
استحالة العشرة بين الشعب والنظام… هل تصلح ليلى عبد اللطيف كمحلل؟!

سليم عزوز
غابت السلطة في مصر، فتمددت ليلى عبد اللطيف في الفراغ، وقد وعدت بحل مشاكل البلاد في نهاية العام الجاري، وقديماً قالوا: الجمل صعد النخلة، فقال المشككون: هذا هو الجمل وهذه النخلة!
السلطة استنفدت رصيدها من الوعود، فقد وعد الجنرال بعامين لحل مشاكل مصر في مقابلة تلفزيونية مع لميس الحديدي، وجارها بالجنب إبراهيم عيسى، وبعد نهاية العامين، قال: عام، ثم ستة شهور، ثم قال إنه لم يعد المصريين بالمن والسلوى. وإن لم يتوقف هو وحملة عرشه عن الوعود، ولأن هذا العام شديد القسوة على المصريين، فقد أمكن لنفر منهم البحث في صفحتيه على «تويتر» و»فيسبوك»، وجاءوا بمنشورات له لها العجب، الأمر الذي دفعه إلى حذف هذه المنشورات. ويبدو أنه كلف بالمهمة «عسكري مراسلة»، مقابل إجازة استثنائية، فركز على «تويتر»، ونسي تماماً أن المصريين يشعرون بالغربة على هذه المنصة، فهم لا يعرفون سوى فيسبوك، الذي صار جزءاً من أدائهم اليومي، لأنه أقرب إلى الحارة الشعبية، والناس في ما يعشقون مذاهب!
وبينما أهل الخليج على «تويتر» (إكس)، فالمصريون ضيوف على مارك ابن أبيه، وأعتقد – والله أعلم – أن المغرب العربي كله معنا على هذه المنصة، وليس هذا موضوعنا! فمع الحذف اندفع كثيرون للبحث عن الدرر في القديم، والإثارة بالدعوة للحفظ قبل الحذف، وقد قمت مشكوراً بلفت انتباه الجنرال لذلك، «كعربون محبة»، لكن من الواضح أن العسكري الهمام كان قد حصل على الإجازة جزاءَ وفاقاً على جهده على «تويتر»، وهو جهد مقدر، لولا اهتمامه بالمنصة الغلط!
الفراغ القاتل.. وتأخر تشكيل الحكومة
وكان آخر وعدين للنظام القائم في مصر، الأول عندما روج بأننا سنتجاوز سنوات الضباب بالانضمام إلى «بريكس»، ليكون الوعد الأخير بأن الفقر لو ركب قطاراً فلن يلحق بنا، بعد بيع أرض «رأس الحكمة»، وحديث المليارات الذي عشنا بسببه أسبوعاً مبهجاً، تنظر للفضائيات فترى البهجة على وجوه المذيعين والمذيعات، فحتى لميس الحديدي كانت مبتهجة، وأقامت برامج «التوك شو» فرح العمدة، لذلك، فها نحن نغادر عنق الزجاجة، وهي أجواء كانت مناسبة لتعديل الدستور، فلا تظن أن الجنرال سيكتفي بهذا القدر من سنوات الحكم!
ولأن «كتاب حياتي يا ليل، ما شفت زيه كتاب، الفرح فيه سطرين، والباقي كله عذاب»، كما يقول عندليب المرحلة الفنان حسن الأسمر، فقد استيقظنا والحكومة تضرب ضرباً بالأعناق، ووصل الحال إلى رفع الدعم الجزئي عن رغيف الخبز، ثمرة فؤاد المصريين، الأمر الذي لم يجرؤ نظام سابق على الإقدام عليه، مع التبشير برفع أسعار الوقود، فترتب على ذلك استحالة العشرة بين الشعب والنظام!
وقد تأخر التعديل الوزاري، لأسباب غير معلومة، مع أن الاختيارات كلها تشبه بعضها، وهناك مخاطر من حكومة تسيير الأعمال، وكلما طالت الفترة كلما كان الفراغ قاتلاً، واكتملت المهمة بذهاب السيسي لأداء مناسك الحج، بدون إعلان سابق، وفي الحقيقة هو لا يعلن عن نشاطه وتنقلاته، مما يدفعني لفتح القناة الأولى المصرية كل صباح في انتظار ظهوره المفاجئ!
الفتور في نقل صلاة العيد
وقد فتحت القناة الأولى في صباح يوم عيد الأضحى المبارك، فوجدت الإمام يسلم، وصعد المنبر، وأنا في انتظار أن أرى من حل محل الحاج عبد الفتاح السيسي (تقبل الله)، لكن الكاميرا كانت مسلطة على الخطيب، مرة واحدة انتقلت للمصلين، ولم أر مسؤولا واحداً، لكني لم أصدق بوجود هذا الفراغ العاطفي، وعادت الكاميرا إلى الخطيب، فيبدو أن النقل يتم مع فقدان الشهية، والنظر للعمل على أنه تأدية واجب، ومنذ سنوات تجاوزت العشرين عاماً وكاميرا التلفزيون تبدو لي أنها في يد «عبيط»، يترك المسجد بكل من فيه، ويعبث بها خارجه، على نحو يشتت الأذهان، ويفقد المشاهد التركيز مع القراءة، أو الخطبة، فلماذا سياسة عدم الاكتراث في هذه المرة؟!
في مرة سابقة، نسي التلفزيون نقل صلاة العيد، يبدو لأن النقل يلزمه وجود الرئيس، وقد حالت الظروف غير المعلنة إلى الآن عن حضور السيسي، وأظنها المرة الأولى منذ تأسيس التلفزيون المصري، الذي لم ينقل فيه صلاة العيدين، وعلى كل فهذا أفضل من المشهد المتداول، عندما جاء الجنرال لصلاة العيد عبوساً قمطريراً، وقد التمست له العذر، فقد كان (أبو علاء) حسني مبارك يأتي لصلاة العيد، وهو في كامل لياقته، لسبب بسيط لأنه عسكري منضبط، اعتاد النوم مبكراً، والاستيقاظ مبكراً، فلم يعرف السهر الطويل مثلنا معشر المدنيين!
ولأنه كان يستيقظ مبكراً فلم يكن يعرف ماذا يفعل؟ ولهذا صنعوا له برنامج «صباح الخير يا مصر»، والذي كان من أفضل البرامج الصباحية في القنوات التلفزيونية قاطبة.
جلوس مبارك في الخلف
بيد أن مبارك كان يشاهد البرنامج يومياً لاستيقاظه مبكراً، وكان يذهب لصلاة العيد في كامل حيويته، وهو الأمر الذي حرص عليه بعد إجراء عملية جراحية في العمود الفقري، وكان يضطر للجلوس في المسجد في الخلف ليستند للجدار، لأن حضوره العيدين والجمعة الأخيرة من شهر رمضان، من تقاليد وأعراف الدولة المصرية، والتي بدأ السيسي التحلل منها، فلم يصل الجمعة الأخيرة أبداً، وقد غاب بدون مبرر معلن ذات عيد، وهو يغيب الآن بفعل قيامه بأداء فريضة الحج، لماذا لا يكون قدوة للشعب في الدعوة للاقتصار على أداء الفريضة مرة واحدة، والتبرع بنفقات الحج الثاني والثالث لبناء مستشفى أو مدرسة؟!
لا بأس، فإذا غاب الرئيس عن الصلاة الرسمية، وجب أن ينوب عنه رئيس الحكومة، وفي مثل هذا الغياب، فإن النظام يسعى لتأكيد الحضور، أولاً، لأنها مناسبة دينية وعرف من أعراف الدولة المصرية، وثانياً، لإثبات وجوده، فلا يكون الاكتفاء بحضور رئيس الحكومة وحده، وإنما يحضر رئيسا البرلمان بغرفتيه، وشيخ الأزهر، ووزير الأوقاف، ولا يقول أحد إن الوزير أقيل، فالحكومة كلها أقيلت وهي الآن مكلفة بتسيير الأعمال، وليس مؤكدا أن الوزير الحالي سيغادر، وقد يستمر لمجرد سعادة الناس بشائعة عزله! لقد ذهبت إلى الأخبار لأعرف هل غاب المسؤولون فعلاً عن الصلاة الرسمية لعيد الأضحى، فوجدت أن الصلاة تمت بحضور وكيل وزارة الأوقاف، فحتى محافظ الإقليم (القاهرة) لم يحضر، وهو ينوب عن الرئيس في احتفالات أقل شأناً، مثل احتفال ليلة النصف من شعبان!
وبدا واضحاً أن هذا الغياب سياسة عامة، فماذا يقول كبار المسؤولين عن الفشل حتى في الإسراع بتشكيل الحكومة، وكأنهم في الاختيار يبحثون عن إبرة في كومة قش. واللافت هنا أن الجنرال لم يكتب حتى تغريدة «عن بعد» للتهنئة بالعيد، ولم يفعل حزب الأغلبية (مستقبل وطن)، وكذلك الحزب الجديد الذي صنعته السلطة على العين والحاجب (اتحاد القبائل العربية)!
تمدد ليلى في الفراغ
ومع هذا الفراغ تمددت ليلى عبد اللطيف، ومن الواضح أنه أوكل إليها أن تتولى مهام حكومة تصريف الأعمال، وتنوب عن النظام كله في مهمة الوعود الكاذبة، فهي محللة وليست منجمة (فهل تصلح كمحللة)، ولو وعد أهل الحكم بغد مشرق، بينما يحذفون وعودهم القديمة لكانوا أقرب الى منتج للنكات، وقد ثبت للجميع أن سنوات الضباب ممتدة، وعلى رأي (أبو علاء) حسني مبارك، هذه السنة سوداء، والسنة المقبلة أكثر سواداً. فأين عام الرخاء الذي بشر به السادات؟!
تراجع النظام وتقدمت ليلى، التي حلت ضيفة على برنامج عمرو أديب، على القناة السعودية «دي إم سي مصر»، وعمرو يغضب القوم عندما يتحدث عن بعض الأزمات في المجال الاقتصادي، ويبرر بيع مقدرات الدولة بتراب الفلوس، كسمسار لهذه الدولة أو تلك، وكما لو كان مندوب صندوق النقد الدولي، وقائم مقام الرأسمالية الطفيلية، لكن بعيداً عن ذلك فإنه يقوم بأدوار للسلطة، لا يجيدها غيره، فكانت ليلى عبد اللطيف التي أخذت الميكروفون، من ماسح تغريداته، ووعدت بانتهاء أزمة انقطاع التيار الكهرباء في نهاية هذا العام، وأن مصر ستكشف هذا العام أيضاً معادن، وذهبا، وكنوزا، وثروات أثرية، بشكل غير مسبوق، ولن يكون هناك مصري واحد بلا عمل! فهل تصلح محللة سياسية والمؤكد أنها ليست عرافة؟!
في نهاية العام، ستحذف هذه المقاطع، كما حُذفت منشورات الجنرال، فاحتفظوا بها!
صحافي من مصر