مقالات

مايزال أمام بايدن فرصة ضئيلة لاحتلال المركز الرابع على قائمة أعظم عشرة رؤساء أمريكيين بقلم الدكتور  رياض العيسمي

بقلم الدكتور  رياض العيسمي

مايزال أمام بايدن فرصة ضئيلة لاحتلال المركز الرابع على قائمة أعظم عشرة رؤساء أمريكيين
بقلم الدكتور  رياض العيسمي
عبر السنين أصبحت مقولة مارك توين “التاريخ لايعيد نفسه، لكن أحداثه غالبا ما تتناغم.” مقولة متداولة عالميا. لم يكن مارك توين سياسيا محترفا، بل أديبا بارعا وناقدا للسياسة والسياسيين. وكان عندما يبني شخصيات رواياته يبنيها ببراعة إنسانية فائقة ويهندسها بهندسة البناء الاجتماعي المتنامي. ويضفي عليها الأنماط السلوكية للبشر على مر التاريخ.
ولهذا لا يمكن للتاريخ أن يعيد نفسه لا من حيث الزمن ولا من حيث الأشخاص انفسهم الذين صنعوا أحداث الماضي، وانما أنماط الأحداث تتطور مع أناس جدد وتتناغم مع تطور سلوكيات البشر عبر الزمن وتطور المعطيات. ولهذا التاريخ لا يصنع العظماء، بل العظماء هم من يصنعون التاريخ.
منذ زمن دأب علماء من اختصاصات متعددة بدراسة سلوك وانجازات القادة، وبالتحديد رؤساء الولايات المتحدة منذ تأسيسها. وفي كل فترة يجدد فيه التقييم لم تتغير فيه المراكز الثلاثة الأولى لأعظم عشرة رؤساء في تاريخ الولايات المتحدة. فمنذ بدء التقييم، ودوما، وفي كل تقييم، يأتي في المركز الأول المحرر والرئيس الأول جورج واشنطن. والذي بفضل قيادته المميزة تحررت الولايات المتحدة من الاستعمار. وهو من تنازل عن الرئاسة بعد دورتين. وذلك لأنه كان يعتقد ومن خلال التجربة بأن دوام السلطة لفترات طويلة يفسد الحاكم. ويأتي في المركز الثاني الرئيس السادس عشر إبراهام لينكلن. الذي كان اول مرشح يقود الحزب الجمهوري إلى الرئاسة في عام ١٨٦٠، بعد اقل من عشر سنوات على تأسيس الحزب. وقاد الحرب الأهلية إلى النصر وحافظ على وحدة الاتحاد الأمريكي. وحرر العبيد. ورفض ضغوطات حزبه لتأخير إعلان تحرير العبيد إلى ما بعد اجراء الانتخابات عام ١٨٦٤. وذلك كي لا يخسر الحزب الاحتفاظ بالبيت الأبيض بعد خبر كبير من هذا النوع. لكنه أصر على موقفه المبدئي حتى ولو خسر الانتخابات. وقال:”لن أدير ظهري للذين حاربوا معي من أجل الحفاظ على الاتحاد”. أي العبيد. ترشح لينكلن ونجح لدورة ثانية بعكس كل التوقعات. لكنه دفع حياته ثمنا لإيمانه بوطنه. أما المركز الثالث على قائمة أعظم عشرة رؤساء للولايات المتحدة فهو مايزال محجوزا للرئيس الثاني والثلاثين، فرانكلين روزفلت. الذي حكم خلال أقسى فترة في تاريخ الولايات المتحدة، ثلاثينيات القرن الماضي، فترة الكساد الاقتصادي العظيم. أعيد انتخابه لدورة ثانية عام ١٩٣٦. وذلك لإكمال الإصلاح والتنمية الاقتصادية للتعافي من الكساد. وأعيد انتخابه لمرة ثالثة عام ١٩٤٠. وذلك لان العالم كان يخوض الحرب العالمية الثانية التي بدأت عام ١٩٣٩. واعيد انتخابه لدورة رابعة في عام ١٩٤٤، أي بعد دخول الولايات المتحدة الحرب بعامين وقبل انتهائها بعام. وكان لديه رؤية مستقبلية بأن من سينتصر في الحرب العالمية الثانية، سيقود لعالم لزمن طويل. ولهذا عمل على ادخال الولايات المتحدة في الحرب. وقادها إلى النصر. لكنه لم يعش ليعلن النظام العالمي الجديد بقيادة الولايات المتحدة الذي كان يتصوره. وانما توفي في 12 أبريل-نيسان عام ١٩٤٥، بعد أقل من ثلاثة أشهر من تنصيبه للدورة الرئاسية الرابعة في مطلع عام ١٩٤٥. واعلن خلفه الرئيس هاري ترومان نهاية الحرب وبداية النظام العالمي الجديد بقيادة الولايات المتحدة. أكمل ترومان فترة روزفلت الرابعة. وترشح لدورة ثانية عام ١٩٤٨. ولكنه لم يترشح لدورة ثالثة عام ١٩٥٢ بالرغم من أنه كان يمتلك الحق والأحقية بذلك. إلا أنه قدم مشروع قرار للكونغرس عام ١٩٥٣ لتحويل عرف جورج واشنطن بتحديد الرئاسة الأمريكية بدورتين إلى قانون. ونجح في تمرير القرار. وعليه حصل على المركز الرابع ضمن العشرة العظماء. لكنه لم يحتفظ بهذا المركز على الدوام. وما برح يخسره ما بين فترة وأخرى. وذلك بسبب أوامره الجدلية بإلقاء القنبلة النووية على اليابان.
بعد سقوط ترامب في الانتخابات ونجاح بايدن عام ٢٠٢٠، كتبت مقالة جاء فيها “الولايات المتحدة دخلت في مرحلة انتقالية وبايدن يحتاج إلى حكمة لينكلن وحنكة روزفلت كي يحافظ على وحدة الولايات المتحدة ويحفظ مكانتها في العالم.”
لا شك بأن الولايات المتحدة والعالم اجمع يقفون اليوم على مفترق طرق تاريخي. ومازالت الولايات المتحدة تملك فيه الخيار والقرار. فعلى ضوء المعطيات كما نراها اليوم، الولايات المتحدة مقبلة على حرب داخلية من نوع خاص، قد لا تكون أهلية، وانما مجتمعية ومصيرية. وستعززها الانتخابات القادمة بعودة المنافسة بين ترامب وبايدن. هذا في الوقت الذي يقف العالم على أبواب حرب عالمية ثالثة من نوع مختلف. ستكون متعددة الأطراف والحبهات، ومتنوعة ومتطورة الأسلحة. وهي قد بدأت بالفعل في أوكرانيا والشرق الأوسط. ومرشحة لان تنتقل إلى تايوان وشرق آسيا في أي وقت.
كل الدراسات المتخصصة وأراء العسكريين تؤكد بأن الولايات المتحدة يمكن أن تربح أية حرب مهما كانت، إذا كانت على جبهة واحدة. وانما ليس بمقدورها ان تخوض حروب متعددة على جبهات مختلفة. ولهذا المركز الرابع على قائمة العشرة رؤساء عظماء في الولايات المتحدة مايزال محجوزا لبايدن، إذاما استغل فرصة عمره الأخيرة وتوج حياته السياسية بها. وهي واحدة، وواحدة فقط. وهي تتمثل بإعلانه عدم الترشح للرئاسة لدورة ثانية في فترة مع اقتراب موعد مؤتمر الحزب الديمقراطي في منتصف آب القادم في شيكاغو. وترك مندوبين الحزب يختارون مرشح/ة شاب/ة آخر غيره لخوض الانتخابات امام ترامب. فقيادة الولايات المتحدة تحتاج اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، إلى شخصيات قيادية جديدة ومتنورة ورؤية مستقبلية واضحة. وبينما تتفرغ نائبة الرئيس، كمالا هاريس، لإدارة الوضع الداخلي لما تبقى من الفترة الرئاسية، يتفرغ هو كليا ،وبحكم خبرته الطويلة في السياسة الخارجية، للتفاوض مع روسيا والصين على مستقبل العالم ومنع وصول الصراعات المسلحة القائمة إلى حرب عالمية ثالثة ماحقة. والحل لا بد وأن يبدأ من غزة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب