في ذكرى استشهاد القائد المناضل أبو العباس
بقلم الدكتور ضرغام الدباغ
في آذار من كل عام : 8 / آذار / 2004) وهو يوم استشهاد البطل محمد عباس أبو العباس عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية الأمين العام لجبهة التحرير الفلسطينية، القائد أبو العباس وقد أختار واختارت الاقدار أن يرتقي شهيداً في بغداد شقيقة حيفا، أبو العباس . هي الذكرى العشرون لاستشهاده على أيدي القوات الامريكية الغازية للعراق. الذين قاموا بقتله عمداً ومع سبق الاصرار والترصد، بطريقة بشعة، بعد أن منعوا عنه الدواء الذي كان يتناوله، والدواء من الأدوية المنقذة للحياة، أي أنهم كانوا على يقين تام أنهم يقتلوه ببطء، وهو ما ادركه البطل أبو العباس، ويقول لمن كان حوله من الأسرى المناضلين في السجن، أنه يمكن أن يتوفى في أي لحظة، وهو ما تحقق فعلاً، أبو العباس كان عملاقاً بوجه الغزاة، كبيراً أمام المحققين الأمريكان والصهاينة، كان يشع صلابة ويمنح الثقة لمن معه في الأسر ويبتسم مستهيناً يالعدو وبما يعدون له .. ورحل بكبرياء كبطل في بغداد يوم 10 / آذار ــ مارس / 2004.
رحلته الأخيرة … بل قل عمليته الأخيرة يوم دخل جثمانه الطاهر مخيم اليرموك بدمشق الشام، دخلها الفارس محلقاً فوق الرؤوس، يرفعه الرجال إلى الأعلى حيث يستحق، هذا البطل الذي قاتل في ساحات كثيرة، كان يؤمن بشكل مطلق أن ” بلاد العرب أوطاني ” فمن طيرة حيفا، إلى دمشق، فحلب / النيرب، ثم لدمشق / اليرموك، ثم إلى عمان، وإلى بيروت، وتونس، وبغداد، هي كلها بلاده، مروراً بساحات نضال وعمل .. أبو العباس كان طائراً مقاتلا لا يعرف الاستكانة، محلقاً حيث يستدعيه الواجب، وآخر ما يسأل عنه هو حياته الشخصية، أو راحته، أو انصراف إلى شأن شخصي. أبو العباس ولد عام في الطيرة / حيفا عام 1948، وأنا أعلم أنه منذ أن كان في السادسة عشر يدخل عمليات قتالية في الأرض المحتلة، وفي أواخر الستينات كان قد تمرس ليكون قائد مجموعة، في سيرة نضالية فريدة من نوعها … وفي مطلع السبعينات أبتدأ يتدرج في المراتب القيادية، وفي سن الخامسة والعشرين كان قد أصبح عضوا في المكتب السياسي. … لا يمكن الحديث عن أبو العباس ببضعة سطور … والحديث لا يشوبه الحزن بل الفخر والحديث بصدر عال ورأس مرتفع … نحن نتحدث عن أحد أبطال الأمة الأفذاذ …
أبو العباس حاول اقتحام فلسطين مراراً براً وبحراً وجواً، براً في عمليات برية من سورية والأردن ولبنان، وبحراً مرتين أو ثلاثة وبإلانزال على السواحل العربية، وجواً وتلك عملية فريدة حاول أبو العباس أن يحول محركات موتورسيكل صغير، إلى طائرات تعبر الحدود وتصل لفلسطين ..
تعرفت للمرة الأولى على أبو العباس عام 1970، لم نتعرف على بعض في مقهى، لذلك ظلت علاقتنا تحمل هذا الطابع النضالي الجاد : قلت له ذات يوم، وأنا أكبره بأربع سنوات، قلت له حدثني عن أيام مخيم النيرب بحلب، حيث حل مع أسرته لاجئا، فكر للحظة وقال : دعنا من هذه القصة، لأنها مؤلمة حتى العظم، وسوف تبقى صورها المؤلمة في ذاكرتك ولن تنساها … الححت عليه، فبدأ بسرد أهوال لم أنساها فعلاً حتى مرور أكثر من نصف قرن عليها …. وعرفت من حديثه معنى أن تكون جائعاً، ومعنى أن ينخر البرد بدنك وأنت شبه عار .. بل جعلني ذلك أن أتفهم حياة المسحوقين والكادحين، مع أني كنت يسارياً قبل أن أعرف أبو العباس بحوالي عشرة سنوات.
كان يزورني يومياً في شقتي بدمشق، وكان عمره 22 عاماً، وينصت لمناقشاتنا الثرية والكثيرة، وكانت بالنسبة له بداية التشكل الثقافي لديه، وكانت تلك السنوات غنية جداً بالقراءات العميقة، والتجربة الثورية، وبالتحامهما بالواقع الموضوعي، فكان الناتج مثقفين ثوريين، لا تنقصهم الشجاعة والاقدام، واقع يدعوك لتنهض .. كان أبو العباس أحد أبرز القادة بعد هزيمة ال 1970، وتجربة بيروت المريرة … بكل أبعادها …!
عشرون عاما مرت على رحيل البطل، … ومثلك لا يموت، فمصيره بمصير الشعلة التي اوقدها .. طب نفساً …. أرقد بسلام … شعلتك ما تزال وهاجة … جيل بعد يناضل، وأجيال أخرى تترى، ستسلك دربك …
أحييك … يا صديقي …