الصحافه

ويتكوف “يلقي القنبلة”.. ومصر: سنكون أمام سيناريوهين “أحلاهما كارثي”

ويتكوف “يلقي القنبلة”.. ومصر: سنكون أمام سيناريوهين “أحلاهما كارثي”

بصوته الهادئ الناعم، ونبرته الثابتة، ألقى المبعوث الأمريكي الخاص للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، قنبلة صادمة قوية زرعت الرعب وأرسلت موجات ارتدادية مزلزلة إلى مصر، وليس وحدها فقط. في المقابلة المطولة مع تاكر كارلسون، وضع ويتكوف مصر على طاولة العمليات، وقال بدون تخدير أو إعداد، إن مصير المنطقة مرهون بمصير غزة، وإن مصر في خطر. “كل ما حدث في لبنان، مثل تعيين الرئيس الجديد بفضل تصفية السنوار وحسن نصر الله، كل ذلك قد ينقلب إذا فقدنا مصر”. وبالنسبة له، لماذا نفقد مصر؟ لأن في مصر، حسب الإحصاءات، نسبة بطالة عالية جداً، وتصل النسبة إلى 25 في المئة في أوساط الشباب في جيل أقل من 25 سنة. والدولة لن تعيش في ظل نسبة بطالة كهذه، حسب قوله.
“بدرجة كبيرة، هم مفلسون وبحاجة كبيرة للمساعدة. إذا كان لدينا حدث سيء في مصر، فهذا سيعيدنا إلى الوراء”، أوضح المبعوث الأمريكي. “كل مكونات الانفجار كان في هذه الكبسولة اللفظية التي جمعها ويتكوف بمهارة. فربط مستقبل 110 مليون مواطن مصري بمصير مليوني مواطن في غزة كان الجزء الحساس في الإهانة. من هنا، تطور الأمر إلى درجة اعتبار مصر دولة مفلسة. نسبة البطالة غير دقيقة، فحسب الإحصاءات الرسمية في مصر التي تظهر في أبحاث غربية أيضا، ربما ارتفعت نسبة البطالة أيضاً بمقدار 6.3 في المئة، وبلغت النسبة في أوساط الشباب إلى 14.5 في المئة. التشخيص الصادم يؤكد أن مصر لن تستمر مع نسبة بطالة كهذه، وأخيراً هناك إشارة خفية ولكنها مهددة، وهي اعتماد مصر على المساعدات، الأمريكية بالطبع.
شاهدت مصر علاقة مباشرة بين نشر المقابلة والتقرير الذي نشر قبل يوم في صحيفة “الأخبار” اللبنانية، المقربة من حزب الله، الذي وافقت مصر بحسبه على استيعاب نصف مليون غزي بشكل مؤقت في مدينة ستقام في شبه جزيرة سيناء. وخرجت مصر عن أطوارها كي تنفي هذا التقرير رسمياً، وتلقت من ويتكوف بالتحديد صفعة هزتها. ولم تتأخر الردود. “ويتكوف رجل عقارات لم يقرأ التاريخ، ولا يعرف الخطوط الجغرافية، ولا طبيعة المنطقة وتعقيداتها أو دور مصر في المنطقة”، كتب الصحافي والمحلل المصري نشأت الديهي. “مصر ليست دولة مفلسة، ولتذهب مساعداتكم إلى الجحيم”، أضاف المحلل.
مساعد وزير الخارجية المصري السابق حسين هريدي، أكمل ترديد الغضب عندما اتهم في مقابلة مع صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية، أقوال ويتكوف بأنها “تهديد مبطن لمصر، وأن تصريحاته نوع من الابتزاز وفرض الخوف على مصر للضغط عليها حتى توافق على تهجير قسري للفلسطينيين ومن أجل عدم إفشال محاولة تصفية القضية الفلسطينية”؛ وأضاف الصحافي المعروف أحمد موسى: “رغم المشكلات الاقتصادية الصعبة في مصر، فإننا ساعدنا إخوتنا الفلسطينيين بأموالنا وعرقنا، وساهمنا بـ 75 في المئة تقريباً من إجمالي المساعدات الدولية التي دخلت إلى قطاع غزة. الشعب في مصر سيقف أمام جميع الضغوط وليكن ما يكون، ولن نسمح بتمرير خطة التهجير من أجل الحفاظ على الأمن الوطني في مصر”.
مصر وبحق تمر بصعوبات اقتصادية كبيرة، لكن ليس بسبب غزة. إضافة إلى ذلك، نجح الرئيس عبد الفتاح السيسي في إجراء عدة إصلاحات اقتصادية معقدة، من بينها خطوات كانت فيها إمكانية كامنة لضعضعة استقرار الدولة، مثل رفع أسعار الوقود، وبعد ذلك رفع أسعار الخبز، وهو ما لم تتجرأ أنظمة سابقة على المس به خلال عشرات السنين، ثم قام بتعويم سعر الجنيه المصري الذي انخفض سعره 40 في المئة مقابل الدولار. ولكن أساس نجاح السيسي هو في تجنيد دول الخليج ووضعها في الدور لاستثمار عشرات مليارات الدولارات في الدولة، ومن بين المشاريع مشاريع للإمارات التي تعهدت باستثمار حوالي 35 مليار دولار في مشروع عقارات، ثم للسعودية التي تعهدت باستثمار 10 مليارات دولار، وقطر المتوقع أن تزيد استثماراتها في مصر إلى 7 مليارات دولار.
صحيح أن طوق النجاة الاقتصادي الذي تلف به دول الخليج مصر، الذي هو أكبر بعشرة أضعاف من حجم المساعدات التي نحصل عليها من الولايات المتحدة، ما زال غير كاف لإخراج مصر من صعوباتها، بل ولا يعتبر بديلاً للدعم السياسي والعسكري الذي تحصل عليه مصر من الولايات المتحدة، التي تفتح للقاهرة أبواب مؤسسات التمويل الدولية، ولكنها تسمح لها برسم الخطوط الحمراء ومواجهة الضغط السياسي الثقيل، مثل الضغط الذي استخدمه الرئيس ترامب منذ فترة غير بعيدة حتى تستوعب هي والأردن 2 مليون غزي. تراجع ترامب في هذه الأثناء عن هذا الطلب، وأوضح بأنه لن يحدث إخلاء قسري لسكان غزة، وذلك بعد أن أجرى عدداً من “المحادثات الصادقة” مع حاكم السعودية محمد بن سلمان. ولكن عندما تسمع مصر تشخيص ويتكوف، ثم تسمع عن إقامة “إدارة الهجرة الطوعية” في إسرائيل، فالقلق يعود إلى واجهة الساحة العامة.
مصر ساعدت، وهي مستعدة للاستمرار في مساعدة سكان غزة، وتطمح إلى المشاركة في مشروع إعادة إعمار القطاع، الذي إذا ما تم تطبيقه فربما يحقق لها أرباحاً كبيرة. ولكن استيعاب سكان من القطاع فيها، حتى لو جاؤوا بشكل “طوعي”، فهي قصة مختلفة كلياً. بالنسبة للقاهرة، الحديث يدور عن تهديد متعدد الطبقات، يبدأ بالخوف على الأمن القومي وخطر أن نمو بؤر إرهابية تعمل ضد إسرائيل، بل وتتعاون مع منظمات داخل مصر. مصر ما زالت تخوض حرباً ضروساً دموية ضد المنظمات الإسلامية المتطرفة. والأمر الأخير الذي تحتاجه الآن هو أن تحصل هذه المنظمات على زيادة تتمثل في قوة عسكرية مدربة حاربت في غزة.
إن استيعاب غزيين في مصر يعني من ناحية وطنية “تصفية القضية الفلسطينية”، كما كتب الديهي، ونقل حلها إلى حدود مصر حتى لو تم حبس اللاجئين في مدينة خاصة ستقام من أجلهم، وتحصل مصر من أجلهم على أموال طائلة. هذا أيضاً سبب بأن الفكرة التي طرحها يئير لبيد التي بحسبها ستتولى مصر السيطرة على القطاع لفترة محدودة، تبدو فكرة مدحوضة كلياً. في الواقع، استوعبت مصر 100 ألف غزي، هربوا إليها في بداية الحرب عندما كان معبر رفح مفتوحاً. ولكنها تقيد حرية حركتهم، وتمنعهم من العمل، ولا يمكنهم الحصول على مساعدات الأونروا، لأن هذه المنظمة غير مسموح لها بالعمل في مصر، ولها ممثلية صغيرة فقط.
المرضى والمصابون الذين دخلوا مصر هم الآن في المستشفيات بشروط اعتقال مقيدة. في مرات كثيرة، يطلب منهم شراء الأدوية لأنفسهم، ولا يسمح للمرافقين لهم بالخروج من المستشفى إلا بمرافقة رجال الأمن ولفترة محدودة. ريفييرا مصرية على صيغة ترامب، لا تنتظر اللاجئين الذين سيهاجرون إليها بشكل طوعي. رفض مصر استيعاب سكان غزة مدعوم بصورة وثيقة بمواقف جميع الدول العربية، وعلى رأسها السعودية التي تتبنى الخط الأكثر تصلباً ضد خطة الترانسفير. ترامب وويتكوف يعرفان جيداً موقف السعودية، وهي الدولة التي يعتمد عليها بشكل كبير تشكيل سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. ولكن عندما تحدث ويتكوف عن الربط بين غزة والتطبيع المأمول بين إسرائيل والسعودية، فقد “نسي” لسبب ما ذكر أن “تغيير السكان في غزة”، حسب رأيه، ربما يتحطم على صخرة معارضة السعودية، ومعه حلم التطبيع.
ويتكوف الذي يتحدث عن تطلع لتوسيع دائرة الدول التي ستنضم إلى اتفاقات إبراهيم، لا يتحدث عن الخطر الذي ستشكله خطة الترانسفير على العلاقات بين إسرائيل ومصر واتفاق السلام بين الدولتين.
عندما توسع إسرائيل حجم العملية العسكرية في غزة، سيتحدث الجيش عن احتلال لفترة طويلة وسيطرة مدنية وليس عسكرية في القطاع فقط. وعندما تتطور فكرة “الهجرة الطوعية” إلى خطة عملياتية، فسيكون الخوف في مصر من احتمالية أن الترجمة العملية لهذه الهجرة أن تحدث إسرائيل، بمبادرة منها، فتحات عبور بين غزة ومصر وستسمح للسكان الراغبين في ذلك بالانتقال إلى الطرف الثاني للحدود. والمعنى أن مصر ستواجه خيارين، إما استيعاب مئات آلاف اللاجئين في أعقاب الضغط، أو وضع قوة عسكرية أمامهم تمنع دخولهم. تأثير هذه السيناريوهات على العلاقات بين مصر وإسرائيل قد يكون كارثياً. إذا حدث “حادث سيئ”، المتوقع أن يحدث لمصر والذي حذر منه ويتكوف، فهذا هو الحدث. ولمنعه، يجب على ويتكوف والرئيس ترامب أن يكونا أكثر وضوحاً وحزماً، ويقولا إن أي هجرة مهما كانت، حتى لو بالإكراه، ليست خطة عمل وليست مساراً للحل.
تسفي برئيل
هآرتس 24/3/2025

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب