تحقيقات وتقارير

البروفيسور العراقي سنان أنطون: لا مكان للصامت على حرب الإبادة في غزة سواء كان سياسياً أم أكاديمياً

البروفيسور العراقي سنان أنطون: لا مكان للصامت على حرب الإبادة في غزة سواء كان سياسياً أم أكاديمياً

حاوره: عبد الحميد صيام

الدكتور سنان أنطون أستاذ الأدب المقارن في جامعة نيويورك، من مواليد بغداد، انتقل إلى الولايات المتحدة عام 1991 ليكمل دراساته العليا حيث حصل على الماجستير من جامعة جورجتاون، في العاصمة واشنطن، والدكتوراه من جامعة هارفارد في كامبريدج بولاية ماستوستس. متخصص في الأدب المقارن والترجمة وقد حصل على جائزة أفضل ترجمة لرواية محمود درويش «في حضرة الغياب». سنان أديب وكاتب وروائي، نشرت له خمس روايات ترجم الكثير منها إلى لغات عديدة. تفاعل مع الحراك الطلابي الحالي منذ البداية في جامعة نيويورك حيث خرج يدافع عن الطلاب مساء 23 نيسان/أبريل في حرم الجامعة فقامت شرطة نيويورك باعتقاله، وخرج بعد أن وجهت له تهمة عرقلة عمل الشرطة ولا بد من المثول أمام المحكمة في وقت لاحق.
أشاد الدكتور سنان أنطون بالحراك الطلابي العارم في الجامعات الأمريكية وخاصة في جامعات نيويورك حيث بدأ في جامعة كولمبيا وبسرعة انتقل إلى جامعة نيويورك ثم جامعة مدينة نيويورك وغيرها. وأكد في حواره مع «القدس العربي» أن الانتصار للقضية الفلسطينية ناتج أساسا عن الوعي الشامل بين الطلاب بتفاصيل ما يجري في حرب الإبادة في غزة، وبسبب وجود عدد مهم من الطلاب الفلسطينيين والعرب والمسلمين وأنصار الحرية والعدل والسلام في الجامعات الأمريكية. وقال إن المهمة العاجلة الآن هي التضامن مع قضايا الحق والعدل للمجموعات الأخرى لضمان استمرار هذا الحراك إلى ما بعد إجازات الصيف. وهنا نص الحوار:
○ تأخرت تحركات الطلاب كثيرا. لقد بدأ الحراك في الشارع الأمريكي خاصة في المدن الكبرى مثل نيويورك وواشنطن وشيكاغو وسان فرنسيسكو وغيرها. وكان هناك زخم في الشارع ومشاركة مجتمعية بمن فيهم اليهود خاصة «أصوات يهودية للسلام» كيف يمكن أن نفسر ظاهرة تأخر تحرك الجامعات حتى نهايات الفصول الدراسية تقريبا؟
• هذا سؤال ممتاز ولا أعتقد أن عندي جوابا شافيا. لكن العنف والرقابة والتشديد الذي بدأ منذ البداية ربما أخاف بعض الطلاب. ففي جامعتنا (جامعة نيويورك) تم فصل عدد من الأساتذة منذ البداية كما تم توجيه تنبيهات لبعض الطلاب. نعم لقد تأخر الحراك ربما أيضا لأن الحراكات الطلابية بحاجة إلى تنظيم صفوفها والتنسيق مع حراكات مماثلة. لكن لا بد من شرارة ما لإطلاق أي حراك، فغباء الإدارات في قمع المخيمات واستدعاء الشرطة أدى إلى تفاقم الوضع وولّد كل هذا الغضب، وفعل كل هذا التضامن. جو الترهيب والتلويح بمسألة معاداة السامية أعتقد أنها أمور تؤثر على بعض الطلاب، ففصل طالب بسبب هذه التهم قد يؤثر على مجرى حياته ومستقبله. فالأمر بالنسبة للطالب ليس سهلا لأن هناك ما قد يخسره.
○ جزء من هذا الحراك استند إلى موضوع الاعتداء على حرية التعبير تزامنا مع التضامن مع غزة، ألا ترى أن الهجوم على حرية التعبير هو ما وسع حركة الاحتجاجات؟
• أكيد، فكثير من الطلاب لا حظوا حجم النفاق والهوة الشاسعة بين النظرية والتطبيق. الجامعات تفتخر بتلك المساحة الواسعة للتفكير والشك وتبادل الأفكار وفجأة وجدوا أن هناك مناطق ممنوعة ومفردات ممنوعة وهناك استثناء للوضع الفلسطيني. في جامعتنا المساحة ضيقة، فنحن موجودون داخل المدينة ليس مثل كولمبيا حيث يوجد حرم جامعي كبير، لا يوجد عندنا غير مكان واحد عبارة عن مدرج يستخدم للتعبير عن الآراء الحرة، تم إغلاقه. وفي كل مكان أو مدرج أو مركز طلابي يمكن استخدامه من قبل المحتجين تم إغلاقه ومنع الطلاب من استخدامه للقاءات والمحاضرات وعرض الأفلام. اكتشف الطلاب أن هناك خطا أحمر يتعلق بفلسطين فانكشف بشكل فاضح انحياز المؤسسة لإسرائيل والخطاب الصهيوني. وأكثر ما أزعج الطلاب أن هناك لدى الجامعات حركات تضامن مع إسرائيل وأوكرانيا ولكن ليس مع فلسطين. لكن كان لدى الطلاب وعي بقضية فلسطين في السنوات الأخيرة ومنذ انطلاق حركة «حياة السود مهمة» وما بعدها ولكن حرب غزة هي التي أيقظت الضمائر بشكل كبير.
○ ألا ترى أن وجود حجم مؤثر من الطلبة العرب والفلسطينيين خاصة أصبح فاعلا. لقد كانوا في المقدمة، وهذا ما رأيته في جامعتي «رتغرز». كيف تقيم هذه الفاعلية للطلبة العرب والفلسطينيين والمسلمين؟
• نعم. تغير الطيف الديموغرافي لطلبة الجامعات الأمريكية في العقود الأخيرة. هناك حجم جيد للطلاب العرب والمسلمين والفلسطينيين، وجودهم يعطي زخما وحماسة ووعيا للحراك الطلابي. كثير من الطلبة الفلسطينيين مرتبطون بالوطن ومنهم من غزة. فهؤلاء الطلاب ليسوا مجرد مراقبين ومتضامنين نظريا مع ما يجري في غزة، بل إن بعضهم فقد العشرات من عائلاتهم. وعندنا طالبة فقدت 17 فردا من عائلتها. كما أن هناك عددا مهما من الطلبة اليهود. هذا الحراك يمثل الطيف المجتمعي الجديد في الولايات المتحدة. العرب والمسلمون والفلسطينيون يقودون الحراك ويضخون معرفة ووعياً لدى الطلبة الآخرين، هؤلاء طلاب واعون. داخل مخيمات الطلبة في الجامعة، هناك محاضرات وقراءات شعرية وأفلام ونقاشات وصلاة مشتركة. لقد تحولت هذه المخيمات إلى مدارس تثقيف.
○ ما رأيك بالمشاركة اليهودية؟ ألا ترى أن النمطية التي تقول كل يهودي صهيوني قد تهاوت واندثرت؟
• نعم صحيح، لقد بدأ التحول في العشرين أو الثلاثين سنة الماضية. بدأت فئات واسعة من اليهود تنشط في مجال التضامن مع فلسطين ورفض السردية الصهيونية، وهذا ما يخيف المؤسسة الصهيونية الرسمية وإسرائيل. حيث لا يمكن اعتبار كل اليهود في أمريكا سندا لإسرائيل تعتمد عليهم في نشر روايتها، على العكس الآن. إن أكثر من يفند الرواية الصهيونية هم اليهود، ومنهم من المتحدرين ومن الناجين من المحرقة اليهودية. هذا يفتت الأساطير الصهيونية ويدحضها ويخلخل كل القناعات الموجودة والمنتشرة منذ زمن. نحن سعداء بوجود الطلبة اليهود ضمن هذا الحراك، ومنهم من انضم للحراك الذي أنشأناه في جامعة نيويورك «أساتذة من أجل العدالة في فلسطين». ومع الأسف أن رئيسة الجامعة في رسالتها شوهت ما يجري في الجامعة واتهمت المخيم الطلابي بأنه مكان للغناء وكراهية اليهود. أحد زملائنا اليهود أحضر أطفاله إلى المخيم مؤكدا أنه يشعر بالأمان. وعلينا أن نذكر دائما أن الداعمين أصلاً لإسرائيل هم من المعادين تاريخيا للسامية سواء من اليمين الأمريكي أو اليمين الأوروبي، هذه مفارقة كبيرة.
○ ألا ترى أن الطريقة التي تعاملت بها السلطات واستخدام العنف هي التي أججت هذه الاحتجاجات بهذه السرعة؟
• لقد اكتشفنا في هذا الحرااك أن رئاسة الجامعة ومجلس الأمناء هم بغالبيتهم الساحقة من أنصار إسرائيل والرواية الصهيونية. كان عندنا بعض المفاوضات بين إدارة الجامعة والطلاب للتوصل إلى اتفاقيات، وكان النقاش في قاعة معينة وقرب تلك القاعة قاعة أخرى فيها عشرة من نواب رئاسة الجامعة من المتبرعين الكبار. ومواقف الجامعة تأتي من صياغة عدد من المحامين المعينين من قبل مجلس الأمناء. فالجامعة لا تأبه للطلاب وسلامتهم، هؤلاء مرتبطون عبر صناديق استثمار كبيرة بالمؤسسات المالية والشركات الكبرى الموجودة في إسرائيل.
○ يبدو أنهم يعملون منذ زمن بعيد للسيطرة على رؤساء الجامعات، ونحن لم نكن نعي هذه الحقائق. لقد سيطروا على رأس الهرم في الجامعات والإعلام وغير ذلك من صناع الرأي العام، لم يهتموا بقاعدة الهرم. الآن القاعدة تهتز والشقوق ذاهبة من أسفل إلى أعلى وستصل يوما رأس الهرم. ألا ترى أن التغيير لا بد قادم؟
• هذا أمر أكيد. من حسن حظهم أن الفصول الدراسية ستنتهي خلال الأسبوعين المقبلين. لكن كل المطالب ستظل قائمة إلى فصل الخريف، ناهيك عن مطلب وقف إطلاق النار الآن الذي نأمل ألا يبقى معلقا للفصل المقبل. هذه الحركة أعتقد أنها ستستمر لأن مطالبها مهمة وتعني الطلبة بشكل دائم. الإدارة الأمريكية تخشى أن يتحول الحراك الطلابي إلى حركات مجتمعية تخرج من إطار الجامعات إلى المجتمع ككل، لأن لها علاقة أيضا بالمشاكل الاقتصادية. سؤال يثيره الطلاب: لماذا تذهب مليارات الدولارات لإسرائيل بينما البنى التحتية في هذا البلد تنهار أو على وشك الانهيار؟ فمثلا لا يوجد تأمين صحي للملايين. وعندما يتخرج هؤلاء الطلبة لا أمل لديهم بتحقيق أحلامهم لارتباط ما يجري بالوضع الاقتصادي المتدهور. المستقبل مجهول والبنى التحتية في وضع مزرٍ والجسور تنهار والمطارات أقرب إلى مطارات الدول النامية.
○ ألا ترى أن اجتياح رفح قد يزيد الحراك الطلابي حدة وقد ينتشر ليس فقط في الجامعات الأمريكية بل في جامعات عالمية كما نشاهد هذه الأيام؟
• هذه المنظومة التي نشاهدها في الدول الغربية لم تستطع لحد الآن أن توقف حرب إبادة جماعية زادت الآن عن السبعة أشهر، نشاهدها بشكل حي كل يوم. كل ما قيل عن عدم تكرار الإبادة أصبح بلا معنى. معنى هذا أن هذه المنظومة الرسمية فاسدة يجب أن تتغير، أكيد ستستمر. هؤلاء الطلاب يعرفون أن الضرائب التي يدفعها أهاليهم تتحول إلى أسلحة تفتك بعشرات الآلاف من النساء والأطفال. من ناحية إنسانية وموقف حد أدنى الغالبية لا يريدون أن يعطوا أموالهم لشراء سلاح يقدم للقاتل للإمعان في القتل.
○ هذا الحراك في الجامعات وفي الشارع الأمريكي وضع علينا، نحن العاملين في هذه البلاد والملتصقين بأبناء الجاليات العربية والفلسطينية، مسؤولية كبرى. كيف يمكن أن نستفيد من هذا الحراك؟ إلى أين نحن ذاهبون من هنا؟
• ما ساعد في نجاح هذه الحراكات، هو التضامن بين الفئات المتعددة ذات القضايا العادلة والمشتركة. عندنا 15 حركة مختلفة في الجامعة يضمها الآن تحالف واحد. يجب أن نبتعد عن التقوقع في الجالية العربية فقط. النظام الأمريكي يسعى إلى تجزئة الناس إلى فئات مختلفة ومتنافرة كي يبقى النظام كما هو. الحزب الديمقراطي دائما يخيفنا بأن المرشح الجمهوري الآخر أكثر بشاعة. وهذا أمر مرتبط بالوضع في هذا البلد. هناك أكثر من 300 مليون في هذه البلاد ولا يوجد إلا حزبان، ولن يتغير شيء بدون حزب ثالث أو حركة جديدة تخترق هذه الثنائية. لكن المهم أن هناك حركة تضامن كبرى تتعاطف مع قضيتنا من كثير من الأطياف الأمريكية ويجب أن نستغلها عن طريق التواصل والتشبيك مع هذه الحركات. هذا هدف عظيم، فالمطلوب الآن إنقاذ العالم وبناء عالم جديد. هل نريد أن نبقى في عالم يصمت على إبادة شعب تمتد لسبعة أشهر أو أكثر أم أن نعيش في عالم نحافظ فيه على قيمنا؟ وهذا يتطلب وجود رواد لا يشعرون باليأس وعندهم استعداد للاستمرار والتضحية. يجب ربط ما يجري داخل الجامعة مع من هم خارج الجامعة وهذا ما يخوفهم كثيرا علما أنهم يدعون دائما أن «الجامعة جزء من الحيّ والمجتمع».
○ في رأيك هل سيؤثر هذا الحراك على الانتخابات المقبلة؟
• أنا أعتقد أن معالم خسارة بايدن قد بدأت قبل ثلاثة أشهر. لكن موقف بايدن في دعم قمع الطلاب جعله يخسر آخر ورقة في يده، لأن معظم هؤلاء الشباب لن يصوتوا لبايدن. الحزب الديمقراطي سيلومنا، نحن العرب والمسلمين إذا فاز ترامب بالانتخابات. وأنا أقول إذا بايدن لا يستطيع أن يفوز على مرشح فاشي غبي، فاسد، وشعبوي مثل ترامب، فلا يحق له أن يلوم أحدا. لكن أقول إن بايدن أثبت في الشهور الأخيرة أنه أسوأ رئيس في العصر الحديث. وهذا يعيدنا إلى مسألة النظام الأمريكي القائم على حزبين فقط، حيث أحيانا يكون الخيار بين السيئ والأسوأ. غزة كشفت كل الأقنعة، هناك إبادة ولا مكان للصامت سواء كان سياسيا أم أكاديميا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب