دعوات في واشنطن لاقتناص الفرصة في سوريا… القضاء على النفوذ الروسي ومنع الحركات الجهادية من اكتساب القوة
دعوات في واشنطن لاقتناص الفرصة في سوريا… القضاء على النفوذ الروسي ومنع الحركات الجهادية من اكتساب القوة
رائد صالحة
واشنطن- قال محللون أمريكيون إن الولايات المتحدة تمتلك فرصة نادرة لإعادة تشكيل المشهد الجيوسياسي في سوريا والمنطقة، مستغلة ضعف المشهد السياسي في سوريا وتحركات روسيا في الشرق الأوسط. ووفقاً لمراقبين، فإن اتخاذ خطوات حاسمة وسريعة قد يمنح واشنطن وحلفاءها نفوذاً غير مسبوق ضد موسكو وطهران.
وترى مصادر أمريكية أن انهيار نظام بشار الأسد يمثّل لحظة فارقة يمكن استغلالها لفرض تغييرات استراتيجية في المنطقة. إلا أن الرئيس المنتخب دونالد ترامب كان قد عبّر عن موقف مغاير في تصريح سابق، حيث قال: “سوريا ليست معركتنا. دعها تستمر. لا نتورط”.
ورغم ذلك، تحذر تقارير من أن ترك الأوضاع في سوريا تتطور بدون تدخل أمريكي قد يؤدي إلى نتائج كارثية على المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية. ويدعو خبراء إلى تحرك أمريكي بالتعاون مع الحلفاء لإحداث توازن جديد يخدم المصالح الوطنية.
وتتضمن الخطط المقترحة تقديم دعم شامل للمعارضة السورية لتشكيل حكومة قوية ومستقرة، بالتزامن مع تهديد الوجود الروسي في القواعد العسكرية البحرية والجوية في سوريا.
ومن شأن هذه الاستراتيجية تحقيق ميزتين رئيسيتين: الضغط على روسيا في أوكرانيا من خلال دفع الرئيس فلاديمير بوتين للتفاوض، إما بخسارة قواعده في البحر المتوسط، أو التوصل إلى صفقة تخدم المصالح الأمريكية، وتقليص الحاجة إلى وجود عسكري أمريكي طويل الأمد على الأرض من خلال بناء مؤسسات سورية فاعلة.
وقال محللون أمريكيون إن الوجود الروسي في سوريا، لا سيما في القاعدتين الرئيسيتين في طرطوس وحميميم، يعدّ من أهم أدوات النفوذ الروسي في البحر الأبيض المتوسط. وأي خسارة لهذه المواقع قد تؤدي إلى تراجع كبير في القدرات العسكرية الروسية وسمعتها على الساحة الدولية.
إضافة إلى ذلك، تواجه القوات الروسية تحديات ميدانية، حيث تشير تقارير إلى محاصرة آلاف الجنود الروس في قواعد أمامية داخل سوريا، ما يجعل موقف موسكو أكثر هشاشة.
وتشدد التقارير على ضرورة تنسيق الجهود مع الدول المجاورة لسوريا، مثل الأردن والعراق والسعودية ودول الخليج، إلى جانب الحلفاء الأوروبيين، لضمان منع تحول سوريا إلى ساحة فوضى كتلك التي شهدتها ليبيا.
ويدعو الخبراء إلى تمويل قادة المعارضة السورية وتوجيههم لبناء هياكل حكم فعّالة مع الحد من النفوذ الإيراني والروسي.
ومن بين التحديات الكبرى، العلاقة مع “هيئة تحرير الشام” التي قادت العديد من العمليات العسكرية ضد نظام الأسد. ورغم إعلانها الاستعداد لحل سلمي، إلا أن ارتباطها السابق بالأيديولوجيات المتطرفة يثير المخاوف ويستلزم التعامل معها بحذر، على حد تعبير العديد من المحللين الأمريكيين.
وفي هذا السياق، تدعو الأمم المتحدة إلى إعادة النظر في تصنيف الهيئة بوصفها منظمة إرهابية، ما قد يسمح بالتعاون معها بشكل قانوني لتشكيل القيادة السورية المستقبلية.
وتُعدّ هذه اللحظة فرصة سانحة للولايات المتحدة لتوجيه ضربة استراتيجية لبوتين، الذي يواجه ضغوطاً في أكثر من منطقة. ويرى محللون أن خسارة روسيا لقواعدها في سوريا قد تدفعها إلى التركيز على مواقع أخرى، مثل ليبيا، تحت ظروف مشابهة من الضغط.
ويمثل الوضع في سوريا مسرحاً جديداً للمنافسة بين القوى العظمى. وإذا تحركت الولايات المتحدة بسرعة وذكاء، فقد تتمكن من تفكيك القوة العسكرية الروسية وتقليص النفوذ الإيراني، ما يعزز استقرار المنطقة ويخدم المصالح الغربية على المدى الطويل. فالوقت الآن هو العامل الحاسم في رسم ملامح المرحلة المقبلة، حسبما قال الباحث ألكساندر كروثر من برنامج الدفاع والأمن عبر الأطلسي، وزميله جهارا مينيسيك من كلية الحرب البحرية في الولايات المتحدة.
وتحاول إدارة بايدن منع الجماعات، التي تصفها بالإرهابية مثل تنظيم الدولة الإسلامية، من اكتساب القوة بعد انهيار نظام الأسد.
وكانت هذه القضية واحدة من القضايا التي ركزت عليها زيارة وزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى الأردن، الأسبوع الماضي.
وأكد بلينكن أن دول المنطقة تتجمع لمساعدة الشعب السوري على الاستفادة من “لحظة الفرصة”.
وقال بلينكن في تركيا “ناقشنا أيضًا ضرورة مواصلة الجهود لإبقاء داعش تحت السيطرة. لقد عملت بلداننا بجد وقدّمت الكثير على مدار سنوات عديدة لضمان القضاء على الخلافة الإقليمية لداعش لضمان عدم ظهور هذا التهديد مرة أخرى”.
وقال بروس هوفمان، وهو زميل بارز في مكافحة الإرهاب والأمن الداخلي في مجلس العلاقات الخارجية، إن هذا القلق مبرر.
وأضاف هوفمان “من الممكن تماما أن تصبح سوريا، كما كانت منذ عقد ونصف من الزمان، أرضا خصبة للإرهاب، بل وحتى مصدرة للإرهاب”.
وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، شنّت الولايات المتحدة سلسلة من الغارات الجوية على مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا لمنع عودة ظهور الجماعة.
وقالت ناتاشا هول، وهي زميلة بارزة في برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إن المشاركة الدبلوماسية تشكّل مفتاحا للحدّ من التهديدات الأمنية.
وأضافت هول “أعتقد أن ما تعلمناه خلال العام الماضي هو أنه من الخطير للغاية أن نضع الصراعات التي تبدو مجمدة على الموقد الخلفي، وأن نتوقف عن الاهتمام بالواقع على الأرض، لأنه يمكن أن ينفجر في أي وقت”.
ولم يتضح بعد بشكل كامل كيف ستتعامل إدارتا بايدن وترامب مع هيئة تحرير الشام في المستقبل. وقد صنفت الولايات المتحدة الجماعة المتمردة التي تتولى زمام الأمور في سوريا الآن منظمة إرهابية منذ سنوات.
وكانت هيئة تحرير الشام في مهمة إعادة صياغة هويتها، وقطعت علاقاتها مع تنظيم القاعدة، ووضعت رؤية أكثر اعتدالا لمستقبل سوريا.
وقالت وزارة الخارجية الأمريكية يوم الإثنين إنها لا تراجع بنشاط تصنيف المجموعة، مشيرة إلى أن هذا التصنيف لا يمنع قانونيا المسؤولين الأمريكيين من التواصل مع هيئة تحرير الشام.
وأعلنت إدارة بايدن أنها ستنتظر لترى ما إذا كانت تصرفات المجموعة تتطابق مع تصريحاتها العامة قبل إجراء أي تغييرات في السياسة.
وفي رسالة إلى الإدارة، زعم النائبان جو ويلسون وبريندان بويل أن سقوط نظام الأسد “يمثّل فرصة محورية لرفع العقوبات المفروضة على سوريا بشكل مسؤول لتسهيل الاستقرار وإعادة الإعمار والاستثمار الدولي والتعافي الإنساني، وإعادة التكامل الدولي مع حماية المصالح الأمنية الأمريكية”.
وزعم المشرّعون أن الإدارة قد تصدر إعفاءات محددة لن تؤثر على تصنيف أي منظمة إرهابية في سوريا. وقالوا إن هذا من شأنه أن يساعد في تهميش الإرهابيين من خلال تسهيل الوصول المالي للمدنيين العاديين.
وفي سياق متصل، يصرّ مسؤولو الإدارة على أن السياسات الأمريكية الراسخة، بما في ذلك الإجراءات التي اتخذتها إدارة بايدن ضد أنصار الأسد، جعلت الإطاحة بالنظام السوري ممكنة.
وينفي مسؤولو الإدارة أنهم ساعدوا هيئة تحرير الشام، التي صنفتها الولايات المتحدة منظمة إرهابية، والتي قادت حملة الإطاحة بالأسد، لكنهم يصرون على أنهم سهّلوا انتصار المعارضة، مشيرين إلى سنوات من الجهود الأمريكية لتمكين المعارضة وإضعاف الحكومة السورية.
وفي مؤتمر صحافي عقده في التاسع من كانون الأول/ديسمبر الجاري، في اليوم التالي لفرار الأسد من البلاد، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية ماثيو ميلر إن “السياسة الأمريكية أدت إلى الوضع الذي نحن فيه اليوم”. وأضاف “لقد تم تطوير هذه السياسة خلال المراحل الأخيرة من إدارة أوباما، واستمرت إلى حد كبير حتى يومنا هذا”.
واتفق معه جون كيربي المتحدث باسم البيت الأبيض، وأشاد بالرئيس، وقال في تصريحات للصحافة في العاشر من كانون الأول/ديسمبر: “نعتقد أن التطورات في سوريا تثبت بشكل كبير صحة سياسة الرئيس بايدن الخارجية” ولكن العديد من المحللين الأمريكيين سخروا من هذه التصريحات وقالوا : “لن يصدّق أي أحد محاولات ترسيخ إرث لبايدن في السياسة الخارجية الأمريكية”.
“القدس العربي”: