“الفوائد الجمّة” من مجازر الاحتلال…
“الفوائد الجمّة” من مجازر الاحتلال…
يربط نتنياهو بين زيادة شعبيّته وحجم المجازر، فقد بدأ يستعيد شعبيّته في مواجهة غانتس في استطلاعات الرأي، ويقلّص الهوّة الّتي كانت بينهما في بداية الحرب…
ما أن ينتهي رجال الدفاع المدنيّ والمتطوّعون من إجلاء جثث الشهداء وأشلائهم، حتّى يرتكب الاحتلال مجزرة جديدة مع سبق الإصرار والترصّد، وكلّها جرائم مروّعة، وخصوصًا تلك الّتي تجري، حيث يفترض أن تكون ما يسمّى “مناطق آمنة”، أو مراكز إيواء، مثل المدارس ومؤسّسات الأونروا.
حصدت المجازر خلال يومين 320 شهيدًا ومئات الجرحى، إلى جانب الدمار الهائل في البنى التحتيّة، والحصار الغذائيّ والمائيّ، ويقترب عدد الشهداء من الأربعين ألفًا، إضافة لأكثر من مئة ألف جريح وآلاف المفقودين.
يتوخّى الاحتلال من هذه المجازر وبهذه الأعداد المرعبة بحقّ المدنيّين تحقيق عدّة أهداف وفوائد جمّة، وعلى رأس هذه الأهداف، قتل أكبر عدد ممكن من الفلسطينيّين، بغضّ النظر عن أعمارهم أو جنسهم أو مواقفهم السياسيّة، وإذا ما كانوا مسلّحين أو غير مسلّحين، سواء استسلموا أو قاوموا وحاربوا، فكلّ فلسطينيّ في قطاع غزّة هو هدف للقتل، وهو سعي لوضع خيارين أمام الناس، إمّا الهجرة أو الموت، ولهذا أخذت هذه العمليّات المتواصلة طابع حرب الإبادة، أحيانًا بذرائع مثل وجود قياديّ في المكان المستهدف، أو وجود مسلّحين، أو استخدام مركز إيواء من قبل حماس، وغالبًا من غير أيّ تسويغ، فالهدف هو القتل، وقد كشفت الحقائق زيف الكثير من هذه الادّعاءات والكذب المنهجيّ لشيطنّة المقاومة، الكلّ يتذكّر تصوير مركز الشفاء الطبّيّ كأنّه مركز قيادة عمليّات حماس، والممثّلة المستعربة الّتي توجّهت بنداء “أنقذونا، حماس احتلّت المستشفى، وسرقت الأدوية وتحتجز المرضى كرهائن”. وتبيّن بسرعة الكذب والتمثيل لتبرير تدمير مركز الشفاء، وهذا ما حدث مع بقيّة المراكز الطبّيّة، من تدمير وقتل للكوادر الطبّيّة واعتقال مسؤولين وتعذيبهم.
هي أوّلًا شهوة للقتل وللانتقام، وتزداد هذه الرغبة طرديًّا مع كلّ فشل في تحقيق إنجاز عسكريّ على الأرض في مواجهة المقاومة.
في الوقت ذاته فإنّ هذا القتل بهذه الأعداد الكبيرة يهدف إلى تشكيل حالة من التذمّر الواسعة، وتوجيهها كضغط شعبيّ على المقاومة، بهدف ضرب إسفين بين المقاومين وحاضنتهم الشعبيّة، حيث يبدو وكأنّ سبب جرائم الاحتلال هو وجود مقاومين في الأمكنة الّتي تقع فيها، وكي يكفّ الاحتلال شرّه وغاراته عنكم، عليكم بأن تثوروا ضدّ المقاومة، أي أنّ الاحتلال يعاقب الشعب طالما أنّه لا يثور ضدّ “إرهابيّي حماس”، وبهذا يضغط للدفع إلى صدّام بين مختلف فئات المجتمع الفلسطينيّ والغزيّ بشكل خاصّ، يرافق هذا الترويج لتقسيم السلطات في القطاع بين العشائر، بهدف خلق توتّر وصراع بين العشائر على من يتولّى مسؤوليّة إدارة قطاع غزّة، أي أنّها تهدف إلى خلق جيش محلّيّ على طريقة جيش لحدّ في جنوب لبنان.
يسعى الاحتلال إلى وضع السكّان أمام خيّارين، إمّا أن تثوروا على المقاومة وتواجهونها، وإلّا فإنّكم شركاء لها، وبهذا تكونون أهدافًا مشروعة لصواريخنا الفتّاكة.
