صحيفة عبرية.. للإسرائيليين: “قنبلة لاهاي” ستأتي بالويل على دولتكم.. ورفح البداية

صحيفة عبرية.. للإسرائيليين: “قنبلة لاهاي” ستأتي بالويل على دولتكم.. ورفح البداية
إن طلب المدعي العام في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي إصدار أوامر اعتقال ضد رئيس الحكومة الإسرائيلية ووزير الدفاع فيها، وثلاثة من قادة حماس، يضع إسرائيل في وضع سياسي لم تواجه مثله من قبل. على المدى القريب، ستقف القيادة في إسرائيل للمرة الأولى أمام تهديد عالمي كبير في ظل قرار مواصلة الحرب في قطاع غزة. وعلى المدى البعيد، إذا تم تطبيق هذه الأوامر فسنجد أنفسنا في تدهور دبلوماسي ساحق، قد تكون له آثار بعيدة المدى على العلاقات الاقتصادية والأكاديمية والتجارية ومجالات أخرى لإسرائيل مع العالم. هذه خطوات غير مسبوقة تجاه دولة ديمقراطية هي اليوم في حالة حرب، وستضع نتنياهو وغالانت أمام خطر تسليم إذا زارا دولاً أعضاء في هذه المحكمة.
شعرت إسرائيل باستياء من قرار ربط نتنياهو وغالانت بالسنوار والضيف وهنية، الذين هم قادة المنظمة الإرهابية التي نفذ أعضاؤها مذبحة جماعية ضد مواطني إسرائيل. ولكن يثور شك بأن تسلسل الأمور لدى المدعي كريم خان كان معاكساً؛ فهو طلب تقديم القيادة الإسرائيلية للمحاكمة على جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وتم ضم رؤساء حماس إلى الدعوى لخلق وضع عبثي من التوازن غير المنحاز في العملية.
خلافاً للتنبؤات المسبقة، تبدو خطوة المدعي العام موجهة ضد المستوى السياسي فقط. في هذه المرحلة، لم يتم ضم جهات رفيعة من الجيش الإسرائيلي. وتتركز الادعاءات، كما صيغت الآن، في خطوات وُجهت ضد سكان القطاع، كأداة في الحرب. وهذا قد يشير إلى أن خان يعرف أن الادعاء بأن الجيش الإسرائيلي يقتل الكثير من المدنيين بشكل متعمد ومنهجي، هو ادعاء لن يصمد. مؤخراً، تبين أن مؤسسات دولية بدأت تشكك في البيانات التي قدمتها حماس والتي حاولت فيها الإشارة إلى نسبة متدنية من المسلحين بين القتلى مقارنة مع المدنيين.
خطوة المدعي العام قد تؤثر أيضاً على ما يحدث في محكمة العدل الدولية في لاهاي، التي تناقش قراراً سيطالب بوقف الحرب. إن رفض نتنياهو لذلك قد يضع إسرائيل على مسار فرض عقوبات دولية عليها إذا بدأ النقاش في مجلس الأمن حول هذا الشأن. إسرائيل ليست روسيا أو إيران، بل مجتمع ديمقراطي يعتمد كلياً على علاقاته مع الغرب. ربما لا يقلق ذلك رؤساء أحزاب اليمين المتطرف في الحكومة، لكن يتطور هنا خطر محتمل قد يؤثر سلباً في حياة كثير من المواطنين الإسرائيليين. يمكن الافتراض أن السنوار والضيف لا يقلقهما عدم تمكنهما من الخروج لزيارة الدول الأوروبية.
مثل أحداث كثيرة أخرى في الحرب، يبدو أنه تطور نبع في جزء منه، ليس فقط من معايير مزدوجة للمجتمع الدولي تجاه إسرائيل، بل من تصرفات غبية لشخصيات إسرائيلية. الادعاء حول التجويع يسمع بالذات عندما تسمح إسرائيل بزيادة إدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع، في الوقت الذي تحسن فيه الوضع في مناطق كثيرة. ولكن الحكومة اتخذت في بداية الحرب خطوات تستهدف التصعيب على السكان الفلسطينيين وقطع أي قناة تزودهم من إسرائيل إلى القطاع. هكذا نشأت الأزمة الحالية التي أضيف إليها تصريحات متطرفة وهذيان وزراء وأعضاء كنيست في الائتلاف.
هاجم نتنياهو أمس خطوة كريم خان، وحصل على تأييد واسع من المستوى السياسي، من الرئيس فما دون. وتبذل الآن جهود متأخرة لتجنيد الإدارة الأمريكية لتهديد “لاهاي”. هذه هي الإدارة نفسها والرئيس نفسه، الذين يتطاول وزراء وأعضاء كنيست عليهم بشكل ثابت. أمير تيفون ويونتان ليس، نشرا أمس بأن الولايات المتحدة ستفحص قريباً عرضاً لصيغة كاملة للاتفاق بين أمريكا والسعودية الآخذ في التبلور على نتنياهو، الذي فيه جزء يشمل التطبيع بين الرياض والقدس أيضاً. على نتنياهو التقرير إذا كان سيتبنى ذلك، بما في ذلك إعلان مبدئي يتطرق إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقبلية. في هذه الأثناء، يبدو أن رئيس الحكومة سيرد سلباً رغم الاعتماد على الولايات المتحدة في الساحة الدولية والحاجة إلى إنهاء الحرب في قطاع غزة وعلى الحدود مع لبنان.
من غير الواضح في هذه المرحلة، ما هو تأثير القنبلة التي ألقتها لاهاي على القنابل التي ما زالت تلقى على رفح. فالعملية العسكرية هناك أكبر مما يراها الجمهور. الفرقة 164 فيها أربعة ألوية قتالية احتلت تقريباً نصف محور فيلادلفيا على الحدود مع مصر، وتتقدم ببطء نحو مداخل رفح. والآن، يجري قتال على الخط الأول للبيوت في حي البرازيل بالمدينة، في قسمه الغربي. إضافة إلى ذلك، تولد انطباع لدى الجيش الإسرائيلي بأن معارضة أمريكا الصارخة لدخول رفح ضعفت.
هذا يحدث أيضاً لعدم تحقق ادعاء رئيسي من الولايات المتحدة ضد العملية. تجمع في رفح وفي محيطها تقريباً 1.4 مليون غزي، بعد مهاجمة الجيش الإسرائيلي واحتلال مناطق أخرى. وقالت إسرائيل إن بإمكانها إخلاء معظم هؤلاء السكان في خمسة أسابيع، وادعت أمريكا بأنه وعد لا أساس له من الصحة. بعد أسبوعين، غادر نحو 800 ألف شخص (حسب رواية الأونروا) ومليون شخص (حسب الجيش الإسرائيلي)، وانتقلوا إلى مناطق لجوء ارتجالية ومكتظة. مواقف جهاز الأمن حول استمرار العملية منقسمة.
من يؤيدون احتلال رفح يعتقدون أنه يجب هزيمة اللواء القطري الأخير لحماس الذي يعمل هناك، بكتائبه الأربع. مع ذلك، هم يعترفون أيضاً بأن هذا الأمر لن يؤدي إلى هزيمة حماس، بل سيقتضي استمرار القتال في مناطق أخرى في القطاع لعدة أشهر أخرى. من يعارضون العملية يعتقدون أنه يجب السعي لعقد صفقة لتبادل المخطوفين وإنهاء الحرب في الجبهتين، حتى لو كان معنى ذلك الاعتراف بأن إسرائيل لم تحقق أهدافها ولم تفكك سلطة حماس بشكل كامل.
يتحفظ الطرفان على الحل الأكثر تطرفاً الذي يطرحه نتنياهو ووزراء اليمين المتطرف، وهو الإعداد لإقامة حكم عسكري، مؤقت كما يبدو، في القطاع. عاد غالانت وأطلق تصريحات ضد هذه الفكرة أمس في ظهوره في ساحة معادية، قائمة الليكود في الكنيست. فقد حذر من أن الجيش الإسرائيلي لا يملك ما يكفي من الجنود لتنفيذ هذه المهمة، وسيضطر الجيش لتمديد خدمة الجنود الإلزامية لأربع سنوات. ومن يعرف المزاج في أوساط الجنود وأبناء عائلاتهم يدرك مدى صعوبة هذه العملية. في هذه الأثناء، يتبنى نتنياهو خطاً قتالياً متشدداً. ولكن بقي أن نرى إذا كان الخطر الشخصي الذي يهدده في لاهاي سيؤثر على اعتباراته.
مسألة ثقة
إن استمرار المراوحة في المكان يجبي من الجيش الإسرائيلي ثمناً يتراكم. وكلما طالت الحرب في القطاع وفي الشمال، تتعذر رؤية أي أفق يلوح لإعادة السكان إلى بيوتهم، وتزداد علامات الاستفهام لدى الجمهور حول احتمالية تحقيق الأهداف التي وضعت في بداية الحرب. في الوقت نفسه، تآكلت ثقة الجمهور بالجيش الإسرائيلي.
معهد بحوث الأمن القومي في جامعة تل أبيب، أجرى هذا الأسبوع استطلاعاً لفحص مواقف الجمهور. كانت النتائج واضحة جداً؛ فقد قلت ثقة الجمهور أيضاً في بيانات الجيش وفي اعتبارات رئيس الأركان هرتسي هليفي. منذ بداية الحرب، تم فحص درجة الثقة بتقارير المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي. وكانت نقطة الحضيض بعد أسبوع على بداية الحرب، 65 في المئة من المستطلعين اليهود منحوا ثقة عالية للمتحدث بلسان الجيش في حينه. وهي نسبة ارتفعت إلى 88 في المئة في ذروة العملية البرية منتصف تشرين الثاني الماضي. لكنها انخفضت إلى 78 في المئة في منتصف نيسان. في الأسبوع الماضي سجل انخفاض حاد آخر وصل إلى 68 في المئة. كما سُجل في الأشهر الأخيرة لدى أوساط العرب انخفاض في الثقة بتقارير المتحدث بلسان الجيش.
وعلى هاليفي أن يشعر بالقلق. سئل المستطلعون إذا كان هناك تفويض لرئيس الأركان بتنفيذ جولة تعيينات لجنرالات في هيئة الأركان (الجولة التي تضمنت تعيين خمسة جنرالات جدد كانت في بداية الشهر)، أجاب 25.5 في المئة من المستطلعين بوجود تفويض لرئيس الأركان طبقاً لتقديراته، وأجاب 31 في المئة بتعيينات حيوية، و20 في المئة أجابوا بأن لا تفويض له. قرر هاليفي تعيين العميد شلومو بندر رئيساً لشعبة الاستخبارات في هيئة الأركان بدلاً من الجنرال أهارون حاليفا المستقيل، لكنه اختار تعيين ثلاثة جنرالات جدد آخرين (وترقية جنرال خامس، آفي بلوط، لاستبدال يهودا فوكس الذي سيقدم استقالته من قيادة المنطقة الوسطى).
جزء كبير من الانتقاد الموجه لهرتسي هاليفي سياسي، يستهدف إلقاء كل التهمة عليه في إخفاقات 7 أكتوبر للتغطية على مسؤولية نتنياهو. لكن يجدر برئيس الأركان الانتباه للنتائج؛ فالتأييد الكبير له في أوساط الجمهور، رغم المذبحة الفظيعة، ارتكز بشكل كبير على افتراض بأن ولايته محددة الزمن، وأنه ينوي الاستقالة. جولة التعيينات الواسعة أثارت علامات الاستفهام، والشعور بأن الحرب لا تحقق أهدافها. هذه مشكلة آخذة في التبلور بالنسبة للجيش الإسرائيلي، إضافة إلى الصعوبات التي يضعها رئيس الحكومة ورجاله.
عاموس هرئيل
هآرتس 21/5/2024