فلسطين

مدينة خان يونس الفلسطينية تاريخ ضارب في القدم دمرت إسرائيل كامل معالمها الأثرية

مدينة خان يونس الفلسطينية تاريخ ضارب في القدم دمرت إسرائيل كامل معالمها الأثرية

إسماعيل عبدالهادي

لم تسلم المواقع الأثرية في مختلف مناطق قطاع غزة من آلة الحرب والقتل الإسرائيلية، بل تعرضت جميع المواقع والمعالم الأثرية للتدمير الكلي، تبعا لسياسة التدمير الممنهجة التي أقدم الاحتلال خلال حرب الإبادة المستمرة على انتهاجها، حيث دمر الاحتلال أبرز المعالم وأكثرها أهمية وعراقة في القطاع، بهدف تدمير التاريخ الفلسطيني المتجذر في المكان والذاكرة، في محاولة فاشلة لطمس الوجود الثقافي والتراث الفلسطيني، وتعود تواريخ بعض المواقع الأثرية التي دمرها الاحتلال إلى العصور الرومانية والكنعانية ومر عليها ما يقارب من 1400 عام.
ويتعمد الاحتلال الإسرائيلي خلال حربه المتواصلة على قطاع غزة استهداف المواقع الأثرية في كافة مناطق القطاع، فقد دمر أكثر من 200 موقع أثري منذ بداية حربه على القطاع في تشرين الأول/اكتوبر الماضي، عدا عن سرقة عناصر الجيش العديد من القطع الأثرية خلال عملية الاجتياح البري بعد اقتحام البيوت القديمة والكنائس والقلاع، قبل أن يقدم على قصف وهدم هذه المواقع بشكل كامل لإخفاء جرائمه في محاولة لطمس هوية الفلسطيني التاريخية، وهو ما شكل خسارة كبيرة للموروث الثقافي الفلسطيني.

مركز تاريخي مهم

ويعتبر قطاع غزة بشكل عام مركزاً مهماً للثقافة والتجارة على مدى قرون طويلة منذ الحقبة الكنعانية والرومانية والبيزنطية، وبالعديد من الحضارات القديمة التي تركت آثاراً تدل على عمق وعراقة المكان تاريخياً، لكن الحرب الإسرائيلية دمرت العديد من هذه المواقع التاريخية والثقافية المدنية، حيث كشفت بعد الانسحاب من العديد من المدن عن حجم الدمار الهائل الذي أصاب المواقع الأثرية والثقافية التاريخية، وتم توثيق ذلك بالصور لفضح جرائم الاحتلال، ولا تزال إسرائيل ضمن حربها على القطاع تبحث عن ما تبقى من الآثار لتكمل مسلسل تدمير المواقع والرموز التاريخية في غزة، ويقوم جيشها بسرقة العديد من القطع الأثرية من داخل المتاحف وسط المدينة وتحطيم ما تبقى منها.

متاحف ومساجد ومقابر تاريخية

مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، تعتبر ثاني أكبر مدن غزة من حيث المساحة الجغرافية والأماكن الأثرية العريقة، حيث كانت مشاهد الدمار فيها واضحة من جراء عمليات القصف والتجريف الواسعة من قبل الجيش، وتعرضت متاحف ومساجد قديمة ومقابر تاريخية لدمار شبه كامل في مختلف مناطق المدينة، بالإضافة إلى الحاق الضرر بعدد من الأديرة المتواجدة في مختلف مناطق المدينة إلى جانب تدمير الطائرات لأسواق وبيوت قديمة، والهدف من وراء هذا التدمير طمس تاريخ المدينة العريق.
وأدانت وزارة السياحة والآثار في حكومة غزة تدمير الجيش الإسرائيلي مواقع أثرية وتاريخية بعد قصفها المتعمد، وجاء التنديد بعد الدمار الكبير الذي لحق بأقدم المساجد والحمامات التاريخية، كما دعت الوزارة منظمة «اليونسكو» للثقافة والعلوم والتراث، للعمل على الحفاظ على ما تبقى من كنوز تاريخية في قطاع غزة، وبدورها أعربت المنظمة عن قلقها الكبير إزاء التأثير السلبي للقتال على التراث الثقافي في قطاع غزة، في حين لم تستطع المنظمة بسبب القتال الدائر مسح مدى الضرر الذي لحق بالمزيد من المواقع التراثية والثقافية، مؤكدةً على أن سكان غزة لديهم الحق في الحفاظ على التراث، ودعت إسرائيل إلى ضرورة الالتزام بالقانون الدولي، وعدم استهداف الممتلكات الثقافية أو استخدامها لأغراض عسكرية.

