تحرير الأسرى الاربعة دلالات مهمة
تحرير الأسرى الاربعة دلالات مهمة
محمد عايش
لا شك في أن عملية مخيم النصيرات، التي أدت إلى استعادة أربعة أسرى إسرائيليين تشكل نقطة فاصلة ومحطة مهمة في الحرب على غزة، خاصة أنها أول استعادة ناجحة لعدد من الإسرائيليين المحتجزين لدى حماس، وهو الهدف الرئيس للحرب المستمرة على غزة منذ ثمانية شهور.
هذه العملية تفتح الباب أمام الكثير من الأسئلة، وأهمها هو سؤال «العُملاء»، فهل استطاعت إسرائيل أخيراً اختراق المقاومة الفلسطينية، وتجنيد عملاء ينقلون لها المعلومات؟ وإذا استطاعت تنفيذ الاختراق فما هو حجمه ومستواه وعُمقه؟ أما إذا لم يكن الأمر مرتبطاً بوجود عُملاء للاحتلال، فكيف تمكنوا من معرفة مكان الأسرى وتنفيذ العملية بدرجة عالية من الدقة، حيث قتلوا أكثر من مئتي فلسطيني وأصابوا 700 آخرين دون المساس بالأسرى الأربعة؟
فور تنفيذ العملية حاولت إسرائيل الترويج إلى أن لديها عميلا فلسطينيا أو أكثر، وروجت بعض وسائل الإعلام أن العميل الذي وشى عن مكان احتجاز الأسرى تمت مكافأته بالمال وتمت مساعدته على السفر إلى مكان آمن بعيداً عن الأراضي الفلسطينية، وسرعان ما اشتعل الجدل حول وجود عملاء متعاونين مع الاحتلال، والحقيقة أن هذه المزاعم لا يُمكن أن تكون صحيحة، وترويجها من قبل الاحتلال يندرج في إطار محاولة إسرائيل استدراج بعض ضعاف النفوس للعمل كعملاء، ومحاولة إغرائهم بأن من يتعاون مع إسرائيل يتم إغراقه بالمال، ومن ثم تسفيره إلى الخارج ليعيش ما تبقى من حياته في مكان آمن وهانئ. عملية النصيرات، أو مجزرة مخيم النصيرات التي انتهت بتحرير أربعة أسرى اسرائيليين واستعادتهم سالمين لا يُمكن قراءتها إلا ضمن جملة من السياقات ذات الدلالات المهمة، وأبرزها ما يلي:
التقديرات الإسرائيلية والأمريكية تشير بوضوح إلى أن عملية تحرير الأسرى الأربعة كانت فاشلة، إذ لا يوجد عاقل في الكون يقوم بقتل ثلاثة أشخاص من أجل تأمين حياة أربعة آخرين
أولاً: العملية/ المجزرة جاءت في اليوم الــ247، وفي حال تم اعتبارها نجاحاً وإنجازاً للإسرائيليين فهذا يعني بالضرورة أن الاحتلال كان غارقاً بالفشل منذ ثمانية شهور، ويعني أيضاً أن هذه الحرب ما زالت بعيدة عن تحقيق أهدافها الموضوعة لها، حيث لا يزال نحو مئة أسير إسرائيلي آخرين عالقين في غزة.
ثانياً: سرعان ما أعلنت الولايات المتحدة أن قوات تابعة لها شاركت في هذه العملية بشكل مباشر، وهذا إعلان واضح ومباشر بأن القوات الإسرائيلية التي هي الأقوى والأكبر في المنطقة لم تتمكن من تحرير أسير واحد، ولولا الدعم اللوجستي الأمريكي على أرض المعركة لباءت هذه العملية بالفشل. والدليل على أن إسرائيل وحدها كانت ستفشل لو نفذت هذه العملية، هو أن قوات خاصة حاولت في ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي تحرير الجندي الأسير ساعر باروخ، وانتهت العملية بمقتله ومعه عدد من الجنود الذين نفذوا العملية الفاشلة، ومنذ ذلك الحين لم يصل الإسرائيليون إلى أي أسير آخر في غزة.
ثالثاً: تبين أن عملية تحرير الأسرى الأربعة أدت إلى مقتل ثلاثة أسرى آخرين، وهذا معناه أن هؤلاء الثلاثة كانوا محتجزين في المنطقة نفسها، ومع ذلك لم يتمكن الإسرائيليون ولا الأمريكيون من معرفة ذلك، واستخدموا سياسة «الأرض المحروقة» في المكان، إضافة إلى استخدام أسلحة ذكية، وتمكنوا بفضل ذلك من مسح المنطقة وقتل من فيها دون المساس بالأربعة الذين علموا عن مكانهم. هذا يُرجح فرضية عدم وجود أي عملاء لهم، إذ لو كان الإسرائيليون والأمريكيون قد علموا بوجود الأربعة عبر عميل من داخل صفوف حركة حماس، فمن الضروري أن يكون هذا العميل على علم بأن في المكان ثلاثة آخرين.
رابعاً: مع استبعاد فرضية وجود عميل فلسطيني، فإن المؤكد أن انكشاف مكان هؤلاء الأسرى الأربعة تم ربما باستخدام تكنولوجيا تجسس متطورة من تلك الموجودة لدى الأمريكيين، خاصة مع انكشاف أمر الرصيف البحري، الذي يبدو أنه يُستخدم لغايات تقديم الخدمات اللوجستية للإسرائيليين وللفرقة الأمريكية التي تقدم المساعدة هناك. وثمة احتمال آخر وهو أن يكون الفلسطينيون الذين يقومون بحراسة الأسرى الإسرائيليين الأربعة قد ارتكبوا خطأ ما أدى إلى التقاط إشارة وتمكن الإسرائيليون والأمريكيون من تتبعها.
خامساً: التقديرات الإسرائيلية والأمريكية تشير بوضوح إلى أن عملية تحرير الأسرى الأربعة كانت فاشلة تماماً ولم تشكل أي نجاح للحرب، إذ لا يوجد عاقل في الكون يقوم بقتل ثلاثة أشخاص من أجل تأمين حياة أربعة آخرين، والدليل على أن تقديراتهم تشير إلى فشل العملية أن اثنين من أهم وزراء الحرب وحلفاء نتنياهو في إسرائيل استقالوا في اليوم التالي، أما في الولايات المتحدة فنشرت شبكة «أن بي سي» نقلاً عن مسؤول أمريكي قوله، ولأول مرة، أن واشنطن تدرس إبرام صفقة أحادية الجانب مع حركة حماس من أجل الإفراج عن خمسة محتجزين يحملون الجنسية الأمريكية. وهذا يعني أن واشنطن أيضاً أصبحت تميل إلى استبعاد الخيار العسكري في تحرير الأسرى، وتعتقد بأنه طريقة فاشلة للتعامل مع الملف.
وعلى أية حال فمن المهم التذكير دوماً بأن الحروب تُقاس بنتائجها وليس بتفاصيلها، أي أن العبرة دوماً بالمآلات وليس المسارات، ومآلات هذا العدوان الاسرائيلي الكبير على غزة لم تتضح بعد.
كاتب فلسطيني
كاتب فلسطيني