الطائفة العلوية.. نشأتها وتاريخها وأصولها الفكرية
الطائفة العلوية.. نشأتها وتاريخها وأصولها الفكرية
بوابة الحركات الاسلامية – 7/2/2019
العلويون.. وتسمى كذلك النصيرية، هي طائفة من الشيعة الجعفرية الاثنا عشرية، تتميز عن الطائفة، بإيمانهم بالدعوة الباطنية، وهي سرية تعليم وممارسة العبادة، والتي يرون أنها نشأت عندهم لأسباب سياسية غير دينية، وذلك لحمايتهم في ظل الأخطار المحيطة.
ويختلفون أيضًا في الإيمان بكون محمد بن نصير النميري أحد نواب الإمام المهدي في فترة الغيبة الصغرى، ويضاف إلى ذلك عدم اعتمادهم على نظام المرجعيات الدينية (الذي يعد أساسيًا عند بقية الشيعة)، وكذلك وجود القليل من الكتب في الفقه والحديث تميز هذه الطائفة، وهي تعتمد بشكل أساسي على الكتب الشيعية وعلى رأسها الكتب الأربعة، ومصنفات أخرى كثيرة يشتركون فيها مع بقية الاثنا عشرية.
وتمتعت الطائفة بنوع شديد من السرّية، لذلك تُوجه إليها العديد من الاتهامات عبر التاريخ، فوصفها بعض الشيعة بالغلوَ، ومن أهل السنة توصف بأنها فرقة تستر عقائد باطنية كفرية.
وقد عُرف العلويون بعدة أسماء منها “النصيريون” نسبة إلى محمد بن نصير، وهي التسمية التي نجدها في كل الكتب التي تحدثت عنهم قبل القرن العشرين، وقد عرفوا أيضا بـ “الخصيبية” نسبة إلى الحسين بن حمدان الخصيبي، لكن كلمة “علويين” أطلقها عليهم الفرنسيون أيام احتلالهم لسوريا بعد الحرب العالمية الأولى.
والعلويون في سوريا يتواجدون في الجبال الساحلية السوريا، وهناك علويون في لبنان والأردن، وهم يختلفون عن علويي المغرب أو الزيديين في اليمن أو العلويين بتركيا.
النشأة
الطائفة العلوية النصيرية هي في الأصل فرقة “مذهب” من فرق الشيعة، والشيعة لغة الأنصار، أما اصطلاحًا أي باعتبارها فرقة، فتقوم على الاعتقاد بأن الخلافة يجب أن تنحصر في علي رضي الله عنه وذريته بالنص.
ثم اختلفوا في أيِ من ذريته يحق له الخلافة “الإمامة”، فقالت الزيدية بإمامة الحفيد الثالث زيد بن علي بن الحسين، وقالت الإسماعيلية بإمامة حفيده السابع إسماعيل بن جعفر الصادق، وقالت الاثنا عشرية بإمامة الحفيد الثاني عشر، محمد بن الحسن “الملقب بالعسكري”.
مؤسس الطائفة
أبو شعيب محمّد بن نصير العبدي البكريّ النميّري التميمي، عاش ونشط في سامرّاء بالعراق، يُذكر دائمًا أنه أحد أصحاب الإمامين علي الهادي والحسن العسكري، يعتقد العلويون أنه أحد كبار العلماء، وأنه “باب” الإمام، والمؤتمن على أسراره، بينما يعتبره غيرهم من الشيعة الاثنا عشرية، مدعيًا لا يُركن إلى كلامه، ولذلك يسمى العلويون بالنصيرية.
تعتقد النصيرية أن أبا شعيب، هو الباب الشرعي للإمام الحسن العسكري، ولكن الشيعة المقصرة أو الجعفرية يرفضون ما يقوله الشيعة النصيرية ببابية أبي شعيب، بل يعتبرون أن سفير الإمام كان أبو جعفر السمان، وهو المسؤول المالي لدى الإمام العسكري لذلك انتقد الشيعة النصيرية الشيعة الجعفرية بعدم تمييزهم بين المرجع العلمي والديني، أي الباب الشرعي وهو السيد أبي شعيب محمد بن نصير وبين القائم بالأعمال المالية وهو أبو جعفر العمري البغدادي السمان.
خلفية تاريخية
بعد رحيل “النصيري”، تولي محمد بن جندب رئاسة الطائفة العلوية، ثم أبو محمد عبد الله بن محمد الجنان الجنبلاني، ثم الحسين بن حمدان الخصيبي، وقد انتقل مركز حلب إلى اللاذقية، وصار رئيسه أبو سعد الميمون سرور بن القاسم الطبراني، ثم كان للعلويين مركزان، أحدهما في بغداد والآخر في اللاذقية، أما مركز بغداد فقد انتهى مع دخول المغول إلى بغداد، واستمر مركز اللاذقية، وفي عام 1097 إبان الحملة الصليبية، قاتل الصليبيون العلويين في بادئ الأمر، ثم هادنوهم وتحالفوا مع بعض شيوخهم، وفي عام 1120، هزم الإسماعيليون والأكراد العلويين، وبمرور ثلاث سنوات على الهزيمة، تمكنوا من هزيمة الأكراد. وفي عام 1297 حاول الإسماعيليون والعلويون الاندماج، إلا أن الاختلافات المذهبية حالت دون هذا الاندماج، ثم خضعوا لسلطة الدولة العثمانية على بلاد الشام منذ 1516، لكن ثارت بعض عشائرهم عليها، فأرسلت الدولة العثمانية إليهم حملات تأديبية.
وقد قامت سلطات الاحتلال الفرنسية وقت احتلالها سوريا إلى تقسيمها لدويلات صغيرة، بناء على التنوع المذهبي والطائفي لشعبها، وكما في الجنوب، حيث أسست دولة الدروز، تم تأسيس دولة العلويين في الشمال الغربي من سوريا، وسُمّيت دولة جبل العلويين وعاشت ما بين عامي 1920 و1936على الساحل السوري.
وكان سكانها من العلويين في الجبل، ومن السنة في الساحل، ومن المسيحيين كذلك وقليل من الإسماعيلية، وفي 29 سبتمبر من العام 1923، تم إعلان تلك الدولة واختيرت عاصمة لها مدينة اللاذقية، وكان عدد سكانها في ذلك الوقت 278 ألف نسمة، وحكمها إقطاعيون من آل الكنج، وفي يوم 5 ديسمبر 1936 تم ضمها نهائيا إلى سوريا، بعد اتفاق وُقّع في باريس، رغم اعتراضات وجَهها بعض كبار وجهاء العلويين، أجابت عليها فرنسا بأن العلويين ليسوا ناضجين كفاية لتأسيس دولتهم حينها.
الأصول الفكرية للطائفة العلوية :
الإمامة: تتفق هذه الطائفة مع أغلب الطوائف والفرق الشيعية، في القول بأن الإمامة هي أصل من أصول الدين التي لا تحتمل التأويل، وبالتالي لا تخضع للاجتهاد، والقول بالنص والتعيين، أي أن اختيار الإمام يتم بالتعيين الإلهي، ومن خلال تحديد النص (القرآن والسنة) للإمام، والقول بعصمة الأئمة من الخطأ، باعتبار أن اختيارهم إلهيٌ.
كما يعتقد العلويون أن اللطف الإلهي اقتضى أن يكون تعيين الإمام بالنص القاطع والصريح، وأن يكون الإمام معصوماً – مثل النبي – عن السهو والذنب والخطأ، لكي يطمئن المؤمنون بالدين إلى الاقتداء به في جميع أقواله وأفعاله، والأئمة عندهم اثنا عشر، نص عليهم النبي، وأكد السابق منهم النص على إمامة اللاحق .
كما تتفق هذه الطائفة مع الشيعة الاثنا عشرية في القول بإمامة الحفيد الثاني عشر محمد بن الحسن (الملقب بالعسكري)، ولكنها تختلف معها في القول بأن محمد بن نصير هو الباب الشرعي للإمام الحسن العسكري، كما ذُكر سالفًا، كما تختلف هذه الطائفة مع أهل السنة في قولهم إن الإمامة فرع من فروع الدين التي تحتمل التأويل فهي خاضعة للاجتهاد، وأن اختيار الإمام يجب أن يتم بانتخاب الجماعة له بالبيعة، وقصر العصمة على الأنبياء.
ومن الأصول الفكرية للطائفة أيضًا أدلة التشريع، وهي عندهم أربعة: القرآن الكريم طبقًا لتفسير الائمة، مع رفضهم كتب التفاسير المعتمدة عند أهل السنة (ابن كثير، القرطبي، الطبري..)
والسنة النبوية، لكنهم يرفضون كُتب الأحاديث المعتمدة عند أهل السنة (صحيحي البخاري ومسلم، وأحمد وابن ماجه)، ويلحقون بالسنة ما ثبت عن الأئمة،
والإجماع، ويدرجون ضمنه قول الإمام المعصوم، فهو عندهم دليل قطعي ولو خفي عليهم، والعقل والدليل العقلي عندهم حجة إذا وقع في سلسلة العلل، أو كان من المستقلات العقلية، ويقتصر استعمال الدليل العقلي في الفقه على المجتهد، وهو من حصلت عنده ملكة تساعده على استنباط الأحكام الفرعية من أدلتها التفصيلية .
مفهوم التقمص: يدل هذا المفهوم على أن الإنسان يعيش حيوات متتالية مختلفة، وقد وجد هذا المفهوم في بعض الديانات الشرقية القديمة كالمجوسية والبوذية وبعض الطوائف المسيحية، وقد نسب بعض الباحثين من خارج الطائفة هذا المفهوم للطائفه العلوية، ولكن لم يوردوا مصدر داخلي يثبت كون هذا المفهوم موجود رسمياً بين صفوف هذه الفرقة.
الظاهر والباطن: يعتقد العلويون أن للدين ظاهرًا وباطنًا، وأن روح العبادات مختلفة عن كونها حركات جسمانية ينفذها الإنسان بعناية وتكرار، ويعتقدون أن بواطن الأمور تورث من الأئمة المعصومين حسب قولهم، ويردها الله لمن يشاء من عباده المصطفين بالبصيرة والعقل.
المهدية: وينتظر العلويون ظهور المهدي الذي يملأ الدنيا قسطًا وعدلًا، بعد أن تُملأ جورًا وظُلمًا، جاء في بيان “عقيدة المسلمين العلويين” إصدار عدد من رجال الدين من المسلمين العلويين في الجمهورية العربية السوريا، والجمهورية اللبنانية (فابنه الإمام الثاني عشر صاحب الزمان الحجة المهدي، عجل الله به فرج المؤمنين وسيظهره الله في آخر الزمان فيملأ الدنيا قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلما وجورًا) (عقيدة المسلمين العلويين، إصدار عدد من رجال الدين من المسلمين العلويين في الجمهورية العربية السوريا والجمهورية اللبنانية)، وإذا كان أغلب أهل السنة يعتقدون بالمهدية، إلا أنهم يختلفون عن العلويين وغيرهم الطوائف والفرق الشيعية في طبيعة المهدي المنتظر، وفى كون الاعتقاد بالمهدية ليس أصلًا من أصول الدين عند السنة.
الجهاد: وعند العلويين فإن الجهاد من أركان الدين، ويجب من أجل الدعوة إلى الإسلام لكن وجوبه عندهم كفائي، ويجب أيضاً من أجل الدفاع عن الإسلام وبلاد المسلمين وعن النفس والعرض والمال، ووجوبه عيني على كل من يستطيع أن يقدم نفعًا.
المعرفة: وينتهج العلويون في مجال المعرفة المنهج العرفاني المقيَد بالنص طبقًا لفهم الأئمة
الحجاب: يرى العلويون أن الحجاب نوع من الحشمة المحببة التي تظهر تعفف المرأة وطهارتها، ويرون ضرورته في الصلاة، ولكنهم لا يجبرون النساء على ارتدائه.
الاختلاف مع السنة
يرى العلويون أن الخلافة بعد الرسول يجب أن تكون للإمام علي بن أبي طالب، وذلك وفق القرآن كما يعتقدون، ووفق الأحاديث الذين يعتقدون بها ويجدون لها مخرجًا من صحاح السنة والشيعة على حد سواء، بينما يرى المسلمون السنة أن الرسول أمر أبا بكر الصديق رضى الله عنه بالصلاة بالمسلمين في حياته، ولم يصل أحد بهذه الأمة في حياة الرسول إلى هذه المكانة، سوى صاحبه وأبي زوجته أبي بكر، وأن عليًا بن أبي طالب كذلك كان خليفة المسلمين الرابع، فلم يرشح نفسه قبلها فكان عالم دين ووزير لكلا الخلفاء.
فالتقديم يكون عند أهل السنة والجماعة، بأحفظهم للقرآن وأعلمهم بالحديث والدين وأكبرهم سناً ومن يجمع المسلمون على تقديمه بعد أن يرشح نفسه ويقبل هو ذلك أولاً.
فيما يعتبرهم ابن تيمية أنهم كفار ونُقل عنه قوله “هؤلاء القوم المسمَّون بالمصيرية، هم وسائر أصناف القرامطة الباطنية أكفر من كثير من المشركين، وضررهم أعظم من ضرر الكفار المحاربين مثل التتار والفرنج وغيرهم”
كما يرى أبو حامد الغزالي (تُوفي 1111م)، في كتابه “فضائح الباطنية وفضائل المستظهرية”، أن الباطنية لا تعامل معاملة الكافر الأصلي، بل الكافر المرتد، وأن كل من هو على غير دين الإسلام يعتبر كافراً، لكن الأصلي هو من لم يسبق له أن أسلم، أما المرتد فهو من ترك الإسلام إلى الكفر، هذا الأخير هو أشد كفراً من الأصلي، جزاؤه القتل، بينما يسمح للكافر الأصلي أن يبقى حيث هو، إن خضع للإسلام ودفع الجزية.
ولهذا يقول الغزالي: “يتخير الإمام في الكافر الأصلي بين أربع خصال: بين المنّ والفداء والاسترقاق والقتل. ولا يتخير في حق المرتد، بل لا سبيل إلى استرقاقهم، ولا إلى قبول الجزية منهم ولا إلى المن والفداء. وإنما الواجب قتلهم وتطهير وجه الأرض منهم ـ هذا حكم الذين يحكم بكفرهم من الباطنية”، يقع هذا الحكم حتى على “النساء” من الباطنية، ولا يستثنى منه إلا الصبيان الذين سيخيرون حين يكبرون بين الإسلام أو دين آبائهم، فيعفى عنهم في الحالة الأولى ويقتلون في الثانية.
الاختلاف مع الشيعة الإمامية
يري العلويون أنه لا يوجد انقسام عند الطائفة الشيعية، ولكن الفقه الإمامي مرّ بثلاث مراحل أسهمت في نشوئه وتطوره، الفقهاء الرواة، المُحدّثون، الأصوليون، الأصولية والإخبارية، ويؤكدون أن المدرسة العلوية ذات منهاج واضح جَليّ، الطريق مُستوحىً عن القرآن وسيرة آل البيت المقترنين ببعضهما، فالطائفتان على مذهبٍ واحدٍ، وهو مذهب أهل البيت.
كما يتفق العلويون مع الشيعة عامة بالرواية التاريخية لمرحلة الرسول وما بعد الرسول، ولكنهم يختلفون بالنظريات الدينية والتفاسير القرآنية وتقديسهم لعلي بن أبي طالب، ويزعمون أنهم يعرفون النصف الآخر من الحقيقة الظاهرة بالتواتر عن الأئمة المعصومين، أكثر ما يركز عليه العلويون اهتمامهم بالعقل، حيث يرمزون بالعقل للرسول.
يصف العلويون أنفسهم بأنهم امتداد للإمامية الاثنا عشرية، إلا أن أفراد بعض الفرق الأخرى يكفرونهم لتقديسهم علي بن أبي طالب مع الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، ولقلة الأدبيات العلوية، تبقى العلوية من المعتقدات المبهمة لحرص الطائفة على بقاء مطبوعات الطائفة ضمن نطاق ضيق من التداول.
يتصف المذهب العلوي عمومًا بالغموض والسرية، فعلى عكس مذاهب أخرى تسعى لجذب الأفراد وحثهم على التحول إليها، نجد المذهب العلوي يرتبط بمنطقة جبال العلويين جغرافية محددة على الساحل السوري، ولا توجد مؤسسة رسمية تعمل على نشر المذهب والتبشير به، يقوم مجموعة من الرجال على حفظ الأدبيات العلوية ومنعها من التداول بين غير العلويين، وعندما يبلغ الصبيان الخامسة عشرة، أو السادسة عشرة ، يخصصون سويعات من اليوم لتعليمهم العقيدة العلوية، ويترك الاختيار للصبيان، إن أرادوا الاستمرار في التعمق بالأمور الدينية والارتباط مع أحد المشايخ للتوغل في أمور الدين.
تأثير مسيحي
هناك العديد من الاتهامات الموجهة للطائفة العلوية، باأها تأثرت بالمسيحية في عادتها وعلومها الدينية، وذكر أحد الباحثين أن هذه المؤثرات انتقلت عن طريق محمد بن نصير الفارسي الذي ادعى الربوبية بعد أن جحد إمامة الحسن العسكري وأباح المحارم، حتي أن الأخير أصدر براءته من ابن نصير وأتباعه، والأمر لا يعدو محض رموز ومصطلحات وكرامات تتصل بالفكر الشيعي العام الذي يميز بين الظاهر والباطن، ويخيل إلينا أن امتزاج الفكر الشيعي “الاثنا عشري” بالتصوف، هو الذي يفسر تلك الظاهرة، فإذا كانوا قد اتهموا بإيمانهم العميق بالحجب والأشباح والأظلة، فقد كانت في اصطلاحهم ذات دلالات في مراتب نظامهم السري، فالحجب هم الأئمة، والأشباح هم النقباء والأظلة هم الأتباع المخلصون.
وزعم المستشرق “فيليب حتى” أن “النصيرية” يساومون حول نبوة محمد وقداسة الرب”، وفي الاتجاه ذاته مضى المستشرق المجري ” جولد تسهير”، وهو يهودي الديانة معروف بتعصبه ضد الإسلام- حين قال بأنهم “حافظوا على الوثنية في إطار إسلامي شكلاني.. وأن عقيدتهم مزيج غريب من الوثنية والغنوصية وهي نزعة فلسفية نشأت بتأثير الديانات اليهودية والبوذية والمجوسية والصينية والإسلام.
بنية المجتمع العلوي
يتركّب المجتمع النصيري العلوي من عشائر شاميّة وعراقية من غسّان وبهرا وتنوخ، من الذين اعتنقوا المذهب الشيعي الإمامي في البدايات، ثم تحولوا إلى الفكر النصيري العلوي.
فالمذهب العلوي أصبح الآن مقصورًا على عشائر معينة، منها ما يرجع نسبه إلى فرع القبائل الشاميّة والعراقية من غسّان وبهرا وتنوخ، الذين اعتنقوا المذهب الشيعي الاثنا عشري في وقت مبكر، ثم تحولوا إلى المذهب الشيعي العلوي، وبعض قبائلهم كالمحارزة يرجعون نسبهم إلى الهاشميين، وبعضهم ازداد عددهم بهجرة قبائل طيء (نهاية القرن الثالث الهجري)، وغسّان الذين دفعتهم الحروب الصليبية من جبل سنجار في العراق إلى منطقة الشام، وهم ينقسمون بذلك إلى عشائر كثيرة كالنواصرة والجهنية والرسالنة، ومنهم الحيدرية الغيبية وهم العلويون شمال نهر الكبير الشمالي حاليا، في منطقة بسنادا وما حولها من الضياع.
هذا فضلًا عن أن الجمود (الذاتي) والاستعمار (الموضوعي) أديا إلى توقف التقدم الحضاري للمجتمعات العربية بصورة عامة، والطائفة العلوية بصورة خاصة، وظهر الشكل الذاتي للتخلف الحضاري ممثلا في شيوع التفكير البدعي المتضمن للتفكير شبه الخرافي والأسطوري لدى المجتمعات العربية عامة، والطائفة العلوية خاصة، ما دعا بعض أعلام الطائفة العلوية إلى الدعوة لمحاربة التفكير البدعي (والتفكير شبه الخرافي وشبه أسطوري المضمن فيه).
وبين العلويين مثقفون وفنانون وكتاب وأكاديميون يعيشون ضمن النسيج السوري العام، ولا يعتدّ معظم العلويين بمرجعيات دينية معينة، بل إن نظام حافظ الأسد، قام بتفتيت أي مرجعيات قائمة أو ممكنة للعلويين، وتحويل رجال الدين إلى رجال زكاة وحسبة، من المتقاعدين من الخدمة العسكرية، بدلًا من العلماء الذين كانوا ينتشرون في جبال الساحل السوري، كالشيخ أحمد سليمان الأحمد وابنه فيما بعد بدوي الجيل، والشيخ أحمد حيدر المؤلف الكبير، وكذلك الشيخ محمد علي إسبر.
من أشهر العلويين في منطقة الشرق الأوسط، قائد ثورة جبال الساحل السوري ضد الفرنسيين الشيخ صالح العلي، والرئيس السوري الراحل حافظ الأسد وابنه بشار الأسد، بالإضافة إلى عدد من الكتاب والمفكرين كالشاعر أدونيس والشاعر بدوي الجبل والشاعر سليمان العيسى والشاعر والمسرحي الراحل ممدوح عدوان، والمرشح لجائزة نوبل سعد الله ونوس وغيرهم الكثير من المفكرين السوريين
ويقسم العلويون عشائريًا إلى أربعة اتحادات: الخياطين والحدادين والمتاورة والكلبية، موزعين على منطقة اللاذقية بأكملها، والمناطق المحيطة بها، والكثير من القرى والأراضي التابعة لها موزع بين عائلات من عشائر مختلفة، وأحيانًا يكون للاتحادات العشائرية أكثر من قائد (رئيس أو زعيم)، حيث تنقسم هذه الاتحادات إلى عشائر، لكل منها مَقدمَّ.
ومن أهم البُنى التركيبية لمجتمع العلوي، هو أن العلويّون لا يقبلون المتحوّلين إليهم من الأديان الأخرى، ولا يسمحون بنشر كتبهم المقدّسة، فيما عدا فئة محدودة تتمتع بالثقة، فإنّ معظم أبناء الطائفة لا يعرفون الكثير عن مضامين تلك الكتابات أو عن العقيدة العلويّة.
التوزيع الجغرافي للعلويين
يشكّل العلويّون نحو 12% من مجموع سكّان سوريا، أي أكثر من مليون ونصف المليون شخص، يتجمّع معظمهم “أكثر من 70%” في “جبال العلويّين”، وهي سلسلة جبال تقابل الساحل السوري ومعروفة أيضًا باسم جبال النصيريّة، وهناك تجمّعات علويّة أخرى تقطن مناطق وقرى حول المدن حماة وحمص، ويعيش نحو ربع مليون علويّ، وربّما أكثر، في دمشق بل وفي حلب.
وخلاف سوريا، فإن هناك تجمّعات علويّة في تركيا أيضًا، وهم بضع مئات من الآلاف في الإسكندرونة (هتاي) وفي كيليكيا، وفي لبنان بضع عشرات الآلاف بشكل أساسيّ في عكار وطرابلس، وهناك أيضًا علويو الأردن، كما أن هناك جاليات منهم في كل من العراق وفلسطين وإيران، وكذلك في اليونان وبلغاريا حتى ألبانيا، وفي أمريكا وحدها يوجد أكثر من ربع مليون علوي.
العلويون في الخارج
وفق التقديرات يعيش في أوروبا أكثر من مليوني علوي، ويقطن العدد الأكبر منهم ألمانيا حيث يبلغ عددهم 600 ألف شخص، وهناك نحو 150 ألفًا آخرين في فرنسا. وقد اعترفت السلطات في النمسا رسمياً في العام الماضي بهم كطائفة دينية مستقلة، ويبلغ عدد العلويين هناك نحو 60 ألف شخص.
وتشير بعض الأرقام إلى أن مجموع عدد العلويين في العالم يبلغ 80 مليوناً.
وتعتبر الطائفة العلوية في سوريا ثاني أكبر طائفة، حيث يأتي أهل السنة والجماعة في المرتبة الأولى، ثم يأتي العلويون، فالمسيحيون فالدروز، ويكفل الدستور السوري في المادة 35 حق المعتقد وحرية العبادة، لمختلف الطوائف والفرق الفقهية والصوفية من سنة وشيعة.
العلويون من الدولة الحمدانية الي قيام الجمهورية السورية
كان للعلويين في عصر سيف الدولة الحمداني، يتمتعون بكل حرية في ممارسة طقوس مذهبهم، وما يُميّز دولة آل حمدان أنهم كانوا ضالعين في علوم الدين، درسوا وتخرجوا على يد واحد من أشهر علماء العصر هو أبو عبد الله الحسين بن حمدان الخصيبي، أحد قيادات الشيعة من علماء والمقرمين من سيد الدولة الحمداني.
وفي عهد الدولة الحمدانية عاشت الطائف بسلام كامل وأمِنَ الساحل السوري من الحملات الصليبية، وكان على أنطاكية الأمير أبو العشائر الحسين بن علي بن الحسين بن الحمدان، وعلى اللاذقية الأمراء التنوخيون محمد وحسين وعلي ومعاذ، وعلى الجنوب من طرابلس إلى طبرية الأمير أبو الحسن رائق بن الخضر الغساني، ثم ابنه الأمير محمد بن رائق المعروف بأمير الأمراء، وكان عامله على صور وصيدا ومرجعيون الأمير بدر بن عمار بن اسمائيل.
توفي سيف الدولة في حلب سنة 356هـ، وخلفه ابنه سعد الدولة وبعد موته خلفه ابنه سعيد الدولة وفي عصره زالت الدولة الحمدانية، واستولى المرداسيون على مدينة حلب، وبنوا دولتهم فضَعُفَ شأنُ العلويين وغاب ذكرهم وسَلبتهم تلك الدولة سُلطانهم الشامخ ومَجدهم الباذخ .
العلويون والفاطميون
عقب سقوط دولة “آل حمدان” تمكن الفاطميون حكام مصر وشمال إفريقيا سنة 429هـ من الاستيلاء على حلب، وذلك بمساهمة العلويين أنفسهم، حتى يعيشوا في ظلها آمنين بعد الظلم الذي لحقهم في عصر الدولة المرداسية، ولكن الفاطميين “الشيعة الإسماعيلية” تنكروا لإخوانهم العلويين وجرّدوهم من مناصب الدولة ونعموا وحدهم بمرافق البلاد وخيراتها، واستأثروا بالحكم وتصريف أمور البلاد دونهم، فانكمشوا على أنفسهم وانطووا على ذواتهم تجنباً للفتن .
العلويون والحُكم الأيوبي
وعقب سقوط الدولة الفاطمية، أسس صلاح الدين الأيوبي، دولتهم سنة 567هـ عقب انتزاع السلطة من يد العاضد آخر خلفاء الفاطميين، عاش العلويون في بلاد الشام عصرًا من التضييق عليهم في ممارسة عملهم، فقد أمر صلاح الدين الأيوبي أن لا تُقبل شهادة أحد ولا يقدّم للخطابة ولا للتدريس إلا إذا كان مقلداً لأحد المذاهب السنية الأربعة، وقد عزل أيضاً قضاة الشيعة واستناب عنهم قضاة شافعية في أرجاء دولته بمصر وسوريا.
وقام صلاح الدين الأيوبي بحَبَس بقايا العلويين في مصر، وفرّق بين الرجال والنساء حتى لا يتناسلوا، وقد أبادَ المكتبات العلمية وأتى على محتوياتها وقد ضمّ الشام إلى ملكه سنة 569 هـ، وذلك بعد موت نور الدين الثاني، وساءت في عصره حالة العلويين، وذلك لحرمانهم إعلان حرية اعتقادهم فخلدوا حينها إلى السكينة والهدوء حفاظًا على أنفسهم من الإبادة والتنكيل .
وخلال توقّف الحملات الصليبية كان للعلويين حروباً طاحنة وصراعات دامية مع الأكراد والإسماعيليين، فما كانوا يرتاحون من حرب خارجية إلا وتُفتح عليهم حربٌ داخليةٌ.
وبقي بعدها الأيوبيون يُضيّقون على العلويين الخناق ويُبعدونهم عن موارد الحُكم أقصى جهودهم فحينها لجأوا إلى العَيش في أكناف هذه الجبال، لضعفهم عن المقاومة .
العلويون والمماليك
وعند قيام دولة المماليك سنة 657 هـ، وقبضها على زمام الحكم تنفّس العلويون بعض الصَعَداء لإعلانها مذهب التشيّع وإعادة الجَهر بالأذان: “حي على خير العمل”، ولكنّهم بقوا بمعزَلٍ عن الحُكم باستثناء تَسَلُّمْ بعض الإمارات في لبنان من قِبَل أحفاد التنّوخيين الذين هاجروا إليها وقد دافعوا عنها ضد غارات الإفرنج .
حملة ابن قلاوون وفتوى ابن تيميّة
وفي سنة 705هـ، سارت حملة عسكرية إلى جبال كسروان في لبنان، بأمر من السلطان محمد بن قلاوون سلطان مصر لإبادة العلويين، وذلك إثر فتوى أصدرها ابن تيمية، وقد كان على رأس هذه الحملة بنفسه، كما جاء في كتاب “البداية والنهاية”.
ولما أفتى بتكفير النُصَيْرِيَّة ووجوب قتلهم، جَهَّز له نائِبُ السلطنة جيشاً قاده بنفسه وصَحِبَهُ ابن تيميّة، فأبادوا خلقاً كثيراً ووطِئوا أراضي كثيرة من بلادهم، وكان ذلك سنة 705 هـ، ففُتِك حينها بالعلويين قتلاً وإبادة ونهباً وتشريداً، وقد حَصَدَت تلك المجازر الآثمة علويي شمال لبنان، لا سيما في القنيطرة والعاقورة ونواحي البترون وعكار الضنية، والذين تخلصوا من البطش رحلوا إلى جهات اللاذقية وأنطاكية واعتصموا في جبالها وبقيَ القليل منهم في لبنان .
العلويون والحُكم العثماني
ومع مد الدولة العثمانية أذرعها إلى بلاد الشام والعراق ومصر وبلاد الحجاز، بدأ فصل جديد من معاناة العلويين، فقد عانوا الويلات إبّان الحكم العثماني الذي امتد لأربعة قرون وسنتين، وقام السلطان سليم العثماني بشن حملات ضد العلويين في محاولة لاستئصالهم من جذورهم وقطع دابرهم، وذلك بمُبَرّرات بعض الفتاوى الجائرة البعيدة عن الدين والإيمان، ومنها فتاوى لنوح الحامد الحنفي- أحد رجال المذهب السني في عهد السلطان سليم- ما أدى إلى مذابح كثيرة في حق العلويين .
ولم يقتصر السلطان العثماني على تلك المجازر، بل جلب عشائر تركية من الأناضول، وجبال عكار ولا تزال بقاياهم في هذه البُقعة حتى اليوم.
ثورة العلويون على العثمانيين والفرنسيين
بعد تراجع الدولة العثمانية، وبدء عصر الاستعمار للبلاد العربية وتقسيمها بين القوي الاستعمارية، بدأ الاحتلال الفرنسي لسوريا عام 1918، بحجة الانتداب وقد عانى العلويون ما عانوه من الاحتلال، واستشهد الكثير من الثوّار العلويين بقيادة الشيخ صالح العلي قائد الثورة العلوية ضد الاستعمار الفرنسي.
كانت أوّل معركة خاضها الشيخ صالح العلي في حربه وثورته على الفرنسيين في منطقة “وطى النيحة”، الواقعة غربي وادي العيون، وأسفرت عن مقتل خمسة وثلاثين جندياً فرنسياً، وعدد لا يُستهان به من الجرحى، والكثير من الغنائم الحربية.
العلويون تحت الجمهورية السورية
عقب قيام الجمهورية السورية، حدثت الكثير من الصراع والانقلابات على السلطة في سوريا، الأمر الذي عزز من جديد موقع الضباط العلويين بالجيش السوري.
كما أساهم حزب البعث في صعود الطائفة العلوية كنخبة حاكمة، حيث تأسس حزب البعث، وجذب بأفكاره العلمانية الاشتراكية جموع العلويين من الفلاحين وأهالي الأرياف، الذين عانوا من التمييز وكانوا يعيشون في حال من الفقر المدقع، كما أسهمت هجرة أهل الريف إلى المدن في تعزيز هذه الظاهرة، إضافة الى انتقال أبناء الريف الى المدن للدراسة، فانضم العلويون بأعداد كبيرة إلى صفوف حزب البعث، لاسيما في فرع الحزب باللاذقية وفي فروع جامعتي دمشق وحلب.
لعب العلويون دوراً مهماً في انقلاب مارس 1963، وتولوا مناصب حساسة في النظام، كما قاموا بانقلاب 1966، لكن نفوذهم تجلى مع الانقلاب الذي قام به الرئيس حافظ الأسد سنة 1973، والذي شكل بداية حكم عائلة الأسد التي من خلاله ضمنت استمرار سيطرة الطائفة العلوية على الحكم حتى اليوم.
ويذكر أن الرئيس حافظ الأسد، طلب من الإمام موسى الصدر رئيس المجلس الشيعي الأعلى في لبنان إصدار فتوى بأن العلويين من الشيعة، وذلك لإسكات المعارضين لانتخابه رئيساً للجمهورية، بحجة أن الدستور يفرض أن يكون الرئيس مسلماً، وقد أصدر الإمام هذه الفتوى سنة 1974.. يقول “باتريك سيل” في كتابه “الصراع على الشرق الأوسط”: “إصدار هذه الفتوى أزال العقبة الأخيرة التي كانت تعترض طريق حافظ الأسد إلى الرئاسة”
ويواجه النظام في سوريا اليوم أكبر تحدٍ داخلي، بدأ يزعزع سيطرته شبه المطلقة على الحياة السياسية في سوريا، وذلك في مواجهة مطالبة مكونات أخرى في المجتمع السوري، بالتخلص من نظام الحزب الواحد، وقيام نظام سياسي تعددي جديد يضمن إجراء انتخابات حرة، تمثل بصورة حقيقية ما آل إليه المجتمع السوري اليوم، وتعكس تطلعاته نحو حياة سياسية حرة وعادلة.
وعقب بداية المظاهرات المعارضة في سوريا ضد الأسد، وقف العلويون إلى جانب النظام، لأن سقوط النظام السوري يمثل انتكاسة تاريخية لطائفة في ظل ارتفاع وتيرة الصراعات المذهبية بالمنطقة.
العلويون في تركيا
العلوية المتواجدون بتركيا هم شيعة جعفرية، وتتوطن بوسط الأناضول وغربه وشرقه، حتى الحدود مع إيران وأذربيجان، وهي طائفة غير النصيرية التي تتوطن الساحل السوري ولواء الإسكندرون التركي، والتي دعيت بالعلوية إبان الاحتلال الفرنسي لبلاد الشام، حيث منحوا دولة العلويين سنة 1920.
ومازال الخلط مستمرًا حتى الاَن بين الطائفتين، سواء عربيًا بسبب الاعتماد على اللقب الفرنسي، أو بالداخل التركي بسبب عملية التمييع العقائدي ما بعد قيام الدولة التركية الحديثة.
فالعلويون السوريون هم عرب، كما أن العلويين في تركيا هم أتراك الأصل، بل إن السكان العلويين الأتراك الذين يعيشون مع المسلمين الأكراد والبلقانيين يؤدون الصلوات باللغة التركية، ما يدل بقوة على الطبيعة التركية للعلوية في تركيا.
والعلوية التركية الجعفرية أو من لايزال متمسكاً بعقيدته كشيعة جعفرية عددهم محدود بالمقارنة بالشريحة الكبرى العملاقة التي صارت تعتبر العلوية نوعاً من الانتماء كقومية أو كطائفة فلكلورية لا عقائدية، بل من السهل أن يخلط أحدهم بين طائفته الجعفرية الشيعية وطائفة النظام السوري الحاكم النصيرية بسبب التراث المتراكم من التجهيل للعقيدة، باعتبار العلوية الجعفرية المتدنية إرثًا رجعيًا على الدولة التركية، وخاصةً بعد قيام ما يعرف باسم الثورة الإيرانية، ومقابلة العلويين الجعفرية المتدينين لها ببرود، باعتبار أن العقائد الجديدة التي فرضها الخميني تتنافي مع مذهبهم الجعفري، ما فتح حروباً داخلية للنفوذ الإيراني داخل العلوية الجعفرية بتركيا، لاتزال مستمرة حتى الآن.
ويشكل العلويون في تركيا نحو 15 إلى 20% من مجموع سكان الجمهورية، وهم أكثر من حيث العدد في تركيا عن سوريا، ويقدرون هناك بحوالي 15 مليون نسمة.
وترى بعض مؤسسات الدولة التركية، أن العلويين هم أصل الشيعة البكتاشية والزيدية، في حين يعد العلويون أنفسهم ممثلين للتفسير الأناضولي التركي للإسلام، أي أنهم مجرد طريقة دينية، يمثلون مجموعة مذهبية وليس مجموعة عرقية متجانسة، حيث يتوزعون بين جماعات عرقية، أبرزها وأكبرها الأكراد فـ 30% من أكراد تركيا علويون، إلى جانب أعداد من العرب، كما أنهم مختلفو اللغات حيث يتحدثون التركية والعربية والظاظا والكرمانسية، وللغتين الأخيرتين صلة باللغة الكردية والفارسية، فضلًا عن تعدد الفرق العلوية” البكتاشية، الديدقان والشيلبين”.
وقد وجد العلويون في إجراءات أتاتورك فرصة مهمة لأداء دورهم في الحياة السياسية والاجتماعية، وأصبحوا الدعامة الأساسية للنظام العلماني، ومع الانفراج السياسي والتعددية الحزبية في تركيا بعد الحرب العالمية الثانية انضم العلويون لأحزاب اليسار العلمانية، وأعلنوا تأييدهم لانقلاب عام 1960، وشاركوا في إعداد دستور 1961 الذي نص على الكثير من الحريات الدينية، ما زاد من نشاطهم الديني والاجتماعي والإعلامي، ونجحوا في إشغال نحو 15 مقعدًا نيابياً في انتخابات العام 1965.
وينحاز العلويين في أي صراع بين الأحزاب اليسارية واليمينية إلى معسكر اليسار، وهم دائمًا أعضاء بحزب الشعب الجمهوري الذي أسسه أتاتورك لضمان العلمانية التي حمت وضعهم بوصفهم أقلية، وفي المقابل اتخذ اليمين التركي المبادرة في تعبئة السنة ضد العلويين على أساس معاداة الشيوعية والعلمانية.
فيما ألحق انقلاب سبتمبر 1980 بالغ الأذى بأحزاب اليسار العلماني، الذي يشكل العلويون فيها القاعدة الأساسية والعريضة في مقابل دعم الحركة الانقلابية للاتجاهات الإسلامية السنية، وتأكيدها على البعد الديني للهوية السياسية.
العلويين الاتراك والازمة السوريا
بقي العلويون لفترة طويلة مع بداية اندلاع المظاهرات ضد الرئيس السوري بشار الأسد، دون إعلان موقف صريح من دعم الأسد أو الوقوف إلى صفوف المعارضين، ولكن مع اتخاذ تحول المظاهرات السورية إلى معارضة مسلحة، بدأ العلويون يبرزون موقفهم الداعم للنظام السوري ووصفهم للمعارضة المسلحة بالخيانة۔
الخلاصة
الطائفة العلوية طائفة لها دور في التركيبة السياسية السورية الآن، وتعمل على الحفاظ على وجودها واستمرارها، في ظل نظام سياسي محسوب عليها، وتخشي من الحرب المذهبية الطاحنة، التي قد تؤدي إلى أزمة تاريخية لأبناء الطائفة، وربما تهدد مستقبلها، وهي كمذهب مغضوبٌ عليها من قبل المذاهب الإسلامية، سواء المذهب الشيعي المنتمي له الطائفة، أو المذاهب السُنية، لذلك هي دائمًا تعمل بشكل سري ومنغلق، للحفاظ على وجودها، وتدعم الحكومات غير الدينية، وتخشي دائما الصبغة الدينية في أي حكومة، سواء بسوريا أو خارجها، لأن ذلك يعني تهديدًا صريحًا لوجودها۔
https://natourcenters.com