قلعة برقوق

من أبرز المواقع الأثرية القديمة التي ركز الاحتلال الإسرائيلي على تدميرها في المدينة خلال عمليات الاجتياح البري، قلعة برقوق الواقعة في قلب مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، وتعتبر حصنا يعود تاريخه إلى القرن الرابع عشر قبل الميلاد، وقد تم تشييدها في عهد السلطان المملوكي برقوق، واستخدم هذا الحصن من قبل التجار المتنقلين بين مصر ودمشق، ولكن مع التوغل الإسرائيلي البري في مدينة خان يونس تم تدمير القلعة التي تعتبر من أبرز الرموز التاريخية العريقة للمدينة. ومن أبرز المعالم والرموز التاريخية والثقافية الأخرى التي تعرضت للتدمير الجزئي والكلي من جراء الحرب الإسرائيلية على غزة، متحف خان يونس الذي تعرض لدمار كبير من جراء قصف الطائرات منازل سكنية مجاورة له، وأنشأ المتحف بجهود ذاتية، ويضم قطعا أثرية تعود لعصور ما قبل العصر الحديث ومنها قطع تعود للحقبة الرومانية واليونانية والبيزنطية والأيوبية والعثمانية، إضافة إلى نقود أثرية تعود للحقب المذكورة، كما تحطمت داخل المتحف العديد من القطع الفخارية الأثرية، يضاف إلى ذلك تدمير الاحتلال مقبرة رومانية تم اكتشافها حديثاً في المناطق الغربية للمدينة، حيث غير الاحتلال معالم المنطقة الأثرية بعد تجريف المقابر وتحويلها إلى جبال رملية، ومن بين ما تم تدميره مكتبة بلدية خان يونس، الواقعة في قلب المدينة، وهي كانت تعتبر مقصداً للباحثين الذين يفتشون عن تاريخ المدينة القديم، وذلك لاحتوائها على خرائط ووثائق توثق تاريخ المدينة، فقد تعرضت المكتبة لقصف من قبل الطائرات الحربية الإسرائيلية أدى إلى حرقها وهدمها بشكل كامل.
ووفقاً لمنظمة إنقاذ الطفولة الدولية فإن خان يونس تعتبر ثاني أكبر مدينة في قطاع غزة وتحتوي على العديد من المواقع الأثرية ذات الأهمية الكبيرة والآن أصبحت مدينة أشباح بعد أن تعمد الاحتلال تدميرها بهدف كي وعي أهلها الخاص بتاريخها المتجذر، فلم تسلم المدينة بجميع أحيائها من الدمار الهائل الذي قضى على مظاهر الحياة فيها.
ومن أخطر عمليات التدمير التي يتعمد الاحتلال الإسرائيلي ارتكابها خلال الحرب الدائرة، هي قتل الأكاديميين والمؤرخين من خلال تصفيتهم بشكل متعمد، للقضاء على كل من يمثل ركيزة للتاريخ والموروث الثقافي لفلسطين، وهذا الإجرام الإسرائيلي يعتبر خطوة متعمدة وخطيرة للقضاء على تاريخ فلسطين القديم، ومحاولة لكي وعي الأجيال المقبلة وتشبثهم بتاريخ فلسطين القديم، بالموازاة مع محاولات الاحتلال بث أكاذيب حول أقدمية الدولة العبرية في فلسطين، لكن رغم كل هذه المحاولات ورغم عمليات الهدم والإخفاء القسري لهذه المعالم، يبقى تاريخ فلسطين متجذرا في عقول الفلسطينيين وينقل من جيل إلى آخر، بهدف ترسيخ الهوية التاريخية لفلسطين.

تدمير ممنهج

ووفق وزارة السياحة والآثار في غزة، فإن التدمير الممنهج للآثار ليس حديثاً، فهو مستمر على مدار الزمن سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة، وما عجز الاحتلال عن سرقته خلال السنوات الماضية تمكن من سرقته وتدميره خلال الحرب الجارية حتى الآن على قطاع غزة. وقالت الوزارة في تصريحات صحافية، إن وزير الحرب الأسبق موشيه ديان نفذ في سبعينات القرن الماضي حملة سرقة ممنهجة لآثار قطاع غزة، حيث كان ينقلها جواً إلى دولة الاحتلال وتوجد هذه الآثار في متاحف يهودية، وبينت الوزارة أن الاعتداء على الآثار وتدميرها هو انتهاك صارخ لاتفاقية لاهاي لعام 1945 والمتعلقة بحماية الممتلكات الثقافية في حالة الحرب، وهو أول اتفاق دولي شامل لحماية الممتلكات الثقافية في النزاعات المسلحة، وهذا ما تتجاهله إسرائيل التي تمارس طوال سنوات احتلالها لفلسطين عمليات سرقة للآثار من المتاحف والمكتبات وغيرها من المواقع الأثرية.
وفي تعقيب له على حجم الدمار والتغول الإسرائيلي بحق المعالم والكنوز التاريخية في قطاع غزة، يقول الخبير في علم الآثار عبد القادر حماد، إن الاحتلال الإسرائيلي تعمد خلال الحرب المستمرة على قطاع غزة تدمير الموروث الثقافي، من خلال سرقة الآثار وهدم المواقع الأثرية وتجريفها لطمس معالمها، إلى جانب قتل عدد من كبار المؤرخين وغيرهم من المختصين بعلم الآثار والتنقيب.
وقال حماد لـ«القدس العربي» إن مدينة خان يونس تضم العديد من المواقع التاريخية الهامة، والتي كانت على مدار السنوات الماضية مقصداً للزوار الذين يأتون للتعرف على الحقب التاريخية التي مرت على فلسطين على مدار العصور الماضية، لكن الاحتلال تعمد قبل الاجتياح البري قصف عدد من تلك المواقع، وما تبقى تم هدمه وتجريفه خلال عملية الاجتياح البري.
ولفت إلى أن المدينة باتت خالية من الآثار والمعالم التاريخية، لاسيما قلعة برقوق التي تعتبر من أحد الرموز التراثية العريقة المشهورة والتي تتوسط المدينة، حيث تبين بعد الانسحاب الإسرائيلي أن المدينة قد محيت آثارها ولم يتبق أي من جدرانها ومداخلها، حتى أن مكتبة البلدية وبعض المعالم الأثرية القريبة من القلعة أيضاً، قد محيت بشكل كامل ولم يعد هناك أي من تلك المظاهر التاريخية في المدينة، حيث دمرت بشكل كامل على مدار أربعة أشهر من التوغل البري.
وطالب المختص في علم الآثار كافة المؤسسات الدولية وبالتحديد منظمة «اليونسكو» للعلوم والتراث، العمل على رفع دعاوي في المحاكم الدولية ضد الاحتلال الإسرائيلي، الذي تعمد تجاوز كافة القوانين والأعراف الدولية بهدم المواقع الأثرية كافة ومحو آثارها، بهدف طمس الهوية الفلسطينية، والعمل على استرجاع كل ما تمت سرقته من قطع أثرية.

الموروث الثقافي

يقول المختص في علم الآثار والتنقيب فضل العطل إن الاحتلال يستغل الحرب في تدمير الموروث الثقافي داخل قطاع غزة، خاصة وأن القطاع يضم كنزا كبيرا وثمينا من المواقع التاريخية الممتدة لمئات السنوات، ويحاول من خلال ما يفعله طمس تاريخ غزة القديم، وهذا ما بات واضحاً من القصف المتواصل والمتعمد للمراكز والمكتبات والمواقع التاريخية المنتشرة في مختلف مناطق القطاع.
وأشار لـ«القدس العربي» إلى أن إسرائيل حاولت بكافة الطرق سرقة تاريخ غزة والعمل على طمسه سابقاً، لكن لم تجد مساعيها نفعاً على مدار السنوات الماضية، فاتجهت إلى سياسة كي الوعي الثقافي للشعب وقطع صلة السكان في غزة عن تلك المواقع، من خلال تدميرها وحرق مقتنياتها العريقة، كي لا تكون شاهدةً على تاريخ غزة وفلسطين بشكل عام.
ولفت إلى أن الشعب الفلسطيني ما زال يحتفظ بتاريخه رغم كل محاولات السرقة والطمس التي يقوم بها الاحتلال الإسرائيلي، فرغم الدمار الذي تعرضت له العديد من المواقع التاريخية، إلا أن التاريخ سيبقى حاضراً، وسيحتفظ الكبار بتاريخ غزة وينقلونه إلى الأجيال القادمة كي يبقى راسخاً في عقولهم.
ويخشى من استمرار أمد الحرب، واستغلال إسرائيل ذلك في تدمير وسرقة ما تبقى من معالم تاريخية أخرى، في ظل اشتداد ضراوة القتال في مختلف مناطق قطاع غزة، واستمرار المدفعية إطلاق القذائف العشوائية بشكل مكثف على مناطق واسعة من القطاع، وهذا ما حدث من تساقط وابل من القذائف على البلدة القديمة في مدينة غزة، والتي تضم العشرات من المعالم الأثرية والتاريخية وتدمير عدد كبير منها.
يذكر أن الاحتلال الإسرائيلي يواصل حربه المستعرة على قطاع غزة للشهر الثامن على التوالي، حيث يهدف إلى إبادة السكان المدنيين، بالإضافة إلى إبادة الشجر والحجر وتغيير ملامح مدن القطاع، في خطوة خبيثة لطمس الوجود الفلسطيني في قطاع غزة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب