
مشاريع تهجير سكان قطاع غزة!!(الحلقة الأولى)
*أ.د. ناصر الصوير*
*لم تتوقف دولة الكيان الصهيوني منذ قيامها عن محاولات تهجير سكان قطاع غزة، وسعت من خلال مجموعة من المشاريع إلى تصفية القطاع جيوسياسياً، نظراً لأن للضغط السكاني الكبير والوضع الاقتصادي الصعب يمثلان عامل تفجر دائم يجب تطويقه بإفراغ القطاع من سكانه. من هذه المشاريع مشروع سام جونسون* *(Sam Gonson)* *الوزير المفوض في السفارة البريطانية بالقاهرة، الذي عمل مديراً للخزينة في ظل الانتداب البريطاني على فلسطين وعرضه على ميشيل ابكاريوس (Michel Abkarius) أحد وزراء حكومة عموم فلسطين في عام1949، بشأن نقل الفلسطينيون من قطاع غزة إلى ليبيا. وقد رفضت حكومة عموم فلسطين هذا المشروع، بينما وافقت حكومة المملكة الليبية في تلك الفترة على عرض من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين* *الفلسطينيين((unrwa يقضي بإسكان (2500 أسرة فلسطينية من قطاع غزة)، وفي نوفمبر عام1951، تم افتتاح مكتب رسمي خاص لتسهيل هجرة اللاجئين من قطاع غزة إلى ليبيا.*
*المشروع الأخطر!!*
*أما المشروع الذي يعتبر من أهم وأخطر ما طرح من مشاريع تهجير؛ فقد واجه قطاع غزة في الفترة الواقعة ما بين(1953–1955)، مشروعاً خطيراً عرف(بمشروع شمال غرب سيناء لتوطين لاجئي قطاع غزة)، ففي الرابع عشر من أكتوبر عام1953، وقعت وكالة الغوث اتفاقاً مع الحكومة المصرية، تقدم مصر بموجبه(250 ألف فدان) من الأراضي الصحراوية غير المستصلحة شمال غرب سيناء للوكالة لإجراء الاختبارات اللازمة عليها، مع إعطاء وكالة الغوث الحق بانتقاء(50 ألف فدان) من بينها، من أجل أعمال التطوير الزراعي لمصلحة اللاجئين، شريطة أن تقوم مصر بإيصال كميات كافية من مياه نهر النيل لري هذه الأراضي. وخصصت الوكالة مبلغ(30 مليون دولار) للمشروع الذي أحاطته الحكومة المصرية بالسرية والكتمان، منها مبلغ نصف مليون دولار لأغراض أبحاث المشروع، والباقي يستغل في الإنشاء والاستيطان؛ إذا ما أثبتت الدراسات أن هناك مشروعات عملية، يمكن القيام بها. وقد تأكدت الحركة الوطنية بما لا يدع مجالاً للشك أن هناك اتفاق بين الحكومة المصرية ووكالة الغوث لتنفيذ مشروع التوطين؛ وذلك عندما استطاع أحد أصدقاء الحزب الشيوعي في القطاع، وكان موظفاً قي قسم الشئون الاجتماعية في وكالة الغوث ويدعى (سمير سابا) أن يحصل على نسخة من(مشروع شمال غرب سيناء، لتوطين اللاجئين) حيث شكل ذلك دليلاً ملموساً حول توجه الإدارة المصرية لتنفيذ المشروع. وقام الشيوعيون بطباعة ملف المشروع وقاموا بتوزيعه على شكل مناشير تحرض السكان على رفض هذا المشروع والتصدي له. وبموجب الاتفاق الذي وقعه عن الحكومة المصرية رئيس المجلس الدائم لتنمية الإنتاج القومي، وعن وكالة الغوث مدير مكتبها في القاهرة، تم إسناد المسؤولية المشتركة لإدارة الأبحاث والدراسات الخاصة بالمشروع إلى كل من المجلس الدائم لتنمية الإنتاج القومي، ومكتب الوكالة بالقاهرة، لغرض تقرير مدى صلاحية هذا المشروع للتنفيذ، وتقدير تكاليفه. وقد استمرت اللجنة المكلفة بإعداد المشروع في عملها منذ أكتوبر1953، وحتى28يونيو1955، حيث أنهت أعمالها ووضعت تقريرها الذي وجهته إلى وزير الدولة المصري لشئون الإنتاج، ومدير وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، وقد تركز التقرير في أهم مفاصلة على الموارد البشرية اللازمة لإنجاز المشروع، وقد جاء فيه: (يبدو أن لاجئي غزة تتوفر فيهم الخبرة الملائمة بحيث يمكن أن نوفر من بينهم الفلاحين والعمال اللازمين للمشروع، وقد يلزم في بعض الأحيان تدريب اللاجئين لكي يستعيدوا مهاراتهم التي فقدوها أو لكي نعدهم للاحتياجات الخاصة لمنطقة المشروع وظروف الحياة هناك)، وجاء في التقرير أيضاً(انه يمكن للوكالة العمل خلال عشر سنوات لتوطين(10آلاف أسرة) تعمل بالزراعة، و(750 أسرة) تعمل في مجال الخدمات العامة، و(700 أسرة) تعمل في مجال الحرف والصناعات اللازمة؛ على أن يتم توطين جميع لاجئي قطاع غزة على مدى 25 عاماً، وأشار التقرير إلى جانب آخر وهو ضرورة إيجاد حوافز مادية ملموسة يتضمنها المشروع، لأن الحالة النفسية للاجئين تشير بقوة إلى عدم ميلهم إلى تغيير بيئتهم، وذلك يتطلب وضع برنامج لإعدادهم نفسياً للقبول بالواقع الجديد. لقد أُعد هذا التقرير على الرغم من اعتراف الخبراء في وكالة الغوث بعدم ملائمة سيناء لتنفيذ المشروع، وذلك لصعوبة الحياة فيها، وثانياً للتكاليف الباهظة التي ستدفع في عملية الاستصلاح، وفي الوقت نفسه لم يتم الاكتراث بتحذيرات الأطباء من الأمراض التي ستداهم اللاجئين وتهدد حياتهم وبالذات الأطفال. ويبدو أن الحكومة المصرية كانت تدرك صعوبة تنفيذ مشروع شمال سيناء لإسكان الفلسطينيين، وذلك لعدة اعتبارات، أولها: عدم موافقة الفلسطينيين على هذا المشروع، لأنه يحرمهم من التواجد فوق آخر ما تبقى لهم من فلسطين، وقد تجسد هذا الرفض في عدة صور كان أبرزها المذكرة التي وجهها ممثلو اللاجئين في القطاع للحاكم الإداري العام ومدير عام عمليات الوكالة في القطاع التي أكدوا من خلالها رفض جميع اللاجئين لمشاريع تصفية قضيتهم وفي مقدمتها مشروع سيناء، وثانيها: أن التفكير السائد في ذلك الوقت عند الفلسطينيين بصفة خاصة والعرب بصفة عامة أن فلسطين لن تستمر طويلاً تحت الاحتلال الصهيوني، فالعرب قادرون على تحريرها من براثن الصهاينة؛ وإضافة إلى ذلك كان بعض الفلسطينيين يخشون أن يكون توطينهم خارج وطنهم يأتي تمهيداً لتصفية قضيتهم السياسية، وذلك بدمجهم في المحيط الجديد، الذي ربما يكون قد أعد خصيصاً لهذا الغرض، وعلى الرغم من ذلك فإن الحكومة المصرية استمرت في تبنيها لهذا المشروع جنباً إلى جنب* *مع وكالة الغوث……. يتبع ان شاء الله*
ـــــــــــــــــــ
*أ.د. ناصر الصوير*