ومضة المساء
د عزالدين دياب
عن العلاقة والتأثير المتبادل بين الركود الاقتصادي،والركود السياسي،وتداعياته ومن ثم تأثيره على ذهنية الإنسان العربي،فالنسق السياسي في الوطن العربي في اللحظة الراهنة،التي هي لحظة ركود اقتصادي وسياسي، ينتج العقلية الراكدة التي تعيد إنتاج نفسها،على النحو التي كانت علية من أمسها،إلى يومها.
بمعن أن الإنسان العربي،بشكل عام، وذلك الذي ينتمي إلى الأحزاب العربية،وتياراتها المختلفة،من قومية وإسلامية ووطنيةوأممية،يعيش في البناء الاجتماعي العربي،في مستويات المحلية/الجهوية والوطنية والقومية،الذي يسيطر عليه الركود الاقتصادي/السياسي،يجد نفسه يتعايش تدريجيا مع هذا الركود،وتصبح آلياته الذهنية حصيلة منتجة للحالة الركودية،ماعدا قلة من الفئات الاجتماعية التي تنتمي أو تحسب على المكونات الأساس التي يتشكل ويتكون منها البناء الاجتماعي العربي في مستوياته سالفة الذكر.
والمعروف أن هكذا ذهنية،أي الذهنية التي تأسست عملياتها العقلية في إطار وسياق الركود السياسي الاقتصادي تصبح أثيرة للشكليات، والثقافة الموروثة التقليدية،مثل الولاءات الأهلية ماقبل المجتمعات الصناعبةالمدنية،وهنا نركز ونختار،على سبيل المثال، الولاءات العشائرية التي يغلب فيها الانتماء للأسرة على حساب العائلة،وفي أحيان كثير الولاء للأسرة المعاد ي للعائلة،حسب تسلسل مستويات القربى الدموية،وما تفرزه وتقرره من عصبيات ،مرة يسيطر عليها وازع الالتحام،ومرة أخرى وازع الانقسام، الذي هو في جوهرهونزوع عدواني /صراعي . وهذا الوازع وذاك هما حصيلة الحياة الأهلية الراكدة.الجديد فيها محدود في تنوعه، ومضامينه،وآلياته.
وإذا عدنا إلى التيار القومي الوحدوي،وأخذنا بنيته التنظيمية في سياق البناء الاجتماعي،فنجد أن الركود السياسي يطول هذه البنية من كل جوانبها،وإن كان خروجها في لحظات النضال يجعلها هذا النضال تغادر الركودعلى شكل قفزات يطول فعالياتها الفكرية المحسوبة أيضا على مايساكن هذا الفكر من استشراف تشكل محدداته المبادىء وأطرواحاته الكبرى المتمثلة في أهدافه :الوحدة العربية،والاشتراكية،والحرية السياسية والاجتماعية،وإن كان في أحيان،كما تفيدنا ” الثورات ” والانتفاضات التي قام بها التيار القومي،أقصد هذا الفصيل أوذاك،أن الولاءات التي هي تنتمي إلى الثقافة العربية التقليدية الركودية،تخرج من مخبئها،أو سكوتها وتشدهذه المجموعة أو تلك حاملة وازعها الانقسامي وعصبيته.
وتفيدنا العلاقات التنظيمية التي سادت وتسود داخل البنى التنظيمية،أنها في نهاية الأمر محكومة إلى ثقافة البنى العشائرية التي يلعب فيها وازع القرابه وعصبيته وولاءاته دورا تقسيميا ليس سهلا أو محدودا،اللهم،ماعد تلك الفئات التي شكل الفكر القومي وأدبياته نزوعها ووازعها القومي التي يجعل ولاءاتها أولا للمبادىء، وقيمها، وأخلاقها.
وقد قدمت لنا تجربة التيار القومي في السلطة وخارجها ،أن السلوك الثوري الذي يتجاوز في لحظات كثيرة من مسيرته الولاءات الأهلية،هو الذي تتجسد في سلوكه وممارساته العلاقات التنظيمية الواعية والموضوعية التي تشكل خط امان واستمرار للتنظيم القومي وشرعيته القومية،الشرعية بمعناها ومضمونها النضالي،وليست الروابط الشخصية المحكومة في بعض الأحيان لعلاقات تنظيمية تجد مأواها في فهم تقليدي حرفي لما يسمى النظام الداخلي الذي تتجاوزه ديناميكية الأحداث والواقعات البنائية.
وأزعم أن الأفكار السابقة وماملكته من معطيات ومؤشرا ت أن ثقافة النقد المحمولة على استشراف الواقع العربي الراهن وحركته وديناميكياته البنائية ووجهته هي الكفيلة بخلاص التيار القومي الوحدوي من ركوده الفكري والسياسي وما يتأتى عنها من علاقات تنظيمية تقليدة تجاوزها الزمن وحساباته.
قلت لصديقي عندما قابلت الدكتور شعرت رغم احترامي الكبير له أن الزمن تجاوز مفهوم القال والقيل،وأنا أتيتك من موقعي في تاريخي النضالي زمنا وفعالية نضالية لاتقرره الأقاويل،بل أن بما أنا عليه من مواقف والتزام وتضحية وولاء للفكر أولا وأخيرا ،وديمومة حالتي النضالية التي أفاخر بها وأضعها وساما على صدري،وأنا في تقييمي لنفسي أعتبرها خلف الأستاذ ولاء وانتماء ونضالا وتضحية فورا،وليس بيننا أحد حتى أنت.
د عزالدين دياب