خان بلاده والآن يدّعي احتكار الوطنية.. قصة صعود اليمين الفرنسي المتطرف وكيف تنصل من دوره المساند للنازية؟
خان بلاده والآن يدّعي احتكار الوطنية.. قصة صعود اليمين الفرنسي المتطرف وكيف تنصل من دوره المساند للنازية؟
إنه الوريث السياسي لنظام فيشي العميل لألمانيا النازية، والذي سمح لهتلر بأن يحكم باريس وأن يسخر الفرنسيين في معسكرات اعتقال النازية، هكذا يوصف”حزب التجمع الوطني الفرنسي” الذي تقوده مارين لوبان من قبل معارضيه في فرنسا.
وإلى حد كبير ما يقولونه ليس بعيداً عن الحقيقة.
وقد تكون المفارقة هي أنه بينما جذور حزب التجمع الوطني الفرنسي تعود لنظام تواطأ مع الاحتلال الألماني لفرنسا، فإن المهاجرين من دول المغرب العربي الذين يهاجمهم لعب أسلافهم دوراً كبيراً في تحرير باريس من النازية.
ونظام فيشي أو حكومة فيشي هو الاسم الذي أُطلق على الدولة الفرنسية التي نشأت بعد هزيمة فرنسا في الحرب العالمية أمام جيوش ألمانيا النازية، وأخذت هذا الاسم من مدينة فيشي التي كانت مقراً للحكومة بينما خضعت باريس للاحتلال الفرنسي.
إذ خضعت فرنسا المهزومة والمحتلّة إلى نظام شمولي يرأسه المارشال فيليب بيتان الذي قبِل التعاون مع النازيين، بعد توقيع الهدنة بين فرنسا وألمانيا، في 22 يونيو/حزيران 1940، نتج عنها تقسيم فرنسا، حيث احتلت ألمانيا الجزء الشمالي والغربي، في حين احتلت إيطاليا جزءاً صغيراً في الجنوب الشرقي، أما الجزء الباقي فسُمّي المنطقة الحرة وخضع لسيطرة حكومة فيشي المشكّلة حديثاً من قبل المارشال فيليب بيتان بطل الحرب العالمية الأولى.
هذه الهدنة تضمنت بنوداً قاسية ومهينة قبلها الفرنسيون، شملت نزع أسلحة الجيش الفرنسي وتسليمها إلى الجيش الألماني المسيطر على المطارات والمواقع العسكرية، إضافة إلى سيطرة الجيش النازي على الأغلبية العظمى للمجال الفرنسي مقابل 400 مليون فرنك فرنسي تدفعها يومياً الحكومة الفرنسية للألمان نظير ما سماه النازيون “ضريبة الصيانة” أو الوجود “السلمي” على الأراضي الفرنسية، كما نصّت بنود الهدنة على أن “جميع السلطات والخدمات الإدارية الفرنسية ملزمة بالامتثال لقوانين وضوابط السلطة العسكرية الألمانية بما في ذلك تسليم الأسرى والمساجين الفرنسيين أو غيرهم لترحيلهم إلى ألمانيا ومحاكمتهم هناك”.
جذور علاقة حزب التجمع الوطني الفرنسي بالنازية
ويستغل المعارضون السياسيون لـ”حزب التجمع الوطني الفرنسي” الذي تقوده مارين لوبان تاريخ الحزب اليميني المتطرف لمحاولة حشد الناخبين ضده في الفترة التي تسبق الانتخابات المبكرة في فرنسا، حسب ما ورد في تقرير لصحيفة the Guardian البريطانية، وذلك بعد فوزه في الانتخابات الأوروبية.
وقد سعى السياسيون اليساريون والوسطيون في فرنسا إلى تذكير الناخبين بأنه عندما شارك والد لوبان، جان ماري لوبان، في تأسيس حزب التجمع الوطني الفرنسي -الذي كان يُسمى في الأصل الجبهة الوطنية- في عام 1972، ضمت صفوفه أعضاءً سابقين في وحدة عسكرية تابعة لـWaffen SS تحت القيادة النازية خلال فترة حكم النازيين لفرنسا أثناء الحرب العالمية الثانية.
إذ كان بيير بوسكيت، العضو السابق في فرقة Waffen SS Charlemagne، أمين صندوق الحزب في السنوات التسع الأولى.
وكان أحد الأعضاء الأوائل الآخرين في الميليشيا شبه العسكرية تحت قيادة فيليب بيتان، زعيم نظام فيشي العميل الاستبدادي والرجعي الذي تعاون مع النازيين وضمن ترحيل ربع السكان اليهود في فرنسا.
وقالت سارة ليغرين، من حزب فرنسا الأبية اليساري، للتلفزيون الفرنسي في بداية الحملة الانتخابية المبكرة إن الحزب “بالطبع” كان وريثاً لحكومة فيشي. كما وصفت فاليري هاير، التي قادت الوسطيين بقيادة إيمانويل ماكرون في الانتخابات الأوروبية، حزب لوبان بأنه “الورثة السياسيون” لعصر فيشي.
لكن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نفسه حذر في السابق من هذا النهج، وعندما قالت رئيسة وزرائه السابقة إليزابيث بورن، التي نجا والدها من المحرقة، لمحطة إذاعية في عام 2023 إن حزب لوبان ورثة بيتان، بدا ماكرون غاضباً.
وحذر من أن “التاريخ والأخلاق” لن ينجحا بعد الآن في كبح صعود حزب التجمع الوطني الفرنسي، الذي كان بالفعل حزب الطبقة العاملة الأول في فرنسا، وتوسيع نطاق أصواته بين الشباب والعاملين في القطاع العام. .
وبحسب ما ورد، قال ماكرون في اجتماع لمجلس الوزراء عام 2023: “لن تجعل الملايين من الأشخاص الذين صوتوا لصالح اليمين المتطرف يعتقدون أنهم فاشيون”، مشيراً إلى أن تحدي الحزب يجب ألا يركز على ماضيه، بل على برنامجه السياسي.
وقال لويس أليوت، أحد كبار مسؤولي حزب التجمع الوطني الفرنسي، لإذاعة أوروبا 1 في بداية الحملة الانتخابية المبكرة: “نحن لسنا ورثة فيشي، على عكس ما يقوله الجميع…”. وقال: “ميتران هو وريث فيشي، وليس نحن”، في إشارة إلى الرئيس الاشتراكي السابق الذي أصبح عمله السابق لصالح نظام فيشي علنياً في التسعينيات.
الحزب بدأ على يد والد ماريان لوبان
تأسست الجبهة الوطنية في باريس عام 1972 على يد جان ماري لوبان، وهو جندي فرنسي مظلي سابق خدم في الجزائر وتم انتخابه سابقًا لعضوية البرلمان عام 1956 كمؤيد لحركة بيير بوجاد الاحتجاجية المناهضة للضرائب.
وبعد فترة من عمله كأصغر عضو في الجمعية الوطنية، أسس شركة تبيع تسجيلات الخطب النازية والأغاني العسكرية الألمانية.
كان المقصود من إنشاء الجبهة الوطنية إعطاء اليمين المتطرف -الذي يتألف من عدة مجموعات متباينة بما في ذلك الفاشيون الجدد والمسلحون المعروفون بالعنف في الشوارع وأولئك الذين يشعرون بالحنين إلى مرحلة احتلال الجزائر- وجهاً أكثر تجمُلاً وتوحداً وقابلية للانتخاب.
في ذلك الوقت، كان يُنظر إلى جان ماري لوبان باعتباره معتدلاً نسبياً داخل اليمين المتطرف الأوسع، حيث قدم نفسه على أنه يتبنى خطاً قومياً شعبوياً، وهو ما أطلق عليه فيما بعد “الحق الشعبي والاجتماعي والوطني”.
لم يكن لحزب الجبهة الوطنية تأثير يذكر في السبعينيات، لكن في الثمانينيات تحسنت نتائجه، وفازت بـ10 مقاعد في البرلمان الأوروبي، ومن خلال التمثيل النسبي، 35 مقعداً في البرلمان.
في عام 1987، وصف جان ماري لوبان المحرقة بأنها “مجرد تفصيل” للحرب العالمية الثانية.
وفي العقود التي تلت ذلك، أدين أكثر من 15 مرة بتهمة خطاب الكراهية والطعن في جرائم ضد الإنسانية حيث كرر تعليقات سلبية، بما في ذلك القول إن الاحتلال النازي “لم يكن غير إنساني بشكل خاص”.
وفي عام 1996، قال إنه يؤمن بـ”عدم المساواة بين الأجناس”. وفرضت عليه محكمة في نيس غرامة وأدين بتهمة “إثارة الكراهية والتمييز العرقي” لأنه قال في اجتماع عام في عام 2013 إن الغجر في المدينة “يسببون للطفح الجلدي” ورائحتهم كريهة. وفي عام 2015، دافع عن بيتان (رئيس حكومة فيشي)، الذي قال إنه لا يعتبره خائناً لفرنسا. وقال إن باريس يجب أن تتعاون مع روسيا لإنقاذ “العالم الأبيض”.
وعندما وصل جان ماري لوبان في عام 2002 إلى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، أشعل ذلك شرارة مظاهرات حاشدة في الشوارع وحدث تصويت واسع النطاق لصالح اليميني المعتدل جاك شيراك، الذي فاز بأكثر من 82% من الأصوات.
ابنته حاولت تجميل وجه الحزب بالتبرؤ من معاداة السامية
تولت مارين لوبان، الابنة الصغرى لجان ماري لوبان، قيادة الحزب المناهض للهجرة في عام 2011. وقادت جهود الاتصالات لمحاولة تطبيع الحزب وتجميل صورته والتبرؤ من معاداة السامية وصور الماضي المبتذلة، سعياً إلى تعزيز موقعه، كقوة حاكمة محتملة، بدلاً من اعتماد الحزب على التصويت الاحتجاجي.
وفي عام 2015، بعد أن كرر والدها تعليقاته حول كون غرف الغاز النازية تفصيلة من التاريخ، استبعدته مارين لوبان من الحزب، قائلة إنه “ينتحر سياسياً”.
وفي عام 2018، غيرت اسم الحزب إلى التجمع الوطني. ومؤخراً رفع الحزب دعوى أمام أعلى محكمة إدارية في فرنسا، مجلس الدولة، زاعماً أنه لا ينبغي لوزارة الداخلية أن تصنفه بعد الآن يمينياً متطرفاً، ولكن قضيته رُفضت وصنفت فرنسا الحزب رسمياً على أنه يميني متطرف.
وقد حافظت مارين لوبان على العقيدة الأساسية للحزب، والتي كانت تُعرف في عهد والدها باسم “فرنسا للفرنسيين”، أو “التفضيل الوطني”، والتي أعادت تسميتها بـ”الأولوية الوطنية”. ويعني ذلك أن المواطنين الفرنسيين سيحصلون على الأولوية على غير المواطنين في الوظائف ومساعدات الرعاية الاجتماعية والإسكان، وهي سياسة “وضع أنفسنا قبل الآخرين”.
وتقول جماعات حقوق الإنسان والدستوريون إن هذا المبدأ تمييزي ومخالف للدستور.
في الأسبوع الماضي، استمعت محكمة في نانتير إلى قضية تتعلق بالتحريض على التمييز، رفعتها منظمة مناهضة للعنصرية وعدة جماعات حقوقية ضد أربع شخصيات من حزب التجمع الوطني الفرنسي بسبب كتيب لأعضاء المجالس البلدية نُشر في عام 2014، والذي أوصى بتطبيق “الأولوية الوطنية” على الرعاية الاجتماعية والإسكان.
وطلب المدعي العام إصدار أحكام بالسجن مع وقف التنفيذ وغرامات كبيرة، قائلاً إن هناك “تحريضاً واضحاً على التفرقة” بين الفرنسيين والأجانب. وأضاف: “على السياسيين أن يهتموا بشكل خاص بالدفاع عن الديمقراطية ومبادئها”.
وكتب جوردان بارديلا، حزب التجمع الوطني الفرنسي، الذي يأمل أن يصبح رئيسًا للوزراء إذا فاز الحزب بالأغلبية المطلقة في البرلمان في 7 يوليو/تموز، على موقع X أن القضية وتوصيات المدعي العام للدولة كانت “هجوماً خطيراً على حرية التعبير”. حول ما أسماه “الإجراء المنطقي، المدعوم إلى حد كبير من قبل الفرنسيين”.
ويسعى حزب التجمع الوطني الفرنسي أيضاً إلى تشديد القواعد المتعلقة بالجنسية الفرنسية وإلغاء حق الأطفال المولودين لأبوين أجنبيين على الأراضي الفرنسية، والذين نشأوا وتعلموا في فرنسا، في المطالبة لاحقاً بالجنسية الفرنسية.
وقد حافظت لوبان على موقفها المتشدد منذ فترة طويلة بشأن القانون والنظام، بحجة أن الجريمة مرتبطة بالهجرة.
وعلى الرغم من إسقاط الدعوات المطالبة بعودة عقوبة الإعدام، فإن مارين لوبان، التي فازت بأصوات 51% من أفراد الشرطة والجيش في السباق الرئاسي لعام 2022، تريد تقديم افتراض دائم للدفاع المشروع” عن ضباط الشرطة الذين يطلقون النار.