تجمد عواصم العرب والمسلمين عن نصرة غزة… يطرح سؤال من المستفيد من تكميم الأفواه

تجمد عواصم العرب والمسلمين عن نصرة غزة… يطرح سؤال من المستفيد من تكميم الأفواه
حسام عبد البصير
القاهرة ـ بين خوف من مجازر بدأت شواهدها تلوح في الأفق في رفح الفلسطينية، وصور تتوالى لاستمرار المظاهرات في الجامعات الأمريكية وغيرها من العواصم الغربية، تعاطفا مه مليوني غزي يتعرضون للإبادة، وسط عجز عربي فاضح في الدفاع عنهم، بدأت اصوات المصريين تنتقل من مرحلة الهمس للصوت المرتفع في المواصلات العامة ودواليب العمل العامة عن المستفيد من بقاء العواصم العربية والإسلامية في حالة التجمد اتجاة ما يجري للأشقاء، وعرف الانتقاد طريقه كذلك لائمة المساجد، بسبب عدم قيامهم بدورهم في دعم أهالي القطاع الذين يتعرضون لأبشع جرائم الإبادة في التاريخ الإنساني. وقال الدكتور هيثم أبو سعيد رئيس بعثة المجلس الدولي لحقوق الإنسان إلى الأمم المتحدة في جنيف، إن مجلس الأمن، مجلس سياسي بامتياز، ولا بد من تعديلات خاصة في ما يتعلق بالفيتو، وفصله عن كل ما له علاقة بالشأن الإسرائيلي، لكبح جرائمها، وهذا سيحدث في القريب العاجل، ومن دون هذه التعديلات، فالمشهد سيعيد نفسه. وأضاف خلال تصريحات تلفزيونية، «نحن ننضم للأمين العام، وما قاله وزير خارجية الاتحاد الأوروبي، وهذا الأمر يجب أن ينتهي فورا، ولا بد من مساءلة أعضاء الكونغرس، من خلال استجواب هؤلاء، وتوجيه خطاب للكونغرس لمساءلة هؤلاء ووضع حد لهذه المهزلة، لأنه لا يمكن تهديد محكمة بحجم الجنائية الدولية». وأشار إلى أن تعريف حقوق الإنسان، واحد وموحد بين كل الدول، ولكن هناك مقاربة من بعض الحكومات، التي تحاول أن تبدي مصالحها الخاصة على المصالح القانونية الدولية، مشددا على ضرورة تفعيل الدبلوماسية أكثر من خلال الحالات الشعبية والمحاكم المحلية، حتى تنصاع إسرائيل للقوانين الدولية والمحاكم الدولية.. وأكد الدكتور محمود مسلم، رئيس لجنة الثقافة والسياحة والآثار والإعلام في مجلس الشيوخ، أن الأمر الآن بشأن المفاوضات والأوضاع على الأرض صعب، وعلى أمريكا والمجتمع الدولي تحمل المسؤولية لإتمام الهدنة ووقف إطلاق النار في قطاع غزة. وأوضح، خلال تصريحات تلفزيونية، أن على المجتمع الدولي تحمل المسؤولية، والضغط على الجانب الإسرائيلي للوصول لهدنة بأي شكل، مشددا على أن الموقف صعب، وكانت هناك تحركات من بعض الفصائل العربية وتحركات في هذا الشأن. وشدد على أننا شهدنا تحركات من فصائل في العراق واليمن ولبنان وسوريا، وكل الأمور تدل على أنه إذا لم تتحق الهدنة ستكون العواقب وخيمة. فيما أكد وزير الصحة الدكتور خالد عبد الغفار، أن دور مصر في التعامل مع الأحداث محوري، فعلى سبيل المثال استقبلت مصر حوالي 5500 مصاب وجريح في المستشفيات المصرية من الأشقاء الفلسطينيين. ومن الشائعات التي حرصت الحكومة على تقصي حقيقتها: أكدت وزارة الداخلية أنه لا صحة لانتشار عصابات لتجارة الأعضاء تضم من بين أعضائها أطباء تقوم باستدراج الأطفال واختطافهم لبيع أعضائهم في عدد من محافظات الجمهورية، وأنه لم يتم رصد أي شكاوى، أو بلاغات في أي من المحافظات على مستوى الجمهورية بشأن وقائع مماثلة، وأن كل ما يتم تداوله في هذا الشأن ما هو إلا ادعاءات زائفة تستهدف إثارة البلبلة، مناشدة المواطنين عدم الانسياق وراء مثل تلك الأكاذيب، وسيتم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة حيال مروجي تلك الشائعات. كما أكدت وزارة الصحة أن المنشورات المتداولة مزيفة، ويتم نشرها وتداولها بالعبارات نفسها بشكل متكرر منذ عام 2017، ولا علاقة للأطباء بأي مما جاء فيها.
تمثيلية أمريكية
يبدو على حد رأي أحمد عادل هاشم في “المشهد”، أن الولايات المتحدة الأمريكية اكتفت بما تم تدميره من منشآت ومبان في قطاع غزة، وقررت إيقاف إمداد جيش الاحتلال الصهيوني بالقنابل زنة 2000 رطل، إذا ما اجتاح رفح.. لكنها لم ترتو بعد من الدماء التي سفكتها أسلحتها القاتلة بين أهالي القطاع وتمد بها إسرائيل أسبوعيا ويوميا.. أوقفت أمريكا تزويد إسرائيل بالقنابل التي أنهت الوجود البشري والحجري في قطاع غزة، لكنها تواصل إمدادها بالصواريخ والطائرات ودانات المدافع والدبابات وصواريخ القبة الحديدية، وكل ما في ترسانة القتل الأمريكية. حتى إسرائيل تدرك أن تلك القنابل غير حيوية في مواصلة إجرامها التدميري، لكن إبداء الغضب من القرار الأمريكي قد يساعد نتنياهو على إظهار شجاعته أمام الحليف الأكبر والأهم لليمين الصهيوني المتغطرس في أرض فلسطين المحتلة، ويؤجج فكرة المظلومية لدى القطاع الأوسع من الصهاينة، وفي الوقت نفسه يساعد بايدن على تحسين صورته أمام ناخبيه من الرافضين للمجازر الصهيونية في فلسطين. لا أعرف سببا واحدا للتهليل العربي بالقرار الأمريكي بإيقاف إمداد إسرائيل بالقنابل زنة 2000 رطل (1500 كجم) إذا ما اقتحم جيش الاحتلال رفح.. إلا أنها عادة عربية أصيلة، نحتفل بالجبارين، والغزاة والقتلة، طمعا في النجاة من غضبهم وعقابهم إذا ما انتصروا. تمثيلية القنابل زنة الـ2000 رطل تأتي في إطار استراتيجية مسك العصا من المنتصف، على قاعدة الوهم والولاء.. إرضاء العرب باعتبارهم مهرولين وراء الأوهام، لا يجرؤون على تكذيب “الصديق الأمريكي” حامي عروشهم، وإرضاء إسرائيل بمواصلة تزويدها بالأسلحة الفتاكة، عدا الـ2000 رطل، باعتبار أن المشروع الصهيوني منصة الانطلاق نحو السيطرة والهيمنة على إقليم يعج بالثروات الهائلة. لا تصدقوا الانزعاج الصهيوني من قرار واشنطن تعليق صفقة القنابل شديدة التدمير، فالمخطط الإجرامي الصهيوني في تصفية القضية الفلسطينية وتهجير الفلسطينيين من الضفة وغزة ليس في حاجة إلى قنابل مدمرة، فلم يعد هناك ما يمكن تدميره في القطاع، ولم يتبق أمامه سوى رفح لمحوها من الوجود بالطائرات الأمريكية. ولا تصدقوا واشنطن، أكبر وأهم مقامر في تاريخ البشر.. فالدم العربي في نظرها ليس أكثر من كأس نبيذ أحمر تحتسيه على مائدة لحم بشري من مراعي العرب.
هذه هي البداية
كان شيئا غريبا أن يتحدث الإعلام الصهيوني عن نهاية الحرب وتكون لديه الشجاعة أن يعترف بأن إسرائيل خرجت بخسارة كبيرة أمام المقاومة الفلسطينية، يبدو والكلام لفاروق جويدة في “الأهرام” أن حديث النتائج عن هذه الحرب سوف يأخذ وقتا طويلا. لقد استخدمت إسرائيل كل ما لديها من وسائل القتل والدمار وقدمت أمريكا كل قدراتها لاستكمال المؤامرة، جيوشا وسلاحا وأموالا ودعما دوليا، ثم كانت المغامرة الأخيرة في اجتياح رفح.. ولم يكن غريبا أن يزداد التأييد الدولي للمقاومة الفلسطينية دفاعا عن غزة الأرض والبشر.. وقد لا يوجد تأييد من كل شعوب العالم بواحدة من أكبر المآسي الإنسانية كما حدث مع أطفال ونساء غزة. النصر لا يحسب فقط بالجانب العسكري في الحروب، ولكن القتل والدمار جرائم عار لا تسقط بالتقادم.. لا توجد حرب في العصر الحديث أخذت اهتماما من العالم مثل حرب غزة، ولا يوجد تأييد من كل شعوب العالم لواحدة من أكبر المآسي الإنسانية كما حدث مع أطفال ونساء غزة.. الشيء المؤكد أن إسرائيل قد خسرت كثيرا في هذه الحرب، كانت خسارتها الأكبر يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول حين اجتاحت حشود المقاومة كل المدن الإسرائيلية، رغم الدفاعات والأسوار والصواريخ والقواعد. المقاومة كانت أكثر حشودا وعنصر المفاجأة كان أكبر من قدرات وحسابات الجيش الذي لا يقهر، وكانت الاستعدادات والخطط التي انطلقت بها حشود المقاومة أكثر نجاحا من قدرات المؤسسات الأمنية في إسرائيل، بما في ذلك الموساد والشاباك والمخابرات الحربية، وأكبر دليل على ذلك هو الاستقالات التي شملت كبار المسؤولين في هذه الأجهزة.. ويمكن أن يقال إن الفشل في هذه الحرب كان من البداية أمنيا واستخباراتيا وعسكريا.. فما زالت إسرائيل بعد 215 يوما من المعارك تبحث عن أنفاق غزة، ولم تصل إلى قادة حماس ولم تعرف كيف تستعيد أسراها، ولم تحسم حربا برية أمام صمود المقاومة التي تقف وحيدة أمام ترسانة عسكرية لم يشهدها العالم في حروبه من قبل، وكان هذا شيئا جديدا على قدرات الدولة العبرية.. وكان الخطأ الأكبر أن إسرائيل لم تحارب غزة، ولكنها استخدمت أسلوبا وحشيا همجيا لا يتناسب مع قدرات الجيوش النظامية، وكان هذا انعكاسا مبكرا بالهزيمة أمام مفاجأة 7 أكتوبر..
همجية برعاية أمريكية
لا شك والكلام ما زال لفاروق جويدة، الرد الإسرائيلي سحب الكثير من تقييم قدرات الجيش الإسرائيلي الذي بدأ وكأنه حشد، همجي لا يعرف، شيئا عن تقاليد الحروب وخططها، وكان تدمير كل شيء في غزة مبانيها وبيوتها ومدارسها وجامعاتها ومستشفياتها شهادة أمام العالم بوحشية هذا الكيان وهمجية الجيش الذي لا يغلب.. هذه الشواهد كلها شوهت صورة إسرائيل الوطن الوديع الذي يواجه شعوبا من القتلة، لم تكن خسائر إسرائيل في الداخل فقط، ولكن خروج العالم يندد بالكيان الصهيوني كان أكبر الخسائر التي لحقت بصورة إسرائيل أمام العالم، وما حدث في جامعات أمريكا آخر إعلان وفاة للدعاية الصهيونية التي ضللت شعوب العالم عشرات السنين.. إسرائيل التي ابتلعت الهزيمة وتصورت أنها سوف تقضي على حماس في أيام قليلة فشلت في كل أهدافها، وجلست أمام حماس مغلوبة على أمرها وكان واضحا أنها دمرت غزة، وخسرت الحرب وقتلت الآلاف وتوسلت الإفراج عن أسراها، وهي ما زالت حتى الآن تخفى أعداد قتلاها.. في قائمة الخاسرين تقف أمريكا وقد خسرت الأموال والسلاح والسمعة الدولية، وتعاطف الشعوب الفقيرة، وقبل هذا خسرت الشعوب العربية.. كانت أمريكا تتصور أن الجيش الذي لا يقهر سينهى الحرب في بضعة أيام ووقفت تنتظر النصر، ولكن الهزائم المتلاحقة جعلتها تنتظر شهورا، وقدمت آلاف الملايين وفتحت ترسانتها لأحدث ما وصلت إليه تكنولوجيا الأسلحة الحديثة وذهبت خبرات الجنرالات الأمريكيين إلى تل أبيب، بينما كانت المسيرات الحديثة تقتل الأطفال والنساء وتهدم البيوت والمدارس، كانت أمريكا تنتظر الاحتفال بساعة النصر، ووقف الرئيس بايدن ومساعدوه في البيت الأبيض يؤيدون الجيش الذي لا يقهر، ولكن الجيش خذله، وحاول أن تخرج إسرائيل من المحنة حتى لو بنصر كاذب، ولكن الفرصة ضاعت وخرج شباب أمريكا في الجامعات العريقة، ينددون بالوحشية والهمجية، ويطالبون أمريكا بوقف الدعم المالي والعسكري وبدأت دول العالم تدين الوحشية الإسرائيلية، ولكن الأمور ساءت وأصبح الحل صعبا إذا لم يكن مستحيلا.. وكانت أسوأ النتائج ليس على إسرائيل أو أمريكا، ولكن كانت هناك أطراف أخرى تنتظر هزيمة المقاومة، وأن تختفي حماس من المشهد وخابت توقعاتهم فلا إسرائيل انتصرت ولا حماس اختفت.
ربيع بايدن
رغم ما يبدو على السطح من ارتباط المظاهرات في الجامعات الأمريكية بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة، ورفض الطلاب للعدوان الإسرائيلي الهمجي على غزة، والمطالبة بوقف الدعم الأمريكي اللامحدود لإسرائيل بالمال والسلاح، إلا أن الأحداث كما تابعها عماد فؤاد في “الوطن” فجّرت العديد من الأسئلة المرتبطة بالداخل، بعد القبض على مئات الطلاب، والأساتذة، بمعرفة الحرس الوطني التابع للشرطة الأمريكية، وبث مشاهد ضرب وسحل المقبوض عليهم في منتهى العنف. ووصفت وسائل الإعلام الأمريكية ما يحدث بـ«الربيع الأمريكي» قياسا بـ«الربيع العربي» الذي شهدناه بدايات العقد الثاني في القرن الحالي، بعد التساؤلات عن القيم الأمريكية المتعلقة بالديمقراطية وحرية الرأي والتعبير. الأسئلة أرّقت الإدارة الأمريكية، التي لم تستطع الدفاع عن مسلكها العنيف في مواجهة التظاهرات، إلا بالتأكيد على أهمية ضمان أمن إسرائيل بالنسبة للولايات المتحدة. وشعرت إسرائيل أيضا بالقلق والذعر، بعد هذا الحراك الطلابي غير المسبوق، منذ المظاهرات ضد الحرب في فيتنام، والاحتجاجات المناهضة للفصل العنصري في جنوب افريقيا، وتكرار كلمات «فلسطين» و«الفلسطينيين» في الإعلام الأمريكي، وامتداد الاحتجاجات إلى فئات أخرى خارج الجامعات، واكتسابها صفة «الجماهيرية». فككت مظاهرات الطلاب الأمريكيين مجموعة من السرديات الأساسية التي روجتها إسرائيل منذ قيامها على مدى أكثر من (75) عاما، ومن أبرز هذه السرديات، أن كل من ينتقد إسرائيل، أو يعلن رفضه لما ترتكبه من جرائم إبادة جماعية وتطهير عرقي، فهو مُعادٍ للسامية، ومن يفعل ذلك في أمريكا تحديدا، يتعرض للاضطهاد والملاحقة إلى حد الفصل من العمل أو الجامعة.
بايدن وبوتين
في يومين متتاليين قال الرئيس الروسي عبارة، وقال الرئيس الأمريكي عبارة أخرى، ولكن العبارتين حسب سليمان جودة في “المصري اليوم” أوقعتا المتابعين في حيرة كبيرة، لا لشيء، إلا لأن المعنى فيهما عائم غائم كما سنرى. كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يلقى خطابا بمناسبة بدء ولايته الرئاسية الخامسة، فقال كلاما كثيرا، ولكن العبارة الأهم في كلامه كانت أنه تعهد بتحقيق النصر في الحرب مع أوكرانيا. والمشكلة ليست في أن يحقق النصر، أو حتى لا يحققه، ولكنها في معنى النصر عنده، لأنه لم يحدد ماذا يعني النصر بالنسبة له في الكرملين؟ هل يعني الاحتفاظ بالمناطق الأربع التي ضمها في الشرق الأوكراني؟ أم يعني الاستيلاء على الشرق الأوكراني كله؟ أم يعني اجتياح الأراضى الأوكرانية كلها؟ إن تحقيق أي خطوة من هذه الخطوات الثلاث، يظل نصرا للروس لا شك، ولكن المشكلة أنه لم يذكر أيها بالضبط يمكن أن يكون نصرا في نظره؟ وهذا هو شيطان التفاصيل، الذي يظهر على الفور إذا ما غابت المعاني المحددة لما نقوله ونذكره، وهذا نفسه ما كان قد حدث عندما أطلق بوتين الحرب على أوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022، لأنه وقتها سماها عملية عسكرية ولم يشأ أن يسميها حربا، وكان دائم الحديث عن أن العملية العسكرية لن تتوقف حتى تحقق أهدافها.. ولكنه لم يذكر ما هي هذه الأهداف على وجه التحديد، فكانت النتيجة أن الحرب دخلت عامها الثالث، دون سقف زمني. والرئيس الأمريكي جو بايدن قال إنه سيوقف شحنات السلاح عن إسرائيل إذا نفذت اقتحاما كبيرا لمدينة رفح في جنوب قطاع غزة.. هذا كلام جميل، أو قد يكون كذلك.. ولكن المشكلة هنا أيضا أن بايدن لم يذكر ما هو تحديدا الاقتحام الكبير في نظر إدارته، ولا قال شيئا عن الفارق بين الاقتحام الكبير، الذي لن يسمح به، والاقتحام الصغير الذي يمكن أن يمرره؟ وبالتالى.. فمن الممكن أن تنفذ إسرائيل اقتحاما كبيرا في الحقيقة، ثم تقول هي أو يقول هو أن ما نفذته اقتحام صغير.
ما زلنا صامتين
يتابع يوسف القعيد في “الأخبار” ما يجري في فلسطين المحتلة. وقلبه ينزف ألما لأن الموقف يزداد سوءا، والدنيا كلها تبدو متعاطفة مع الشعب الفلسطيني البطل وتكتفى بذلك. في مواجهة الغطرسة الأمريكية وانحيازها لإسرائيل، تبدو مصر داعمة لأشقائها الفلسطينيين.. وسط هذا الجو لا نرى غير التصعيد الخطير من العدو الصهيوني، يحاول خلق واقعٍ جديد على الأرض، والعالم يتفرج، بل إن الأخبار الخارجة من واشنطن تقول إن الموقف الأمريكي الحقيقي يُحمِّل حماس مسؤولية فشل المفاوضات. وعدد الشهداء يزداد في كل لحظة، الشهداء الفلسطينيون يتفوقون على أي قُدرة على أن تُحصى أرقامهم. وبعض دول الدنيا ينطبق عليها المثل الشعبي المصري القائل: «ودن من طين وودن من عجين». فالفلسطينيون ابتداء من حماس حتى الدولة الفلسطينية يُرحِّبون بأي محاولة لوقف الحرب. وكل مسؤول إسرائيلي يتحدث بأن موافقات العرب خدعة. وأن الاحتلال مُصمِّم على استكمال عملية رفح، ويُطالب أهلها بإخلاء المكان. لم يتوقف العالم عن التنبيه بكارثة في الطريق. وأن نتنياهو لا يفعل سوى رفض الاتهامات الداخلية له بأنه السبب في ما جرى. ثم يستمر في ما يفعله سعيا وراء الهدف الجوهري وهو إخلاء رفح الفلسطينية. الأزهر الشريف بقيادة العالم الجليل الشيخ أحمد الطيب، يُحذِّر من مُخططات صهيونية لإحكام الحصار على غزة. ومُفتي الديار المصرية الدكتور شوقي علام يُدين بأشد العبارات استمرار الهجمات الوحشية الإسرائيلية على رفح. وهكذا يبدو لنا أن العدو الإسرائيلي والحليف الأمريكي في جانب، والدنيا في الجانب الآخر دون مبالغة. فكل المنظمات الإغاثية في العالم تُحذِّر من عواقب كارثية بسبب الخطة الصهيونية المُروِّعة، التي تهدف إلى إبادة البشر وحرق الأرض وتدمير كل ما هو موجود فوقها. هذا يحدُث رغم الزمن الذي نعيشه والغرب الذي صدَّعنا بكلامه عن حقوق الإنسان وهو مدعو الآن أن يتكلم فقط عن حقوق الفلسطينيين تجاه من اغتصبوا أرضهم وتاريخهم ومستقبلهم، وأفقدوهم كل مبررات استكمال الحياة في الزمن الآتي، هذا إن كان هناك زمن آتٍ فعلا بالنسبة للفلسطينيين. وإن كانت بعض الأطراف الأوروبية تتجه إلى إدانة الإعلام وكأنه السبب في كل ما جرى، ويبثون حالة من الكراهية للصحافة والصحافيين الذين لولاهم ما أدركنا هول المأساة التي تجري في فلسطين. والمحنة لا تحدث اليوم فقط، بل إنها تاريخ قديم.
غزة جديدة
ماذا سيحدث في غزة ولأهل غزة ومن يحيطون بغزة وأهلها ومن وجدوا أنفسهم مجبرين على معالجة سيناريوهات «اليوم التالي» دون أن يشاورهم أحد في اختيارات اليوم السابق؟ الأسئلة التي ظلت تُطرَح منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أصبحت أمرا مُعاشا. صحيح والكلام لأمينة خيري في “الوطن” أن المعرفة اليقينية لما سيجرى في القطاع وكيفية التصرف مع سكانه المكتظين في مساحة اكتسبت اسم «أكبر سجن في العالم» ليست متاحة، ولن تكون متاحة، على الأقل في المستقبل القريب، إلا أن العالم بأسره يعمل جاهدا على تصور السيناريوهات منذ اندلاع الحرب. المؤكد أن غزة بعد الحرب الحالية لن تكون كغزة قبل الحرب. والمؤكد أن الفاعلين من غير الفلسطينيين في غزة بعد انتهاء إسرائيل مما تنوي عمله سيصبح لهم حضور شبه دائم لتأمين ما يتم الاتفاق عليه. لكن الأسئلة الخاصة بمستقبل القطاع وأهله والأطراف المسيطرة عليه، ومن ثم وضع محيط القطاع من دول جوار وقضايا أمنية وغيرها، أمور تظل معلقة في الهواء. وعلى سيرة الهواء، فإن «على الهواء مباشرة» عبارة يعرفها كل متابع للتلفزيون. ويبدو أن هذه المعرفة أصبحت حكرا على الأكبر سنا. الأحداث تتوالى على مدار الساعة، يلتصق المشاهد بشاشة التلفزيون، تخبره القنوات أن ما يراه ويسمعه هو «على الهواء مباشرة»، حيث مراسل يتحدث من أمام موقع الحدث، وضيف يحلل ما قاله المراسل، ومذيع يسأل المزيد ليحاول استيضاح نقطة أو مسألة، ويعتقد الجميع أن ما يجري من بث أخبار وشرحها هو الترجمة الفعلية الوحيدة لـ«على الهواء مباشرة».
ضبابية الرؤية
واقع الحال، كما انتهت إليه أمينة خيري لا سيما في السنوات القليلة الماضية، وحرب القطاع في القلب منها، يشير إلى أن «على الهواء مباشرة» هو على الأرجح ما يتم بثه عبر منصات السوشيال ميديا المختلفة، سواء من خلال عدسة مواطن تصادف وجوده في موقع التفجير، أو موظف إغاثة كان شاهد عيان على قصف موقع نزوح، أو أفراد احترفوا نقل ما يجري في محيطهم، ولكن من زاوية بعينها ولغرض دون غيره وبشكل يخدم أهدافا غير معلنة، في القلب منها تطويع الرأي العام وتشكيله والتحكم في مساره. الآثار العرضية لهذا النوع من الهواء المباشر هو بالطبع غياب المصداقية وضبابية الرؤية الإعلامية، مع جاذبية فكرة الأسبقية لدرجة تضع المتلقين في خانة المتلقي السلبي الذي يصبح إسفنجة تمتص ما يُعرض عليه، دون شرط المهنية أو المصداقية أو معقولية الخبر. مرة أخرى، المتلقي العادي لم ولن يُخضع المحتوى العنكبوتي الذي يتعرض له من فيديوهات وتدوينات وتغريدات للتدقيق، وفي الأغلب سيتعامل معه باعتباره «على الهواء مباشرة» دون شرط التدقيق. الإعلام في حالة تغير حاد ومستمر، والحاجة إلى الاستعداد والتعامل والقفز قُدما لتوليد الجديد لا انتظار ما سيسفر عنه القديم لم تعد اختيارا، إنها احتياج رئيسي لمواجهة طوفان الأكاذيب والأخبار والفيديوهات المفبركة.
لم تعد في العمر بقية
يعرف خالد حمزة في “المشهد” صحافيون كبارا في المقام والسن.. يعملون باليومية، أي والله، بعد أن أغلقت صحفهم، أو تم فصلهم منها بعد أن انضموا للنقابة. ودفعوا عشرات الآلاف من الجنيهات لنيل شرف حمل كارنيه النقابة، وقبض بدل الصحافيين.. وهم في الواقع قد انضموا إلى طابور طويل للبطالة المقتعة. بعضهم بلغ سن المعاش، فصار مثل خيل الحكومة في انتظار رصاصة الموت، رغم ما يعانيه هو وأسرته من متاعب الحياة اليومية القاسية، وقائمة كاملة من مصروفات أدوية الضغط والسكر المزمنة. بعضهم أي والله يعمل في إعداد الكتب أو كتابتها أحيانا لزملاء آخرين عديمى الموهبة، مقابل مبلغ يومي يتقاضاه، وآخرون يعملون سائقي تاكسي أو متعاقدين مع شركات لنقل الركاب، وبعضهم يعمل “دليفري” أو “كاشير” في مطاعم وسط البلد أو المهندسين أو مدينة نصر، أما أغلبهم فجالسون قانعون مستسلمون في أحد أدوار نقابتهم العريقة، أو مطعمها العامر في الدور الثامن في انتظار نفحة البدل الشهرية المنتظرة من وزارة المالية. بعضهم استكان للوضع.. فصار روتينه اليومي، وبعضهم يحاول ويعافر وهو يعلم أنه لم تعد في العمر بقية. مات أحدهم منذ أيام هو مسن ساعيا للقمة عيشه، فسقط في غيبوبة سكر في الشارع.. مات من فوره. القصة كبيرة ويوم لك ويوم عليك.. وممكن جدا أن تواجه أنت وأنا ممن اختاروا كار الصحافة المصير نفسه. الحكاية في حاجة لوقفة نقابية جادة، وإجراءات فورية لحفظ ماء وجه الصحافي لعله يطفو.. بعد ما غرقت الصحافة من قبله. والحكاية في حاجة لوقفة تعيد للمهنة هيبتها بعيدا عن منتسبيها الوهميين، ممن اخترقوا مهنة المال الحرام منها بوسائل التيك توك والتريند ومطاردة الجنازات والحفلات، بصور جعلت الناس تحتقر المهنة ومنتسبيها، وتعتقد أن الصحافي ياما هنا وياما هناك.. وهو أغلب من الغلب وحاله يصعب على الكافر.
مخدرات وأشياء أخرى
في المؤتمر الدولي لطب المناطق الاستوائية المنعقد في القاهرة 1928، قدم الدكتور عبدا لوهاب محمود بحثا عن المخدرات في مصر، ذكر فيه، حسب عبد الله عبد السلام في “المصري اليوم”، أنه حتى عام 1914 (بداية الحرب العالمية الأولى)، كان تعاطي الحشيش والأفيون منتشرا بين الطبقات المتوسطة والعاملة، بينما وجد المورفين والهيروين والكوكايين الطريق للفقراء. بعد الحرب، انخفض عدد مدمني الكوكايين لارتفاع سعره مقارنة بالهيروين. كشف محمود أن 65% من المدمنين يتعاطون الهيروين مقابل 10% للحشيش و3% كوكايين والباقي يتعاطون أنواعا أخرى. في عشرينيات القرن الماضي، طالبت مصر عصبة الأمم بوضع الحشيش على قائمة أخطر المخدرات. لكن تاريخ مصر مع المخدرات سحيق يعود لآلاف السنين، حيث جرى استخدام الحشيش والأفيون، وأظهرت اختبارات حديثة وجود الكوكايين في بقايا مومياوات فرعونية. في العصور الوسطى، أمر حكام مصر بتدمير حقول القنب وتسويتها بالأرض، واقتلاع أسنان متعاطي الحشيش. في عام 2015، كان معدل التعاطي ضعف المتوسط العالمي، لكنه تراجع واقترب من هذا المتوسط 2020 نتيجة مواجهة حاسمة مع المتعاطين، سواء كانوا (موظفين أو عمالا أو سائقين) في المصالح الحكومية عبر المحافظات، وحملات دعائية ناجحة، قاد إحداها نجمنا محمد صلاح عام 2018 (أنت أقوى من المخدرات). المشكلة أن مصر ليست منعزلة عن المنطقة والعالم. الشرق الأوسط ساحة حرب عظمى للمخدرات تتداخل فيها السياسة والاقتصاد والجريمة المنظمة والميليشيات المسلحة. هناك دول تزرع المخدرات، وأخرى تستهلكها، وثالثة معبر لها إلى دول أخرى في المنطقة والعالم. في عام 2015، أصدر الباحث البريطاني فيليب روبنز كتابا مهما بعنوان: «بازار المخدرات في الشرق الأوسط». أشار فيه إلى أن زمن القات والقنب والحشيش تراجع. نحن الآن في عصر الترامادول والبانجو والكبتاغون والكريستال المعروف في شوارع عربية باسم الأيس. لم يعد الأمر يقتصر على تجار مخدرات، كما في الأفلام القديمة. دخل السوق لاعبون جدد. إنها تجارة رائجة للغاية بعشرات مليارات الدولارات. هناك مليشيات مسلحة تزرع وتصنع المخدرات. 15 سوقا للمخدرات ظهرت في المناطق التي سيطر عليها تنظيم “داعش” في سوريا والعراق. جماعات الجريمة المنظمة والميليشيات منتج رئيسي للكبتاغون، وهو الاسم التجاري لمنشط الأمفيتامين. الهدف أسواق محددة أبرزها دول الخليج التي صادرات عشرات ملايين حبوب الكبتاغون.
نشوة مزيفة
بعض الحكومات كما أخبرنا عبد الله عبد السلام، تغض الطرف إن لم تكن تشارك في هذه التجارة ذات العائد الذي يوازي ميزانيات دول. ومع الأزمات الاقتصادية وفرض عقوبات من جانب أمريكا والاتحاد الأوروبي على دول ومنظمات في المنطقة، كان الحل تسهيل صناعة المخدرات وتهريبها إلى دول أخرى عبر شحنات خضروات أو سلع زراعية. معامل إنتاج الكبتاغون تنتشر عبر الحدود السورية اللبنانية. أضحت المخدرات موجودة على جبهات القتال بين صفوف جماعات التطرف والعنف، لكنها توجد أيضا بين صفوف العمال في مواقع البناء، وأيضا في حفلات الشباب الصاخبة عبر العالم. المخدرات «الجديدة» تجمع الصفوة والقاع. حتى الآن، لم يتفق العالم على وسيلة واحدة للمواجهة. غالبية الدول تطلب الحسم، فالرصاص لا يُجدي معه إلا الرصاص. لكن تلك الحلول الباترة، كما جربتها الفلبين قبل سنوات، عندما جرى اعتقال أي شخص يبدو كأنه متعاطٍ أو مدمن، لم تنجح. المقياس، كما يقول الخبراء، تقليل عدد المتعاطين في الشوارع إلى الحد الأدنى. دول أخرى قليلة تدعو للتطبيع مع تعاطي المخدرات، كما فعلت البرتغال، إلا أن النتيجة كانت ارتفاع معدلات الإدمان. ليست هناك أيضا طريقة مثلى للتعامل مع الدول المتورطة في تجارة وتصنيع المخدرات. الغرب يفرض عقوبات صارمة وعزلة سياسية. دول أخرى تدعو لتشجيع الحكومات على وقف دعمها وتورطها في إنتاج المخدرات، من خلال تعويضها ماديّا عن المقابل الذي تحصل عليه. عبر الزمن رافقت المخدرات البشر. المصريون القدماء استخدموها لأسباب طبية، شعوب أخرى للنشوة والمتعة وادعاء الحصول على التركيز وتحمل المشاق.. الأمر هكذا حتى الآن. لم تكن الحكومات بعيدة عن ذلك، لكن بعضها الآن يعتبر المخدرات أصلا اقتصاديا يُدر المليارات. صحة الناس أولوية متأخرة.
لأجل كلمة
الحياة الخاصة حرمة فلا تنتهكوها ولا تروعوا إنسانا مهما كان وارحموا الضعيف منكم، لذا تتساءل نجوى عبد العزيز في “الوفد”: كيف بالمجني عليها نيرة، قررت الانتحار طبقا لمرافعة النيابة أمام المحكمة.. لقد قاد المتهم الثاني طه الذي استقوت به المتهمة الأولى ثورة التخلص المعنوي منها، فهددها كتابة في ملاءة مجموعة الدفعة، عبر واتساب، ليحدث تهديده أشد الآثار فتكا بها، فبث الرعب في نفسها وغدا مبتهجا مسرورا ببكائها من سطوته، نزعت منه النخوة فهذه الرسائل وتلك الكلمات كانت ضمن مرافعة النيابة العامة في قضية طالبة جامعة العريش، التي ترافعت فيها أمام محكمة الجنايات أثناء محاكمة المتهمين في قضية التسبب في إنهاء حياة نيرة صلاح طالبة العريش، حيث طالب ممثل النيابة العامة، بتوقيع أقصى العقوبة على المتهمين وهي العقوبة المقررة في القانون على المتهمين الماثلين أمام هيئة المحكمة جزاء وفاقا، لما اقترفاه في حق المجني عليها بالتسبب في وفاتها، وقال ممثل النيابة: تذكروا ما فعله المتهمون بالمجني عليها، وتذكروا شبابها الذي قُتل بسبب فعلتهم، وتساءلوا بأي ثمن قتلت فنحن نذكر بأنكم لا تلتفتون لأولئك الذين يقولون، إن فعلة المتهمين هي كلمة أتعلمون ما معنى الكلمة، مفتاح الجنة في كلمة، دخول النارعلى كلمة، انتحرت نيرة إثر كلمة، وحكمكم العادل هو كلمة، الكلمة نور وبعض الكلمات قبور. هكذا قالت النيابة في مرافعاتها في قضية نيرة، ووجه ممثل النيابة العامة رسالة إلى الشباب، بأن الحياة الخاصة حرمة فلا تنتهكوها ولا تروعوا إنسانا مهما كان، وأرحموا الضعيف منكم. وأكدت النيابة في مرافعاتها أن هذه القضية تموج بالفتن وخيانة الأمانة وانتهاك الأعراض والحرمات، قضية اللعب بالأعراض، وما أدراك ما اللعب بها، فاللعب بالأعراض لعب بالنار. تلك القضية هي جريمة التهديد الكتابي بإفشاء أمور مخدشة للحياء والشرف، المصحوب بطلب المرتبط بجرائم انتهاك حرمة الحياة الخاصة مستشهدا بقول الله تعالى «والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا»، وعن النبي صلى الله عليه وسلم (من نظر في كتاب أخيه بغير إذنه، فكأنما ينظر في النار).
«القدس العربي»: