«بيت التراث اللبناني» في بلدة ميفوق يضم آلاف القطع التراثية التي تروي حكايات الأجداد

«بيت التراث اللبناني» في بلدة ميفوق يضم آلاف القطع التراثية التي تروي حكايات الأجداد
عبد معروف
متحف «بيت التراث اللبناني» في بلدة ميفوق قرب مدينة جبيل التاريخية، واحد من أبرز معالم التراث في لبنان، لما فيه من قطع أثرية وتراثية تروي حكايات الأجداد والماضي من الزمن. ترتفع بلدة ميفوق عن سطح البحر بين 850 و 1100 متر. وتمتدّ البلدة على مساحة 600 هكتار أي ما يساوي 6 كيلو متر مربّع، وتبعد عن عاصمة لبنان بيروت 64 كيلومترا فيما تبعد عن مدينة جبيل مركز القضاء 25 كيلومترا.
وبلدة ميفوق هي بلدة العيون والينابيع التي أعطت البلدة اسمها، وهي بلدة الطبيعة الخضراء والمساحات الحرجية الواسعة، وتربية النحل وإنتاج أجود أنواع العسل، وبلدة متحف «بيت التراث اللبناني» الذي يخلّد حياة الفلاح اللبناني القديم، هي بلدة الدروب البيئية التي تعزز الوعي البيئي والمحافظة على الطبيعة والآثار الموجودة في البلدة.
يضم متحف «بيت التراث اللبناني» في بلدة ميفوق، حوالي 900 قطعة أثرية قديمة كان يستخدمها الآباء والأجداد في حياتهم اليومية العملية، كما يحتوي على آلاف القطع التي ترمز إلى حياة الفلاح القديم والأجداد الذين عاشوا حياة تقليدية وقاسية بعيدة عن التطور والحداثة. وتُعتبر مقتنيات هذا المتحف نادرة، إذ يضمّ أول آلة لتخطيط القلب وصلت إلى لبنان قبل قرن من الزمن وعملات معدنية لحقب طبعت تاريخ البلاد، وجرار فخار لحفظ المأكل والمشرب.
والمتحف عبارة عن حلم رافق الراحلة والرسامة والشاعرة اللبنانية ماري بطرس خليفة طوال حياتها واستطاعت بجهدها ومثابرتها تحقيقه قبل أن تتوفّى.
وتشير التقارير والمخطوطات التي تحدثت عن المتحف، أن ماري بطرس خليفة، قامت أثناء إنشاء المتحف بزيارة البيوت القديمة في ميفوق والمناطق المجاورة، وجمعت كل الأدوات والقطع الأثرية التي لم يعد لها استخدام ووضعتها في هذا البيت لكي تحافظ على تراث بلدة ميفوق وعاداتها.
عمل فردي مميز
حياة ماري خليفة الحافلة بالعطاءات عاشتها ببساطة المؤمن بالحياة وتجملت في تحمل أوجاع مرضها العضال، وتشير وثائق جمعت في داخل المتحف، إلى أن خليفة «حقّقت حلمها ببناء بيت قرويّ تراثيّ في ميفوق، ولأنّ هذا العمل فرديّ ومُمَيّز وجبّار وغير مُمَوّل من أحد، قرّر مركز قرطاج للبحوث والمعلومات مَنْح ماري جائزة تقديرية».
«ففي حياتها كان الوطن حاضراً بوفرة الفرح الساكن في قلبها. تعرفت إليه من الموروثات الحضارية للأجداد والآباء» ودفعها للبحث من أجل تحقيق حلمها ان تشيد متحفاً لـ«البيت اللبناني التراثي» وترفع عليه منزلاً فوق أجمل تلة مطلة على بلدتها وسواها، ومشهد المنزل من تحت يحمل بصمات الانتماء إلى الأجداد بسفينتهم التي جابت الأرض وحملت التاريخ اللبناني إلى الدنيا.
لوحات تشكيلية وفنية للفنانة اللبنانية ماري خليفة، صادفت انتشاراً واسعاً وبعضها اليوم في منازل في سويسرا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وغيرها، فيما شعرها أحدث الوصل في انتماء الأحفاد إلى حياة أجدادهم فجاء يعزز إنغراز الموروثات الحضارية موشحة بألوان الوفاء في الحب العائلي وجمال الطبيعة في الضمائر.
القيمة المعنوية أكبر من المادية
استغرق التحضير لجمع محتويات محتف «بيت التراث اللبناني» ما يقارب الـ10 سنوات، و«ما زلت حتى اليوم عندما أعرف عن وجود قطعة في أي منطقة من لبنان أذهب لشرائها» كما يقول شربل سلامة أحد الإداريين في المتحف، «باستثناء عربتي خيل ذهبت إلى سويسرا لشرائهما» مؤكدا أن «لا غاية تجارية وراء هذا المشروع والقطع المعروضة ليست أبدا للبيع» لافتا إلى أن ما دفعه للقيام بهذا المتحف «هو جهل الجيل الناشئ اليوم بما كان يعانيه الآباء والأجداد في حياتهم اليومية، فجيل اليوم هو جيل الفايسبوك والتيك توك جاهل لتاريخه».
ويقول سلامة: «لم أترك منطقة من لبنان إلا وزرتها من أقصى شماله إلى أقصى جنوبه وقرى البقاع، بحثا عن قطع أثرية أنا بحاجة إليها في المتحف، حتى أصبحت العلاقة وطيدة بيني وبين الأهالي، ففي كل مرة يحصلون على قطعة جديدة يتصلون بي فأذهب لشرائها أو يأتون الي بها».
«القيمة المعنوية أكبر من المادية» يقول سلامة عندما تسأله عن كلفة المشروع، كاشفا أن «أحد أطباء القلب وضع أمامه قبل الأزمة الاقتصادية شيكا على بياض ثمن آلة لتخطيط القلب موجودة في المتحف تعود للعام 1946 وآلات تستعمل في غرفة العمليات، وكذلك فعل أحد أصحاب محال بيع المجوهرات عندما شاهد خزنة حديدية مصفحة وزنها طنا ونصف الطن، فرنسية الصنع وتعود للعام 48 ودائما يكون الجواب ما هو موجود هنا ليس للبيع».
ويعرب سلامة عن استيائه لعدم اهتمام الدولة بمثل هكذا معارض تراثية خصوصا وان الغاية منها ليست مادية، مشيرا إلى أن الزوار هم من المغتربين واللبنانيين، والسياح الأجانب، وطلاب الجامعات، ويقول: «السياح الأوروبيون يهتمون كثيرا ويستفسرون عن الكثير من القطع الموجودة في المتحف» ويختم كلامه بالدعوة إلى ضرورة إدخال التراث اللبناني في مناهج التعليم لأن جيل اليوم لا يعرف شيئا عن تراثه وتراث وطنه.
من جهتها، أوضحت حياة سلامة المشرفة على المتحف «أنّ المتحف هو مقصد لطلاب الجامعات والسيّاح من مختلف المناطق اللبنانية، حتى أنّ بعضهم زار المتحف أكثر من مرة». وهذا المتحف مجاني لا يهدف إلى الربح المادي، إذ يسعى أصحابه إلى تطوير مشروعهم الثقافي بهدف التعرف إلى تاريخ لبنان وعاداته وتقاليده والازدهار الذي عايشه قديمًا مقارنة بحاضره المتأزم، حسب ما يقولون.
وتقديرا لأهميته التاريخية والتراثية، كرمت «الشبكة اللبنانية للتنمية» و«مركز قرطاج للبحوث والمعلومات» والجامعة الثقافية اللبنانية في العالم في فرعيها في بريتيش كولومبيا في كندا وكوينزلاند في أستراليا «بيت التراث اللبناني» الذي أسسته ماري خليفة، خلال احتفال خاص.
وقدمت الدكتورة غيتا حوراني جائزة إنجاز العمر باسم الشبكة اللبنانية للتنمية ومركز قرطاج للبحوث والمعلومات، بينما منح الدكتور نيقولا قهوجي نيابة عن رئيس الجامعة الثقافية اللبنانية في بريتيش كولومبيا جان بدر، لوحة ثناء تقديرا لمجهود خليفة في لملمة تراث البيت اللبناني. كما سلم عضو الجامعة الثقافية اللبنانية في فرنسا الاستاذ أنطوان منسى باسم رئيس الجامعة في كوينزلاند انطوان غانم، تمثال جبران خليل جبران لتكريم الأنشطة الثقافية الرائدة.
متحف «بيت التراث اللبناني» عمل فردي جبار، ترى المرجعيات المعنية ضرورة إدراجه على لائحة الأماكن الثقافية والسياحية في لبنان لما له من أهمية خصوصا للمتحدرين من أصل لبناني، ولأولاد المغتربين اللبنانيين والأجيال الصاعدة المقيمة في الوطن.