شهادات من مخيم نور شمس.. “دمار وخراب يتركان الأهالي في ظلمة وعزلة”
خاص | شهادات من مخيم نور شمس.. “دمار وخراب يتركان الأهالي في ظلمة وعزلة”
تحت قبة السماء التي كستها غيمة سوداء يجبر سكان مخيم نور شمس الآن على التعامل مع واقع جديد ومحبط. الآثار القاسية التي تركتها قوات الاحتلال تختلط مع أصوات الحزن والروح المحطمة، والحاجة إلى مساعدة إنسانية عاجلة.
نقل “عرب 48” شهادات من مخيم نور شمس في طولكرم إثر مجزرة الاحتلال التي خلفت 14 شهيدا عقب عدوان استمر لثلاثة أيام على التوالي، حيث تحولت الشوارع إلى ركام جراء تدمير الاحتلال للبنية التحتية الأساسية من الكهرباء والماء والاتصالات بالكامل، ما ترك الأهالي في ظلمة دامسة وعزلة مؤلمة.
تغطية متواصلة على قناة موقع “عرب 48” في “تليغرام”
الشوارع التي كانت مزيّنة في زينة العيد وكانت مسرحا لألعاب الأطفال، امتلأت الآن بمياه الصرف الصحي، مضيفةً إلى المشهد بؤسا لا يوصف. الرصاص والقنابل التي سقطت كالمطر على المخيم لم تترك جدارا إلا وقد خرمته، مخلفة وراءها آثارا تحكي قصص الألم والدمار.
الأطفال الذين ملأوا أجواء المخيم بضحكاتهم وألعابهم، يقفون اليوم صامتين وقد اختفت الابتسامات من وجوههم البريئة. أصوات الفرح استبدلت بصمت مرير يعكس عمق الصدمة والحزن الذي يخيم على الجميع. الحزن الثقيل لا يغادر عيون المواطنين وهم ينظرون حولهم إلى الدمار الذي لا يوصف ومن الإعدامات الميدانية.
رغم الخراب الذي لحق بمخيم نور شمس والهول الذي تجرعه الأهالي، فإن روح والعزيمة لم تُكسر. الأهالي يقفون اليوم على أنقاض ما تم هدمه متحدين ومتسلحين بإرادة لا تلين في مواجهة الظروف القاسية، يتشاركون الأمل والتصميم على إعادة بناء حياتهم ومستمدين القوة من تلاحمهم.
علامات الدمار والعنف جليّة في كل زاوية وركن من المخيم، الرصاص والقنابل التي أطلقت بكثافة اخترقت المنازل وتركت وراءها دمارا هائلا. كانت القذائف والصواريخ التي أطلقت بكميات هائلة واضحة المعالم، تركت آثارا في جدران البيوت لم يشهدها أهالي المخيم قط.
وفقًا لشهادات المواطنين لـ”عرب 48“، فإن قوات الاحتلال اقتحمت مخيم نور شمس في ساعات ما بعد ظهر يوم الخميس بأكثر من 120 مركبة عسكرية مختلفة وعشرات الجنود. كان المخيم تحت الحصار، بدون دخول أو خروج، وبعض السكان علقوا خارج المخيم لأكثر من 50 ساعة. طوال هذه الساعات لم يتوقف أزيز الرصاص واستمرت الطائرات بدون طيار بالتحليق فوق سماء المخيم بلا توقف.
نصف المنازل إما انهارت أو تضررت
وقال عماد جابر الذي تضرر منزله، في حديث لـ”عرب 48“: “كنا في المنزل أنا وزوجتي وأبنائي عندما دخلت قوات عسكرية كبيرة إلى الحي مصحوبة بإطلاق نار كثيف. شابان غير مسلحين فرا إلى منطقة منزلي، ثم اقتحم الجنود المنزل المكون من ثلاثة طوابق، حيث خرجنا فورًا وبدأوا بإلقاء قنابل داخل المنزل وإطلاق صواريخ الكتف، ما أدى إلى تدمير المنزل بشكل كامل كما أن نصف المنازل في المخيم إما انهارت أو تضررت من العدوان”.
وبحسب جابر، فإن الشبان الذين اختبأوا داخل المخيم لم يكونوا مسلحين وكانوا ينوون تسليم أنفسهم للجنود الذين كانوا تحت المنزل، مضيفا “لم يسمحوا لهم حتى بالحديث، ثم أطلقوا النار عليهم، أحد الشبان عندما رأى أنهم يطلقون النار على الجميع بعشوائية حاول الهروب، لكنهم طاردوه ثم قتلوه وأعدموه ميدانيا داخل غرفة النوم في منزلي. بدأوا بإطلاق النار في كل الاتجاهات بدون تمييز، لا يوجد كلمات يمكنها أن تصف ما حدث”.
كانت الأجواء في المخيم تبدو مرهقة على السكان ومليئة بمشاعر الخوف والقلق، الطرق التي دمرت تقريبًا كان من الصعب المشي عليها بسبب الدمار، مياه الصرف الصحي غمرت الطرقات، أعمدة الكهرباء انهارت، وأسلاك الكهرباء معلقة في الهواء تهدد حياة الجميع. تذكر المشاهد عند مدخل المخيم كل من يمر بالكارثة التي وقعت عليه، في حين أن المستقبل يبدو غير واضح ومليء، بينما يحاول السكان التعامل مع الواقع الجديد الذي فرض عليهم.
واقع جديد
تحت قبة السماء التي كستها غيمة سوداء يجبر سكان مخيم نور شمس الآن على التعامل مع واقع جديد ومحبط. الآثار القاسية التي تركتها قوات الاحتلال تختلط مع أصوات الحزن والروح المحطمة، والحاجة إلى مساعدة إنسانية عاجلة أكثر من أي وقت مضى.
ويقول جابر، إن “المخيم أصبح مكانًا لا يصلح للعيش فيه ويبدو الآن وكأنه جزء من غزة بما مر به، لم يتبق شوارع ولا بنى تحتية ولا إنترنت على ما يرام، دُمر كل شيء حتى لا يمكنك المشي على الأقدام. زوجتي أرادت الدخول إلى المنزل لإحضار الطعام للطفل، لكن الجنود رفضوا وحتى سخروا منها، وعلى مدار ثلاثة أيام لم يأكل الطفل طعامًا مناسبًا، وبقينا بدون شيء حتى خرجوا ورأينا الدمار الذي تركوه داخل بيتنا مع أنه لا علاقة لنا بأي عمل مسلح”.
وأشار إلى أن “استخدام العنف المفرط من قبل الجيش في المخيم سيفاقم من عمل المقاومة للاحتلال وسيؤدي إلى نتائج عكسية. كلما استخدم الجيش القوة المفرطة تنمو المقاومة أكثر، هذه معادلة واضحة، وهي ليست الحل. في كل مرة يستخدمون القوة، تتعزز المقاومة في المخيم وستزداد فقط بين الشباب. استخدام القوة لا يؤدي إلى أي حل ولا أي نتيجة والتاريخ يسجل ذلك. ولكن على الرغم من الألم والصعوبات، ما زلنا صامدين على أقدامنا ونأمل أن ينتهي كل هذا الكابوس حتى نتمكن من العيش بسلام. مخيم اللاجئين هو قصة، تفاصيلها لم تعرف السكينة يوما منذ عام النكبة”.
وتحت ركام ما دمر بين أنقاض منزل عماد جابر، كانت آلة عزف “أورغ”، وقبل ساعات من الاقتحام كان يصدر أصوات الفرحة والبهجة لسكان المخيم. لم يكن “الأورغ” مجرد آلة موسيقية بالنسبة لجابر، بل كان أيضًا مصدر الرزق الوحيد له. كان يعزف عليه كل مساء تقريبا ويملأ الأجواء بألحانه الفرحة التي تندمج مع أصوات الحياة اليومية في المخيم.
خلال الاقتحام يروي جابر، أن “الجنود دمروا الأورغ عمدًا وتركوه مكسور وصامت. هذا الضرر لم يدمر فقط آلة الموسيقى بل سرق مني أيضا المصدر الرئيسي للأمل والسعادة، كان الأورغ مصدر إبداعي والآن هو مجرد ذكرى أليمة لما حصل هنا”.
قلق وعبء بشأن المستقبل القريب
وعبر أنس حماد من سكان المخيم في حديث لـ”عرب 48“، عن قلقه العميق بشأن المستقبل القريب للمخيم، وتساءل عما إذا كان من الممكن إعادة المخيم إلى حالته قبل الاقتحام؟
وأوضح “لا توجد مؤسسات رسمية يمكنها إصلاح كل هذه الأضرار. السلطة الفلسطينية تتعامل معنا كمواطنين من الدرجة الثانية. سنضطر إلى تحمل عبء إعادة تأهيل المخيم بأيدينا على الرغم من الفقر الشديد والوضع الاقتصادي الصعب الذي يعيش فيه معظم سكان المخيم. ستستغرق العملية أشهرا إن لم تكن سنوات، وخلال كل هذه الفترة سنستمر في المعاناة، في ظل عدم اليقين عما إذا كان هذا الاقتحام سيتكرر أم لا”.
استخدام جميع الأسلحة
وذكر شادي قاسم وهو صاحب منزل تضرر من صاروخ كتف، لـ”عرب 48“، أن “الجنود طاردوا شبانًا بعضهم لم يكن مسلحًا على الإطلاق. وصلوا إلى منطقة منزلنا وعندما طلبوا من الشبان الخروج، خرج جهاد ورفع يديه، ثم أطلقوا النار عليه مباشرة في الرأس، وفي منزل الجيران المجاور دخل الجنود وقتلوا أربعة شبان”.
ولفت إلى أنه “لا يمكن وصف إطلاق النار الذي حدث هنا، ساعات طويلة من إطلاق النار المتواصل، تم استخدام جميع أنواع الأسلحة. أمام باب منزلي وقفت طائرة صغيرة بدون طيار، بعد أن فجروا باب المنزل دخلت إلى الطابق الثاني، كان هناك أطفال صغار ونساء، كنا في حالة ذعر شديد، وحتى الآن نحن في حالة خوف وقلق”.
تكرار للنكبة والاحتلال
وقال عضو اللجنة الشعبية في المخيم، نشأت عزام، لـ”عرب 48” وهو يقف بين شوارع المخيم ويحدق في كل زاوية بين الأنقاض والدمار، كلماته كانت تُسمع بصوت مكسور وثقيل: “لا يزال من الصعب علينا إحصاء الضرر الكامل الذي حلّ هنا، ما حدث هنا يذكرنا بتفاصيل النكبة والاحتلال عام 1948 وهي علامة على تكرار التاريخ الذي سمعنا عنه فقط، ولكن اليوم نحن نعيشه ونراه أمام أعيننا”.
وشدد على أن “المخيم سيستمر في النضال من أجل مستقبل أفضل، أعمدة الدخان هذه سوف تندثر قريبا وتلك الأنقاض التي نعتبرها رمزًا للنضال ستكون بداية إعادة تأهيل المخيم”.