
يوميات الخيمة (3)
– أمي.. أريد أن أراكم. اشتقت إليكم. أكثر من عشرين يوما منذ نزوحنا من رفح لم آراك. كل يوم أتصل عليكم ولكن لا توجد شبكة أو يكون جوالك مغلقا. أولادي مشتاقون لكم. ويسألون كل يوم عنكم. أين مكان خيمتكم؟.
– وأنا أيضا يا بنيتي مشتاقة إليك وللأولاد. لكن والله يا بنتي لا أعرف أين نحن بالضبط. أبوك يقول أننا في مواصي خان يونس.
– ونحن أيضا في مواصي خان يونس. إذن نحن قريبون من بعضنا. أين عنوانكم بالضبط.؟.
– والله يا بنتي منذ هربنا ليلا. وجئنا إلى هنا. لا أرى إلا الخيام حولنا من كل جهة. حتى أنني لا أعرف الاتجاهات. أسمع هدير البحر. نحن قريبون منه. وأسمع أيضا أزيز الطائرات. وصوت القصف وهو أيضا قريب منا خاصة حين يشتد في الليل…..لحظة أسأل أبوك عن مكاننا…… يقول أننا بعد خيمة أبو عدنان الذي يشحن الجوالات بأربع خيام من الناحية الشمالية.
– أين خيمة أبو عدنان. أنا لا أعرفها؟.
– واضحة خيمته يا بنتي كما يقول أبوك. هي خيمة أكبر من خيمتنا. وفي وسط خيام كثيرة. عليها شادر أسود. ولوح طاقة شمسية مكسور.
– أين هذه الخيام الكثيرة. اسم الشارع؟
– في نفس شارع البحر. في المواصي. لحظة خذي أبوك يمكن يقدر يعطيك عنواننا أفضل مني.
– ……كيف حالك يا أبي؟ حمد لله على سلامتكم؟ أين عنوان خيمتكم؟.
– نحن قريبون من شاطئ البحر يا بنتي. خلف خيمة عبود للحلاقة.
– وأين خيمة عبود؟
على الأسفلت الرئيسي مباشرة. في سطر الخيام الشرقي. بجانب خيمة عبود. خيمة لبيع المعلبات والخشب. وخيمة أخرى لونها كحلي تبيع الماء عليها يافطة جلدية مكتوب عليها (بيت حانون).
وهذه في أي منطقة؟ ما دخل بيت حانون في خيمتكم؟
– لا يا بنتي. نحن كلنا في مواصي خان يونس. ولكن صاحب الخيمة حانوني. اشتاق للعودة إلى مدينته بيت حانون. فكتب اسمها على خيمته على أمل أن يعود إليها.
– كيف أركب إليكم؟ هل لو أعطيت السواق عنوان خيمة عبود أو أبو عدنان. هل يمكن أن يعرفاه؟
– لا أعلم يا بنيتي. أنت تعرفين أننا جميعا هنا نازحون جدد. بلا عناوين ولا أرقام شوارع ولا يافطات ولا أسماء لحاراتنا وبيوتنا. وغير معروفين. تركنا خلفنا هوياتنا وملامحنا المألوفة لمن يعرفنا. نحن هنا متشابهون في خيامنا وضياعنا فقط. متشابهون في احتياجاتنا وعطشنا وآلامنا وأمانينا وتيهنا.
– سأمشي غدا على أقدامي في الشارع الطويل لأبحث عن خيمتكم بنفسي. خيمة خيمة؟.
– لا يا بنيتي. هل ستبحثين عنا وسط مليون نازح متلاصقين في الخيام. أنت ستبحثين عن إبرة في كوم من القش. أنا مشتاق لأراك. لكن أشفق عليك من التعب وحر الشمس والمزيد من الضياع. لعله بعد يوم أو يومين. قد يصبح لدينا عنوان جديد لخيمتنا يمكن أن يسهل عليك الوصول إلينا. قالوا أنهم سيقيمون بجانب خيمتنا حمامات مياه من الزينكو. قد تصبح عنواننا. أو ربما نعود قريبا إلى بيوتنا وعناويننا القديمة رغم تدميرها. نحن تائهون الآن ولا نعرف ماذا سيحدث معنا ولو بعد ساعة واحدة.
انتظري..أعطيني أنت عنوانكم. وسأحاول الوصول إليكم غدا. سأخرج في الصباح. أنا أقدر على تحمل حرارة الشمس والضياع منك..
آلو..آلو. .آلووو…هل تسمعيني…… انقطع الخط.
(ملاحظة:
كنت أعتقد أن هذه المكالمة الحقيقية هامشية وثانوية في زحمة آلام الخيام ومشكلاتها التي يعاني منها النازحون. لولا أنني رأيت. في قصة أخرى. الفرحة عصر اليوم على باب خيمة قريبة منا. قالوا لي أنها فرحة عثور ابنتهم عليهم بعد يومين من البحث عن خيمتهم في غابة الخيام الممتدة على طول شريط ساحلي ضيق بمسافة 22 كيلو متر. يضم أكثر من مليون ونصف المليون نازح. فأدركت أن هذه القصص الإنسانية التي تبدو صغيرة. ولا تسجلها وسائل الإعلام. هي إحدى المآسي الجديدة في سجن الخيام الكبير: مأساة التيه والضياع وفقد العناوين. وصعوبة المواصلات والاتصالات التي تمنع مئات الآلاف من رؤية ذويهم أو زيارتهم والاطمئنان عليهم رغم قصر المسافة بينهم).