
إيران ردت وإسرائيل صدّت
بقلم د. إبراهيم حمّامي
14/04/2024
إيران ردت وإسرائيل صدّت، بهذه العبارة علّق إلياس كرّام مراسل الجزيرة عمّا جرى الليلة الماضية لأضيف (من عندي) وسلامة تسلمكم!
بإخراج هوليوودي بائس تواصل على مدى ثلاثة ايام: إيقاف رحلات جوية، إغلاق سفارات، طلب من المواطنين المغادرة، إغلاق مجالات جوية، تعليق الدراسة، تحذيرات متتالية، انتهى الرد الإيراني رسمياً ببيان من بعثتها الأممية حتى قبل أن تصل “مسيراتها وصواريخها” إلى أهدافها المفترضة
إثارة مصطنعة مفتعلة لم تستمر كثيراً، وانتهت ليلة أريد لها أن تجذب أكبر عدد ممكن من المتابعين والمشاهدين، داخلياً وخارجياً، دون خسائر ودون مشاكل، وانتهت معها كل اجراءات الإثارة
لم تكن هناك ساعة صفر، بل كانت هناك ساعة “صفر+عدة ساعة”، الجميع كان ينتظر وصول “المولود” وهو يعلم نوعه وكمه وحجمه ولحظة وصوله!
إيران ومؤيدوها يحاولون إظهار الأمر وكأنه تثبيت لقواعد اشتباك جديدة، رد إيراني مباشر على أي استهداف لها أو لما يخصها في المنطقة، وبأنها هددت ونفذّت، وردّت، وبأن “إسرائيل” ستفكر ألف مرة قبل أي استهداف جديد
“إسرائيل” تتحدث عن تصدٍ مبهر وإنجاز عظيم، وانتصار حاسم على الهجوم الإيراني
الطرفان يعتبران أنهما انتصرا في المواجهة الهوليوودية، وربما لهما وجهة نظر داخلية في هذا الأمر، تتغدغ عواطف اتباعهما
“انتهى الدرس يا غبي” بجراح طفيفة في النقب، ومقتل ثلاثة أردنيين!
لكن الأمر الأبعد من ذلك، والنتائج الأكبر كانت بلا شك لصالح الاحتلال، كيف ذلك؟
• مع تصاعد المطالبات بحظر بيع الأسلحة في الدول الداعمة له والمشاركة في جرائمه، نجح الاحتلال في فك عزلته الدولية ليعيد هذه الدول علانية لصفه دون تجميل أو تورية
• ظهر الاحتلال من جديد بأنه “ضحية” لعدوان واستهداف من قوى المنطقة، وبأنه في حالة دفاع عن النفس
• كما ويعزز رواية الاحتلال بأنه يتعرض ل”معركة وجودية” من إيران ووكلائها، في محاولة للربط بين جرائمه والفصائل الفلسطينية المسلحة في غزة
• حصل نتنياهو المتورط داخلياً على “انتصار” ولو كان مسرحياً، بعد فشله المتواصل منذ أكتوبر الماضي، وبعد الحملات السياسية والإعلامية التي باتت تتحدث عن هزيمة إستراتيجية في رمال غزة
• بعبارة أخرى وكما وصفها الإعلامي ماجد عبد الهادي: “إسرائيل” التي تواجه اتهامات دولية بإبادة الفلسطينيين، تسترد صورتها المزعومة ك”ضحية” والغرب يستنفر لحماية أمنها، من دون أن تخسر نقطة دم واحدة
• كما لخص الاعلامي معتصم دلول ما حققه الاحتلال من هذا العرض الهوليودي بقوله: صواريخ كروز و باليسية و مسيرات (…) لا أقلل من أهمية أي مقاومة، و لكن ماذا يعني ذلك بعد أن تمت هندسته ليكون على المقاس؟
هناك ثلاثة أهداف لما حصل: ١- ابعاد بوصلة الاهتمام الإعلامي و العالمي عن مجازر الاحتلال الاسرائيلي في غزة. ٢- إعادة مشاعر التعاطف مع الاحتلال. ٣- إعادة الثقة بالابن الثاني لأميركا –إيران- في المنطقة.
• لساعات على الأقل تم حرف الأنظار عن الإبادة المتواصلة في قطاع غزة، وعن الاستهداف العنصري في الضفة الغربية، وهو ما حاول نتنياهو وحكومته الوصول إليه لأشهر طويلة
لا شك بأن معادلة الردع الإيرانية المفترضة ستكون معكوسة، بمعنى أن أي محاولة هجومية إيرانية سيتم التصدي لها “جماعياً” من القوى الكبرى وليس من الاحتلال فقط، وأن المسموح به هو فقط ما يتم الاتفاق عليه، تماماً كما كان الرد على اغتيال قاسم سليماني.
انتهت المسرحية قبل أن تبدأ…
انتهى الفيلم مع شارة البداية…
لم يصفق الجمهور ولم تنطل عليه الدعاية والإثارة السابقة للعرض…
واهم من يظن أن إيران تعنيها غزة أو غيرها، فما يُحركها هو مصالحها، فاغتيال عدة ضباط في دمشق يستوجب الرد، حتى وإن كان مسرحياً متفق عليه، ودماء واشلاء عشرات آلاف الفلسطينيين لا يُحرك فيهم شعرة!
الحقيقة والواقع تقول: الرد المسرحي الإيراني كان رداً على استهداف قنصليتها في دمشق، ولم يكن نصرة لغزة…
وواهم من يظن أن أي شيء سيحرك العرب – إلا نصرة “إسرائيل” لا العكس…
وواهم من يظن أن دول الغرب يهمها حق أو عدل أو قانون أو سلم…
الحلف الذي رأيناه بالأمس لم يكن ضد إيران الملتزمة بحدود ومدى الرد المتفق عليه، لكنه كان ضد بقعة صغير محاصرة ومنهكة اسمها غزة
أَمۡ یَقُولُونَ نَحۡنُ جَمِیعࣱ مُّنتَصِرࣱ ٤٤ سَیُهۡزَمُ ٱلۡجَمۡعُ وَیُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ ٤٥ بَلِ ٱلسَّاعَةُ مَوۡعِدُهُمۡ وَٱلسَّاعَةُ أَدۡهَىٰ وَأَمَرُّ