من خلال هذه المجازر يوجّه نتنياهو رسالة إلى الفلسطينيّين والعرب والعالم والإسرائيليّين، أنّ محكمة العدل الدوليّة ليست رادعًا، ومهما كانت قرارات هذه المحكمة، فإنّ الممسكين بزمام السلطة في إسرائيل، لا يولونها اهتمامًا، والدليل زيادة وحشيّة المجازر، وبمعنى آخر، أنّه تقبّل كون إسرائيل فوق القانون الدوليّ، وما يسري في مناطق أخرى في العالم، لن يطبّق هنا.
يقول الاحتلال بهذا، ها نحن نقتل بغير حساب، أيّها الفلسطينيّون، أنتم محاصرون، ولن تحصلوا على أيّ دعم عربيّ أو إسلاميّ أو دوليّ، وليس أمامكم سوى الاعتراف بضعفكم، بعدم قدرتكم على مقاومة إسرائيل الموجودة فوق كلّ القوانين وما تخطّط له وتنفّذه، وأسرع طريقة للخلاص من هذا الجحيم هو الاستسلام، ومطاردة المسلّحين والوشاية بهم.
من الملاحظ أنّ سياسة المجازر الهمجيّة، حقّقت نجاحًا إلى حدّ ما، فقد بدأ معارضو حكم حماس ومنافسوها على السلطة، في توجيه السهام إلى المقاومة بصراحة، واتّهامها بعدم المسؤوليّة، وعدم التفكير الصحيح بنتائج هجومها، وبأنّها أقدمت على عمل لم تدرك عواقبه. وهذا هدف هامّ من أهداف الاحتلال، وهو أن يرى الآخرون، ماذا حلّ ويحلّ بأهالي قطاع غزّة، وعلى من يفكّر بمساندة المقاومة أن يرى ما الّذي يمكن أن يحدث له، وقد هدّد قادة الاحتلال بإعادة لبنان إلى العصر الحجريّ، بسبب دعم حزب اللّه للمقاومة، وهو ما يفعلونه في الضفّة الغربيّة عند ظهور مقاومة في موقع ما، يدمّرون البنى التحتيّة.
الاحتلال يشجّع الأصوات الّتي تهاجم المقاومة ويعتبرها بداية التصدّع في الحاضنة الشعبيّة للمقاومة، وهذا يعني أنّه في الطريق الصحيح، وعليه أن يزيد من المجازر، لإرغام الناس على الخروج ضدّ المقاومة، على أمل أن يتحوّل هذا إلى صراع داخليّ يدمّر ما لم يستطع الاحتلال تدميره.
إضافة إلى هذا يخرّب نتنياهو بهذه المجازر الكبيرة محاولات عقد صفقة تبادل أسرى، فهو ليس معنيًّا بأيّة صفقة، لأنّه يعتبر أيّ صفقة مع حماس مهما كانت شروطها خسارة له، وخصوصًا أنّ في حكومته وزراء يهدّدون بإسقاط الحكومة إذا ما فعل ذلك.
من خلال الإمعان في المجازر يحاول التأكيد، على أنّ ما سبق وقام به من جرائم حرب كان مشروعًا، لأنّه أثمر في نهاية المطاف، بالانتصار على ” الإرهابيّين”.
يربط نتنياهو بين زيادة شعبيّته وحجم المجازر، فقد بدأ يستعيد شعبيّته في مواجهة غانتس في استطلاعات الرأي، ويقلّص الهوّة الّتي كانت بينهما في بداية الحرب، ما يعني أنّ المزيد من القتل يساوي ارتفاعًا بالشعبيّة والظهور بمظهر القويّ الّذي لا يعمل حسابًا لأيّة عوائق محلّيّة أو عربيّة أو دوليّة. يجب الأخذ بعين الاعتبار أيضًا، أنّ القتل واقتلاع الأشجار وقتل أطفال العدوّ، يعتبر تطبيقًا لبعض شرائع الكتاب المقدّس(العهد القديم) وبهذا يبدو نتنياهو لجمهور واسع من المتطرّفين الدينيّين مطبقًا للشريعة الدينيّة.
ويأمل بهذا أن يستعيد موقعه كمرشّح أفضل لرئاسة الحكومة، وذلك أنّ الأجواء السامّة في المجتمع الإسرائيليّ تؤيّد هذا النموذج، وترى أنّ معادلة الصراع هي “إمّا نحن وإمّا هم”، ولا مكان للفلسطينيّين بين البحر والنهر إلّا لقلّة منهم يقومون بدور العبيد وليس الشركاء في البلاد.