقة بين أوساط إسرائيلية واسعة وبين حكومة الاحتلال ورئيسها نتنياهو، وتزايد الشكوك حول جدوى الحرب، وتعاظم القلق على حياة المحتجزين، تقع مثل هذه العملية الأكثر إيلاما للاحتلال، فهل تدفع الإسرائيليين لمواصلة تأييد الحرب والرغبة بالانتقام ومحاولة إنقاذ ماء الوجه وكذلك رفض الحل السياسي والدولة الفلسطينية المستقلة، أم ستسرّع نضوج وعي جديد بأن سياسات العصا الغليظة والحلول العسكرية مع الشعب الفلسطيني عقيمة، وأن “هناك حدودا للقوة” كما قال شارون (رمز القوة “البندقية” الأطول أو العصا الأغلظ في تاريخ إسرائيل) في آخر أيامه، وأنه لابد من وقف الحرب، ولاحقا البحث عن حل سياسي يقبله الفلسطينيون، ويكفل كرامتهم الوطنية والحد الأدنى من حقوقهم، وتدعمه جهات دولية وعربية؟

كاتس يكسر عصاته من أول غزواته

من جانبه، يواصل بنيامين نتنياهو التحذير من أن وقف الحرب يعني انتصار حماس، ويعلل رفض الحل السياسي بالزعم أن دولة فلسطينية ستكون بداية نهاية إسرائيل.

وفي تصريحاته بالأمس قبيل وخلال وقوع هذه الأحداث داخل قطاع غزة، كان وزير الخارجية الجديد يسرائيل كاتس، قد “كسر عصاته من أول غزواته الدبلوماسية” بطرح فكرة لتسوية الصراع مع الفلسطينيين بدت مفزعة لنظرائه الأوروبيين، تتمثّل ببناء جزيرة اصطناعية في البحر المتوسط لأهالي غزة تبقى تحت السيطرة الإسرائيلية.

عمليا هذا هو الخط السياسي لكل الوزراء في هذا الائتلاف الحاكم، الذي قال عنه حتى الرئيس الأمريكي “الصهيوني” إنه الأكثر تطرفا في تاريخ إسرائيل. هذا بالتأكيد موقف نتنياهو الرافض مبدئيا وعقائديا لفكرة الدولتين، مما يفسّر رفضه رسم ملامح “اليوم التالي” ولإدخال السلطة الفلسطينية إلى القطاع، علما أن هذه الرؤية تتجانس مع حساباته السياسية الشخصية والرغبة بالبقاء في الحكم. فشركاؤه يهددون بتفكيك الحكومة في حال تمّ وقف الحرب الآن، أو مجرد تم التداول الحقيقي بـ”اليوم التالي”.

وهذا هو موقف أوساط غير قليلة خارج دائرة تأييد هذه الحكومة وفي المعارضة، كما عبّر عنها زئيف إلكين، النائب عن الحزب المعارض “الحزب الدولاني” الذي انضم للائتلاف مؤقتا ريثما تنتهي الحرب، بقوله للإذاعة العبرية اليوم، إنه يُحظر على إسرائيل وقف الحرب، فهذه حرب وجودية.. الويل لنا إن انتهت بخسارتنا”.

مسيرة نضوج وعي جديد؟

في المقابل، يبقى السؤال كيف سينعكس هذا النزيف الموجع في غزة على الإسرائيليين وهم يتلقون هذه الأخبار الدامية عن مقتل وإصابة العشرات من الجنود دفعة واحدة، إلى جانب الاستنزاف والخسائر اليومية، وبقاء المحتجزين داخل أنفاق غزة عرضة للقصف والموت؟

من المرجح أن تصب هذه العملية الموجعة الزيت على نار الاحتجاجات وتدفعها قدما لوقف الحرب وإحراز صفقة من أجل استعادة المحتجزين أولا، ووقف النزيف في حرب تبدو بلا نهاية، تذكّر بحرب الاستنزاف في جنوب لبنان عشية الانسحاب الإسرائيلي عام 2000.

ورغم كشف نتنياهو عن صفقة إسرائيلية مقترحة هي الأولى من نوعها تشمل تبادل الكل بالكل، وهدنة طويلة لا تنهي الحرب، من المرّجح أن تتصاعد هذه الاحتجاجات الآن لاجتماع عوامل أخرى منها فقدان الثقة بالحكومة، واستمرار صراعات مجلس الحرب، وانحياز وسائل إعلام عبرية كثيرة مع عدد غير قليل من الجنرالات في الاحتياط إلى جانب مطلب عائلات المحتجزين، والأعباء الاقتصادية، واستمرار  المقاومة الفلسطينية، وقتل وإصابة الجنود، علاوة على الضغوط الخارجية خاصة الأمريكية الداعية لصفقة كبرى ولتسوية الدولتين وغيره، وهي عوامل من شأنها أن تؤثر على مصير الحرب وبالتالي على مستقبل الصراع.

وفيما يتعلق بمسيرة نضوج وعي محتمل لدى الإسرائيليين في اتجاه البحث عن حل سياسي مع الفلسطينيين كشف استطلاع جديد لـ”مبادرة جنيف” عن دعم 51% من الإسرائيليين للصفقة الكبرى المقترحة من بايدن ودعم عربي.

من جهتها، قالت صحيفة “هآرتس” في افتتاحيتها إنه لا سلام بدون الفلسطينيين، مشددة على أن إسرائيل باتت محاصرة سياسيا في ظل عالم كله يريد “الدولتين” عداها هي، وبالطبع طالما أن نتنياهو جزء من الحاضر وليس من التاريخ، فنضوج المسيرة يبقى عالقا والثمرة السياسية المشتهاة في العالم ستبقى”فجّة”.

– “القدس العربي”:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب